المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الخامس: حكم إفطار المسافر بعد أن كان قد شرع في الصيام - الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف

[موافقي الأمين]

فهرس الكتاب

- ‌ الافتتاحية

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌خطة البحث

- ‌المنهج المتبع في البحث:

- ‌الشكر وتقدير:

- ‌التمهيددراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري واختياراته

- ‌المبحث الأول: دراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول:‌‌ اسمه، ونسبه، و‌‌كنيته، و‌‌لقبه

- ‌ اسمه، ونسبه

- ‌كنيته

- ‌لقبه

- ‌المطلب الثاني:‌‌ مولده، و‌‌أسرته، ووفاته

- ‌ مولده

- ‌أسرته

- ‌وفاته:

- ‌المطلب الثالث: نشأته، وطلبه للعلم

- ‌المطلب الرابع:‌‌ شيوخه، وتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌أولا: الشيخ أبو الهدى عبد السلام بن الشيخ خان محمد بن أمان الله المباركفوري

- ‌ثانيا: الشيخ العلامة أبو طاهر البهاري

- ‌ثالثا: الشيخ أبو العلى محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن الشيخ بهادر المباركفوري

- ‌رابعا: الشيخ العلامة أحمد الله بن أمير الله بن فقير الله فرتاب كرهي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفور جيراجفوري

- ‌سادسا: الشيخ العلامة محمد أعظم بن فضل الدين أبو عبد الله الجوندلوي الباكستاني

- ‌تلامذته:

- ‌أولا: الشيخ عبد الجليل بن تعلقدار الرحماني البستوي

- ‌ثانيا: الشيخ محمد إدريس آزاد الرحماني الأملوي

- ‌ثالثا: الشيخ عبد المعيد بن عبد المجيد بن عبد القادر أبو عبيدة البنارسي

- ‌رابعا: الشيخ آفتاب آحمد الرحماني البنغلاديشي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفار حسن بن العلامة عبد الستار بن عبد الجبار العمر فوري الرحماني

- ‌سادسا: الشيخ أحمد الله بن عبد الكريم الرحماني البنغلاديش

- ‌المطلب الخامس:‌‌ عقيدته، ومذهبه الفقهي

- ‌ عقيدته

- ‌عقيدة الشيخ في الإيمان:

- ‌عقيدة الشيخ في الأسماء والصفات:

- ‌عقيدته في التوسل ودعاء الأموات والغائبين:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌المطلب السادس: ثناء العلماء عليه

- ‌المطلب السابع: آثاره العلمية

- ‌المبحث الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول: تعريف الاختيار

- ‌في اللغة:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌التعريف الأول:

- ‌التعريف الثاني:

- ‌وقد عرفه بعض الباحثين باعتبار أقسامه الثلاثة:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي والإنفراد:

- ‌تعريف الرأي:

- ‌وأما في الاصطلاح فقد عرف بعدة تعاريف منها:

- ‌تعريف الإنفراد:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي:

- ‌وجه التشابه بينهما:

- ‌وجه الاختلاف بينهما:

- ‌الفرق بين الإختيار والإنفراد:

- ‌الفرق بين الإنفراد والرأي:

