الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: حكم صيام المرأة النفل وقضاء الواجب بغير إذن زوجها
.
اختيار الشيخ: اختار أن المرأة لا يجوز لها صيام النفل ولا قضاء رمضان إذا اتسع الوقت إلا بإذن زوجها، فقال:"قلت: عدم حِلّ الصوم ظاهر في حُرمته، وهو يشمل ابتداء الصوم وقضاؤه، فلا يجوز لها صوم النفل ولا قضاء الواجب إذا كان الوقت متسعا إلا بإذن زوجها"(1).
تحرير محل الخلاف: اتفق الفقهاء أن المرأة تصوم رمضان وما عليها من قضاء إذا ضاق الوقت، ولم يتسع إلا لتلك الأيام، بغير إذن زوجها (2).
واختلفوا في حكم صيام المرأة النفل وقضاء رمضان إذا كان الوقت موسعا بغير إذن زوجها، على ثلاثة أقوال:
القول الأول: لا يجوز للمرأة أن تصوم النفل بغير إذن زوجها، ويجوز لها أن تصوم قضاء رمضان بغير إذنه، وإن كان الوقت موسعا.
وبه قال: الحنفية (3) ، والمالكية (4) ، والحنابلة (5) ، والظاهرية (6).
القول الثاني: يَحرُم عليها صيام النفل وقضاء الواجب الموسع إلا بإذن زوجها.
وهو الصحيح عند: الشافعية (7)، وهو اختيار الشيخ.
القول الثالث: يُكرَه للمرأة أن تصوم النفل بغير إذن زوجها ولا يحرم عليها.
وهو وجه عند: الشافعية (8).
(1) مرعاة المفاتيح 7/ 24.
(2)
ينظر: البحر الرائق 2/ 310، المسالك لابن العربي 4/ 228، المجموع 18/ 242، المغني 8/ 232، المحلى بالآثار 4/ 453.
(3)
بدائع الصنائع 2/ 107، تحفة الفقهاء 1/ 369، تبيين الحقائق 1/ 332، البحر الرائق 2/ 309.
(4)
المنتقى 2/ 67، إكمال المعلم 4/ 102، التاج والإكليل 3/ 390، حاشية الصاوي على الشرح الصغير 1/ 723.
(5)
الفروع 5/ 134، المبدع 3/ 63، دقائق أولي النهى 1/ 500، دليل الطالب ص 254.
(6)
المحلى 4/ 453.
(7)
الحاوي الكبير 11/ 443، المجموع 6/ 392 و 18/ 242، طرح التثريب 4/ 141.
(8)
المجموع 6/ 392، طرح التثريب 4/ 140، فتح الباري 9/ 296.
سبب الخلاف: والسبب في اختلافهم -والله أعلم-: اختلافهم في نهي النبي صلى الله عليه وسلم المرأة عن الصيام بغير إذن زوجها، على ماذا يُحمَل؟ .
أدلة القول الأول: القائلين بأنه لا يجوز للمرأة أن تصوم النفل بغير إذن زوجها، ويجوز لها أن تصوم قضاء رمضان بغير إذنه، وإن كان الوقت موسعا.
الدليل الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تَصومُ المرأة وبَعْلها (1) شاهد إلا بإذنه» (2).
وعنه رضي الله عنه في رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تَصُمْ المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه» (3).
الدليل الثاني: وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَحِلُّ للمرأة أن تَصومَ وزوجها شاهد إلا بإذنه» (4).
وجه الاستدلال: أن النهي المذكور في هذه الأحاديث للتحريم، والمقصود النهي عن صيام النفل؛ كيلا يفوت على الزوج استمتاعه بها؛ لأن حق الزوج عليها واجب، فلا يُترك الواجب للنفل. أما قضاء الفرائض فهو غير داخل تحت النهي؛ لأن الزوج ليس له أن يمنعها من أداء ما عليها من فرائض (5).
الدليل الثالث: وعنه رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصوم المرأة يوما واحدا، وزوجها شاهد إلا بإذنه، إلا رمضان» (6).
