المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: في الكفارة، وخصالها - الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف

[موافقي الأمين]

فهرس الكتاب

- ‌ الافتتاحية

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌خطة البحث

- ‌المنهج المتبع في البحث:

- ‌الشكر وتقدير:

- ‌التمهيددراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري واختياراته

- ‌المبحث الأول: دراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول:‌‌ اسمه، ونسبه، و‌‌كنيته، و‌‌لقبه

- ‌ اسمه، ونسبه

- ‌كنيته

- ‌لقبه

- ‌المطلب الثاني:‌‌ مولده، و‌‌أسرته، ووفاته

- ‌ مولده

- ‌أسرته

- ‌وفاته:

- ‌المطلب الثالث: نشأته، وطلبه للعلم

- ‌المطلب الرابع:‌‌ شيوخه، وتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌أولا: الشيخ أبو الهدى عبد السلام بن الشيخ خان محمد بن أمان الله المباركفوري

- ‌ثانيا: الشيخ العلامة أبو طاهر البهاري

- ‌ثالثا: الشيخ أبو العلى محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن الشيخ بهادر المباركفوري

- ‌رابعا: الشيخ العلامة أحمد الله بن أمير الله بن فقير الله فرتاب كرهي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفور جيراجفوري

- ‌سادسا: الشيخ العلامة محمد أعظم بن فضل الدين أبو عبد الله الجوندلوي الباكستاني

- ‌تلامذته:

- ‌أولا: الشيخ عبد الجليل بن تعلقدار الرحماني البستوي

- ‌ثانيا: الشيخ محمد إدريس آزاد الرحماني الأملوي

- ‌ثالثا: الشيخ عبد المعيد بن عبد المجيد بن عبد القادر أبو عبيدة البنارسي

- ‌رابعا: الشيخ آفتاب آحمد الرحماني البنغلاديشي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفار حسن بن العلامة عبد الستار بن عبد الجبار العمر فوري الرحماني

- ‌سادسا: الشيخ أحمد الله بن عبد الكريم الرحماني البنغلاديش

- ‌المطلب الخامس:‌‌ عقيدته، ومذهبه الفقهي

- ‌ عقيدته

- ‌عقيدة الشيخ في الإيمان:

- ‌عقيدة الشيخ في الأسماء والصفات:

- ‌عقيدته في التوسل ودعاء الأموات والغائبين:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌المطلب السادس: ثناء العلماء عليه

- ‌المطلب السابع: آثاره العلمية

- ‌المبحث الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول: تعريف الاختيار

- ‌في اللغة:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌التعريف الأول:

- ‌التعريف الثاني:

- ‌وقد عرفه بعض الباحثين باعتبار أقسامه الثلاثة:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي والإنفراد:

- ‌تعريف الرأي:

- ‌وأما في الاصطلاح فقد عرف بعدة تعاريف منها:

- ‌تعريف الإنفراد:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي:

- ‌وجه التشابه بينهما:

- ‌وجه الاختلاف بينهما:

- ‌الفرق بين الإختيار والإنفراد:

- ‌الفرق بين الإنفراد والرأي:

- ‌المطلب الثاني: منهج المباركفوري في اختياراته، وموقف العلماء منها

- ‌المطلب الثالث: دراسة الصيغ المعتبرة (في الاختيار) عند الشيخ المباركفوري

- ‌الباب الأول: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في الصيام

- ‌الفصل الأول: في تسمية الشهر، وفي رؤية الهلال، وفي يوم الشك

- ‌المبحث الأول: حكم قول رمضان، وفي رؤية الهلال

- ‌المطلب الثاني: اعتبار اختلاف المطالع

- ‌المطلب الثالث: هل يثبت دخول الشهر بالحساب الفلكي

- ‌المطلب الرابع: عدد الشهود في هلال شهر رمضان

- ‌المطلب الخامس: عدد الشهود لثبوت هلال شوال

- ‌المطلب السادس: هل يكفي الإخبار ممن رأى الهلال أو تشترط الشهادة

- ‌المطلب السابع: حكم صيام من رأى هلال شوال وحده فردت شهادته

- ‌المطلب الثامن: حكم من أفطر ثم تبين أن اليوم من رمضان

- ‌المبحث الثاني: في يوم الشك، والصوم بعد انتصاف شعبان

- ‌المطلب الأول: في تعيين يوم الشك

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر

- ‌المطلب الثالث: من صام يوم الشك فتبين أنه من رمضان

- ‌المطلب الرابع: حكم الصيام بعد انتصاف شعبان

- ‌الفصل الثاني: في النية وصيام المسافر

- ‌المبحث الأول: في النية

- ‌المطلب الأول: في النية للفرض

- ‌المسألة الثانية: حكم النية لكل يوم من رمضان

- ‌المسألة الثالثة: حكم تعيين النية

- ‌المسألة الرابعة: حكم التَلَفُّظ بالنية

- ‌المسألة الخامسة: هل يُشترَط أن تُعقَد النية في جزء معين من الليل

- ‌المسألة السادسة: حكم ما إذا فعل بعد النية قبل الفجر ما ينافي الصوم

- ‌المطلب الثاني: في النية النفل

- ‌المسألة الأولى: حكم صيام يوم الشك بنية التطوع

- ‌المسألة الثانية: حكم نية صوم النفل من النهار

- ‌المسألة الثالثة: حكم عقد نية النفل بعد الزوال

- ‌المبحث الثاني: صوم السفر

- ‌المطلب الأول: حكم الصيام في السفر

- ‌المطلب الثاني: ما الأفضل للمسافر الصيام أو الفطر

- ‌المطلب الثالث: حد السفر المبيح للفطر

- ‌المطلب الرابع: حكم إفطار المسافر الذي استهل عليه رمضان وهو مقيم

- ‌المطلب الخامس: حكم إفطار المسافر بعد أن كان قد شرع في الصيام

- ‌المطلب السادس: حكم إفطار من سافر بعد طلوع الفجر

- ‌الفصل الثالث: في المفطرات وما يجتنبه الصائم، وفي الكفارة وخصالها

- ‌المبحث الأول: في المفطرات وما يجتنبه الصائم

- ‌المطلب الثاني: حكم الفصد للصائم

- ‌المطلب الرابع: حكم التقبيل للصائم

- ‌المطلب الخامس: حكم الاستياك للصائم

- ‌المسألة الثانية: الاستياك بالعود الرطب

- ‌المسألة الثالثة: الاستياك في صوم الفريضة

- ‌المطلب السابع: حكم الوصال في الصيام

- ‌المسألة الأولى: الوصال أكثر من يوم

- ‌المسألة الثانية: الوصال إلى السَحَر

- ‌المطلب الثامن: حكم من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم

- ‌المطلب العاشر: حكم انغماس الصائم في الماء

- ‌المطلب الحادي عشر: في الأكل والشرب للمتسحر

- ‌المسألة الأولى: حكم من أكل أو شرب وهو شاك في الفجر

- ‌المسألة الثانية: هل المعتبر في تحريم الأكل والشرب تَبَيُّن الفجر أو طلوع الفجر

- ‌المطلب الثالث عشر: حكم صيام الحائض والنُفَساء إذا طهرت قبل الفجر، ولم تغتسل إلا بعد الفجر

- ‌المبحث الثاني: في الكفارة، وخصالها

- ‌المطلب الثاني: هل على المرأة المجامعة في رمضان كفارة

- ‌المطلب الثالث: هل على من جامع ناسيا في رمضان كفارة

- ‌المطلب الرابع: هل الأكل والشرب في رمضان عمدا يوجبان الكفارة كالجماع

- ‌المطلب السادس: هل الخصال الثلاثة في كفارة الجماع في رمضان على الترتيب أو على التخيير

- ‌المطلب السابع: حكم اشتراط التتابع في صيام كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب الثامن: ما هو الحد الواجب في الإطعام في كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب التاسع: هل يشترط في الرقبة المعتقة في كفارة الجماع في رمضان أن تكون مؤمنة

- ‌الفصل الرابع: في صوم التطوع، والأيام التي نهي عن الصوم فيها، وفي النذر، وصوم عاشوراء