- ‌المطلب الثاني: منهج المباركفوري في اختياراته، وموقف العلماء منها

- ‌المطلب الثالث: دراسة الصيغ المعتبرة (في الاختيار) عند الشيخ المباركفوري

- ‌الباب الأول: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في الصيام

- ‌الفصل الأول: في تسمية الشهر، وفي رؤية الهلال، وفي يوم الشك

- ‌المبحث الأول: حكم قول رمضان، وفي رؤية الهلال

- ‌المطلب الثاني: اعتبار اختلاف المطالع

- ‌المطلب الثالث: هل يثبت دخول الشهر بالحساب الفلكي

- ‌المطلب الرابع: عدد الشهود في هلال شهر رمضان

- ‌المطلب الخامس: عدد الشهود لثبوت هلال شوال

- ‌المطلب السادس: هل يكفي الإخبار ممن رأى الهلال أو تشترط الشهادة

- ‌المطلب السابع: حكم صيام من رأى هلال شوال وحده فردت شهادته

- ‌المطلب الثامن: حكم من أفطر ثم تبين أن اليوم من رمضان

- ‌المبحث الثاني: في يوم الشك، والصوم بعد انتصاف شعبان

- ‌المطلب الأول: في تعيين يوم الشك

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر

- ‌المطلب الثالث: من صام يوم الشك فتبين أنه من رمضان

- ‌المطلب الرابع: حكم الصيام بعد انتصاف شعبان

- ‌الفصل الثاني: في النية وصيام المسافر

- ‌المبحث الأول: في النية

- ‌المطلب الأول: في النية للفرض

- ‌المسألة الثانية: حكم النية لكل يوم من رمضان

- ‌المسألة الثالثة: حكم تعيين النية

- ‌المسألة الرابعة: حكم التَلَفُّظ بالنية

- ‌المسألة الخامسة: هل يُشترَط أن تُعقَد النية في جزء معين من الليل

- ‌المسألة السادسة: حكم ما إذا فعل بعد النية قبل الفجر ما ينافي الصوم

- ‌المطلب الثاني: في النية النفل

- ‌المسألة الأولى: حكم صيام يوم الشك بنية التطوع

- ‌المسألة الثانية: حكم نية صوم النفل من النهار

- ‌المسألة الثالثة: حكم عقد نية النفل بعد الزوال

- ‌المبحث الثاني: صوم السفر

- ‌المطلب الأول: حكم الصيام في السفر

- ‌المطلب الثاني: ما الأفضل للمسافر الصيام أو الفطر

- ‌المطلب الثالث: حد السفر المبيح للفطر

- ‌المطلب الرابع: حكم إفطار المسافر الذي استهل عليه رمضان وهو مقيم

- ‌المطلب الخامس: حكم إفطار المسافر بعد أن كان قد شرع في الصيام

- ‌المطلب السادس: حكم إفطار من سافر بعد طلوع الفجر

- ‌الفصل الثالث: في المفطرات وما يجتنبه الصائم، وفي الكفارة وخصالها

- ‌المبحث الأول: في المفطرات وما يجتنبه الصائم

- ‌المطلب الثاني: حكم الفصد للصائم

- ‌المطلب الرابع: حكم التقبيل للصائم

- ‌المطلب الخامس: حكم الاستياك للصائم

- ‌المسألة الثانية: الاستياك بالعود الرطب

- ‌المسألة الثالثة: الاستياك في صوم الفريضة

- ‌المطلب السابع: حكم الوصال في الصيام

- ‌المسألة الأولى: الوصال أكثر من يوم

- ‌المسألة الثانية: الوصال إلى السَحَر

- ‌المطلب الثامن: حكم من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم

- ‌المطلب العاشر: حكم انغماس الصائم في الماء

- ‌المطلب الحادي عشر: في الأكل والشرب للمتسحر

- ‌المسألة الأولى: حكم من أكل أو شرب وهو شاك في الفجر

- ‌المسألة الثانية: هل المعتبر في تحريم الأكل والشرب تَبَيُّن الفجر أو طلوع الفجر

- ‌المطلب الثالث عشر: حكم صيام الحائض والنُفَساء إذا طهرت قبل الفجر، ولم تغتسل إلا بعد الفجر

- ‌المبحث الثاني: في الكفارة، وخصالها

- ‌المطلب الثاني: هل على المرأة المجامعة في رمضان كفارة

- ‌المطلب الثالث: هل على من جامع ناسيا في رمضان كفارة

- ‌المطلب الرابع: هل الأكل والشرب في رمضان عمدا يوجبان الكفارة كالجماع

- ‌المطلب السادس: هل الخصال الثلاثة في كفارة الجماع في رمضان على الترتيب أو على التخيير

- ‌المطلب السابع: حكم اشتراط التتابع في صيام كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب الثامن: ما هو الحد الواجب في الإطعام في كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب التاسع: هل يشترط في الرقبة المعتقة في كفارة الجماع في رمضان أن تكون مؤمنة

- ‌الفصل الرابع: في صوم التطوع، والأيام التي نهي عن الصوم فيها، وفي النذر، وصوم عاشوراء

