الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: هل يجب قضاء رمضان على الفور؟ ، وهل يجب التتابع
؟ .
اختيار الشيخ: اختار أن قضاء صيام رمضان لا يجب على الفور، فقال:"وفي الحديث (1) حجة للجمهور أن القضاء لا يجب على الفور؛ إذ لو مُنِع التأخير لم يقرها صلى الله عليه وسلم. نعم يندب التعجيل؛ لأن المبادرة إلى الطاعة والمسارعة إلى الخير أولى. وأوجب داود القضاء من ثاني شوال فإن أَخَّره أثِم، وحديث عائشة يَرُدُّ عليه"(2).
ويرى الشيخ أيضا أنه لا يجب التتابع في القضاء؛ حيث قال عند قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (3): "فإنه أَمَر بالقضاء مطلقا عن وقت معين، فلا يجوز تقييده ببعض الأوقات إلا بدليل"(4).
تحرير محل الخلاف: اتفق أهل العلم أن من قضى رمضان في أول أوقات إمكان الصيام أياما متتابعات أجزأه ذلك، وكان على يقين من أنه قد أتى بما وجب عليه (5).
واختلفوا في من أخر قضاء رمضان ولم يتابع بين قضائه بلا عذر على قولين:
القول الأول: جواز تأخير قضاء رمضان وتفريقه بعذر وبغير عذر.
وبه قال: الحنفية (6) ، والمالكية (7) ، والشافعية (8) ، والحنابلة (9) ، وهو اختيار الشيخ.
القول الثاني: لا يجوز تأخير قضاء رمضان ولا تفريقه بغير عذر.
وهو قول: الظاهرية (10).
(1) أي حديث عائشة رضي الله عنها الآتي في الأدلة صفحة (536).
(2)
مرعاة المفاتيح 7/ 23.
(3)
سورة البقرة: آية: 184.
(4)
مرعاة المفاتيح 7/ 23.
(5)
ينظر: الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 238، مراتب الإجماع ص 41، اختلاف الأئمة العلماء 1/ 251، المغني 3/ 159، منحة السلوك ص 271، المجموع 6/ 365.
(6)
المبسوط 3/ 82، بدائع الصنائع 2/ 77، تحفة الملوك ص 146، الاختيار 1/ 135.
(7)
بداية المجتهد 2/ 61، القبس 1/ 519، متن العشماوية ص 18، الشامل 1/ 199.
(8)
العزيز 3/ 221، المجموع 6/ 367، فتح الباري 4/ 189، نهاية المحتاج 3/ 187.
(9)
الهداية ص 162، المغني 3/ 158، شرح الزركشي 2/ 615، المحرر 1/ 230.
(10)
المحلى 4/ 408، والإحكام في أصول الأحكام لابن حزم 3/ 63.
سبب الخلاف: لهذه المسألة شقان، لكل شق سبب خلاف خاص:
الشق الأول: القضاء على الفور، وسبب الخلاف فيه: المفهوم من قول عائشة رضي الله عنها: «كان يكون عليَّ الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، الشغل من رسول الله صلى الله عليه وسلم» (1)، هل يفهم منه جواز التأخير، أو يفهم منه البدار مع التمكن؛ لأن عائشة رضي الله عنها بينت العذر الذي منعها من البدار، وأوجب عليها التراخي؛ وهو الشغل بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
الشق الثاني: التتابع في القضاء، وسبب اختلافهم فيه: تعارض ظواهر النصوص والقياس؛ وذلك أن القياس يقتضي أن يكون الأداء على صفة القضاء، أما ظاهر قوله تعالى:{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (3) فإنما يقتضي إيجاب العدد فقط لا إيجاب التتابع (4).
أدلة القول الأول: القائلين بجواز تأخير قضاء رمضان وتفريقه بعذر وبغير عذر.
الدليل الأول: قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (5).
