المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب التاسع: حكم الإفطار في صوم النافلة - الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف

[موافقي الأمين]

فهرس الكتاب

- ‌ الافتتاحية

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌خطة البحث

- ‌المنهج المتبع في البحث:

- ‌الشكر وتقدير:

- ‌التمهيددراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري واختياراته

- ‌المبحث الأول: دراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول:‌‌ اسمه، ونسبه، و‌‌كنيته، و‌‌لقبه

- ‌ اسمه، ونسبه

- ‌كنيته

- ‌لقبه

- ‌المطلب الثاني:‌‌ مولده، و‌‌أسرته، ووفاته

- ‌ مولده

- ‌أسرته

- ‌وفاته:

- ‌المطلب الثالث: نشأته، وطلبه للعلم

- ‌المطلب الرابع:‌‌ شيوخه، وتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌أولا: الشيخ أبو الهدى عبد السلام بن الشيخ خان محمد بن أمان الله المباركفوري

- ‌ثانيا: الشيخ العلامة أبو طاهر البهاري

- ‌ثالثا: الشيخ أبو العلى محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن الشيخ بهادر المباركفوري

- ‌رابعا: الشيخ العلامة أحمد الله بن أمير الله بن فقير الله فرتاب كرهي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفور جيراجفوري

- ‌سادسا: الشيخ العلامة محمد أعظم بن فضل الدين أبو عبد الله الجوندلوي الباكستاني

- ‌تلامذته:

- ‌أولا: الشيخ عبد الجليل بن تعلقدار الرحماني البستوي

- ‌ثانيا: الشيخ محمد إدريس آزاد الرحماني الأملوي

- ‌ثالثا: الشيخ عبد المعيد بن عبد المجيد بن عبد القادر أبو عبيدة البنارسي

- ‌رابعا: الشيخ آفتاب آحمد الرحماني البنغلاديشي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفار حسن بن العلامة عبد الستار بن عبد الجبار العمر فوري الرحماني

- ‌سادسا: الشيخ أحمد الله بن عبد الكريم الرحماني البنغلاديش

- ‌المطلب الخامس:‌‌ عقيدته، ومذهبه الفقهي

- ‌ عقيدته

- ‌عقيدة الشيخ في الإيمان:

- ‌عقيدة الشيخ في الأسماء والصفات:

- ‌عقيدته في التوسل ودعاء الأموات والغائبين:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌المطلب السادس: ثناء العلماء عليه

- ‌المطلب السابع: آثاره العلمية

- ‌المبحث الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول: تعريف الاختيار

- ‌في اللغة:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌التعريف الأول:

- ‌التعريف الثاني:

- ‌وقد عرفه بعض الباحثين باعتبار أقسامه الثلاثة:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي والإنفراد:

- ‌تعريف الرأي:

- ‌وأما في الاصطلاح فقد عرف بعدة تعاريف منها:

- ‌تعريف الإنفراد:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي:

- ‌وجه التشابه بينهما:

- ‌وجه الاختلاف بينهما:

- ‌الفرق بين الإختيار والإنفراد:

- ‌الفرق بين الإنفراد والرأي:

- ‌المطلب الثاني: منهج المباركفوري في اختياراته، وموقف العلماء منها

- ‌المطلب الثالث: دراسة الصيغ المعتبرة (في الاختيار) عند الشيخ المباركفوري

- ‌الباب الأول: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في الصيام

- ‌الفصل الأول: في تسمية الشهر، وفي رؤية الهلال، وفي يوم الشك

- ‌المبحث الأول: حكم قول رمضان، وفي رؤية الهلال

- ‌المطلب الثاني: اعتبار اختلاف المطالع

- ‌المطلب الثالث: هل يثبت دخول الشهر بالحساب الفلكي

- ‌المطلب الرابع: عدد الشهود في هلال شهر رمضان

- ‌المطلب الخامس: عدد الشهود لثبوت هلال شوال

- ‌المطلب السادس: هل يكفي الإخبار ممن رأى الهلال أو تشترط الشهادة

- ‌المطلب السابع: حكم صيام من رأى هلال شوال وحده فردت شهادته

- ‌المطلب الثامن: حكم من أفطر ثم تبين أن اليوم من رمضان

- ‌المبحث الثاني: في يوم الشك، والصوم بعد انتصاف شعبان

- ‌المطلب الأول: في تعيين يوم الشك

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر

- ‌المطلب الثالث: من صام يوم الشك فتبين أنه من رمضان

- ‌المطلب الرابع: حكم الصيام بعد انتصاف شعبان

- ‌الفصل الثاني: في النية وصيام المسافر

- ‌المبحث الأول: في النية

- ‌المطلب الأول: في النية للفرض

- ‌المسألة الثانية: حكم النية لكل يوم من رمضان

- ‌المسألة الثالثة: حكم تعيين النية

- ‌المسألة الرابعة: حكم التَلَفُّظ بالنية

- ‌المسألة الخامسة: هل يُشترَط أن تُعقَد النية في جزء معين من الليل

- ‌المسألة السادسة: حكم ما إذا فعل بعد النية قبل الفجر ما ينافي الصوم

- ‌المطلب الثاني: في النية النفل

- ‌المسألة الأولى: حكم صيام يوم الشك بنية التطوع

- ‌المسألة الثانية: حكم نية صوم النفل من النهار

- ‌المسألة الثالثة: حكم عقد نية النفل بعد الزوال

- ‌المبحث الثاني: صوم السفر

- ‌المطلب الأول: حكم الصيام في السفر

- ‌المطلب الثاني: ما الأفضل للمسافر الصيام أو الفطر

- ‌المطلب الثالث: حد السفر المبيح للفطر

- ‌المطلب الرابع: حكم إفطار المسافر الذي استهل عليه رمضان وهو مقيم

- ‌المطلب الخامس: حكم إفطار المسافر بعد أن كان قد شرع في الصيام

- ‌المطلب السادس: حكم إفطار من سافر بعد طلوع الفجر

- ‌الفصل الثالث: في المفطرات وما يجتنبه الصائم، وفي الكفارة وخصالها

- ‌المبحث الأول: في المفطرات وما يجتنبه الصائم

- ‌المطلب الثاني: حكم الفصد للصائم

- ‌المطلب الرابع: حكم التقبيل للصائم

- ‌المطلب الخامس: حكم الاستياك للصائم

- ‌المسألة الثانية: الاستياك بالعود الرطب

- ‌المسألة الثالثة: الاستياك في صوم الفريضة

- ‌المطلب السابع: حكم الوصال في الصيام

- ‌المسألة الأولى: الوصال أكثر من يوم

- ‌المسألة الثانية: الوصال إلى السَحَر

- ‌المطلب الثامن: حكم من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم

- ‌المطلب العاشر: حكم انغماس الصائم في الماء

- ‌المطلب الحادي عشر: في الأكل والشرب للمتسحر

- ‌المسألة الأولى: حكم من أكل أو شرب وهو شاك في الفجر

- ‌المسألة الثانية: هل المعتبر في تحريم الأكل والشرب تَبَيُّن الفجر أو طلوع الفجر

- ‌المطلب الثالث عشر: حكم صيام الحائض والنُفَساء إذا طهرت قبل الفجر، ولم تغتسل إلا بعد الفجر

- ‌المبحث الثاني: في الكفارة، وخصالها

- ‌المطلب الثاني: هل على المرأة المجامعة في رمضان كفارة

- ‌المطلب الثالث: هل على من جامع ناسيا في رمضان كفارة

- ‌المطلب الرابع: هل الأكل والشرب في رمضان عمدا يوجبان الكفارة كالجماع

- ‌المطلب السادس: هل الخصال الثلاثة في كفارة الجماع في رمضان على الترتيب أو على التخيير

- ‌المطلب السابع: حكم اشتراط التتابع في صيام كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب الثامن: ما هو الحد الواجب في الإطعام في كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب التاسع: هل يشترط في الرقبة المعتقة في كفارة الجماع في رمضان أن تكون مؤمنة

- ‌الفصل الرابع: في صوم التطوع، والأيام التي نهي عن الصوم فيها، وفي النذر، وصوم عاشوراء