- ‌المبحث الأول: في صوم التطوع والأيام التي نهي عن الصوم فيها

- ‌المطلب الأول: حكم إفراد يوم الجمعة بصيام

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام يوم السبت

- ‌المطلب الثالث: حكم صيام يوم عرفة للحاج

- ‌المطلب الخامس: حكم صيام عشر ذي الحِجَّة

- ‌المطلب السادس: حكم صيام الدهر

- ‌المطلب السابع: حكم صيام الست من شوال

- ‌المطلب الثامن: ما هو أفضل الصيام بعد رمضان صيام شعبان أو المحرم

- ‌المطلب التاسع: حكم الإفطار في صوم النافلة

- ‌المطلب العاشر: تعيين الأفضل في صيام ثلاثة أيام من كل شهر

- ‌المطلب الحادي عشر: ما هي أيام البيض

- ‌المطلب الثاني عشر: معنى صيام يوم في سبيل الله

- ‌المبحث الثاني: في النذر، وفي أعذار الفطر

- ‌المطلب الأول: حكم من نذر صوم العيدين متعمدا لعينيهما

- ‌المطلب الثاني: حكم من نذر صوم يوم قدوم فلان مثلا فوافق يوم عيد

- ‌المطلب الثالث: هل الضيافة عذر للإفطار من صوم النفل

- ‌المطلب الرابع: هل يستحب لمن كان صائما صيام نفل أن يفطر إذا دُعي

- ‌المبحث الثالث: في صوم عاشوراء

- ‌المطلب الأول: نسخ وجوب صيام يوم عاشوراء

- ‌المطلب الثاني: هل عاشوراء هو اليوم التاسع أو اليوم العاشر

- ‌المطلب الثالث: ما الأفضل في صيام عاشوراء

- ‌المطلب الرابع: هل صيام يوم مع عاشوراء لاحتمال الشك أو لمخالفة أهل الكتاب

- ‌المطلب الخامس: هل الأفضل صيام يوم عاشوراء أو يوم عرفة

- ‌الباب الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر، وفي الاعتكاف

- ‌الفصل الأول: في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر

- ‌المبحث الأول: في قضاء الصوم

- ‌المطلب الأول: هل يجب قضاء رمضان على الفور؟ ، وهل يجب التتابع

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز التطوع قبل القضاء

- ‌المطلب الثالث: هل يقضي من أفطر في صيام النفل

- ‌المطلب الرابع: حكم صيام المرأة النفل وقضاء الواجب بغير إذن زوجها

- ‌المطلب الخامس: هل يقضي المجامع في رمضان اليوم الذي جامع فيه

- ‌المطلب السادس: حكم القضاء على من ذرعه القيء

- ‌المطلب السابع: هل يقضي من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌المطلب الثامن: هل يقضي الصوم من تمضمض أو استنشق فغلبه الماء

- ‌المطلب التاسع: حكم من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر

- ‌المطلب العاشر: ما الواجب على المُرضع والحامل إذا خافتا على ولدهما فقط

- ‌المبحث الثاني: في القضاء عن الميت

- ‌المطلب الأول: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي أمكنه التدارك

- ‌المطلب الثاني: ما الصوم الذي يصام عن الميت

- ‌المطلب الثالث: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي لم يمكنه التدارك

- ‌المبحث الثالث: في ليلة القدر

- ‌المطلب الأول: في تعيين ليلة القَدْر

- ‌المطلب الثاني: هل ليلة القدر خاصة بهذه الأمة

- ‌الفصل الثاني: في الاعتكاف

- ‌المبحث الأول: في حكمه، واشتراط الصوم له، وغير ذلك

- ‌المطلب الأول: حكم (الاعتكاف)

- ‌المطلب الثاني: هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف

- ‌المطلب الثالث: هل لأقل الاعتكاف حدّ

- ‌المطلب الرابع: هل ينقطع اعتكاف من عاد مريضا أو صلى على جنازة

- ‌المطلب الخامس: هل يجوز (الاشتراط في الاعتكاف)

- ‌المطلب السادس: حكم من نذر الاعتكاف قبل إسلامه

- ‌المطلب السابع: متى يدخل المعتكِف معتكَفه

- ‌المطلب الثامن: حكم قضاء الاعتكاف

- ‌المبحث الثاني: في مكان الاعتكاف

- ‌المطلب الأول: أين تعتكف المرأة

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

- ‌المطلب الثالث: هل يجوز الاعتكاف في غير (المسجد الجامع)

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب الخامس: حكم إفطار المسافر بعد أن كان قد شرع في الصيام

‌المطلب الخامس: حكم إفطار المسافر بعد أن كان قد شرع في الصيام

.