وجه الاستدلال: أن الآية نصت على أن الله يريد اليسر بعباده، وقد يكون تفريق القضاء، وتأخيره هو الأيسر (6).
الدليل الثاني: قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (7).
وجه الاستدلال: أن قوله تعالى: {أَيَّامٍ أُخَرَ} ، نكرة في سياق الإثبات (8)، فيكون ذلك أمرا بصوم أيام على عدد تلك الأيام مطلقا، فلا يجوز تقييده ببعض الأوقات إلا بدليل، فيكون وجوب القضاء موسعا على التراخي لا على الفور، وكذا التقييد بالتتابع يكون
(1) سيأتي تخريجه صفحة (536).
(2)
ينظر: مناهج التحصيل 2/ 123.
(3)
سورة البقرة: آية: 184.
(4)
ينظر: بداية المجتهد 2/ 61.
(5)
سورة البقرة: آية: 185.
(6)
ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 342.
(7)
سورة البقرة: آية: 184.
(8)
ينظر مباحث المطلق في: الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 3/ 3.
مخالفا لهذا التعميم، ونظيره الإطلاق في قوله تعالى:{فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} (1)(2).
قال القرطبي: "والدليل على صحة هذا قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ولم يخص متفرقة من متتابعة، وإذا أتى بها متفرقة فقد صام عدة من أيام أخر، فوجب أن يجزيه"(3).
الدليل الثالث: عن عائشة رضي الله عنها، قالت:«كان يكون علي الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، الشغل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو برسول الله صلى الله عليه وسلم» (4).
وجه الاستدلال: أن في تأخير عائشة رضي الله عنها قضاء رمضان إلى شعبان دلالة على جواز تأخير قضاءه مطلقا، سواء كان لعذر أو لغير عذر؛ لأن الظاهر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، لا سيما مع توفر دواعي أزواجه إلى سؤاله عن الأحكام الشرعية؛ فلولا أن ذلك كان جائزا لم تواظب عائشة رضي الله عنها عليه (5).
قال ابن عبد البر: "وقد يُستدَل من قول عائشة هذا على جواز تأخير قضاء رمضان؛ لأن الأغلب أن تركها لقضاء ما كان عليها من رمضان لم يكن إلا بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا كان ذلك كذلك كان فيه بيان لمراد الله عز وجل من قوله: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}؛ لأن الأمر يقتضي الفور حتى تقوم الدلالة على التراخي، كما يقتضي الانقياد إليه ووجوب العمل به حتى تقوم الدلالة على غير ذلك. وفي تأخير عائشة قضاء ما عليها من صيام رمضان دليل على التوسعة والرخصة في تأخير ذلك، وذلك دليل على أن شعبان أقصى الغاية في ذلك"(6).
(1) سورة البقرة: آية: 195.
(2)
ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 342، ومفاتيح الغيب للرازي 5/ 248، وبداية المجتهد 2/ 61، وفتح الباري 4/ 189.
(3)
تفسير القرطبي 2/ 282.
(4)
رواه البخاري 3/ 35 رقم 1950، في الصوم، باب متى يقضى قضاء رمضان، ومسلم 2/ 802 رقم 1146، في الصيام، باب قضاء رمضان في شعبان، واللفظ له.
(5)
ينظر: فتح الباري 4/ 191، ونيل الأوطار 4/ 278.
(6)
التمهيد 23/ 148 - 149، وينظر: عمدة القاري 11/ 56، إرشاد الساري 3/ 389، إكمال المعلم 4/ 101، القبس 1/ 519.
الدليل الرابع: عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قضاء رمضان: «إن شاء فرق وإن شاء تابَع» (1).
الدليل الخامس: عن محمد بن المُنْكَدِر (2)، قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن تقطيع قضاء صيام شهر رمضان، فقال:«ذلك إليك، أرأيت لو كان على أحدكم دَين فقضى الدِرهم والدرهمين، ألم يكن قضاءً؟ ، فالله أحق أن يعفو ويغفر» (3).
