المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: هل يجب قضاء رمضان على الفور؟ ، وهل يجب التتابع - الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف

[موافقي الأمين]

فهرس الكتاب

- ‌ الافتتاحية

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌خطة البحث

- ‌المنهج المتبع في البحث:

- ‌الشكر وتقدير:

- ‌التمهيددراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري واختياراته

- ‌المبحث الأول: دراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول:‌‌ اسمه، ونسبه، و‌‌كنيته، و‌‌لقبه

- ‌ اسمه، ونسبه

- ‌كنيته

- ‌لقبه

- ‌المطلب الثاني:‌‌ مولده، و‌‌أسرته، ووفاته

- ‌ مولده

- ‌أسرته

- ‌وفاته:

- ‌المطلب الثالث: نشأته، وطلبه للعلم

- ‌المطلب الرابع:‌‌ شيوخه، وتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌أولا: الشيخ أبو الهدى عبد السلام بن الشيخ خان محمد بن أمان الله المباركفوري

- ‌ثانيا: الشيخ العلامة أبو طاهر البهاري

- ‌ثالثا: الشيخ أبو العلى محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن الشيخ بهادر المباركفوري

- ‌رابعا: الشيخ العلامة أحمد الله بن أمير الله بن فقير الله فرتاب كرهي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفور جيراجفوري

- ‌سادسا: الشيخ العلامة محمد أعظم بن فضل الدين أبو عبد الله الجوندلوي الباكستاني

- ‌تلامذته:

- ‌أولا: الشيخ عبد الجليل بن تعلقدار الرحماني البستوي

- ‌ثانيا: الشيخ محمد إدريس آزاد الرحماني الأملوي

- ‌ثالثا: الشيخ عبد المعيد بن عبد المجيد بن عبد القادر أبو عبيدة البنارسي

- ‌رابعا: الشيخ آفتاب آحمد الرحماني البنغلاديشي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفار حسن بن العلامة عبد الستار بن عبد الجبار العمر فوري الرحماني

- ‌سادسا: الشيخ أحمد الله بن عبد الكريم الرحماني البنغلاديش

- ‌المطلب الخامس:‌‌ عقيدته، ومذهبه الفقهي

- ‌ عقيدته

- ‌عقيدة الشيخ في الإيمان:

- ‌عقيدة الشيخ في الأسماء والصفات:

- ‌عقيدته في التوسل ودعاء الأموات والغائبين:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌المطلب السادس: ثناء العلماء عليه

- ‌المطلب السابع: آثاره العلمية

- ‌المبحث الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول: تعريف الاختيار

- ‌في اللغة:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌التعريف الأول:

- ‌التعريف الثاني:

- ‌وقد عرفه بعض الباحثين باعتبار أقسامه الثلاثة:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي والإنفراد:

- ‌تعريف الرأي:

- ‌وأما في الاصطلاح فقد عرف بعدة تعاريف منها:

- ‌تعريف الإنفراد:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي:

- ‌وجه التشابه بينهما:

- ‌وجه الاختلاف بينهما:

- ‌الفرق بين الإختيار والإنفراد:

- ‌الفرق بين الإنفراد والرأي:

- ‌المطلب الثاني: منهج المباركفوري في اختياراته، وموقف العلماء منها

- ‌المطلب الثالث: دراسة الصيغ المعتبرة (في الاختيار) عند الشيخ المباركفوري

- ‌الباب الأول: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في الصيام

- ‌الفصل الأول: في تسمية الشهر، وفي رؤية الهلال، وفي يوم الشك

- ‌المبحث الأول: حكم قول رمضان، وفي رؤية الهلال

- ‌المطلب الثاني: اعتبار اختلاف المطالع

- ‌المطلب الثالث: هل يثبت دخول الشهر بالحساب الفلكي

- ‌المطلب الرابع: عدد الشهود في هلال شهر رمضان

- ‌المطلب الخامس: عدد الشهود لثبوت هلال شوال

- ‌المطلب السادس: هل يكفي الإخبار ممن رأى الهلال أو تشترط الشهادة

- ‌المطلب السابع: حكم صيام من رأى هلال شوال وحده فردت شهادته

- ‌المطلب الثامن: حكم من أفطر ثم تبين أن اليوم من رمضان

- ‌المبحث الثاني: في يوم الشك، والصوم بعد انتصاف شعبان

- ‌المطلب الأول: في تعيين يوم الشك

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر

- ‌المطلب الثالث: من صام يوم الشك فتبين أنه من رمضان

- ‌المطلب الرابع: حكم الصيام بعد انتصاف شعبان

- ‌الفصل الثاني: في النية وصيام المسافر

- ‌المبحث الأول: في النية

- ‌المطلب الأول: في النية للفرض

- ‌المسألة الثانية: حكم النية لكل يوم من رمضان

- ‌المسألة الثالثة: حكم تعيين النية

- ‌المسألة الرابعة: حكم التَلَفُّظ بالنية

- ‌المسألة الخامسة: هل يُشترَط أن تُعقَد النية في جزء معين من الليل

- ‌المسألة السادسة: حكم ما إذا فعل بعد النية قبل الفجر ما ينافي الصوم

- ‌المطلب الثاني: في النية النفل

- ‌المسألة الأولى: حكم صيام يوم الشك بنية التطوع

- ‌المسألة الثانية: حكم نية صوم النفل من النهار

- ‌المسألة الثالثة: حكم عقد نية النفل بعد الزوال

- ‌المبحث الثاني: صوم السفر

- ‌المطلب الأول: حكم الصيام في السفر

- ‌المطلب الثاني: ما الأفضل للمسافر الصيام أو الفطر

- ‌المطلب الثالث: حد السفر المبيح للفطر

- ‌المطلب الرابع: حكم إفطار المسافر الذي استهل عليه رمضان وهو مقيم

- ‌المطلب الخامس: حكم إفطار المسافر بعد أن كان قد شرع في الصيام

- ‌المطلب السادس: حكم إفطار من سافر بعد طلوع الفجر

- ‌الفصل الثالث: في المفطرات وما يجتنبه الصائم، وفي الكفارة وخصالها

- ‌المبحث الأول: في المفطرات وما يجتنبه الصائم

- ‌المطلب الثاني: حكم الفصد للصائم

- ‌المطلب الرابع: حكم التقبيل للصائم

- ‌المطلب الخامس: حكم الاستياك للصائم

- ‌المسألة الثانية: الاستياك بالعود الرطب

- ‌المسألة الثالثة: الاستياك في صوم الفريضة

- ‌المطلب السابع: حكم الوصال في الصيام

- ‌المسألة الأولى: الوصال أكثر من يوم

- ‌المسألة الثانية: الوصال إلى السَحَر

- ‌المطلب الثامن: حكم من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم

- ‌المطلب العاشر: حكم انغماس الصائم في الماء

- ‌المطلب الحادي عشر: في الأكل والشرب للمتسحر

- ‌المسألة الأولى: حكم من أكل أو شرب وهو شاك في الفجر

- ‌المسألة الثانية: هل المعتبر في تحريم الأكل والشرب تَبَيُّن الفجر أو طلوع الفجر

- ‌المطلب الثالث عشر: حكم صيام الحائض والنُفَساء إذا طهرت قبل الفجر، ولم تغتسل إلا بعد الفجر

- ‌المبحث الثاني: في الكفارة، وخصالها

- ‌المطلب الثاني: هل على المرأة المجامعة في رمضان كفارة

- ‌المطلب الثالث: هل على من جامع ناسيا في رمضان كفارة

- ‌المطلب الرابع: هل الأكل والشرب في رمضان عمدا يوجبان الكفارة كالجماع

- ‌المطلب السادس: هل الخصال الثلاثة في كفارة الجماع في رمضان على الترتيب أو على التخيير

- ‌المطلب السابع: حكم اشتراط التتابع في صيام كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب الثامن: ما هو الحد الواجب في الإطعام في كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب التاسع: هل يشترط في الرقبة المعتقة في كفارة الجماع في رمضان أن تكون مؤمنة