(1) البَعْل: هو الزَوْج، ويُجْمع على بُعولَة ينظر: النهاية 1/ 141.
(2)
رواه البخاري 7/ 30 رقم 5192، في النكاح باب صوم المرأة بإذن زوجها تطوعا.
(3)
رواه مسلم 2/ 711 رقم 1026، في الزكاة باب ما أنفق العبد من مال مولاه.
(4)
رواه البخاري 7/ 30 رقم 5195، في النكاح باب لا تأذن المرأة في بيت زوجها لأحد إلا بإذنه.
(5)
ينظر: شرح البخاري لابن بطال 7/ 316، شرح المشكاة للطيبي 5/ 1602، إكمال المعلم 3/ 553، 4/ 103، المحلى 4/ 453.
(6)
رواه أحمد 15/ 458 رقم 9735 ورقم 10168، واللفظ له، وقال الهيثمي في المجمع 3/ 200 رقم 5219:"إسناده حسن"، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 1/ 254 رقم 1052:"إسناد حسن"، وفي رواية عند أبي داود 2/ 330 رقم 2458 بلفظ:«غير رمضان» ، وفي رواية للترمذي 3/ 142 رقم 782، وابن ماجه 1/ 560 رقم 1761 بلفظ:«من غير شهر رمضان» .
وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح للمرأة صوم شهر رمضان بغير إذن زوجها؛ لأن صوم رمضان واجب عليها، فكان كل صوم واجب عليها مثله، يجوز لها أن تصومه بغير إذن زوجها؛ لأن العلة الموجودة في صيام رمضان هي نفسها الموجودة في قضائه (1).
الدليل الرابع: عن ابن عمر رضي الله عنه، قال: أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا نبي الله، ما حق الزوج على زوجته؟ قال:«لا تصوم إلا بإذنه إلا الفريضة، فإن فعلت أثمت ولم يقبل منها» (2).
وفي رواية: «ولا تصوم تطوعا إلا بإذنه، فإن فعلت أثمت، ولم تؤجر» (3).
وجه الاستدلال: أن قوله صلى الله عليه وسلم: «إلا الفريضة» ، يشمل صيام رمضان وقضاءه، وبينت الرواية الثانية أن الذي يجب عليها أن تستأذن فيه هو صيام النفل.
الدليل الخامس: عن ابن عباس رضي الله عنه، قال:«لا تصوم تطوعا وهو شاهد، إلا بإذنه» ، يعني زوجها (4).
الدليل السادس: عن زيد بن وَهْب (5)، قال: كَتَب إلينا عمر رضي الله عنه: «أن المرأة لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها» (6).
وجه الاستدلال: أن في هذين الأثرين تصريح من عمر وابن عباس رضي الله عنهما أن المرأة ممنوعة من صيام النفل بغير إذن زوجها، ولو كانت ممنوعة من صيام قضاء رمضان لبيناه.
الدليل السابع: ولأن للمرأة الحق في إبراء ذمتها من الفرض الذي لزمها، بخلاف النفل فإن للزوج منعها لحاجته إليها، وحاجته مقدمة على صيام النفل (7).
(1) ينظر: المحلى 4/ 453، صحيح ابن خزيمة 2/ 1036، سبل السلام 1/ 585.
(2)
رواه ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 341 رقم 9709، من قال: لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها.
(3)
رواه أبو داود الطيالسي في المسند 3/ 457 رقم 2063، والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 477 رقم 14713، كتاب القسم والنشوز باب ما جاء في بيان حقه عليها، قال في المطالب العالية 8/ 331:" وهذا الاختلاف من ليث بن أبي سليم وهو ضعيف".
(4)
رواه ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 341 رقم 9711، من قال: لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها.
(5)
هو: زيد بن وهب الجهني، أبو سليمان الكوفي، أسلم ورحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة من قومه، فبلغته وفاته في الطريق، وهو معدود في كبار التابعين، روى عن: عمر، وعثمان وغيرهما، وعنه: أبو إسحاق السبيعي، وخلق، توفي سنة 96 هـ. ينظر: الطبقات الكبرى 6/ 102، سير أعلام النبلاء 4/ 196.