- ‌المبحث الأول: في صوم التطوع والأيام التي نهي عن الصوم فيها

- ‌المطلب الأول: حكم إفراد يوم الجمعة بصيام

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام يوم السبت

- ‌المطلب الثالث: حكم صيام يوم عرفة للحاج

- ‌المطلب الخامس: حكم صيام عشر ذي الحِجَّة

- ‌المطلب السادس: حكم صيام الدهر

- ‌المطلب السابع: حكم صيام الست من شوال

- ‌المطلب الثامن: ما هو أفضل الصيام بعد رمضان صيام شعبان أو المحرم

- ‌المطلب التاسع: حكم الإفطار في صوم النافلة

- ‌المطلب العاشر: تعيين الأفضل في صيام ثلاثة أيام من كل شهر

- ‌المطلب الحادي عشر: ما هي أيام البيض

- ‌المطلب الثاني عشر: معنى صيام يوم في سبيل الله

- ‌المبحث الثاني: في النذر، وفي أعذار الفطر

- ‌المطلب الأول: حكم من نذر صوم العيدين متعمدا لعينيهما

- ‌المطلب الثاني: حكم من نذر صوم يوم قدوم فلان مثلا فوافق يوم عيد

- ‌المطلب الثالث: هل الضيافة عذر للإفطار من صوم النفل

- ‌المطلب الرابع: هل يستحب لمن كان صائما صيام نفل أن يفطر إذا دُعي

- ‌المبحث الثالث: في صوم عاشوراء

- ‌المطلب الأول: نسخ وجوب صيام يوم عاشوراء

- ‌المطلب الثاني: هل عاشوراء هو اليوم التاسع أو اليوم العاشر

- ‌المطلب الثالث: ما الأفضل في صيام عاشوراء

- ‌المطلب الرابع: هل صيام يوم مع عاشوراء لاحتمال الشك أو لمخالفة أهل الكتاب

- ‌المطلب الخامس: هل الأفضل صيام يوم عاشوراء أو يوم عرفة

- ‌الباب الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر، وفي الاعتكاف

- ‌الفصل الأول: في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر

- ‌المبحث الأول: في قضاء الصوم

- ‌المطلب الأول: هل يجب قضاء رمضان على الفور؟ ، وهل يجب التتابع

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز التطوع قبل القضاء

- ‌المطلب الثالث: هل يقضي من أفطر في صيام النفل

- ‌المطلب الرابع: حكم صيام المرأة النفل وقضاء الواجب بغير إذن زوجها

- ‌المطلب الخامس: هل يقضي المجامع في رمضان اليوم الذي جامع فيه

- ‌المطلب السادس: حكم القضاء على من ذرعه القيء

- ‌المطلب السابع: هل يقضي من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌المطلب الثامن: هل يقضي الصوم من تمضمض أو استنشق فغلبه الماء

- ‌المطلب التاسع: حكم من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر

- ‌المطلب العاشر: ما الواجب على المُرضع والحامل إذا خافتا على ولدهما فقط

- ‌المبحث الثاني: في القضاء عن الميت

- ‌المطلب الأول: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي أمكنه التدارك

- ‌المطلب الثاني: ما الصوم الذي يصام عن الميت

- ‌المطلب الثالث: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي لم يمكنه التدارك

- ‌المبحث الثالث: في ليلة القدر

- ‌المطلب الأول: في تعيين ليلة القَدْر

- ‌المطلب الثاني: هل ليلة القدر خاصة بهذه الأمة

- ‌الفصل الثاني: في الاعتكاف

- ‌المبحث الأول: في حكمه، واشتراط الصوم له، وغير ذلك

- ‌المطلب الأول: حكم (الاعتكاف)

- ‌المطلب الثاني: هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف

- ‌المطلب الثالث: هل لأقل الاعتكاف حدّ

- ‌المطلب الرابع: هل ينقطع اعتكاف من عاد مريضا أو صلى على جنازة

- ‌المطلب الخامس: هل يجوز (الاشتراط في الاعتكاف)

- ‌المطلب السادس: حكم من نذر الاعتكاف قبل إسلامه

- ‌المطلب السابع: متى يدخل المعتكِف معتكَفه

- ‌المطلب الثامن: حكم قضاء الاعتكاف

- ‌المبحث الثاني: في مكان الاعتكاف

- ‌المطلب الأول: أين تعتكف المرأة

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

- ‌المطلب الثالث: هل يجوز الاعتكاف في غير (المسجد الجامع)

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب التاسع: حكم الإفطار في صوم النافلة

‌المطلب التاسع: حكم الإفطار في صوم النافلة

.

اختيار الشيخ: اختار جواز الإفطار لمن كان قد شرع في صيام النافلة، فقال: "ويدل على ما ذهب إليه الجمهور من جواز الإفطار، وعدم وجوب القضاء، حديث أبي جُحَيفة (1)

" (2).

تحرير محل الخلاف: اتفق الفقهاء أن من دخل في صيام واجب كقضاء رمضان، أو صيام النذر، أو الكفارة، لم يجز له الخروج منه (3).