- ‌الفصل الرابع: في صوم التطوع، والأيام التي نهي عن الصوم فيها، وفي النذر، وصوم عاشوراء

- ‌المبحث الأول: في صوم التطوع والأيام التي نهي عن الصوم فيها

- ‌المطلب الأول: حكم إفراد يوم الجمعة بصيام

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام يوم السبت

- ‌المطلب الثالث: حكم صيام يوم عرفة للحاج

- ‌المطلب الخامس: حكم صيام عشر ذي الحِجَّة

- ‌المطلب السادس: حكم صيام الدهر

- ‌المطلب السابع: حكم صيام الست من شوال

- ‌المطلب الثامن: ما هو أفضل الصيام بعد رمضان صيام شعبان أو المحرم

- ‌المطلب التاسع: حكم الإفطار في صوم النافلة

- ‌المطلب العاشر: تعيين الأفضل في صيام ثلاثة أيام من كل شهر

- ‌المطلب الحادي عشر: ما هي أيام البيض

- ‌المطلب الثاني عشر: معنى صيام يوم في سبيل الله

- ‌المبحث الثاني: في النذر، وفي أعذار الفطر

- ‌المطلب الأول: حكم من نذر صوم العيدين متعمدا لعينيهما

- ‌المطلب الثاني: حكم من نذر صوم يوم قدوم فلان مثلا فوافق يوم عيد

- ‌المطلب الثالث: هل الضيافة عذر للإفطار من صوم النفل

- ‌المطلب الرابع: هل يستحب لمن كان صائما صيام نفل أن يفطر إذا دُعي

- ‌المبحث الثالث: في صوم عاشوراء

- ‌المطلب الأول: نسخ وجوب صيام يوم عاشوراء

- ‌المطلب الثاني: هل عاشوراء هو اليوم التاسع أو اليوم العاشر

- ‌المطلب الثالث: ما الأفضل في صيام عاشوراء

- ‌المطلب الرابع: هل صيام يوم مع عاشوراء لاحتمال الشك أو لمخالفة أهل الكتاب

- ‌المطلب الخامس: هل الأفضل صيام يوم عاشوراء أو يوم عرفة

- ‌الباب الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر، وفي الاعتكاف

- ‌الفصل الأول: في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر

- ‌المبحث الأول: في قضاء الصوم

- ‌المطلب الأول: هل يجب قضاء رمضان على الفور؟ ، وهل يجب التتابع

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز التطوع قبل القضاء

- ‌المطلب الثالث: هل يقضي من أفطر في صيام النفل

- ‌المطلب الرابع: حكم صيام المرأة النفل وقضاء الواجب بغير إذن زوجها

- ‌المطلب الخامس: هل يقضي المجامع في رمضان اليوم الذي جامع فيه

- ‌المطلب السادس: حكم القضاء على من ذرعه القيء

- ‌المطلب السابع: هل يقضي من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌المطلب الثامن: هل يقضي الصوم من تمضمض أو استنشق فغلبه الماء

- ‌المطلب التاسع: حكم من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر

- ‌المطلب العاشر: ما الواجب على المُرضع والحامل إذا خافتا على ولدهما فقط

- ‌المبحث الثاني: في القضاء عن الميت

- ‌المطلب الأول: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي أمكنه التدارك

- ‌المطلب الثاني: ما الصوم الذي يصام عن الميت

- ‌المطلب الثالث: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي لم يمكنه التدارك

- ‌المبحث الثالث: في ليلة القدر

- ‌المطلب الأول: في تعيين ليلة القَدْر

- ‌المطلب الثاني: هل ليلة القدر خاصة بهذه الأمة

- ‌الفصل الثاني: في الاعتكاف

- ‌المبحث الأول: في حكمه، واشتراط الصوم له، وغير ذلك

- ‌المطلب الأول: حكم (الاعتكاف)

- ‌المطلب الثاني: هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف

- ‌المطلب الثالث: هل لأقل الاعتكاف حدّ

- ‌المطلب الرابع: هل ينقطع اعتكاف من عاد مريضا أو صلى على جنازة

- ‌المطلب الخامس: هل يجوز (الاشتراط في الاعتكاف)

