الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: هل عاشوراء هو اليوم التاسع أو اليوم العاشر
؟ .
اختيار الشيخ: اختار أن عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم، فقال:"يوم عاشوراء، أي: اليوم العاشر من المحرم"(1).
اختلف أهل العلم في تعيين يوم عاشوراء على قولين:
القول الأول: هو اليوم العاشر.
وبه قال: الحنفية (2) ، والمالكية (3) ، والشافعية (4) ، والحنابلة (5)، وهو اختيار الشيخ.
وهو الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنه (6).
القول الثاني: هو اليوم التاسع.
وهو قول: الظاهرية (7)، وروي ذلك عن: ابن عباس رضي الله عنه (8).
سبب الخلاف: قال ابن رشد: "والسبب في ذلك اختلاف الآثار"(9).
أدلة القول الأول: القائلين بأن عاشوراء هو اليوم العاشر.
الدليل الأول: عن ابن عباس رضي الله عنه قال: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم عاشوراء يوم عاشر» (10).
الدليل الثاني: عن عائشة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصيام عاشوراء، يوم العاشر» (11).
(1) مرعاة المفاتيح 7/ 45.
(2)
درر الحكام 1/ 197، البحر الرائق 2/ 277، مراقي الفلاح 1/ 235، رد المحتار 2/ 375.
(3)
البيان والتحصيل 17/ 325، المنتقى 2/ 58، مواهب الجليل 2/ 403، حاشية الدسوقي 1/ 516.
(4)
الحاوي الكبير 3/ 473، العزيز 3/ 246، المجموع 6/ 383، نهاية المحتاج 3/ 207.
(5)
مسائل أحمد وإسحاق 3/ 1226، المغني 3/ 177، الفروع 5/ 89، المقنع 1/ 318.
(6)
مصنف عبد الرزاق 4/ 288 رقم 7841.
(7)
المحلى، 4/ 437.
(8)
معالم السنن 2/ 132، الاستذكار 3/ 329، المجموع 6/ 383، المغني 3/ 177.
(9)
بداية المجتهد 2/ 70.
(10)
رواه الترمذي 3/ 119 رقم 755، في الصيام باب ما جاء عاشوراء أي يوم هو، وقال:"حديث حسن صحيح"، وصححه الألباني في صحيح الجامع 3968.
(11)
رواه البزار 18/ 153 رقم 1051، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 3/ 189 رقم 5135:"رجاله رجال الصحيح"، ونقل الألباني في السلسلة الضعيفة 8/ 311 عن الحافظ ابن حجر أنه قال:"إسناده صحيح".
وجه الاستدلال: في الحديثين دليل على أن العاشوراء هو اليوم العاشر (1).
الدليل الثالث: عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صام يوم عاشوراء، فقالوا: يا رسول الله إنه يوم تُعظِّمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فإذا كان العام المقبل إن شاء الله تعالى صمنا اليوم التاسع» ، قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
وجه الاستدلال: أن هذا الحديث يدل دلالة صريحة على أن عاشوراء هو اليوم العاشر وليس التاسع، وأنه صلى الله عليه وسلم هَمَّ بصوم التاسع، فمات قبل ذلك، ثم ما هَمّ به من صوم التاسع معناه أنه لا يقتصر عليه بل يضيفه إلى اليوم العاشر (3).
قال ابن عبد البر: "وفي هذا دليل على أنه كان يصوم العاشر إلى أن مات، ولم يزل يصومه حتى قَدِم المدينة، وذلك محفوظ من حديث ابن عباس رضي الله عنه "(4).
الدليل الرابع: عن ابن عباس رضي الله عنه، قال:«صوموا التاسع والعاشر، وخالفوا اليهود» (5).
وجه الاستدلال: في هذا الأثر رد على من قال إن مذهب ابن عباس رضي الله عنه أن عاشوراء هو اليوم التاسع، بل إنه كان يرى صوم اليوم التاسع مع العاشر كما هو صريح في هذا الأثر.
الدليل الخامس: عن ابن عباس رضي الله عنه قال: «يوم عاشوراء العاشر» (6).
وجه الاستدلال: وهذا تصريح من ابن عباس رضي الله عنه أن عاشوراء هو اليوم العاشر.
أدلة القول الثاني: القائلين بأن عاشوراء هو اليوم التاسع.
(1) ينظر: تحفة الأحوذي 3/ 382.
(2)
أخرجه مسلم 1/ 797 رقم 1134، في الصيام باب أي يوم يصام في عاشوراء.
(3)
ينظر: نخب الأفكار 8/ 407، وفتح الباري 4/ 245، ونيل الأوطار 4/ 290، وكوثر المعاني 13/ 189.
(4)
التمهيد 7/ 215.
(5)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 4/ 275 رقم 8404، في الصيام، باب صوم يوم التاسع، وفي فضائل الأوقات رقم 242، باب استحباب صوم اليوم التاسع مع العاشر، وعبد الرزاق في المصنف 4/ 287 رقم 7839، والطحاوي في شرح معاني الآثار 2/ 78 رقم 3302، وأشار إليه الترمذي في السنن 3/ 119، وقال الألباني في صحيح أبي داود 7/ 207:"إسناده صحيح".
(6)
رواه عبد الرزاق في المصنف 4/ 288 رقم 7841، في الصيام، باب صيام يوم عاشوراء.
الدليل الأول: عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صام يوم عاشوراء، فقالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فإذا كان العام المقبل إن شاء الله تعالى صمنا اليوم التاسع» ، قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد عزم على أن ينقل صيام يوم عاشوراء إلى اليوم التاسع؛ مخالفة لليهود، فكان هو المرغب في صيامه دون اليوم العاشر.