واختلفوا في من شرع في صيام التطوع، هل له أن يفطر؟ على قولين:

القول الأول: يجوز له فطر ذلك اليوم، والمستحب له إتمام صومه.

وبه قال: الشافعية (4) ، والحنابلة (5)، والظاهرية (6)، وهو اختيار الشيخ.

القول الثاني: يَحرُم عليه فطر ذلك اليوم.

وبه قال: الحنفية (7)، والمالكية (8).

سبب الخلاف: قال ابن رشد: "والسبب في اختلافهم: اختلاف الآثار في ذلك"(9).

أدلة القول الأول: القائلين بأنه يجوز له فطر ذلك اليوم، والمستحب له إتمام صومه.

الدليل الأول: قوله تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} (10).

وجه الاستدلال: أن المتطوع بالصيام محسن، فإن ألزمناه بالاستمرار وأوقعنا عليه الإثم جعلنا عليه سبيلا، وهو منتفي عنه (11).

(1) سيأتي تخريجه صفحة (464).

(2)

مرعاة المفاتيح 7/ 105.

(3)

البناية 10/ 162، الإشراف للقاضي عبد الوهاب 1/ 449، المجموع 3/ 74، المغني 3/ 160.

(4)

الحاوي الكبير 3/ 468، المجموع 6/ 394، فتح العزيز 6/ 464، تحفة المحتاج 3/ 460.

(5)

المغني 3/ 159، الهداية ص 165، الفروع 5/ 114، المبدع 3/ 54.

(6)

المحلى 4/ 417.

(7)

المبسوط 3/ 68، الاختيار في تعليل المختار 1/ 66، البناية 4/ 87، تبيين الحقائق 1/ 337.

(8)

البيان والتحصيل 18/ 91، بداية المجتهد 2/ 74، الذخيرة 2/ 528، مواهب الجليل 2/ 430.

(9)

بداية المجتهد 2/ 74.

(10)

سورة التوبة: آية: 91.

(11)

ينظر: الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم 3/ 65، البناية 4/ 88.

ص: 465

الدليل الثاني: عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال:«هل عندكم شيء؟ » ، فقلنا: لا، قال:«فإني إذن صائم» ، ثم أتانا يوما آخر فقلنا: يا رسول الله أُهدِي لنا حيس، فقال:«أَرينيه فلقد أصبحت صائما فأكل» (1).

وجه الاستدلال: أن إفطار النبي صلى الله عليه وسلم في صيام النفل بعد أن كان قد شرع فيه، دليل على أن إتمامه غير لازم (2).

قال ابن تيمية: "فهذا نص في جواز الإفطار بعد إجماع الصيام"(3).

الدليل الثالث: عن أبي جُحَيْفة (4) رضي الله عنه قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان (5) وأبي الدرداء رضي الله عنهما، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء مُتَبَذِّلَة (6)، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما، فقال: كل فإني صائم، فقال: ما أنا بآكل حتى تأكل فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم، فنام ثم ذهب يقوم، فقال: نم؛ فلما كان من آخر الليل قال سلمان: قم الآن، فصليا، فقال له سلمان: إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«صدق سلمان» (7).

(1) سبق تخريجه صفحة (183).

(2)

ينظر: معالم السنن 2/ 134.

(3)

شرح العمدة كتاب الصيام 2/ 622.

(4)

هو: وهب بن عبد الله بن مسلم بن جنادة، أبو جُحَيْفَةَ السُّوَائِيّ، ويقال له: وهب الخير، من صغار الصحابة، روى عنه: ابنه عون، وسلمة بن كهيل، والشعبي، وغيرهم، سكن الكوفة وولي بيت المال والشرطة لعلي، توفي سنة 64 هـ. ينظر: معرفة الصحابة 5/ 2722، وتهذيب التهذيب 11/ 164، سير أعلام النبلاء 3/ 202.

(5)

هو: سلمان الفارسي، أبو عبد الله، صحابي جليل يعرف بسلمان الخير، أصله من فارس من رامهرمز، ولإسلامه قصة مشهورة، وهو صاحب فكرة حفر الخندق حول المدينة. توفي سنة 36 هـ. ينظر: الاستيعاب 2/ 634، الإصابة 3/ 118، تهذيب الكمال 11/ 245.

(6)

التَبَذّل: ترك التزين والتهيؤ بالهيئة الحسنة الجميلة على جهة التواضع. ينظر: النهاية في غريب الحديث 1/ 111، لسان العرب 11/ 50.