- ‌المطلب السادس: حكم من نذر الاعتكاف قبل إسلامه

- ‌المطلب السابع: متى يدخل المعتكِف معتكَفه

- ‌المطلب الثامن: حكم قضاء الاعتكاف

- ‌المبحث الثاني: في مكان الاعتكاف

- ‌المطلب الأول: أين تعتكف المرأة

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

- ‌المطلب الثالث: هل يجوز الاعتكاف في غير (المسجد الجامع)

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب الأول: هل يجب قضاء رمضان على الفور؟ ، وهل يجب التتابع

‌المطلب الأول: هل يجب قضاء رمضان على الفور؟ ، وهل يجب التتابع

؟ .

اختيار الشيخ: اختار أن قضاء صيام رمضان لا يجب على الفور، فقال:"وفي الحديث (1) حجة للجمهور أن القضاء لا يجب على الفور؛ إذ لو مُنِع التأخير لم يقرها صلى الله عليه وسلم. نعم يندب التعجيل؛ لأن المبادرة إلى الطاعة والمسارعة إلى الخير أولى. وأوجب داود القضاء من ثاني شوال فإن أَخَّره أثِم، وحديث عائشة يَرُدُّ عليه"(2).

ويرى الشيخ أيضا أنه لا يجب التتابع في القضاء؛ حيث قال عند قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (3): "فإنه أَمَر بالقضاء مطلقا عن وقت معين، فلا يجوز تقييده ببعض الأوقات إلا بدليل"(4).

تحرير محل الخلاف: اتفق أهل العلم أن من قضى رمضان في أول أوقات إمكان الصيام أياما متتابعات أجزأه ذلك، وكان على يقين من أنه قد أتى بما وجب عليه (5).

واختلفوا في من أخر قضاء رمضان ولم يتابع بين قضائه بلا عذر على قولين:

القول الأول: جواز تأخير قضاء رمضان وتفريقه بعذر وبغير عذر.

وبه قال: الحنفية (6) ، والمالكية (7) ، والشافعية (8) ، والحنابلة (9) ، وهو اختيار الشيخ.

القول الثاني: لا يجوز تأخير قضاء رمضان ولا تفريقه بغير عذر.

وهو قول: الظاهرية (10).

(1) أي حديث عائشة رضي الله عنها الآتي في الأدلة صفحة (536).

(2)

مرعاة المفاتيح 7/ 23.

(3)

سورة البقرة: آية: 184.

(4)

مرعاة المفاتيح 7/ 23.

(5)

ينظر: الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 238، مراتب الإجماع ص 41، اختلاف الأئمة العلماء 1/ 251، المغني 3/ 159، منحة السلوك ص 271، المجموع 6/ 365.

(6)

المبسوط 3/ 82، بدائع الصنائع 2/ 77، تحفة الملوك ص 146، الاختيار 1/ 135.

(7)

بداية المجتهد 2/ 61، القبس 1/ 519، متن العشماوية ص 18، الشامل 1/ 199.

(8)

العزيز 3/ 221، المجموع 6/ 367، فتح الباري 4/ 189، نهاية المحتاج 3/ 187.

(9)

الهداية ص 162، المغني 3/ 158، شرح الزركشي 2/ 615، المحرر 1/ 230.

(10)

المحلى 4/ 408، والإحكام في أصول الأحكام لابن حزم 3/ 63.

ص: 537

سبب الخلاف: لهذه المسألة شقان، لكل شق سبب خلاف خاص:

الشق الأول: القضاء على الفور، وسبب الخلاف فيه: المفهوم من قول عائشة رضي الله عنها: «كان يكون عليَّ الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، الشغل من رسول الله صلى الله عليه وسلم» (1)، هل يفهم منه جواز التأخير، أو يفهم منه البدار مع التمكن؛ لأن عائشة رضي الله عنها بينت العذر الذي منعها من البدار، وأوجب عليها التراخي؛ وهو الشغل بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).

