الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الخامس: هل الأفضل صيام يوم عاشوراء أو يوم عرفة
؟ .
اختيار الشيخ: اختار أن صيام عرفة أفضل من صيام عاشورا، فقال:"وسيأتي أن صوم عرفة يكفر سنتين وصوم يوم عاشوراء يكفر سنة، وظاهره إن صيام يوم عرفة أفضل من صيام يوم عاشوراء"(1).
اختلف أهل العلم في أيهما أفضل صيام يوم عرفة أو صيام يوم عاشوراء على قولين:
القول الأول: صيام يوم عرفة أفضل.
وقال به: الحنفية (2) ، والمالكية (3) ، والشافعية (4) ، والحنابلة (5)، وهو اختيار الشيخ.
القول الثاني: صيام يوم عاشوراء أفضل.
وبه قال: ابن عباس رضي الله عنه (6) ، واختاره ابن رشد الجد من المالكية (7).
أدلة القول الأول: القائلين بأن صيام يوم عرفة أفضل.
الدليل الأول: عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يُكَفِّر السنة التي قبله والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يُكَفِّر السنة التي قبله» (8).
وجه الاستدلال: أن التكفير منوط بالأفضلية (9).
والحديث نص على أن صيام عرفة تكفير سنتين، وصيام عاشوراء تكفير سنة، فكان صيام عرفة أفضل.
(1) مرعاة المفاتيح 7/ 45.
(2)
مراقي الفلاح ص 151، رد المحتار 2/ 375، حاشية الطحطاوي ص 639.
(3)
التوضيح لخليل 2/ 458، الدر الثمين 1/ 453، مواهب الجليل 2/ 403، الفواكه الدواني 2/ 273.
(4)
المجموع 6/ 381، أسنى المطالب 1/ 431، نهاية المحتاج 3/ 207، كفاية الأخيار 1/ 207.
(5)
متن الخرقي ص 51، الكافي 1/ 450، الشرح الكبير 3/ 107، شرح الزركشي 2/ 639.
(6)
صحيح البخاري 3/ 44 رقم 2006، في كتاب الصيام، باب: صيام يوم عاشوراء، وينظر: فتح الباري 4/ 249.
(7)
المقدمات الممهدات 1/ 242، ومواهب الجليل 2/ 403، والتاج والإكليل 3/ 333.
(8)
سبق تخريجه صفحة (420).
(9)
ينظر: مواهب الجليل 2/ 403، والفواكه الدواني 2/ 273.
الدليل الثاني: عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «صيام يوم عرفة كصيام ألف يوم» (1).
الدليل الثاني: عن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما من السنة يوم أصومه أحب إلي من أن أصوم يوم عرفة» (2).
وجه الاستدلال: أن هذا تصريح من عائشة رضي الله عنها أن يوم عرفة هو أفضل يوم يصام.
الدليل الرابع: ولأن يوم عاشوراء منسوب إلى موسى عليه السلام ، ويوم عرفة منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك كان أفضل (3).
ونبينا صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء فكان يومه بسنتين (4).
الدليل الخامس: ولأن صيام عرفة من خصائص هذه الأمة، بخلاف عاشوراء؛ لمشاركة موسى عليه السلام وقومه لنا فيه (5)؛ فكان ما خُصت به هذه الأمة أفضل.
أدلة القول الثاني: القائلين بأن صيام يوم عاشوراء أفضل.
الدليل الأول: عن ابن عباس رضي الله عنه قال: «ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم، يوم عاشوراء، وهذا الشهر، يعني شهر رمضان» (6).
وجه الاستدلال: وهذا يقتضي أن يوم عاشوراء أفضل الأيام للصائم بعد رمضان (7).
(1) رواه البيهقي في الشعب 5/ 315 رقم 3486، واللفظ له، والطبراني في المعجم الأوسط 7/ 44 رقم 6802. وقال الألباني في السلسلة الضعيفة 11/ 310 رقم 5191:"منكر".
(2)
رواه ابن الجعد في مسنده ص 89 رقم 512، واللفظ له، والبيهقي في الشعب 5/ 315 رقم 3485، في الصيام باب: تخصيص أيام العشر من ذي الحجة بالاجتهاد بالعمل فيهن، وابن أبي شيبة في المصنف 2/ 341 رقم 9716، في الصيام باب: ما قالوا في صوم يوم عرفة بغير عرفة.