الدليل السادس: ولأنه جاء عن جمع من الصحابة: كأبي هريرة، وابن عباس، وأبي عبيدة عامر بن الجراح (4) ، وأنس بن مالك، ومعاذ بن جبل، ورافع بن خديج رضي الله عنهم، كلهم يقول:«إحصِ العدة، وصُم كيف شئتَ» (5).
الدليل السابع: ولأن الصوم وإن وجب جملة، فهو دين في الذِمَّة؛ وقضاء الدين يُجزئ متتابعا ومتفرقا؛ ولأنه إذا جاز تأخيره كله إلى شعبان، فتأخير بعضه أولى (6).
أدلة القول الثاني: القائلين بأنه لا يجوز تأخير قضاء رمضان ولا تفريقه بغير عذر.
(1) رواه الدارقطني في السنن 3/ 173 رقم 2329، في الصيام، باب القبلة للصائم، وأشار إليه البيهقي في السنن الكبرى 4/ 432، بقوله:"وقد روي من وجه آخر ضعيف عن ابن عمر مرفوعا". وضعفه الألباني في الإرواء 4/ 94 رقم 943.
(2)
هو: محمد بن المنكدر بن عبد الله القرشي التيمي، أبو بكر المدني الزاهد، أحد الأئمة الأعلام، ورجال الحديث، أدرك بعض الصحابة وروى عنهم، له نحو مائتي حديث، روى عنه: مالك، وشعبة، والثوري، وغيرهم، توفي سنة 130 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 5/ 353، تهذيب التهذيب 9/ 474، الأعلام 7/ 112.
(3)
رواه ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 292 رقم 9113، في الصيام باب: ما قالوا في تفريق رمضان، والدارقطني في السنن 3/ 174 رقم 2333، وقال:"إسناد حسن إلا أنه مرسل"، والبيهقي في الكبرى 4/ 432 رقم 8243، في الصيام باب قضاء شهر رمضان إن شاء متفرقا وإن شاء متتابعا.
(4)
هو: عامر بن عبد الله بن الجراح القرشي الفهري، أبو عبيدة المكي، أحد السابقين إلى الإسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، شهد بدرا وما بعدها، أمين هذه الأمة، توفي في طاعون عمواس سنة 18 هـ. ينظر: معرفة الصحابة 4/ 2049، الاستيعاب 2/ 792؛ سير أعلام النبلاء 1/ 5.
(5)
رواه ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 292، في الصيام، باب ما قالوا في تفريق رمضان، والدارقطني في السنن 3/ 171، في الصيام، باب القبلة للصائم، والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 431، في الصيام، باب قضاء شهر رمضان إن شاء متفرقا، وإن شاء متتابعا.
(6)
ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 348.
الدليل الأول: قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (1).
وجه الاستدلال: أن المسارعة إلى عبادة الله المفترضة واجبة (2)؛ وبالتالي فيجب المسارعة إلى قضاء ما عليه من صيام رمضان.
الدليل الثاني: عن عائشة رضي الله عنها، قالت:«كان يكون علي الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، الشغل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو برسول الله صلى الله عليه وسلم» (3).
وجه الاستدلال: أن قول عائشة رضي الله عنها يفهم منه البدار مع التمكن؛ لأنها بَيَّنت العذر الذي منعها من البدار، وأوجب عليها التراخي؛ وهو الشغل بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولولا ذلك لبادرت إلى القضاء، فيكون قضاء الصوم على هذا التأويل على الفور، ويكون المكلف مُفَرِّطا متى لم يفعل (4).
الدليل الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان عليه صوم رمضان فليَسْرُده ولا يَقطَعه» (5).
الدليل الرابع: عن عائشة رضي الله عنها قالت: «نزلت: {فعدة من أيام أخر} متتابعات، فسقطت متتابعات» (6).
(1) سورة آل عمران: آية: 133.
(2)
ينظر: المحلى 4/ 407، وتفسير البغوي 1/ 506.
