المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الثانية: حكم نية صوم النفل من النهار - الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف

[موافقي الأمين]

فهرس الكتاب

- ‌ الافتتاحية

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌خطة البحث

- ‌المنهج المتبع في البحث:

- ‌الشكر وتقدير:

- ‌التمهيددراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري واختياراته

- ‌المبحث الأول: دراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول:‌‌ اسمه، ونسبه، و‌‌كنيته، و‌‌لقبه

- ‌ اسمه، ونسبه

- ‌كنيته

- ‌لقبه

- ‌المطلب الثاني:‌‌ مولده، و‌‌أسرته، ووفاته

- ‌ مولده

- ‌أسرته

- ‌وفاته:

- ‌المطلب الثالث: نشأته، وطلبه للعلم

- ‌المطلب الرابع:‌‌ شيوخه، وتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌أولا: الشيخ أبو الهدى عبد السلام بن الشيخ خان محمد بن أمان الله المباركفوري

- ‌ثانيا: الشيخ العلامة أبو طاهر البهاري

- ‌ثالثا: الشيخ أبو العلى محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن الشيخ بهادر المباركفوري

- ‌رابعا: الشيخ العلامة أحمد الله بن أمير الله بن فقير الله فرتاب كرهي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفور جيراجفوري

- ‌سادسا: الشيخ العلامة محمد أعظم بن فضل الدين أبو عبد الله الجوندلوي الباكستاني

- ‌تلامذته:

- ‌أولا: الشيخ عبد الجليل بن تعلقدار الرحماني البستوي

- ‌ثانيا: الشيخ محمد إدريس آزاد الرحماني الأملوي

- ‌ثالثا: الشيخ عبد المعيد بن عبد المجيد بن عبد القادر أبو عبيدة البنارسي

- ‌رابعا: الشيخ آفتاب آحمد الرحماني البنغلاديشي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفار حسن بن العلامة عبد الستار بن عبد الجبار العمر فوري الرحماني

- ‌سادسا: الشيخ أحمد الله بن عبد الكريم الرحماني البنغلاديش

- ‌المطلب الخامس:‌‌ عقيدته، ومذهبه الفقهي

- ‌ عقيدته

- ‌عقيدة الشيخ في الإيمان:

- ‌عقيدة الشيخ في الأسماء والصفات:

- ‌عقيدته في التوسل ودعاء الأموات والغائبين:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌المطلب السادس: ثناء العلماء عليه

- ‌المطلب السابع: آثاره العلمية

- ‌المبحث الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول: تعريف الاختيار

- ‌في اللغة:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌التعريف الأول:

- ‌التعريف الثاني:

- ‌وقد عرفه بعض الباحثين باعتبار أقسامه الثلاثة:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي والإنفراد:

- ‌تعريف الرأي:

- ‌وأما في الاصطلاح فقد عرف بعدة تعاريف منها:

- ‌تعريف الإنفراد:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي:

- ‌وجه التشابه بينهما:

- ‌وجه الاختلاف بينهما:

- ‌الفرق بين الإختيار والإنفراد:

- ‌الفرق بين الإنفراد والرأي:

- ‌المطلب الثاني: منهج المباركفوري في اختياراته، وموقف العلماء منها

- ‌المطلب الثالث: دراسة الصيغ المعتبرة (في الاختيار) عند الشيخ المباركفوري

- ‌الباب الأول: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في الصيام

- ‌الفصل الأول: في تسمية الشهر، وفي رؤية الهلال، وفي يوم الشك

- ‌المبحث الأول: حكم قول رمضان، وفي رؤية الهلال

- ‌المطلب الثاني: اعتبار اختلاف المطالع

- ‌المطلب الثالث: هل يثبت دخول الشهر بالحساب الفلكي

- ‌المطلب الرابع: عدد الشهود في هلال شهر رمضان

- ‌المطلب الخامس: عدد الشهود لثبوت هلال شوال

- ‌المطلب السادس: هل يكفي الإخبار ممن رأى الهلال أو تشترط الشهادة

- ‌المطلب السابع: حكم صيام من رأى هلال شوال وحده فردت شهادته

- ‌المطلب الثامن: حكم من أفطر ثم تبين أن اليوم من رمضان

- ‌المبحث الثاني: في يوم الشك، والصوم بعد انتصاف شعبان

- ‌المطلب الأول: في تعيين يوم الشك

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر

- ‌المطلب الثالث: من صام يوم الشك فتبين أنه من رمضان

- ‌المطلب الرابع: حكم الصيام بعد انتصاف شعبان

- ‌الفصل الثاني: في النية وصيام المسافر

- ‌المبحث الأول: في النية

- ‌المطلب الأول: في النية للفرض

- ‌المسألة الثانية: حكم النية لكل يوم من رمضان

- ‌المسألة الثالثة: حكم تعيين النية

- ‌المسألة الرابعة: حكم التَلَفُّظ بالنية

- ‌المسألة الخامسة: هل يُشترَط أن تُعقَد النية في جزء معين من الليل

- ‌المسألة السادسة: حكم ما إذا فعل بعد النية قبل الفجر ما ينافي الصوم

- ‌المطلب الثاني: في النية النفل

- ‌المسألة الأولى: حكم صيام يوم الشك بنية التطوع

- ‌المسألة الثانية: حكم نية صوم النفل من النهار

- ‌المسألة الثالثة: حكم عقد نية النفل بعد الزوال

- ‌المبحث الثاني: صوم السفر

- ‌المطلب الأول: حكم الصيام في السفر

- ‌المطلب الثاني: ما الأفضل للمسافر الصيام أو الفطر

- ‌المطلب الثالث: حد السفر المبيح للفطر

- ‌المطلب الرابع: حكم إفطار المسافر الذي استهل عليه رمضان وهو مقيم

- ‌المطلب الخامس: حكم إفطار المسافر بعد أن كان قد شرع في الصيام

- ‌المطلب السادس: حكم إفطار من سافر بعد طلوع الفجر

- ‌الفصل الثالث: في المفطرات وما يجتنبه الصائم، وفي الكفارة وخصالها

- ‌المبحث الأول: في المفطرات وما يجتنبه الصائم

- ‌المطلب الثاني: حكم الفصد للصائم

- ‌المطلب الرابع: حكم التقبيل للصائم

- ‌المطلب الخامس: حكم الاستياك للصائم

- ‌المسألة الثانية: الاستياك بالعود الرطب

- ‌المسألة الثالثة: الاستياك في صوم الفريضة

- ‌المطلب السابع: حكم الوصال في الصيام

- ‌المسألة الأولى: الوصال أكثر من يوم

- ‌المسألة الثانية: الوصال إلى السَحَر

- ‌المطلب الثامن: حكم من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم

- ‌المطلب العاشر: حكم انغماس الصائم في الماء

- ‌المطلب الحادي عشر: في الأكل والشرب للمتسحر

- ‌المسألة الأولى: حكم من أكل أو شرب وهو شاك في الفجر

- ‌المسألة الثانية: هل المعتبر في تحريم الأكل والشرب تَبَيُّن الفجر أو طلوع الفجر

- ‌المطلب الثالث عشر: حكم صيام الحائض والنُفَساء إذا طهرت قبل الفجر، ولم تغتسل إلا بعد الفجر

- ‌المبحث الثاني: في الكفارة، وخصالها

- ‌المطلب الثاني: هل على المرأة المجامعة في رمضان كفارة

- ‌المطلب الثالث: هل على من جامع ناسيا في رمضان كفارة

- ‌المطلب الرابع: هل الأكل والشرب في رمضان عمدا يوجبان الكفارة كالجماع

- ‌المطلب السادس: هل الخصال الثلاثة في كفارة الجماع في رمضان على الترتيب أو على التخيير