(3)
ينظر: فتح الباري 4/ 249، حاشية الطحطاوي ص 639، التوضيح لخليل 2/ 458.
(4)
ينظر: النجم الوهاج 3/ 355، ومغني المحتاج 2/ 183، إعانة الطالبين 2/ 301.
(5)
ينظر: تحفة الحبيب على شرح الخطيب 2/ 405.
(6)
رواه البخاري 3/ 44 رقم 2006، في الصوم باب صيام يوم عاشوراء، واللفظ له، ومسلم 2/ 797 رقم 1132، في الصيام باب صوم يوم عاشوراء.
(7)
ينظر: فتح الباري 4/ 249، ونيل الأوطار 4/ 288.
الدليل الثاني: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صام من كل شهر ثلاثة أيام، وهي البيض، حُسِب له بصومه ثلاثة آلاف سنة، ومن صام يوم عاشوراء فكأنما صام الدهر وقامه» (1).
وجه الاستدلال: أن هذا الحديث قد جعل صيام يوم عاشوراء كصيام الدهر وقيامه، وهذا فضل لم يُخصّ به يوم غير عاشوراء.
الدليل الثالث: عن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب» (2).
وجه الاستدلال: أن الحديث يقتضي المنع من صيام يوم عرفة مثله مثل يوم العيد، سواء كان ذلك للحاج أو لغيره (3). فكيف يكون صيامه أفضل الصيام؟ .
الدليل الرابع: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: يوم عرفة «لا يصحبنا أحد يريد الصيام، فإنه يوم تكبير، وأكل وشرب» (4).
وجه الاستدلال: فهذا ابن عباس رضي الله عنهما كان يرى أن يوم عرفة لا يصام، سواء كان الصائم حاجا أو غير حاج.
قال ابن عبد البر: "وقد ذهبت طائفة إلى ترك صومه بعرفة وغير عرفة؛ للدعاء"(5).
(1) رواه السهمي في تاريخ جرجان ص 344، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات 2/ 200 بلفظ:«فمن صام يوم عاشوراء فكأنما صام الدهر كله، وهو صوم الأنبياء، ومن أحيا ليلة عاشوراء فكأنما عبد الله تعالى مثل عبادة أهل السموات السبع» ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وينظر: اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة 2/ 93، وتنزيه الشريعة المرفوعة 2/ 150.
(2)
رواه أبو داود 2/ 320 رقم 2419، في الصوم باب صيام أيام التشريق، والترمذي 3/ 134 رقم 773، في الصيام باب ما جاء في كراهية الصوم في أيام التشريق، وقال:"حديث حسن صحيح"، والنسائي 5/ 252 رقم 3004، في الصيام باب: النهي عن صوم يوم عرفة، وأحمد 28/ 605 رقم 17379. وقال الألباني في الإرواء 4/ 130:"صحيح على شرط مسلم".
(3)
ينظر: نخب الأفكار 8/ 378.
(4)
رواه عبد الرزاق في المصنف 4/ 283 رقم 7820، في الصيام، باب صيام يوم عرفة.
(5)
التمهيد 21/ 161.
الدليل الخامس: ولأن يوم عاشوراء كان هو الفرض قبل أن يُفرَض صيام رمضان، وقد خَصَّه الشرع -لفضله- بما لم يَخُصّ به غيره، وذلك بأن يصومه من لم يُبَيّت صيامه، ومن لم يعلم به حتى أكل أو شرب (1).
الترجيح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول: أن صيام عرفة أفضل؛ لصحة حديث: «صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يُكَفِّر السنة التي قبله والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يُكَفِّر السنة التي قبله» ؛ والتكفير منوط بالأفضلية. وأما ما استدل به أصحاب القول الثاني فيجاب عنه بما يلي:
أولا: أما استدلالهم بحديث ابن مسعود رضي الله عنه: «ومن صام يوم عاشوراء فكأنما صام الدهر وقامه» ، فيجاب عنه:
أنه حديث باطل، لا يصح الاحتجاج به.