اختيار الشيخ: اختار جواز إفطار المسافر بعد أن كان قد شرع في الصيام، فقال:"قلت: والراجح عندي في المسألتين هو ما ذهب إليه أحمد ومن وافقه، والله تعالى أعلم"(1).

تحرير محل الخلاف: سبق أن عرفنا أن عامة أهل العلم يجيزون الفطر والصيام للمسافر في شهر رمضان (2).

واختلفوا في حكم من كان في سفر، وشرع في الصيام ثم بدا له أن يفطر، على ثلاثة أقوال:

القول الأول: يجوز له الفطر.

وبه قال: الحنابلة (3) ، وابن حَبِيب (4) ، ومُطَرّف من المالكية (5) ، وهو الصحيح عند الشافعية (6)، وهو اختيار الشيخ.

القول الثاني: لا يجوز له الفطر لكن إن أفطر لا كفارة علي.

وبه قال: الحنفية (7) ، وقول عند المالكية (8) ، ووجه عند الشافعية (9).

القول الثالث: لا يجوز له الفطر فإن أفطر فعليه الكفارة.

(1) مرعاة المفاتيح 7/ 13. يعني هذه المسألة والتي تليها.

(2)

ص 194، 227. وخالف الظاهرية ص 194 فأوجبوا الفطر على من سافر في رمضان، وخالف عبيدة السلماني ومن وافقه ص 227 فأوجبوا الصيام على من استهل عليه رمضان وهو مقيم ثم سافر.

(3)

المغني 3/ 118، الفروع 4/ 442، المبدع 3/ 14، الإنصاف 3/ 288.

(4)

هو: عبد الملك بن حَبِيب بن سليمان السُلمي الألبيري القرطبي، أبو مروان العباسي، كان عالم الأندلس ومؤرخها، رأسا في فقه المالكية، سمع من: عبد الملك بن الماجشون، ومطرف بن عبد الله، وجماعة، توفي سنة 238 هـ، من مصنفاته: الواضحة، وتفسير موطأ مالك. ينظر: ترتيب المدارك 3/ 30، تاريخ العلماء بالأندلس 1/ 313، الديباج المذهب ص 154.

(5)

المنتقى للباجي 2/ 49، مناهج التحصيل 2/ 86.

(6)

الحاوي الكبير 3/ 448، المهذب 1/ 327، الوسيط 2/ 539، المجموع 6/ 261.

(7)

المبسوط للسرخسي 3/ 92، بدائع الصنائع 2/ 95، درر الحكام 1/ 203، رد المحتار 2/ 431.

(8)

الرسالة ص 61، الكافي 1/ 338، المنتقى 2/ 50، الذخيرة 2/ 513.

(9)

المهذب 1/ 327، الوسيط 2/ 539، المجموع 6/ 261.

ص: 233

وبه قال: مالك في رواية ابن القاسم (1)(2)، وهو المشهور من المذهب (3).

سبب الخلاف: والسبب في اختلافهم راجع إلى أمرين:

السبب الأول: هل الصوم في السفر يكون كجزء واحد لا يتجزأ، فلا يصح الإفطار، أو كل جزء منه قائم بنفسه، فيكون السفر مبيحا للفطر في كل وقت (4).

السبب الثاني: هل فطر النبي صلى الله عليه وسلم في سفره بعد أن بيت الصيام هو دليل على الإباحة عموما، أو هو دليل على الإباحة للمضطر دون المختار؟ (5).

أدلة القول الأول: القائلين بأنه يجوز له الفطر.

الدليل الأول: قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (6).

وجه الاستدلال: أن الله قد أباح للمسافر الفطر، ولم يفرق بين من كان قد نوى الصيام في سفره ذلك ثم أفطر، وبين من كان قد نوى فطر ذلك اليوم.

الدليل الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة في رمضان فصام، حتى بلغ الكَديد أفطر، فأفطر الناس» (7).

الدليل الثالث: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان، فصام حتى بلغ كراع الغميم، فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام؟ فقال: «أولئك العصاة! أولئك العصاة! » (8).