- ‌المطلب السابع: حكم اشتراط التتابع في صيام كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب الثامن: ما هو الحد الواجب في الإطعام في كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب التاسع: هل يشترط في الرقبة المعتقة في كفارة الجماع في رمضان أن تكون مؤمنة

- ‌الفصل الرابع: في صوم التطوع، والأيام التي نهي عن الصوم فيها، وفي النذر، وصوم عاشوراء

- ‌المبحث الأول: في صوم التطوع والأيام التي نهي عن الصوم فيها

- ‌المطلب الأول: حكم إفراد يوم الجمعة بصيام

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام يوم السبت

- ‌المطلب الثالث: حكم صيام يوم عرفة للحاج

- ‌المطلب الخامس: حكم صيام عشر ذي الحِجَّة

- ‌المطلب السادس: حكم صيام الدهر

- ‌المطلب السابع: حكم صيام الست من شوال

- ‌المطلب الثامن: ما هو أفضل الصيام بعد رمضان صيام شعبان أو المحرم

- ‌المطلب التاسع: حكم الإفطار في صوم النافلة

- ‌المطلب العاشر: تعيين الأفضل في صيام ثلاثة أيام من كل شهر

- ‌المطلب الحادي عشر: ما هي أيام البيض

- ‌المطلب الثاني عشر: معنى صيام يوم في سبيل الله

- ‌المبحث الثاني: في النذر، وفي أعذار الفطر

- ‌المطلب الأول: حكم من نذر صوم العيدين متعمدا لعينيهما

- ‌المطلب الثاني: حكم من نذر صوم يوم قدوم فلان مثلا فوافق يوم عيد

- ‌المطلب الثالث: هل الضيافة عذر للإفطار من صوم النفل

- ‌المطلب الرابع: هل يستحب لمن كان صائما صيام نفل أن يفطر إذا دُعي

- ‌المبحث الثالث: في صوم عاشوراء

- ‌المطلب الأول: نسخ وجوب صيام يوم عاشوراء

- ‌المطلب الثاني: هل عاشوراء هو اليوم التاسع أو اليوم العاشر

- ‌المطلب الثالث: ما الأفضل في صيام عاشوراء

- ‌المطلب الرابع: هل صيام يوم مع عاشوراء لاحتمال الشك أو لمخالفة أهل الكتاب

- ‌المطلب الخامس: هل الأفضل صيام يوم عاشوراء أو يوم عرفة

- ‌الباب الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر، وفي الاعتكاف

- ‌الفصل الأول: في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر

- ‌المبحث الأول: في قضاء الصوم

- ‌المطلب الأول: هل يجب قضاء رمضان على الفور؟ ، وهل يجب التتابع

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز التطوع قبل القضاء

- ‌المطلب الثالث: هل يقضي من أفطر في صيام النفل

- ‌المطلب الرابع: حكم صيام المرأة النفل وقضاء الواجب بغير إذن زوجها

- ‌المطلب الخامس: هل يقضي المجامع في رمضان اليوم الذي جامع فيه

- ‌المطلب السادس: حكم القضاء على من ذرعه القيء

- ‌المطلب السابع: هل يقضي من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌المطلب الثامن: هل يقضي الصوم من تمضمض أو استنشق فغلبه الماء

- ‌المطلب التاسع: حكم من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر

- ‌المطلب العاشر: ما الواجب على المُرضع والحامل إذا خافتا على ولدهما فقط

- ‌المبحث الثاني: في القضاء عن الميت

- ‌المطلب الأول: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي أمكنه التدارك

- ‌المطلب الثاني: ما الصوم الذي يصام عن الميت

- ‌المطلب الثالث: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي لم يمكنه التدارك

- ‌المبحث الثالث: في ليلة القدر

- ‌المطلب الأول: في تعيين ليلة القَدْر

- ‌المطلب الثاني: هل ليلة القدر خاصة بهذه الأمة

- ‌الفصل الثاني: في الاعتكاف

- ‌المبحث الأول: في حكمه، واشتراط الصوم له، وغير ذلك

- ‌المطلب الأول: حكم (الاعتكاف)