ثانيا: وأما استدلالهم بحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه ، فيجاب عنه:
أن ذكر يوم عرفة في هذا الحديث غير محفوظ، وإنما المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه، من غير ذِكرِ يوم عرفة (2).
ثالثا: وأما استدلالهم بحديث ابن عباس رضي الله عنه: «ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم، يوم عاشوراء
…
» ، فيجاب عنه:
أن ابن عباس رضي الله عنه أسند ذلك إلى عِلمِه؛ فليس فيه ما يَرُدّ عِلم غيره، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق في أدلة القول الأول- أن صوم عاشوراء يُكَفّر سنة، وأن صيام يوم عرفة يُكَفّر سنتين، فيكون صيام يوم عرفة أفضل من صيام يوم عاشوراء (3)؛ لأن التكفير منوط بالأفضلية (4).
رابعا: وأما استدلالهم بأن ابن عباس رضي الله عنه كان ينهى عن صيام يوم عرفة للحاج ولغيره، فيجاب عنه من وجهين:
(1) ينظر: المقدمات الممهدات 1/ 242.
(2)
ينظر: التمهيد 21/ 163، وقوت المغتذي على جامع الترمذي 1/ 274.
(3)
ينظر: فتح الباري 4/ 249، ونيل الأوطار 4/ 288.
(4)
ينظر: مواهب الجليل 2/ 403، والفواكه الدواني 2/ 273.
الوجه الأول: أن مقصود ابن عباس رضي الله عنه ترك الصيام بعرفة لا مطلق الترك، ويؤيده ما جاء عن سعيد بن جبير:«أنه رأى ابن عباس رضي الله عنه مفطرا بعرفة يَأكل رُمانا» (1).
الوجه الثاني: وعلى التسليم بأن ابن عباس رضي الله عنه كان لا يرى صيام عرفة للحاج وغيره، فقد يكون ذلك بسبب أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم قد أفطر يوم عرفة بعرفة، ولم يبلغه حديث فضل عرفة لغير الحاج من تكفير سنتين. وثبت عنده أن يوم عاشوراء قد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في صيامه، وكان يتعهد الصحابة عنده، وأنه صامه وأمر بصيامه. من أجل ذلك كله، ترجح عنده أفضلية صيام يوم عاشوراء على غيره. ومما قد يبين أن ابن عباس رضي الله عنه لم يبلغه حديث فضل عرفة، ما جاء عن عطاء بن أبي رباح ومجاهد? أنهما قالا:«لم نكن نصوم يوم عرفة حتى أخبرنا عبد الكريم أبو أُمَيّة (2) أن صيام يوم عرفة كفارة سنتين: السنة المستقبلة، والسنة الماضية» (3).
وعطاء ومجاهد? من أخص تلاميذ ابن عباس رضي الله عنه (4)، فلو كان عند ابن عباس رضي الله عنه علم بفضل صيام عرفة لما خفي عليهما ذلك. والله أعلم.
(1) رواه عبد الرزاق 4/ 282 رقم 7816، في الصيام باب صيام يوم عرفة، واللفظ له، وأخرجه النسائي في السنن الكبرى 3/ 225 رقم 2828، في الصيام باب: إفطار يوم عرفة بعرفة، وأحمد في المسند 3/ 364 رقم 1870، بلفظ: قال: أتيت على ابن عباس رضي الله عنه بعرفة وهو يأكل رمانا، فقال:"أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة، وبعثت إليه أم الفضل بلبن، فشربه"، وقال شعيب الأرنؤوط:"حديث صحيح".
(2)
هو: عبد الكريم بن أبي المخارق: قيس، وقيل: طارق، أبو أمية المعلّم البصري، نزيل مكة، روى عن: أنس بن مالك، وحسان بن بلال المزني، وطائفة. وعنه: مالك، وحماد بن سلمة، والسفيانان، وطائفة، توفي سنة 126 هـ. ينظر: تهذيب التهذيب 6/ 377، سير أعلام النبلاء 6/ 83.
(3)
رواه الفاكهي في أخبار مكة 4/ 325 رقم 2768، وقال المحقق:"إسناده صحيح".
(4)
ينظر في بيان أنهما من أخص تلاميذه: مجموع الفتاوى 13/ 347.