(7)

رواه البخاري 3/ 38 رقم 1968، كتاب الصوم، باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع، ولم ير عليه قضاء إذا كان أوفق له.

ص: 466

وجه الاستدلال: الحديث صريح في جواز الإفطار للصائم المتنفل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد صوب قول سلمان ¢ في إفطار الصائم المتطوع ولم ينكره، ولم يبين لأبي الدرداء ¢ وجوب القضاء عليه؛ وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز (1).

الدليل الرابع: عن أمّ هَانِئ (2) رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب شرابا، فناولها لتشرب، فقالت: إني صائمة، ولكن كرهت أن أرد سُؤْرَكَ (3)، فقال، يعني:«إن كان قضاء من رمضان فاقضي يوما مكانه، وإن كان تطوعا فإن شئت فاقضي، وإن شئت فلا تقضي» (4).

وفي رواية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصائم المتطوع أمين نفسه، إن شاء صام وإن شاء أفطر» (5).

وجه الاستدلال: الحديث يدل على جواز الفطر لمن أصبح صائما (6).

الدليل الخامس: عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما، فأتاني هو وأصحابه، فلما وُضِع الطعام قال رجل من القوم: إني صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«دعاكم أخوكم وتكلف لكم» ، ثم قال له:«أفطر، وصم مكانه يوما إن شئت» (7).

(1) ينظر: المحلى 4/ 418، نيل الأوطار 4/ 306، وتحفة الأحوذي 3/ 359.

(2)

هي: أم هانئ بنت أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمية، أخت علي بن أبى طالب، اسمها فاختة، وقيل هند، أسلمت عام الفتح، وهرب زوجها هبيرة بن عمرو المخزومي إلى نجران، خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتزوجها، روت 46 حديثا، روى عنها: ابن عباس، ومجاهد، والشعبي، وآخرون، توفيت في خلافة معاوية. ينظر: الإصابة 8/ 485، الاستيعاب 4/ 1963، سير أعلام النبلاء 2/ 311.

(3)

السُّؤر، بالضم: البقية من كل شيء. ينظر: النهاية 2/ 327، تاج العروس 11/ 483.

(4)

رواه أحمد 44/ 478 رقم 26910، واللفظ له، وقال شعيب الأرناؤوط:"إسناده ضعيف"، وأبو داود 2/ 329 رقم 2456، في الصوم باب في الرخصة في ذلك، والترمذي 3/ 100 رقم 731، أبواب الصيام باب ما جاء في إفطار الصائم المتطوع، والنسائي في الكبرى 3/ 366 رقم 3291، وقال الألباني في الصحيحة 6/ 717:"وقد انتهيت فيه إلى تحسين الحديث أو تصحيحه لطرقه".

(5)

رواه أحمد 44/ 463 رقم 26893، والترمذي 3/ 100 رقم 732، أبواب الصيام، باب ما جاء في إفطار الصائم المتطوع، وقال:"حديث أم هانئ في إسناده مقال"، والنسائي في الكبرى 3/ 365 رقم 3288. وقال الألباني في صحيح أبي داود 7/ 218:"إن مجموع ذلك مما يتقوى به الحديث".

(6)

ينظر: المجموع 6/ 395، شرح العمدة كتاب الصيام 2/ 621، شرح الزركشي 2/ 618.

(7)

رواه البيهقي في السنن الكبرى 4/ 462 رقم 8362، في الصيام باب التخيير في القضاء إن كان صومه تطوعا، والطبراني في المعجم الأوسط 3/ 306 رقم 3240، والدارقطني في السنن 3/ 140 رقم 2239، بسند حسنه ابن حجر في الفتح 4/ 170، ووافقه الألباني في الإرواء رقم 1952.

ص: 467

وجه الاستدلال: لو كان إتمام صيام النفل واجبا على من شرع فيه، لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الصحابي بالفطر.

قال الشوكاني -بعد أن ذكر حديث أبي جُحَيْفة، وأم هانئ، وعائشة، وأبي سعيد رضي الله عنهم:"والأحاديث المذكورة في الباب تدل على أنه يجوز لمن صام تطوعا أن يفطر؛ لا سيما إذا كان في دعوة إلى طعام أحد من المسلمين. ويدل على أنه يستحب للمتطوع القضاء لذلك اليوم"(1).

الدليل السادس: ولأن المتنفل متبرع بما ليس عليه، فلا يلزمه ما لم يتبرع به، ولكنه مخير في آخره كما كان مخيرا في أوله (2).