(3)
سبق تخريجه صفحة (536).
(4)
ينظر: الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم 3/ 63، فتح الباري 4/ 189.
(5)
رواه الدارقطني في سننه 3/ 169 رقم 2313، والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 433 رقم 8244، في الصيام، باب قضاء شهر رمضان إن شاء متفرقا، وإن شاء متتابعا، وقالا:"عبد الرحمن بن إبراهيم ضعيف الحديث". وقال الألباني في تمام المنة ص 424: "جملة القول، أنه لا يصح في هذا الباب شيء لا سلبا ولا إيجابا".
(6)
رواه عبد الرزاق في المصنف 4/ 241 رقم 7657، والدارقطني في السنن 3/ 170 رقم 2315، في الصيام، باب القبلة للصائم، وقال:"هذا إسناد صحيح"، والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 430 رقم 8234، في الصيام باب قضاء شهر رمضان إن شاء متفرقا، وإن شاء متتابعا. تنبيه: وهذا ما يسمى عند أهل السنة نسخ التلاوة، كما سيأتي في الصفحة التالية.
وجه الاستدلال: أن هذه اللفظة وإن سقطت تلاوتها لكن بقي حكمها؛ كآية الرجم (1) ، والقراءة الشاذة تجري مجرى الخبر الواحد (2).
الدليل الخامس: عن علي رضي الله عنه «في قضاء رمضان، قال: متتابعا» (3).
وجه الاستدلال: فهذا علي ¢ كان لا يرى قضاء رمضان إلا متتابعا.
الدليل السادس: ولأن القياس يقتضي التتابع؛ إلحاقا لصفة القضاء بصفة الأداء، أصل ذلك الصلاة والحج (4).
الراجح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول: أنه يجوز تأخير قضاء رمضان وتفريقه بعذر وبغير عذر؛ لقوة أدلتهم، وفي حديث عائشة رضي الله عنها دلالة على جواز تأخير قضاء رمضان مطلقا سواء كان لعذر أو لغير عذر؛ لأن الظاهر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك مع توفر دواعي أزواجه على السؤال منه عن أمر الشرع، فلولا أن ذلك كان جائزا لم تواظب عائشة عليه (5).
وقد جاء عنها رضي الله عنها أنها قالت: «ما قضيت شيئا مما يكون علي من رمضان إلا في شعبان، حتى قُبِض رسول الله صلى الله عليه وسلم» (6).
(1) ينظر آية الرجم التي نسخت تلاوة لا حكما من حديث عمر ¢ في: صحيح البخاري 8/ 168 رقم 6829، كتاب الحدود، باب الاعتراف بالزنى، ومسلم 3/ 1317، رقم 1691، كتاب الحدود، باب رجم الثيب في الزنى.
(2)
ينظر: المحلى 4/ 408، شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 343.
(3)
رواه البيهقي في السنن الكبرى 4/ 433 رقم 8245، في الصيام، باب قضاء شهر رمضان إن شاء متفرقا، وإن شاء متتابعا، وقال بعد حديث 8247:"واختلف فيه على علي بن أبي طالب، وراويه الحارث الأعور، والحارث ضعيف".
(4)
ينظر: بداية المجتهد 2/ 61، فتح الباري 4/ 189.
(5)
ينظر: فتح الباري 4/ 191.
(6)
رواه ابن خزيمة في صحيحه 3/ 270 رقم 2051، في الصيام باب ذكر الدليل على أن الحائض يجب عليها قضاء الصوم في أيام طهرها
…
، واللفظ له، والترمذي 3/ 143 رقم 783، في الصيام، باب ما جاء في تأخير قضاء رمضان، وقال:"حديث حسن صحيح"، وأحمد 41/ 406 رقم 24928، وقال محققه شعيب الأرنؤوط:"حديث صحيح".