- ‌المبحث الأول: في صوم التطوع والأيام التي نهي عن الصوم فيها

- ‌المطلب الأول: حكم إفراد يوم الجمعة بصيام

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام يوم السبت

- ‌المطلب الثالث: حكم صيام يوم عرفة للحاج

- ‌المطلب الخامس: حكم صيام عشر ذي الحِجَّة

- ‌المطلب السادس: حكم صيام الدهر

- ‌المطلب السابع: حكم صيام الست من شوال

- ‌المطلب الثامن: ما هو أفضل الصيام بعد رمضان صيام شعبان أو المحرم

- ‌المطلب التاسع: حكم الإفطار في صوم النافلة

- ‌المطلب العاشر: تعيين الأفضل في صيام ثلاثة أيام من كل شهر

- ‌المطلب الحادي عشر: ما هي أيام البيض

- ‌المطلب الثاني عشر: معنى صيام يوم في سبيل الله

- ‌المبحث الثاني: في النذر، وفي أعذار الفطر

- ‌المطلب الأول: حكم من نذر صوم العيدين متعمدا لعينيهما

- ‌المطلب الثاني: حكم من نذر صوم يوم قدوم فلان مثلا فوافق يوم عيد

- ‌المطلب الثالث: هل الضيافة عذر للإفطار من صوم النفل

- ‌المطلب الرابع: هل يستحب لمن كان صائما صيام نفل أن يفطر إذا دُعي

- ‌المبحث الثالث: في صوم عاشوراء

- ‌المطلب الأول: نسخ وجوب صيام يوم عاشوراء

- ‌المطلب الثاني: هل عاشوراء هو اليوم التاسع أو اليوم العاشر

- ‌المطلب الثالث: ما الأفضل في صيام عاشوراء

- ‌المطلب الرابع: هل صيام يوم مع عاشوراء لاحتمال الشك أو لمخالفة أهل الكتاب

- ‌المطلب الخامس: هل الأفضل صيام يوم عاشوراء أو يوم عرفة

- ‌الباب الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر، وفي الاعتكاف

- ‌الفصل الأول: في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر

- ‌المبحث الأول: في قضاء الصوم

- ‌المطلب الأول: هل يجب قضاء رمضان على الفور؟ ، وهل يجب التتابع

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز التطوع قبل القضاء

- ‌المطلب الثالث: هل يقضي من أفطر في صيام النفل

- ‌المطلب الرابع: حكم صيام المرأة النفل وقضاء الواجب بغير إذن زوجها

- ‌المطلب الخامس: هل يقضي المجامع في رمضان اليوم الذي جامع فيه

- ‌المطلب السادس: حكم القضاء على من ذرعه القيء

- ‌المطلب السابع: هل يقضي من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌المطلب الثامن: هل يقضي الصوم من تمضمض أو استنشق فغلبه الماء

- ‌المطلب التاسع: حكم من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر

- ‌المطلب العاشر: ما الواجب على المُرضع والحامل إذا خافتا على ولدهما فقط

- ‌المبحث الثاني: في القضاء عن الميت

- ‌المطلب الأول: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي أمكنه التدارك

- ‌المطلب الثاني: ما الصوم الذي يصام عن الميت

- ‌المطلب الثالث: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي لم يمكنه التدارك

- ‌المبحث الثالث: في ليلة القدر

- ‌المطلب الأول: في تعيين ليلة القَدْر

- ‌المطلب الثاني: هل ليلة القدر خاصة بهذه الأمة

- ‌الفصل الثاني: في الاعتكاف

- ‌المبحث الأول: في حكمه، واشتراط الصوم له، وغير ذلك

- ‌المطلب الأول: حكم (الاعتكاف)

- ‌المطلب الثاني: هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف

- ‌المطلب الثالث: هل لأقل الاعتكاف حدّ

- ‌المطلب الرابع: هل ينقطع اعتكاف من عاد مريضا أو صلى على جنازة

- ‌المطلب الخامس: هل يجوز (الاشتراط في الاعتكاف)

- ‌المطلب السادس: حكم من نذر الاعتكاف قبل إسلامه

- ‌المطلب السابع: متى يدخل المعتكِف معتكَفه

- ‌المطلب الثامن: حكم قضاء الاعتكاف

- ‌المبحث الثاني: في مكان الاعتكاف

- ‌المطلب الأول: أين تعتكف المرأة

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

- ‌المطلب الثالث: هل يجوز الاعتكاف في غير (المسجد الجامع)

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المبحث الثاني: في الكفارة، وخصالها

‌المبحث الثاني: في الكفارة، وخصالها

وفيه تسعة مطالب:

المطلب الأول: هل الإعسار يسقط كفارة الجماع في رمضان؟ .