أدلة القول الثاني: القائلين بأنه يحرم عليه فطر ذلك اليوم.

الدليل الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (3).

وجه الاستدلال: أن من أفطر متعمدا بعد دخوله في الصوم، فقد أبطل عمله (4).

والنهي عن الإبطال يوجب الإتمام، فلزمه إتمام ذلك اليوم (5).

الدليل الثاني: عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أنا وحفصة صائمتين، فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فبدرتني إليه حفصة، وكانت ابنة أبيها، قالت: يا رسول الله إنا كنا صائمتين اليوم، فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه، فقال:«اقضيا يوما آخر» (6).

وجه الاستدلال: لو كان الفطر مباحا لم يلزمهما القضاء (7).

(1) نيل الأوطار 4/ 306.

(2)

ينظر: الاصطلام في الخلاف بين الإمامين الشافعي وأبي حنيفة 2/ 203 - 204.

(3)

سورة محمد: الآية: 33.

(4)

ينظر: المبسوط للسرخسي 3/ 69، التوضيح لابن الملقن 13/ 426.

(5)

ينظر: البناية للعيني 4/ 88، والذخيرة 2/ 528.

(6)

رواه أحمد 43/ 306 رقم 26266، واللفظ له، والنسائي في الكبرى 3/ 362 رقم 3278، والترمذي 3/ 103 رقم 735، في الصيام باب ما جاء في إيجاب القضاء عليه، ومالك في الموطأ ص 306 رقم 50، باب قضاء التطوع، وضعفه الألباني في الضعيفة 11/ 838 رقم 5480.

(7)

ينظر: الفواكه الدواني 1/ 307، المبسوط للسرخسي 3/ 69 - 70.

ص: 468

قال العيْني: "أَمَرَ بالقضاء، والأمر للوجوب؛ فدل على أن الشروع ملزم، وأن القضاء بالإفساد واجب (1).

الدليل الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه» (2).

وجه الاستدلال: في الحديث دليل على عدم جواز إفطار الصائم المتطوع؛ وذلك: لأن نهي النبي صلى الله عليه وسلم المرأة عن الصيام بغير إذن زوجها بسبب أنها غير مأذون لها في الفطر لو أرادها زوجها لحاجته، كما أنه منهي عن تفطيرها (3).

قال ابن بَطّال (4): "لأنه لو كان للرجل أن يفسد عليها صومها بجماع، ما احتاجت إلى إذنه، ولو كان مباحا كان إذنه لا معنى له"(5).

الدليل الرابع: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دُعِيَ أحدكم فليُجِب، فإن كان صائما فليُصَلّ (6)، وإن كان مفطِرا فليَطْعَم» (7).

وجه الاستدلال: الحديث دليل على أن الفطر للصائم المتطوع غير جائز؛ لأنه لو كان جائزا لبينه صلى الله عليه وسلم ، ولاستحبه في الدعوة (8).

الدليل الخامس: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يسأله عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«خمس صلوات في اليوم والليلة» ، فقال: هل علي غيرها؟ قال: «لا، إلا أن تطوع» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وصيام شهر رمضان» ، قال: هل علي غيره؟ قال: «لا، إلا أن تطوع» ، قال:

(1) عمدة القاري 1/ 268.

(2)

رواه البخاري 7/ 30 رقم 5195، كتاب النكاح باب لا تأذن المرأة في بيت زوجها لأحد إلا بإذنه، ومسلم 2/ 711 رقم 1026، في الزكاة باب ما أنفق العبد من مال مولاه.

(3)

ينظر: البيان والتحصيل 2/ 316.

(4)

هو: علي بن خَلَف بن عبد الملك بن بَطَّال، أبو الحسن القرطبي، من علماء الحديث، فقيه مالكي، وبنو بطال في الأندلس يمانيون. توفي سنة 449 هـ، من كتبه: شرح صحيح البخاري. ينظر: ترتيب المدارك 8/ 160، سير أعلام النبلاء 13/ 303، الديباج المذهب ص 204.

(5)

شرح البخاري 7/ 316، وينظر: التوضيح لابن الملقن 25/ 12، وإرشاد الساري 8/ 96.

(6)

معناه: فليدع لأهل الطعام بالمغفرة والبركة ونحو ذلك. ينظر: الديباج على صحيح مسلم 4/ 44.

(7)

رواه مسلم 2/ 1054 رقم 1431، كتاب النكاح باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة.