الشق الثاني: التتابع في القضاء، وسبب اختلافهم فيه: تعارض ظواهر النصوص والقياس؛ وذلك أن القياس يقتضي أن يكون الأداء على صفة القضاء، أما ظاهر قوله تعالى:{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (3) فإنما يقتضي إيجاب العدد فقط لا إيجاب التتابع (4).

أدلة القول الأول: القائلين بجواز تأخير قضاء رمضان وتفريقه بعذر وبغير عذر.

الدليل الأول: قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (5).

وجه الاستدلال: أن الآية نصت على أن الله يريد اليسر بعباده، وقد يكون تفريق القضاء، وتأخيره هو الأيسر (6).

الدليل الثاني: قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (7).

وجه الاستدلال: أن قوله تعالى: {أَيَّامٍ أُخَرَ} ، نكرة في سياق الإثبات (8)، فيكون ذلك أمرا بصوم أيام على عدد تلك الأيام مطلقا، فلا يجوز تقييده ببعض الأوقات إلا بدليل، فيكون وجوب القضاء موسعا على التراخي لا على الفور، وكذا التقييد بالتتابع يكون

(1) سيأتي تخريجه صفحة (536).

(2)

ينظر: مناهج التحصيل 2/ 123.

(3)

سورة البقرة: آية: 184.

(4)

ينظر: بداية المجتهد 2/ 61.

(5)

سورة البقرة: آية: 185.

(6)

ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 342.

(7)

سورة البقرة: آية: 184.

(8)

ينظر مباحث المطلق في: الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 3/ 3.

ص: 538

مخالفا لهذا التعميم، ونظيره الإطلاق في قوله تعالى:{فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} (1)(2).

قال القرطبي: "والدليل على صحة هذا قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ولم يخص متفرقة من متتابعة، وإذا أتى بها متفرقة فقد صام عدة من أيام أخر، فوجب أن يجزيه"(3).

الدليل الثالث: عن عائشة رضي الله عنها، قالت:«كان يكون علي الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، الشغل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو برسول الله صلى الله عليه وسلم» (4).

وجه الاستدلال: أن في تأخير عائشة رضي الله عنها قضاء رمضان إلى شعبان دلالة على جواز تأخير قضاءه مطلقا، سواء كان لعذر أو لغير عذر؛ لأن الظاهر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، لا سيما مع توفر دواعي أزواجه إلى سؤاله عن الأحكام الشرعية؛ فلولا أن ذلك كان جائزا لم تواظب عائشة رضي الله عنها عليه (5).

قال ابن عبد البر: "وقد يُستدَل من قول عائشة هذا على جواز تأخير قضاء رمضان؛ لأن الأغلب أن تركها لقضاء ما كان عليها من رمضان لم يكن إلا بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا كان ذلك كذلك كان فيه بيان لمراد الله عز وجل من قوله: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}؛ لأن الأمر يقتضي الفور حتى تقوم الدلالة على التراخي، كما يقتضي الانقياد إليه ووجوب العمل به حتى تقوم الدلالة على غير ذلك. وفي تأخير عائشة قضاء ما عليها من صيام رمضان دليل على التوسعة والرخصة في تأخير ذلك، وذلك دليل على أن شعبان أقصى الغاية في ذلك"(6).

(1) سورة البقرة: آية: 195.

(2)

ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 342، ومفاتيح الغيب للرازي 5/ 248، وبداية المجتهد 2/ 61، وفتح الباري 4/ 189.

(3)

تفسير القرطبي 2/ 282.

(4)

رواه البخاري 3/ 35 رقم 1950، في الصوم، باب متى يقضى قضاء رمضان، ومسلم 2/ 802 رقم 1146، في الصيام، باب قضاء رمضان في شعبان، واللفظ له.

(5)

ينظر: فتح الباري 4/ 191، ونيل الأوطار 4/ 278.

(6)

التمهيد 23/ 148 - 149، وينظر: عمدة القاري 11/ 56، إرشاد الساري 3/ 389، إكمال المعلم 4/ 101، القبس 1/ 519.

ص: 539

الدليل الرابع: عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قضاء رمضان: «إن شاء فرق وإن شاء تابَع» (1).