(1) هو: عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة العُتَقي، مولى زيد بن الحارث العتقي، من كبار المصريين وفقهائهم، روى عن: الإمام مالك، والليث، وابن الماجشون، وروى عنه: أصبغ، وسحنون، وخرج له البخاري في صحيحه، وعنه رويت أقوال الإمام مالك في المدونة، توفي بمصر سنة 191 هـ. ينظر: الديباج المذهب 1/ 465، سير أعلام النبلاء 9/ 120، الأعلام 323.

(2)

المدونة 1/ 272، الكافي 1/ 338، الذخيرة 2/ 513، المنتقى 2/ 50.

(3)

نص عليه خليل في التوضيح 2/ 446.

(4)

ينظر: التنبيه على مبادئ التوجيه 2/ 730.

(5)

ينظر: مناهج التحصيل 2/ 87.

(6)

سورة البقرة: آية: 185

(7)

سبق تخريجه صفحة (200).

(8)

سبق تخريجه صفحة (200).

ص: 234

وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أفطر بعد أن كان متلبسا بالصيام، فدل على جواز ذلك (1).

قال ابن عبد البر (2): "فهذه الآثار كلها تبين لك أن للصائم أن يفطر في سفره بعد دخوله في الصوم، مختارا له في رمضان"(3).

الدليل الرابع: عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على نهر من ماء السماء والناس صيام في يوم صائف مشاة، ونبي الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له، فقال:«اشربوا أيها الناس» ، قال: فأبوا، قال:«إني لست مثلكم إني أيسركم، إني راكب» ، فأبوا، فثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذه فنزل فشرب وشرب الناس، وما كان يريد أن يشرب (4).

وجه الاستدلال: أن هذا نص صريح في جواز إفطار المسافر بعد أن كان قد نوى الصيام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أفطر بعد أن كان قد شرع في الصيام وأمر الناس بذلك (5).

الدليل الخامس: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران (6)، فأُتِي بطعام، فقال لأبي بكر وعمر:«ادنوا فكلا» ، فقالا: إنا صائمان. فقال: «اعملوا لصاحبيكم، ارحلوا لصاحبيكم (7)، ادنوا فكلا» (8).

(1) ينظر: المنتقى للباجي 2/ 50.

(2)

هو: يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري الحافظ، أبو عمر، ولد بقرطبة، من أجلة المحدثين والفقهاء، شيخ علماء الأندلس، ومؤرخ أديب، مكثر من التصنيف، وتوفي بشاطبة سنة 463 هـ، من تصانيفه: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد؛ والكافي في الفقه. ينظر: ترتيب المدارك 8/ 127، وشجرة النور الزكية 1/ 176، الأعلام 9/ 317، والديباج المذهب ص 357.

(3)

التمهيد 22/ 53.

(4)

سبق تخريجه صفحة (213).

(5)

ينظر: المغني 3/ 118، نيل الأوطار 4/ 269.

(6)

مَرَّ الظَّهْرَانِ: هو واد بين مكة وعُسْفان، شمال مكة على مسافة اثنين وعشرين كيلا، وفيه عدد من القرئ منهاالجموم وبحرة. ينظر: معجم البلدان 4/ 63، المعالم الأثيرة ص 184.

(7)

قال أبو حاتم: "يريد به: كأني بكما وقد احتجتما إلى الناس من الضعف إلى أن تقولوا: ارْحَلُوا لِصَاحِبَيْكُمَا، اعْمَلُوا لِصَاحِبَيْكُمَا". صحيح ابن حبان 8/ 324.

(8)

رواه النسائي 4/ 177 رقم 2264، في الصيام، باب ما يكره من الصيام في السفر، وأحمد 14/ 156 رقم 8437. وقال الألباني في السلسلة الصحيحة 1/ 168 رقم 85:"إسناده صحيح على شرط مسلم".

ص: 235

وجه الاستدلال: في هذا الحديث دليل على أن للصائم في السفر الفطر بعد مضي بعض النهار (1)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر وعمر رضي الله عنهما بالفطر بعد أن أخبراه بصومهما.

الدليل السادس: وقياسا على المريض؛ فكما أجزنا للمريض الإفطار بعد تلبسه بالصيام لوجود العذر، فكذلك نجيز للمسافر الفطر بعد تلبسه بالصيام لوجود العذر (2).

أدلة القول الثاني: القائلين لا يجوز له الفطر لكن إن أفطر لا كفارة عليه.