المطلب الثاني: هل على المرأة المجامعة في رمضان كفارة؟ .

المطلب الثالث: هل على من جامع ناسيا في رمضان كفارة؟ .

المطلب الرابع: هل الأكل والشرب في رمضان عمدا يوجبان الكفارة كالجماع؟ .

المطلب الخامس: هل تجري الخصال الثلاثة في كفارة الجماع في رمضان أو هو الإطعام فقط؟ .

المطلب السادس: هل الخصال الثلاثة في كفارة الجماع في رمضان على الترتيب أو على التخيير؟ .

المطلب السابع: حكم اشتراط التتابع في صيام كفارة الجماع في رمضان.

المطلب الثامن: ما هو الحد الواجب في الإطعام في كفارة الجماع في رمضان.

المطلب التاسع: هل يشترط في الرقبة المعتقة في كفارة الجماع في رمضان أن تكون مؤمنة؟ .

ص: 362

المطلب الأول: هل الإِعْسار (1) يُسقِط كفارة الجماع في رمضان؟ .

اختيار الشيخ: اختار أن الإعسار لا يسقط كفارة الجماع في رمضان، فقال:"وفيه دليل لما ذهب إليه الجمهور من أن الإعسار لا يسقط الكفارة"(2).

وقال أيضا: "الطريق الثاني، وهو الأقرب الأقوى أن يجعل إعطاءه إياها لا على جهة الكفارة عليه وعلى أهله بتلك الصدقة؛ لما ظهر من حاجتهم. وأما الكفارة فلم تسقط بذلك، ولكن ليس استقرارها في ذمته مأخوذا من هذا الحديث"(3).

تحرير محل الخلاف: اتفق أهل العلم أن الرجل إذا جامع بعد الفجر في رمضان أنه عاص إذا كان عالما بالنهي عن ذلك، وأن صيامه فاسد وعليه الكفارة (4).

واختلفوا إذا عجز عن الكفارة وقت وجوبها هل تثبت في ذمته على قولين:

القول الأول: تسقط الكفارة عن المجامع في رمضان وإن استطاع بعد ذلك فلا شيء عليه.

وهو: قول عند الشافعية (5)، والمذهب عند الحنابلة (6)، وبه قال الأوزاعي (7).

القول الثاني: تبقى الكفارة في ذمته إلى أن يجدها.

وهو: الظاهر من مذهب الحنفية (8) ، وقول المالكية (9) ، والصحيح عند الشافعية (10).

ورواية عند: الحنابلة (11)، وهو اختيار الشيخ رحمه الله.

(1) الإِعْسَارُ: من العُسْر ضد اليُسْر، وهو: قلة ذات اليد. ينظر: النهاية 3/ 235، تاج العروس 13/ 29.

(2)

مرعاة المفاتيح 6/ 504. أي في حديث أبي هريرة الآتي ذِكره.

(3)

مرعاة المفاتيح 6/ 508.

(4)

ينظر: الإقناع لابن المنذر 1/ 193، والإشراف له 3/ 121، الإقناع لابن القطان 1/ 235، بداية المجتهد 2/ 64، والمغني 3/ 134.

(5)

الأم 2/ 108، الحاوي 3/ 433، المهذب 1/ 339، منهاج الطالبين ص 79.

(6)

الهداية ص 160، المغني 3/ 143، الروض المربع ص 234، الإنصاف 3/ 323.

(7)

التمهيد 7/ 176، بداية المجتهد 2/ 68، المغني 3/ 144، فتح الباري 4/ 171، إكمال المعلم 4/ 57.

(8)

ينظر: المبسوط 3/ 71، فتح القدير 2/ 340، تبيين الحقائق 1/ 329، نخب الأفكار 8/ 321.

(9)

الذخيرة 2/ 518، القوانين الفقهية ص 84، المنتقى 2/ 55، إكمال المعلم 4/ 57.

(10)

الأم 2/ 108، الحاوي الكبير 3/ 433، العزيز 3/ 235، المجموع 6/ 343.

(11)

الهداية ص 160، المغني 3/ 144، المبدع 3/ 35، الإنصاف 3/ 323.