الدليل الخامس: عن محمد بن المُنْكَدِر (2)، قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن تقطيع قضاء صيام شهر رمضان، فقال:«ذلك إليك، أرأيت لو كان على أحدكم دَين فقضى الدِرهم والدرهمين، ألم يكن قضاءً؟ ، فالله أحق أن يعفو ويغفر» (3).

الدليل السادس: ولأنه جاء عن جمع من الصحابة: كأبي هريرة، وابن عباس، وأبي عبيدة عامر بن الجراح (4) ، وأنس بن مالك، ومعاذ بن جبل، ورافع بن خديج رضي الله عنهم، كلهم يقول:«إحصِ العدة، وصُم كيف شئتَ» (5).

الدليل السابع: ولأن الصوم وإن وجب جملة، فهو دين في الذِمَّة؛ وقضاء الدين يُجزئ متتابعا ومتفرقا؛ ولأنه إذا جاز تأخيره كله إلى شعبان، فتأخير بعضه أولى (6).

أدلة القول الثاني: القائلين بأنه لا يجوز تأخير قضاء رمضان ولا تفريقه بغير عذر.

(1) رواه الدارقطني في السنن 3/ 173 رقم 2329، في الصيام، باب القبلة للصائم، وأشار إليه البيهقي في السنن الكبرى 4/ 432، بقوله:"وقد روي من وجه آخر ضعيف عن ابن عمر مرفوعا". وضعفه الألباني في الإرواء 4/ 94 رقم 943.

(2)

هو: محمد بن المنكدر بن عبد الله القرشي التيمي، أبو بكر المدني الزاهد، أحد الأئمة الأعلام، ورجال الحديث، أدرك بعض الصحابة وروى عنهم، له نحو مائتي حديث، روى عنه: مالك، وشعبة، والثوري، وغيرهم، توفي سنة 130 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 5/ 353، تهذيب التهذيب 9/ 474، الأعلام 7/ 112.

(3)

رواه ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 292 رقم 9113، في الصيام باب: ما قالوا في تفريق رمضان، والدارقطني في السنن 3/ 174 رقم 2333، وقال:"إسناد حسن إلا أنه مرسل"، والبيهقي في الكبرى 4/ 432 رقم 8243، في الصيام باب قضاء شهر رمضان إن شاء متفرقا وإن شاء متتابعا.

(4)

هو: عامر بن عبد الله بن الجراح القرشي الفهري، أبو عبيدة المكي، أحد السابقين إلى الإسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، شهد بدرا وما بعدها، أمين هذه الأمة، توفي في طاعون عمواس سنة 18 هـ. ينظر: معرفة الصحابة 4/ 2049، الاستيعاب 2/ 792؛ سير أعلام النبلاء 1/ 5.

(5)

رواه ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 292، في الصيام، باب ما قالوا في تفريق رمضان، والدارقطني في السنن 3/ 171، في الصيام، باب القبلة للصائم، والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 431، في الصيام، باب قضاء شهر رمضان إن شاء متفرقا، وإن شاء متتابعا.

(6)

ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 348.

ص: 540

الدليل الأول: قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (1).

وجه الاستدلال: أن المسارعة إلى عبادة الله المفترضة واجبة (2)؛ وبالتالي فيجب المسارعة إلى قضاء ما عليه من صيام رمضان.

الدليل الثاني: عن عائشة رضي الله عنها، قالت:«كان يكون علي الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، الشغل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو برسول الله صلى الله عليه وسلم» (3).

وجه الاستدلال: أن قول عائشة رضي الله عنها يفهم منه البدار مع التمكن؛ لأنها بَيَّنت العذر الذي منعها من البدار، وأوجب عليها التراخي؛ وهو الشغل بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولولا ذلك لبادرت إلى القضاء، فيكون قضاء الصوم على هذا التأويل على الفور، ويكون المكلف مُفَرِّطا متى لم يفعل (4).

الدليل الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان عليه صوم رمضان فليَسْرُده ولا يَقطَعه» (5).