- ‌المطلب الثاني: هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف

- ‌المطلب الثالث: هل لأقل الاعتكاف حدّ

- ‌المطلب الرابع: هل ينقطع اعتكاف من عاد مريضا أو صلى على جنازة

- ‌المطلب الخامس: هل يجوز (الاشتراط في الاعتكاف)

- ‌المطلب السادس: حكم من نذر الاعتكاف قبل إسلامه

- ‌المطلب السابع: متى يدخل المعتكِف معتكَفه

- ‌المطلب الثامن: حكم قضاء الاعتكاف

- ‌المبحث الثاني: في مكان الاعتكاف

- ‌المطلب الأول: أين تعتكف المرأة

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

- ‌المطلب الثالث: هل يجوز الاعتكاف في غير (المسجد الجامع)

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المسألة الثانية: حكم نية صوم النفل من النهار

‌المسألة الثانية: حكم نية صوم النفل من النهار

.

اختيار الشيخ: اختار جواز نية النفل من النهار، فقال:"وفيه دليل على جواز نية النفل في النهار"(1).

وقال مرجحا لهذا القول: "وهذا هو القول الراجح عندنا"(2).

اختلف أهل العلم في جواز عقد نية صيام النفل من النهار على قولين:

القول الأول: يجوز صوم التطوع بنية من النهار ولا يشترط تبييت النية.

وبه قال: الحنفية (3) ، والشافعية في المذهب (4) ، والحنابلة (5)، وهو اختيار الشيخ.

القول الثاني: يشترط في صيام التطوع تبييت النية من الليل، ولا يصح بنية من النهار.

وبه قال: المالكية (6)، والمُزني (7) من الشافعية (8) ، والظاهرية (9).

سبب الخلاف:

قال ابن رشد: "والسبب في اختلافهم: تعارض الآثار في ذلك"(10).

أدلة القول الأول: القائلين أنه يجوز صوم التطوع بنية من النهار ولا يشترط تبييت النية.

(1) مرعاة المفاتيح 7/ 103. يقصد حديث عائشة الآتي.

(2)

المصدر السابق 6/ 466.

(3)

بدائع الصنائع 2/ 85، الاختيار 1/ 127، تبيين الحقائق 1/ 314، مراقي الفلاح 1/ 238.

(4)

الحاوي 3/ 404، حلية العلماء 3/ 159، البيان 3/ 495، منهاج الطالبين ص 74.

(5)

الكافي 1/ 439، الفروع 4/ 457، شرح الزركشي 2/ 567، المبدع 3/ 20.

(6)

الكافي 1/ 335، المنتقى 2/ 41، مواهب الجليل 2/ 418 - 419، الشرح الكبير للدردير 1/ 520.

(7)

هو: إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل المُزَني؛ أبو إبراهيم من أهل مصر، وأصله من مزينة، صاحب الإمام الشافعي، كان زاهدا عالما مجتهدا قوي الحجة، قال الشافعي:"المزني ناصر مذهبي"، من كتبه: الجامع الكبير؛ والجامع الصغير؛ والترغيب في العلم، توفي سنة 264 هـ. ينظر: طبقات الشافعية الكبرى 2/ 93؛ طبقات الشافعيين ص 122، سير أعلام النبلاء 12/ 492.

(8)

البيان 3/ 495، المجموع 6/ 292، روضة الطالبين 2/ 352.

(9)

المحلى 4/ 296.

(10)

بداية المجتهد 2/ 56.

ص: 182

الدليل الأول: عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل علي قال: «هل عندكم طعام؟ » ، فإذا قلنا: لا، قال:«إني صائم» . فدخل علينا يوما آخر، فقلنا: يا رسول الله، أهدي لنا حيس؛ فحبسناه لك، فقال:«أدنيه» ، فأصبح صائما وأفطر (1).