(6)
رواه ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 341 رقم 9710، باب من قال: لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها.
(7)
ينظر: المنتقى 2/ 72، وإكمال المعلم 4/ 103.
أدلة القول الثاني: القائلين بأنه يحرم عليها صيام النفل وقضاء الواجب الموسع إلا بإذن زوجها.
الدليل الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:«لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه» (1).
وعنه رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه» (2).
الدليل الثاني: وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه» (3).
وجه الاستدلال: أن معنى هذه الأحاديث لا يجوز لامرأة أن تصوم ولو فرضا موسعا؛ لأن حق الزوج ناجز ووقت الفرض متسع (4)؛ ولأن منافع المتعة والعشرة من الزوجة مملوكة للزوج في عامة الأحوال، وأما حقها في نفسها فهو محصور في وقت دون وقت (5).
أدلة القول الثالث: القائلين بأنه يكره للمرأة أن تصوم النفل بغير إذن زوجها ولا يحرم عليها.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه» (6).
وجه الاستدلال: أن قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: «لا يحل» ليس على ظاهره، بل هو مؤول بمعنى ليس حلالا مستوي الطرفين، بل هو راجح الترك مكروه (7).
الترجيح: الذي يترجح في هذه المسألة والله أعلم هو القول الأول: أنه لا يجوز للمرأة أن تصوم النفل بغير إذن زوجها، ويجوز لها أن تصوم قضاء رمضان بغير إذنه، وإن كان الوقت موسعا؛ وذلك لقوة أدلتهم، ولأن من ما استدلوا به ما هو نص على أن الممنوع عليها هو صيام النفل بغير إذن زوجها دون الفرض، والفرض يشمل رمضان وقضاءه.
وأما ما استدل به أصحاب القولين الآخرين فيجاب عنه بما يلي:
أولا: أما حمل أصحاب القول الثاني الأحاديث على صيام النفل وقضاء رمضان:
(1) سبق تخريجه صفحة (552).
(2)
سبق تخريجه صفحة (552).
(3)
سبق تخريجه صفحة (552).
(4)
ينظر: دليل الفالحين 3/ 111، إرشاد الساري 8/ 96، الحاوي الكبير 11/ 443.
(5)
ينظر: معالم السنن 2/ 136.
(6)
سبق تخريجه صفحة (552).
(7)
ينظر: طرح التثريب 4/ 140.
فقد عرفنا أن الممنوع على المرأة فعله هو صيام النفل دون الفرض، كما جاء صريحا في بعض الأحاديث الواردة في أدلة القول الأول؛ ولأنه قول عمر وابن عباس رضي الله عنهما، ولو كان قضاء رمضان مثله لنصا عليه.
ومما يضعف قول الشافعية أيضا أنهم يجيزون للمرأة صيام عاشوراء وعرفة -الذي هو نفل- دون إذن زوجها (1)، ويمنعونها من قضاء رمضان (الذي هو فرض) بغير إذنه، فخالفوا الأحاديث من وجهين:
الأول: تجويزهم لها صيام النفل دون إذن الزوج.
والثاني: اشتراطهم إذن الزوج للمرأة في ما لم يجعل الشارع له فيه إذنا.
ثانيا: وأما حمل أصحاب القول الثالث النهي على الكراهة، فيجاب عنه:
أن هذا تأويل بعيد مُسْتَنْكَر ولو لم يرد إلا هذا اللفظ. كيف وقد ورد النهي في صحيح مسلم: «لا تَصُمْ المرأة» ، وهو ظاهر في التحريم، وكذا لفظ «لا تَصومُ المرأة» ؛ لأن استعمال لفظ الخبر يدل على تأكيد النهي، وتَأَكُّدُه يكون بحَملِه على التحريم (2).
والله أعلم.
(1) ينظر: مغني المحتاج 2/ 187، أسنى المطالب 1/ 433، تحفة المحتاج 3/ 461.
(2)
ينظر: طرح التثريب 4/ 140.