(8)

ينظر: الاستذكار 3/ 358.

ص: 469

وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة، قال: هل علي غيرها؟ قال: «لا، إلا أن تطوع» ، فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا، ولا أنقص، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أفلح إن صدق» (1).

وجه الاستدلال: الحديث دل على أن الشروع في التطوع يوجب إتمامه؛ لأن الاستثناء فيه متصل، ويكون المعنى: ليس عليك غير ما ذُكِر، إلا أن تَشرَع في التطوع وتَبتَدئه فيجب عليك إتمامه (2).

الدليل السادس: ولأنه باشرَ فِعلَ قربةٍ مقصودة، فيجب عليه إتمامها؛ قياسا على الحج إذا شرع فيه متطوعا، فإنه يجب عليه الإتمام اتفاقا (3).

الترجيح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول: أنه يجوز الفطر لمن كان قد شرع في صيام النفل؛ وذلك لصحة ما استدلوا به؛ وحديث سلمان مع أبي الدرداء رضي الله عنهما صريح في جواز إفطار الصائم المتنفل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد صَوَّب قول سلمان ¢ في إفطار الصائم المتطوع، ولم يُنكِره، ولأن الشريعة كلها إما فرض، وإما تطوع، وليس هناك قسم ثالث. فالفرض هو الذي يعصي من تَرَكَه، والتطوع هو الذي لا يعصي من تَرَكه، ولو عصى لكان فرضا. والمُفَرِّط في التطوع تارك ما لا يجب عليه؛ فلا حَرَج عليه في ذلك (4).

وأما ما استدل به أصحاب القول الثاني فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما استدلالهم بالآية فيجاب عنه من وجهين:

الأول: أن الآية عامةٌ، والأدلة التي ثبت بها جواز الفطر للصائم المتطوع خاصةٌ، كحديث سلمان مع أبي الدرداء رضي الله عنهما ونحوه؛ والخاصُ يُقدَّم على العام (5).

الثاني: أن المراد في الآية بالإبطال هو إبطالُها في الآخرة بالرياء والسمعة، أو بارتكاب الكبائر، وليس الإبطال المُراد عند الفقهاء عند ذِكرهم المسائل الفقهية (6).

(1) رواه البخاري 1/ 18 رقم 46، كتاب الإيمان باب الزكاة من الإسلام، ومسلم 1/ 40 رقم 11، كتاب الإيمان، باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام.

(2)

ينظر: شرح الزرقاني على الموطأ 1/ 605، الذخيرة 2/ 529، فتح الباري 1/ 107.

(3)

ينظر: المبسوط للسرخسي 3/ 69، والذخيرة 2/ 528.

(4)

ينظر: المحلى 4/ 417.

(5)

ينظر: فتح الباري 4/ 213.

(6)

ينظر: الاستذكار 3/ 358، فتح الباري 4/ 213، عمدة القاري 11/ 77.

ص: 470

ثانيا: وأما استدلالهم بحديث إفطار عائشة وحفصة رضي الله عنهما في صيام النفل، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهما بالقضاء، فيجاب عنه من وجهين:

الوجه الأول: أن الثقات قد اتفقوا على إرسال هذا الحديث، وشَذَّ من وصله، وتَوارَد الحُفّاظ على الحكم بضعفه (1)، فلا حجة فيه.

الوجه الثاني: وعلى فرض صحته: يُحمَل أَمرُه صلى الله عليه وسلم لهما بالقضاء على الندب؛ وذلك لأمرين:

الأول: لأن بدل الشيء في أكثر أحكام الأصول يَحلّ مَحَلّ أصله، وهو في الأصل -الذي هو في مسألتنا صيام النفل-، مُخيَّر، فيكون كذلك في البدل الذي هو قضاء ذلك اليوم (2).

الثاني: أن في بعض روايات هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: «لا عليكما، صوما مكانه يوما» (3). فقوله صلى الله عليه وسلم: «لا عليكما» ، أي: لا بأس عليكما؛ ولو كان الفطر حراما والقضاء واجبا، لكان عليهما بأس (4).

ثالثا: وأما استدلالهم بحديث «لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه» ، فيجاب عنه:

أنه قد جاء في سبب ورود الحديث: «أن امرأة أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن زوجي صَفْوان بن المُعَطَّل (5)، يضربني إذا صليت، ويُفطِّرني إذا صمت، ولا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس

وفيه: وأما قولها: يُفَطِّرني، فإنها تنطلق فتصوم، وأنا رجل شاب، فلا أصبِر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ:«لا تصوم امرأة إلا بإذن زوجها»

» (6).