الدليل الثاني: عن الحَكَم بن الأعرج (2)، قال: انتهيت إلى ابن عباس رضي الله عنه، وهو متوسد رداءه في زمزم، فقلت له: أخبرني عن صوم عاشوراء، فقال:«إذا رأيت هلال المحرم فاعدد، وأصبح يوم التاسع صائما» ، قلت: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه؟ قال: «نعم» (3).
وجه الاستدلال: في هذا الأثر تصريح من ابن عباس رضي الله عنه بأن مذهبه أن عاشوراء هو اليوم التاسع من المحرم (4)، وقد نسب ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الدليل الثالث: ولأنه مأخوذ من إظْماء الإبل (5)؛ فإن العرب تسمي اليوم الخامس من أيام الوِرْد (6) رِبْعا بكسر الراء، وكذا تُسَمّي باقي الأيام على هذه النسبة، فيكون التاسع على هذا عِشْرا بكسر العين (7).
الترجيح: الذي يترجح في هذه المسألة والله أعلم هو القول الأول: أن عاشوراء هو اليوم العاشر؛ وذلك: لقوة أدلتهم، ولصراحة النصوص النبوية في أن المقصود من عاشوراء هو اليوم العاشر. وأما ما استدل به أصحاب القول الثاني فيجاب عنه بما يلي:
(1) سبق تخريجه صفحة (516).
(2)
هو: الحكم بن عبد الله بن إسحاق، المعروف بالحكم بن الأعرج البصري. تابعي ثقة، حدث عن: عبد الله بن عُمر، وعبد الله بن عباس، وغيرهما، وعنه: يونس بن عبيد، ومعاوية بن عمرو بن غلَّاب. ينظر: الطبقات الكبرى 7/ 213، تهذيب الكمال 7/ 103، تهذيب التهذيب 2/ 428.
(3)
رواه مسلم 2/ 797 رقم 1133، في الصيام باب أي يوم يصام في عاشوراء.
(4)
ينظر: المحلى 4/ 437، شرح مسلم للنووي 8/ 12.
(5)
الإظماء: من الظَمَأ وهو العطَش، يقال رجل ظمآن أي عطشان. ينظر: النهاية 3/ 162، تاج العروس 1/ 333.
(6)
ورد الماء: إذا بلَغَه وأَشْرَفَ عليه، دخله أو لم يدخله. ينظر: تاج العروس 9/ 289، المعجم الوسيط 2/ 1024.
(7)
ينظر: المجموع 6/ 383، الذخيرة 2/ 530.
أولا: أما استدلالهم بحديث: «فإذا كان العام المقبل إن شاء الله تعالى صمنا اليوم التاسع» ،
فيجاب عنه من وجهين:
الوجه الأول: أن الحديث يدل على أنه كان يصوم العاشر، وأما التاسع فإنه لم يصمه (1).
قال النووي: "وهذا تصريح بأن الذي كان يصومه صلى الله عليه وسلم ليس هو التاسع، فتعين كونه العاشر"(2).
الوجه الثاني: أن المقصود هو صيام اليوم التاسع مع العاشر، فيحصل بذلك مخالفة اليهود، لا إفراد التاسع وحده.
قال ابن رشد الجد: "لأنه يحتمل: «لأصومن التاسع مع العاشر» كيلا أقصد إلى صيامه بعينه دون أن أخلطه بغيره، كما يفعله اليهود"(3).
ثانيا: وأما استدلالهم بقول ابن عباس رضي الله عنه: «فاعدد، وأصبح يوم التاسع صائما» ، على أن ابن عباس رضي الله عنه يرى أن عاشوراء هو اليوم التاسع، فغير مُسَلَّم؛ لأن ابن عباس رضي الله عنه لم يجعل عاشوراء هو يوم التاسع، بل قال للسائل: صم اليوم التاسع، واكتفى بمعرفة السائل أن يوم عاشوراء هو العاشر (4).
قال الشوكاني: "إن ابن عباس رضي الله عنه أرشد السائل له إلى اليوم الذي يصام فيه وهو التاسع، ولم يُجِب عليه بتعيين يوم عاشوراء أنه اليوم العاشر؛ لأن ذلك مما لا يُسْأَل عنه ولا يَتَعلّق بالسؤال عنه فائدة، فابن عباس لَمّا فهم من السائل أن مقصوده تعيين اليوم الذي يصام فيه أجاب عليه بأنه التاسع. وقوله: «نعم» بعد قول السائل: «أهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم»؟ ، بمعنى: نعم هكذا كان يصوم لو بقي؛ لأنه قد أَخبرَنا بذلك. ولا بد من هذا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم مات قبل صوم التاسع"(5).
ثالثا: وأما قولهم: إنه مأخوذ من إظماء الإبل، فيجاب عنه:
أنه معارض بأن الأصل في الاشتقاق الموافقة في المعنى، والعاشوراء من العشر، وهو المعروف عند أهل اللغة، وأما تقدير أخذه من إظماء الإبل فبعيد (6). والله أعلم.
(1) ينظر: مواهب الجليل 2/ 403.
(2)
المجموع 6/ 383، وشرح مسلم 8/ 12.
(3)
البيان والتحصيل 17/ 325.
(4)
ينظر: التنوير شرح الجامع الصغير 7/ 197، نخب الأفكار 8/ 408.
(5)
نيل الأوطار 4/ 287، وينظر: زاد المعاد 2/ 72.
(6)
ينظر: الذخيرة 2/ 530، المجموع 6/ 383، معجم مقاييس اللغة 4/ 326، والنهاية 3/ 240.