وفي رواية: دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: «هل عندكم شيء؟ » ، فقلنا: لا. قال: «فإني إذا صائم» . ثم أتانا يوما آخر فقلنا: يا رسول الله، أهدي لنا حيس، فقال:«أرينيه، فلقد أصبحت صائما» فأكل (2).

وفي رواية: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتيني فيقول: «أعندك غداء (3)؟ » ، فأقول: لا، فيقول:«إني صائم» . قالت: فأتاني يوما فقلت: يا رسول الله، إنه قد أهديت لنا هدية، قال:«وما هي؟ » . قالت: قلت: حيس، قال:«أما إني قد أصبحت صائما» . ثم أكل (4).

وجه الاستدلال: إن دلالته على جواز إنشاء صوم التطوع من النهار ظاهرة وذلك من وجوه (5):

الأول: لم يكن طلب النبي صلى الله عليه وسلم للطعام عبثا، وإنما كان طلبه ليأكل، فلما لم يجده نوى الصوم (6).

الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم قال: «فإني صائم» ، وهذه الفاء تفيد السبب والعلة، فيصير المعنى: إني صائم؛ لأنه لا شيء عندكم، ومعلوم أنه لو كان قد أجمع الصوم من الليل لم يكن صومه لهذه العلة (7).

الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: «فإني إذا صائم» و «إذا» أصرح في التعليل من الفاء، وهي لابتداء النية، لا لما مضى وتقدم (8).

(1) سبق تخريجه صفحة (166).

(2)

أخرجه مسلم 2/ 808 رقم 1154، كتاب الصيام، باب جواز صوم النافلة بنية من النهار قبل الزوال.

(3)

الغَداء: الطعام الذي يؤكل أول النهار أو طعام الغدوة، أو أكلة الظهيرة، وهو خلاف العشاء. ينظر: النهاية 3/ 346، لسان العرب 15/ 118، المعجم الوسيط 2/ 670 مادة: غدا.

(4)

أخرجه الترمذي 3/ 102 رقم 734، أبواب الصوم، باب صيام المتطوع بغير تبييت، وقال:"هذا حديث حسن". وقال الألباني في صحيح الترمذي 1/ 224: "حسن صحيح".

(5)

ينظر: عون المعبود 7/ 91، معالم السنن 2/ 134، شرح المشكاة للطيبي 5/ 1618.

(6)

ينظر: المسالك لابن العربي 4/ 170.

(7)

ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 186.

(8)

ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 186، الحاوي الكبير 3/ 406، والتوضيح لابن الملقن 13/ 154.

ص: 183

الرابع: ولأن الظاهر من حال من أجمع الصيام من الليل أنه لا يجيء سائلا عن الغداء، وإنما يسأل عن الغداء أحد شخصين: المفطر، أو المتلوم (1)(2).

الدليل الثاني: عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا ينادي في الناس يوم عاشوراء: «أن من أكل فليتم أو فليصم، ومن لم يأكل فلا يأكل» (3).

وفي رواية: «من كان لم يصم فليصم، ومن كان أكل فليتم صيامه إلى الليل» (4).

وجه الاستدلال: إن قيل: إن صيام يوم عاشوراء كان نفلا فهو نص؛ فقد أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بصومه من النهار (5).

وإن قيل: إن صيامه كان فرضا، فجواز الفرض بنية من النهار يدل على جواز النفل بطريق الأَولى (6).

الدليل الثالث: عن عائشة رضي الله عنها قالت: «ربما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغدائه فلا يجده، فيفرض عليه الصوم ذلك اليوم» (7).

الدليل الرابع: أن أبا طلحة (8) رضي الله عنه: «كان يأتي أهله في الضحى، فيقول: هل عندكم من غداء؟ فإن قالوا: لا، صام ذلك اليوم وقال: إني صائم» (9).