فلم يأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقضاء تلك الأيام التي أفطرتها، ولم يأمر زوجها بأن لا يُفَطِّرها.

(1) ينظر: فتح الباري 4/ 212، ونيل الأوطار 4/ 306، وتحفة الأحوذي 3/ 359.

(2)

ينظر: معالم السنن 2/ 136، وتحفة الأبرار 1/ 510، وشرح المشكاة للطيبي 5/ 1619.

(3)

رواه أبو داود 2/ 330 رقم 2457، في الصوم، باب من رأى عليه القضاء، وقال الألباني في السلسلة الضعيفة 11/ 332 رقم 5202:"ضعيف".

(4)

ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 2/ 628، وشرح الزركشي 2/ 620.

(5)

هو: صَفْوَانُ بنُ المُعَطَّلِ بن رَحَضَةَ السّلمي الذَّكْوانيّ، أبو عمرو صحابي، شهد الخندق والمشاهد كلها، وحضر فتح دمشق، واستشهد بأرمينية، وقيل في سُمَيْساط. وهو الّذي قال أهل الإفك فيه وفي عائشة ما قالوا. ينظر: الاستيعاب 2/ 725، الإصابة 3/ 356، سير أعلام النبلاء 2/ 547.

(6)

رواه أبو داود 2/ 330 رقم 2459، في الصوم، باب المرأة تصوم بغير إذن زوجها، وابن حبان في صحيحه 4/ 354 رقم 1488، ذكر الأمر بالصلاة للنائم إذا استيقظ عند استيقاظه، وقال الألباني في إرواء الغليل 7/ 65:"صحيح على شرط الشيخين".

ص: 471

وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة ألا تصوم إلا بإذن زوجها؛ لأن الزوج يَهاب انتهاك الصوم بالإفساد وإن كان مستحبا، فيكون صومها مانعا له من الاستمتاع (1)؛ وحق الزوج في الاستمتاع واجب عليها.

رابعا: وأما استدلالهم بحديث: «إذا دُعِيَ أحدكم فليُجِب

» الحديث، فيجاب عنه من وجهين:

الأول: ليس في الحديث أن الصيام صيام نفل أو صيام فرض؛ لأنه لو كان فرضا لم يجز له الأكل؛ لأن الفرض لا يجوز الخروج منه (2)، وإنما دل الحديث على لزوم إجابة الدعوة وإن كان المدعو إليها صائما.

الثاني: وعلى التسليم بأن المقصود صيام النفل، فليس في الحديث إلزام الصائم بالبقاء على صومه، وإنما جعل له ذلك إن أراده، وإما إن أراد أن يفطر فلا حرج عليه، وحديث أبي سعيد ¢ السابق يدل عليه.

بل جاء ذلك صريحا في بعض روايات الحديث: عن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من دُعِي إلى طعام وهو صائم فليجب، فإن شاء طعم، وإن شاء ترك» (3).

خامسا: وأما استدلالهم بحديث الأعرابي الذي جاء يسأل عن شرائع الإسلام، فيجاب عنه:

أن القول بأن الاستثناء في الحديث متصل غير صحيح؛ وذلك لأن المستثنى من غير جنس المستثنى منه؛ لأن التطوع لا يقال فيه عليك، فكأنه قال: لا يجب عليك شيء إلا إن أردت أن تطوع فذلك لك. وقد عُلِم أن التطوع ليس بواجب، فلا يجب شيء آخر أصلا (4).

سادسا: وأما قياسهم الصيام على الحج فيجاب عنه:

أن الحج امتاز عن غيره بلزوم المضي في فاسده، فكيف في صحيحه. وكذلك امتاز بلزوم الكفارة في نفله كفَرضه (5). والله أعلم.

(1) ينظر: طرح التثريب 4/ 141.

(2)

ينظر: شرح مسلم للنووي 9/ 236.

(3)

رواه مسلم 2/ 1054 رقم 1430، في النكاح، باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة، وابن ماجه 1/ 557 رقم 1751، في الصيام، باب من دعي إلى طعام وهو صائم، واللفظ له.

(4)

ينظر: شرح المشكاة للطيبي 2/ 459، فتح الباري 1/ 107، وعمدة القاري 1/ 268.

(5)

ينظر: فتح الباري 1/ 107، الحاوي الكبير 3/ 470.

ص: 472