فهذا تصريح منها أن قضاءها كله كان في شعبان إلى أن قُبِض النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعيد جدا أن يحصل منها ذلك وهي في بيت النبوة، دون اطلاع الرسول صلى الله عليه وسلم وإقراره.
كما أن اتفاق من ذُكِر من الصحابة على جواز ذلك يقوي هذا القول.
وأما ما استدل به أصحاب القول الثاني فيجاب عنه بما يلي:
أولا: أما استدلالهم بقوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} ، فيجاب عنه:
أنه لا شك أن معنى الآية بادروا وسابقوا إلى الأعمال التي توجب المغفرة، من أداء الواجبات والأعمال الصالحة والتوبة من الذنوب، وغير ذلك (1).
لكن السؤال: هل يصلح الاستدلال بها على إيجاب شيء لم يوجبه الله ولا رسوله، أو الواجب الرجوع إلى النصوص التي بينت الأحكام وفصلتها؟ .
الجواب: لا شك أن الواجب الرجوع إلى النصوص التي بينت الأحكام وفصَّلتها، وقد جاءت النصوص صريحة في الإذن بتأخير القضاء وتفريقه، فلا معنى إذن للاستدلال بهذه الآية على إيجاب قضاء رمضان على الفور أو لزوم تتابعه.
ثانيا: وأما استدلالهم بحديث عائشة رضي الله عنها الذي استدل به أصحاب القول الأول:
فقد عرفنا وجه الاستدلال الصحيح منه في أدلة القول الأول.
ثالثا: وأما استدلالهم بحديث: «من كان عليه صوم رمضان فليسرده ولا يقطعه» ، فيجاب عنه: أنه حديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
رابعا: وأما استدلالهم بأثر علي رضي الله عنه أنه قال في قضاء رمضان: «متتابعا» ، فيجاب عنه:
أنه إن صح هذا الأثر فمعناه استحباب التتابع لا إيجابه، والدليل أنه قد جاء عنه أنه:«كان لا يرى به متفرقا بأسا» (2).
خامسا: وأما استدلالهم بأثر عائشة رضي الله عنها والذي فيه: «نزلت {فعدة من أيام أخر} متتابعات، فسقطت متتابعات» ، فيجاب عنه:
(1) ينظر: تفسير البغوي 1/ 506، وتفسير ابن أبي حاتم 3/ 761، والوسيط للواحدي 1/ 492، والكشف والبيان 3/ 148، والدر المنثور 2/ 314.
(2)
رواه البيهقي في السنن الكبرى 4/ 433 رقم 8246، في الصيام، باب قضاء شهر رمضان إن شاء متفرقا، وإن شاء متتابعا.
أن المقصود أن هذه اللفظة نُسِخت ورُفِع حكمها وتلاوتها.
قال الطحاوي: "فإنما أرادت به: نُسِخت، وسقط حكمها، ورُفِعت تلاوتها"(1).
سادسا: وأما قولهم: إن القياس يقتضي التتابع؛ إلحاقا لصفة القضاء بصفة الأداء، فيجاب عنه: أن التتابع في الأداء ما وجب لمكان الصوم، ليقال: أينما كان الصوم كان التتابع شرطا، وإنما وجب لأجل الوقت؛ لأنه وجب عليهم صوم شهر معين، ولا يُتمَكن من أداء الصوم في الشهر كله إلا بصفة التتابع، فكان لزوم التتابع لضرورة تحصيل الصوم في هذا الوقت. وهذا هو الأصل: أن كل صوم يؤمر فيه بالتتابع لأجل الفعل وهو الصوم، ويكون التتابع شرطا فيه حيث دار الفعل، وكل صوم يؤمر فيه بالتتابع لأجل الوقت، فَفوات ذلك الوقت يُسقِط التتابع، وإن بقي الفعل واجب القضاء (2). والله أعلم.
(1) معرفة السنن والآثار 6/ 313، وينظر: فتح الباري 4/ 189.
(2)
ينظر: بدائع الصنائع 2/ 77، وتفسير القرطبي 2/ 282.