(1) المُتَلَوِّم: المنتظر لقضاء حاجته. ينظر: النهاية 4/ 278، المعجم الوسيط 2/ 847، الفائق للزمخشري 4/ 59، تاج العروس 33/ 455.

(2)

ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 186.

(3)

سبق تخريجه صفحة (113).

(4)

سبق تخريجه صفحة: (113).

(5)

ينظر: الحاوي 3/ 405، المغني 3/ 114، المبسوط 3/ 85.

(6)

ينظر: المبسوط 3/ 85.

(7)

سبق تخريجه صفحة (151).

(8)

هو: زيد بن سهل بن الأسود بن حزام النجاري الأنصاري، صحابي من الشجعان الرماة المعدودين في الجاهلية والإسلام، شهد العقبة وبدرا وأحدا والخندق وسائر المشاهد، روى عنه: ربيبه أنس بن مالك، وعبد الله بن عباس، وابنه عبد الله، وغيرهم، وتوفي في المدينة سنة 34 هـ. ينظر: أسد الغابة 2/ 361، والاستيعاب /553، الإصابة 2/ 502.

(9)

أخرجه البخاري تعليقا 3/ 29، كتاب الصوم، باب إذا نوى بالنهار صوما، ووصله: عبد الرزاق في المصنف 4/ 273 رقم 7777، كتاب الصيام، باب إفطار التطوع وصومه إذا لم يبيته، والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 342 رقم 7917، باب المتطوع يدخل في الصوم بنية النهار قبل الزوال.

ص: 184

وفي رواية: «أن أبا طلحة رضي الله عنه كان يأتي أهله فيقول: هل عندكم من غداء؟ فإن قالوا: لا، قال: فإني صائم، وإن كان عندهم أفطر» (1).

الدليل الخامس: عن أم الدرداء (2)«أن أبا الدرداء (3) رضي الله عنه كان يجيء بعد ما يصبح فيقول: أعندكم غداء؟ ، فإن لم يجده، قال: فأنا إذا صائم» (4).

الدليل السادس: قياس صيام النفل على صلاة النفل؛ وذلك: أن الصوم عبادة يتنوع جنسها فرضا ونفلا، ويخرج منها بالفساد، فوجب أن يخالف فرضها نفلها في شيء من أحكامها وشرائطها؛ كالصلاة يخالف فرضها نفلها في ترك التوجه إلى القبلة، والقيام مع القدرة، وجوازها على الراحلة في السفر (5).

أدلة القول الثاني: يشترط في صيام التطوع تبييت النية من الليل، ولا يصح بنية من النهار.

الدليل الأول: عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من لم يُجمِع الصيام قبل الفجر، لا صيام له» (6).

(1) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 291 رقم 9107، كتاب الصيام، باب من كان يدعو بغدائه فلا يجد فيفرض الصوم، وقال الألباني في مختصر صحيح البخاري 1/ 556:"أما أثر أبي طلحة فوصله عبدالرزاق وابن أبي شيبة من طريقين عن أنس، فهو صحيح".

(2)

هي: هُجَيْمَة بنت حيي الوصابية الحميرية; أم الدرداء الصغرى، تابعية جليلة، فقيهة ومحدثة من رواة الحديث، وهي زوجة الصحابي الجليل أبو الدرداء الأنصاري الثانية، روت علما جما عن: زوجها أبي الدرداء، وعائشة بنت أبي بكر، وأبي هريرة، وطائفة، توفيت سنة 81 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 4/ 277، تهذيب الكمال 35/ 352، الأعلام 8/ 77.

(3)

هو: عُوَيْمِر ابن قيس بن أمية، أبو الدرداء الأنصاري، من بني الخزرج، صحابي اشتهر بالشجاعة والنسك، ولاه معاوية قضاء دمشق بأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو أول قاض بها، وهو أحد الذين جمعوا القرآن حفظا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، مات بالشام سنة 32 هـ، له في كتب الحديث 179 حديثا. ينظر: الاستيعاب 3/ 1227، والإصابة 4/ 621، وأسد الغابة 6/ 94.