الدليل الرابع: عن عائشة رضي الله عنها قالت: «نزلت: {فعدة من أيام أخر} متتابعات، فسقطت متتابعات» (6).

(1) سورة آل عمران: آية: 133.

(2)

ينظر: المحلى 4/ 407، وتفسير البغوي 1/ 506.

(3)

سبق تخريجه صفحة (536).

(4)

ينظر: الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم 3/ 63، فتح الباري 4/ 189.

(5)

رواه الدارقطني في سننه 3/ 169 رقم 2313، والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 433 رقم 8244، في الصيام، باب قضاء شهر رمضان إن شاء متفرقا، وإن شاء متتابعا، وقالا:"عبد الرحمن بن إبراهيم ضعيف الحديث". وقال الألباني في تمام المنة ص 424: "جملة القول، أنه لا يصح في هذا الباب شيء لا سلبا ولا إيجابا".

(6)

رواه عبد الرزاق في المصنف 4/ 241 رقم 7657، والدارقطني في السنن 3/ 170 رقم 2315، في الصيام، باب القبلة للصائم، وقال:"هذا إسناد صحيح"، والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 430 رقم 8234، في الصيام باب قضاء شهر رمضان إن شاء متفرقا، وإن شاء متتابعا. تنبيه: وهذا ما يسمى عند أهل السنة نسخ التلاوة، كما سيأتي في الصفحة التالية.

ص: 541

وجه الاستدلال: أن هذه اللفظة وإن سقطت تلاوتها لكن بقي حكمها؛ كآية الرجم (1) ، والقراءة الشاذة تجري مجرى الخبر الواحد (2).

الدليل الخامس: عن علي رضي الله عنه «في قضاء رمضان، قال: متتابعا» (3).

وجه الاستدلال: فهذا علي ¢ كان لا يرى قضاء رمضان إلا متتابعا.

الدليل السادس: ولأن القياس يقتضي التتابع؛ إلحاقا لصفة القضاء بصفة الأداء، أصل ذلك الصلاة والحج (4).

الراجح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول: أنه يجوز تأخير قضاء رمضان وتفريقه بعذر وبغير عذر؛ لقوة أدلتهم، وفي حديث عائشة رضي الله عنها دلالة على جواز تأخير قضاء رمضان مطلقا سواء كان لعذر أو لغير عذر؛ لأن الظاهر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك مع توفر دواعي أزواجه على السؤال منه عن أمر الشرع، فلولا أن ذلك كان جائزا لم تواظب عائشة عليه (5).

وقد جاء عنها رضي الله عنها أنها قالت: «ما قضيت شيئا مما يكون علي من رمضان إلا في شعبان، حتى قُبِض رسول الله صلى الله عليه وسلم» (6).

(1) ينظر آية الرجم التي نسخت تلاوة لا حكما من حديث عمر ¢ في: صحيح البخاري 8/ 168 رقم 6829، كتاب الحدود، باب الاعتراف بالزنى، ومسلم 3/ 1317، رقم 1691، كتاب الحدود، باب رجم الثيب في الزنى.

(2)

ينظر: المحلى 4/ 408، شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 343.

(3)

رواه البيهقي في السنن الكبرى 4/ 433 رقم 8245، في الصيام، باب قضاء شهر رمضان إن شاء متفرقا، وإن شاء متتابعا، وقال بعد حديث 8247:"واختلف فيه على علي بن أبي طالب، وراويه الحارث الأعور، والحارث ضعيف".

(4)

ينظر: بداية المجتهد 2/ 61، فتح الباري 4/ 189.

(5)

ينظر: فتح الباري 4/ 191.

(6)

رواه ابن خزيمة في صحيحه 3/ 270 رقم 2051، في الصيام باب ذكر الدليل على أن الحائض يجب عليها قضاء الصوم في أيام طهرها

، واللفظ له، والترمذي 3/ 143 رقم 783، في الصيام، باب ما جاء في تأخير قضاء رمضان، وقال:"حديث حسن صحيح"، وأحمد 41/ 406 رقم 24928، وقال محققه شعيب الأرنؤوط:"حديث صحيح".