ص: 363

سبب الخلاف: قال ابن رشد: "والسبب في اختلافهم في ذلك: أنه حكم مسكوت عنه، فيحتمل أن يُشبَّه بالديون، فيعود الوجوب عليه في وقت الإثراء (أي غناه). ويحتمل أن يقال: لو كان ذلك واجبا عليه لَبَيَّنه له صلى الله عليه وسلم "(1).

أدلة القول الأول: القائلين بسقوط الكفارة عن المعسر.

الدليل الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله، هلكت! قال: «ما لك؟ » . قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تجد رقبة تعتقها؟ » . قال: لا. قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ » . قال: لا. قال: «فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟ » . قال: لا. قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم». فبينا نحن على ذلك أُتِيَ النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَق (2) فيها تمر، قال:«أين السائل؟ » . فقال: أنا. قال: «خذ هذا فتصدق به» . فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله؟ ! فوالله ما بين لَابَتَيْهَا (3) أهل بيت أفقر من أهل بيتي! فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال:«أطعمه أهلك» (4).

الدليل الثاني: عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «إن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنه احترق (5)! » ، قال:«ما لك؟ » . قال: أصبت أهلي في رمضان. فأُتِي النبي صلى الله عليه وسلم

(1) بداية المجتهد 2/ 68.

(2)

العَرَق: هو زبيل منسوج من نسائج الخوص، وكل شيء مضفور فهو عرق وعرقة بفتح الراء فيهما. ينظر: غريب الحديث لأبي عبيد 1/ 105، النهاية في غريب الحديث 3/ 219.

(3)

اللَاّبَة: الحَرَّة، وهي الأرض ذات الحجارة السود. وما بين لابتيها: أي: المدينة؛ لأنها بين حَرَّتَين. ينظر: المصباح المنير 2/ 560، تاج العروس 4/ 223، تهذيب اللغة 15/ 275.

(4)

رواه البخاري 3/ 32 رقم 1936، كتاب الصوم، باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر، واللفظ له، ومسلم 2/ 781 رقم 1111، كتاب الصيام، باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان، ووجوب الكفارة الكبرى فيه وبيانها، وأنها تجب على الموسر والمعسر

(5)

قال الحافظ: "كأنه لما اعتقد أن مرتكب الإثم يعذب بالنار أطلق على نفسه أنه احترق لذلك، وقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم له هذا الوصف فقال: «أين المحترق؟ » إشارة إلى أنه لو أصر على ذلك لاستحق ذلك". فتح الباري 4/ 162.

ص: 364

بمِكْتل (1) يدعى العَرَق، فقال:«أين المحترق؟ » . قال: أنا. قال: «تصدق بهذا» (2).

وجه الاستدلال: أن قوله صلى الله عليه وسلم: «أطعمه أهلك» دل على سقوط الكفارة بالإعسار المقارن لوجوبها؛ لأن الكفارة لا تصرف إلى النفس ولا إلى العيال، ولم يبين النبي صلى الله عليه وسلم استقرارها في ذمته إلى حين يساره (3). ولو كانت واجبة لم يسكت عنه حتى يبين ذلك له (4).

الدليل الثالث: وقياسا على زكاة الفطر إذا عدمها وقت الوجوب ثم وجدها فيما بعد؛ فإنها تسقط عنه؛ لتعلقها بطُهرة الصوم (5).

أدلة القول الثاني: القائلين تبقى الكفارة في ذمته إلى أن يجدها.

الدليل الأول: استدلوا بحديث المجامع الذي استدل به أصحاب القول الأول.

وجه الاستدلال: أن الأعرابي لما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعجزه عن أجناس الكفارة لم يبين له سقوطها عنه، بل أمر له بما يكفر به من التمر، فدل على ثبوتها في ذمته وإن عجز عنها (6).

قال الخطابي: "هذا رجل وجبت عليه الرقبة فلم يكن عنده ما يشتري به رقبة، فقيل له: صم، فلم يطق الصوم، فقيل له: أطعم ستين مسكينا، فلم يجد ما يطعم، فأمر له النبي صلى الله عليه وسلم بطعام ليتصدق به، فأخبر أنه ليس بالمدينة أحوج منه، فلم ير له أن يتصدق على غيره ويترك نفسه وعياله، فلما نقص من ذلك بقدر ما أطعم أهله لقوت يومه صار طعاما لا يكفي ستين مسكينا، فسقطت عنه الكفارة الوقت فكانت في ذمته إلى أن يجدها، وصار كالمُفلِس (7) يُمهَل ويؤجَل، وليس في الحديث أنه قال: لا كفارة عليك"(8).