الدليل الأول: قياسا على الصلاة؛ فكما لا يجوز له أن يترخص بقصر الصلاة إذا دخل فيها بنية الإتمام، فكذا لا يجوز للمسافر الترخص بالفطر إذا دخل فيه بنية الإتمام (3).

الدليل الثاني: ولأنه أفطر في صوم رمضان، فلزمه القضاء كما لو كان حاضرا (4).

الدليل الثالث: ولأنه ليس في حديث ابن عباس رضي الله عنه الذي فيه إفطار النبي صلى الله عليه وسلم بالكديد دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم نوى الصيام في ليلة اليوم الذي أفطر فيه، فيحتمل أن يكون نوى أن يصبح مفطرا، ثم أظهر الإفطار ليفطر الناس (5).

أدلة القول الثالث: القائلين بأنه لا يجوز له الفطر فإن أفطر فعليه الكفارة.

الدليل الأول: لأن المفطر كانت له السعة في أن يفطر أو يصوم، فإذا صام فليس له أن يخرج منه إلا بعذر من الله، فإن أفطر متعمدا كانت عليه الكفارة (6).

الدليل الثاني: لأن الله تعالى خير العبد بين الفطر والصوم، فأيهما اختار لزمه أحكامه. ومن أحكام الصوم: الكفارة على الإفساد (7).

الترجيح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول: أنه يجوز له الفطر؛ وذلك لصحة أدلتهم، ولأنها نص في محل النزاع ودلالتها على جواز فطر الصائم المسافر بعد أن كان نوى الصيام واضحة، ولضعف ما استدل به أصحاب القولين الآخرين، وبيانه كالتالي:

(1) ينظر: صحيح ابن خزيمة 2/ 977.

(2)

ينظر: المهذب 1/ 327، حاشيتا قليوبي وعميرة 2/ 82.

(3)

ينظر: المهذب للشيرازي 1/ 327.

(4)

ينظر: المغني 3/ 118.

(5)

ينظر: فتح الباري 4/ 182.

(6)

ينظر: المدونة 1/ 272.

(7)

ينظر: الذخيرة 2/ 513، والمنتقى للباجي 2/ 50.

ص: 236

أولا: أما إيجاب الكفارة عليه: فقد أجاب المالكية أنفسهم على ذلك.

فقال ابن عبد البر: "الحجة في سقوط الكفارة واضحة من جهة النظر؛ لأنه متأول غير هاتك لحرمة صومه عند نفسه، وهو مسافر قد دخل في عموم إباحة الفطر. ومن جهة الأثر أيضا"(1).

ثم ذَكَر حديث فطره صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام في حديث فتح مكة السابق.

وقال الباجي: "ولأن صومه انعقد في حالة أُبيح له تركه، فلم يجب عليه كفّارة؛ كما لو أفطر في قضاء رمضان"(2).

ثانيا: وأما من منعه من الفطر، فيجاب عنه بما يلي:

أما قياسهم الصيام على الصلاة فيجاب عنه: أن بينهما فرقا، وذلك: أن من دخل في الصلاة تامة فإنه قد التزم الإتمام، فلم يجز له القصر؛ لئلا يذهب ما التزمه لا إلى بدل.

وأما المسافر إذا صام ثم افطر، فلا يترك الصوم إلا إلى بدل وهو القضاء، فجاز له ذلك، مع دوام عذره (3).

وأما قولهم: إنه ليس في حديث ابن عباس رضي الله عنه الذي فيه إفطار النبي صلى الله عليه وسلم بالكديد دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم نوى الصيام في ليلة اليوم الذي أفطر فيه، فيحتمل أن يكون نوى أن يصبح مفطرا، ثم أظهر الإفطار ليفطر الناس. فيجاب عنه من وجهين:

الأول: أن سياق الأحاديث ظاهر في أنه صلى الله عليه وسلم كان أصبح صائما ثم أفطر (4).

والثاني: على التسليم بأنه صلى الله عليه وسلم لم ينو ليلا، فماذا يقال في حق الصحابة رضي الله عنهم، فإنهم أفطروا بعد ما نووا الصيام بلا شك كما سبق (5). والله أعلم.

(1) التمهيد 22/ 51.

(2)

المنتقى 2/ 50.

(3)

ينظر: المجموع 6/ 261، والحاوي الكبير 3/ 448.

(4)

ينظر: فتح الباري 4/ 182.

(5)

ينظر: المصدر السابق.

ص: 237