ص: 542

فهذا تصريح منها أن قضاءها كله كان في شعبان إلى أن قُبِض النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعيد جدا أن يحصل منها ذلك وهي في بيت النبوة، دون اطلاع الرسول صلى الله عليه وسلم وإقراره.

كما أن اتفاق من ذُكِر من الصحابة على جواز ذلك يقوي هذا القول.

وأما ما استدل به أصحاب القول الثاني فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما استدلالهم بقوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} ، فيجاب عنه:

أنه لا شك أن معنى الآية بادروا وسابقوا إلى الأعمال التي توجب المغفرة، من أداء الواجبات والأعمال الصالحة والتوبة من الذنوب، وغير ذلك (1).

لكن السؤال: هل يصلح الاستدلال بها على إيجاب شيء لم يوجبه الله ولا رسوله، أو الواجب الرجوع إلى النصوص التي بينت الأحكام وفصلتها؟ .

الجواب: لا شك أن الواجب الرجوع إلى النصوص التي بينت الأحكام وفصَّلتها، وقد جاءت النصوص صريحة في الإذن بتأخير القضاء وتفريقه، فلا معنى إذن للاستدلال بهذه الآية على إيجاب قضاء رمضان على الفور أو لزوم تتابعه.

ثانيا: وأما استدلالهم بحديث عائشة رضي الله عنها الذي استدل به أصحاب القول الأول:

فقد عرفنا وجه الاستدلال الصحيح منه في أدلة القول الأول.

ثالثا: وأما استدلالهم بحديث: «من كان عليه صوم رمضان فليسرده ولا يقطعه» ، فيجاب عنه: أنه حديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.

رابعا: وأما استدلالهم بأثر علي رضي الله عنه أنه قال في قضاء رمضان: «متتابعا» ، فيجاب عنه:

أنه إن صح هذا الأثر فمعناه استحباب التتابع لا إيجابه، والدليل أنه قد جاء عنه أنه:«كان لا يرى به متفرقا بأسا» (2).

خامسا: وأما استدلالهم بأثر عائشة رضي الله عنها والذي فيه: «نزلت {فعدة من أيام أخر} متتابعات، فسقطت متتابعات» ، فيجاب عنه:

(1) ينظر: تفسير البغوي 1/ 506، وتفسير ابن أبي حاتم 3/ 761، والوسيط للواحدي 1/ 492، والكشف والبيان 3/ 148، والدر المنثور 2/ 314.

(2)

رواه البيهقي في السنن الكبرى 4/ 433 رقم 8246، في الصيام، باب قضاء شهر رمضان إن شاء متفرقا، وإن شاء متتابعا.

ص: 543

أن المقصود أن هذه اللفظة نُسِخت ورُفِع حكمها وتلاوتها.

قال الطحاوي: "فإنما أرادت به: نُسِخت، وسقط حكمها، ورُفِعت تلاوتها"(1).

سادسا: وأما قولهم: إن القياس يقتضي التتابع؛ إلحاقا لصفة القضاء بصفة الأداء، فيجاب عنه: أن التتابع في الأداء ما وجب لمكان الصوم، ليقال: أينما كان الصوم كان التتابع شرطا، وإنما وجب لأجل الوقت؛ لأنه وجب عليهم صوم شهر معين، ولا يُتمَكن من أداء الصوم في الشهر كله إلا بصفة التتابع، فكان لزوم التتابع لضرورة تحصيل الصوم في هذا الوقت. وهذا هو الأصل: أن كل صوم يؤمر فيه بالتتابع لأجل الفعل وهو الصوم، ويكون التتابع شرطا فيه حيث دار الفعل، وكل صوم يؤمر فيه بالتتابع لأجل الوقت، فَفوات ذلك الوقت يُسقِط التتابع، وإن بقي الفعل واجب القضاء (2). والله أعلم.

(1) معرفة السنن والآثار 6/ 313، وينظر: فتح الباري 4/ 189.

(2)

ينظر: بدائع الصنائع 2/ 77، وتفسير القرطبي 2/ 282.

ص: 544