(1) المِكْتَل: الزبيل الكبير. أي وعاء يحمل فيه مثل القُفَّة، من ورق النخل ونحوه، قيل: إنه يسع خمسة عشر صاعا، كأن فيه كُتلا من التمر: أي قطعا مجتمعة. ويجمع على مكاتل. ينظر: النهاية 4/ 150، والصحاح 5/ 1809، ومعجم لغة الفقهاء ص 456.

(2)

رواه البخاري 3/ 32 رقم 1935، في الصوم باب إذا جامع في رمضان، ومسلم 2/ 783 رقم 1112، في الصيام، باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم

(3)

ينظر: فتح الباري 4/ 171، إحكام الأحكام 2/ 16، والحاوي 3/ 433، المغني 3/ 143.

(4)

ينظر: شرح البخاري لابن بطال 4/ 76، التمهيد 7/ 178.

(5)

ينظر: الحاوي الكبير 3/ 433، وإحكام الأحكام 2/ 17، والمجموع 6/ 343، والمبدع 3/ 35.

(6)

ينظر: الحاوي الكبير 3/ 433.

(7)

المُفْلس: هو الذي لا مال له ولا ما يدفع حاجته. ينظر: القاموس الفقهي لغة واصطلاحا ص 290.

(8)

معالم السنن 2/ 119، وينظر: شرح عمدة الفقه كتاب الصيام 1/ 297، المجموع 6/ 344، المحلى 4/ 335.

ص: 365

الدليل الثاني: وقياسا على سائر الديون والحقوق والمؤاخذات، كجَزاء الصَيْد (1) وغيره؛ فإنها لا تسقط بالعجز عنها (2).

الترجيح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الثاني: أنه تبقى الكفارة في ذمته إلى أن يجدها؛ وذلك لقوة ما استدلوا به، ولأن كل ما وجب أداؤه في حال اليسر، لزِم في الذِمَّة إلى المَيسَرة على وجهه، وليس في حديث الأعرابي أنه صلى الله عليه وسلم قال له: إنها ساقطة عنك لعسرتك، بل في الحديث أن الأعرابي لما أخبر عن حاجته أباح النبي صلى الله عليه وسلم له الانتفاع بما أعطاه، وأما ما في ذمته من الكفارة فلم يتعرض لحكمه صلى الله عليه وسلم، فبقي ذلك كما وجب عليه (3).

وأما ما استدل به أصحاب القول الأول فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما استدلالهم بحديث الأعرابي على إسقاط الكفارة، فيجاب عنه:

أنه ليس في الحديث إسقاط الكفارة عن الأعرابي، وإنما هذا رجل ازدحمت عليه جهة الحاجة وجهة الكفارة، فقُدِّم الأهم، وهو الاقتيات، وبقيت الكفارة في ذمته إلى حين القدرة حسب ما أوجبها عليه الرسول صلى الله عليه وسلم (4).

ثانيا: وأما قولهم قياسا على زكاة الفطر إذا عدمها وقت الوجوب ثم وجدها فيما بعد؛ فإنها تسقط عنه، فيجاب عنه: أن بينهما فرقا، فصدقة الفطر لها أمد تنتهي إليه، وكفارة الجماع لا أمد لها؛ فتستقر في الذمة (5). والله أعلم.

(1) جَزاء الصَيْد في الإحرام: أي ما يقوم مقامه وينوب عنه في الكفارة. وهو ما جعله العدلان قيمة للصيد في مَوضِع قَتْلِه، أو في أقرب مكان منه. ينظر: مشارق الأنوار 1/ 147، القاموس الفقهي ص 62.

(2)

ينظر: الحاوي الكبير 3/ 433، المجموع 6/ 343، المغني 3/ 144.

(3)

ينظر: التمهيد 7/ 178، شرح البخاري لابن بطال 4/ 76.

(4)

ينظر: القبس لابن العربي 1/ 500.

(5)

ينظر: فتح الباري 4/ 171، ونيل الأوطار 4/ 256.

ص: 366