(4)

أخرجه البخاري تعليقا 3/ 29، كتاب الصوم، باب إذا نوى بالنهار صوما، ووصله: ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 291 رقم 9106، كتاب الصيام، باب من كان يدعو بغدائه فلا يجد فيفرض الصوم، وعبد الرزاق في المصنف 4/ 272 رقم 7774، باب إفطار التطوع وصومه إذا لم يبيته، وقال الألباني في مختصر صحيح البخاري 1/ 556:"وصله ابن أبي شيبة، وعبد الرزاق، فهو صحيح".

(5)

ينظر: الحاوي الكبير 3/ 406، المغني 3/ 114.

(6)

سبق تخريجه صفحة (161).

ص: 185

وجه الاستدلال: في الحديث دليل على عدم إجزاء صيام التطوع إلا بنية من الليل؛ لأن النص ورد بأن لا صوم لمن لم يُبَيِّته من الليل، ولم يخص من ذلك شيئا، فيبقى النص على عمومه (1).

الدليل الثاني: لأنه صوم شرعي، فوجبت له النية من الليل؛ كصيام الفرض (2).

الدليل الثالث: ولأنها عبادة من شرط صحتها النية، فوجب أن يستوي نفلها وفرضها في وقت النية؛ كالصلاة والحج (3).

الدليل الرابع: ولأنها عبادة تتنوع فرضا ونفلا، فوجب أن يكون محل النية في نفلها كمحل النية في فرضها؛ أصله الصلاة (4).

الدليل الخامس: ولأن النهار لو كان زمانا لنية الفعل، لصَحَّتْ فيه نية الفرض كالليل (5).

الدليل السادس: ولأن النية أحد ركني الصيام، فاختصت بأحد جنسَي الزمان وهو الليل، كما اختص الإمساك بالجنس الثاني وهو النهار (6).

الترجيح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول: أنه يجوز صوم التطوع بنية من النهار، ولا يشترط تبييت النية؛ وذلك لصحة أدلتهم، وحديث عائشة رضي الله عنها في عقده صلى الله عليه وسلم نية الصيام من النهار نص في محل النزاع.

وأما استدلال أصحاب القول الثاني: بحديث حفصة رضي الله عنها في اشتراط تبييت النية -وهو أقوى ما استدلوا به- فيجاب عنه:

أن عموم حديث حفصة رضي الله عنها مخصوص بحديث عائشة رضي الله عنها السالف الذكر؛ وتوضيح ذلك: أن حديث حفصة رضي الله عنها واضح الدلالة على وجوب تبييت النية قبل الفجر، أي: في الليل، وقد جاء اللفظ عاما في الصيام، فيُعمَل به على عمومه.

(1) ينظر: المحلى 4/ 296، الاستذكار 3/ 286، المعلم 2/ 58، إكمال المعلم 4/ 88.

(2)

ينظر: شرح الرسالة للقاضي عبد الوهاب 1/ 153، المعونة 1/ 465، المنتقى للباجي 2/ 41.

(3)

ينظر: الإشراف للقاضي عبد الوهاب 1/ 424، وشرح الرسالة له 1/ 154.

(4)

ينظر: الحاوي الكبير 3/ 405.

(5)

ينظر: الإشراف للقاضي عبد الوهاب 1/ 424.

(6)

المصدر السابق.، وشرح الرسالة له 1/ 153.

ص: 186

ولكن جاء حديث عائشة رضي الله عنها ، وفيه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نوى الصيام من النهار عندما لم يجد طعاما عندها، فدل ذلك على جواز عقد النية في النهار لصوم التطوع؛ لأن الحديث دل على أن الصيام كان صيام تطوع، فكان حديث عائشة رضي الله عنها صالحا لصرف حديث حفصة رضي الله عنها إلى صيام الفريضة (1). والله أعلم.

(1) ينظر: الحاوي الكبير 3/ 406، المجموع 6/ 303، المغني 3/ 114.

ص: 187