المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: ما الصوم الذي يصام عن الميت - الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف

[موافقي الأمين]

فهرس الكتاب

- ‌ الافتتاحية

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌خطة البحث

- ‌المنهج المتبع في البحث:

- ‌الشكر وتقدير:

- ‌التمهيددراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري واختياراته

- ‌المبحث الأول: دراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول:‌‌ اسمه، ونسبه، و‌‌كنيته، و‌‌لقبه

- ‌ اسمه، ونسبه

- ‌كنيته

- ‌لقبه

- ‌المطلب الثاني:‌‌ مولده، و‌‌أسرته، ووفاته

- ‌ مولده

- ‌أسرته

- ‌وفاته:

- ‌المطلب الثالث: نشأته، وطلبه للعلم

- ‌المطلب الرابع:‌‌ شيوخه، وتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌أولا: الشيخ أبو الهدى عبد السلام بن الشيخ خان محمد بن أمان الله المباركفوري

- ‌ثانيا: الشيخ العلامة أبو طاهر البهاري

- ‌ثالثا: الشيخ أبو العلى محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن الشيخ بهادر المباركفوري

- ‌رابعا: الشيخ العلامة أحمد الله بن أمير الله بن فقير الله فرتاب كرهي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفور جيراجفوري

- ‌سادسا: الشيخ العلامة محمد أعظم بن فضل الدين أبو عبد الله الجوندلوي الباكستاني

- ‌تلامذته:

- ‌أولا: الشيخ عبد الجليل بن تعلقدار الرحماني البستوي

- ‌ثانيا: الشيخ محمد إدريس آزاد الرحماني الأملوي

- ‌ثالثا: الشيخ عبد المعيد بن عبد المجيد بن عبد القادر أبو عبيدة البنارسي

- ‌رابعا: الشيخ آفتاب آحمد الرحماني البنغلاديشي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفار حسن بن العلامة عبد الستار بن عبد الجبار العمر فوري الرحماني

- ‌سادسا: الشيخ أحمد الله بن عبد الكريم الرحماني البنغلاديش

- ‌المطلب الخامس:‌‌ عقيدته، ومذهبه الفقهي

- ‌ عقيدته

- ‌عقيدة الشيخ في الإيمان:

- ‌عقيدة الشيخ في الأسماء والصفات:

- ‌عقيدته في التوسل ودعاء الأموات والغائبين:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌المطلب السادس: ثناء العلماء عليه

- ‌المطلب السابع: آثاره العلمية

- ‌المبحث الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول: تعريف الاختيار

- ‌في اللغة:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌التعريف الأول:

- ‌التعريف الثاني:

- ‌وقد عرفه بعض الباحثين باعتبار أقسامه الثلاثة:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي والإنفراد:

- ‌تعريف الرأي:

- ‌وأما في الاصطلاح فقد عرف بعدة تعاريف منها:

- ‌تعريف الإنفراد:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي:

- ‌وجه التشابه بينهما:

- ‌وجه الاختلاف بينهما:

- ‌الفرق بين الإختيار والإنفراد:

- ‌الفرق بين الإنفراد والرأي:

- ‌المطلب الثاني: منهج المباركفوري في اختياراته، وموقف العلماء منها

- ‌المطلب الثالث: دراسة الصيغ المعتبرة (في الاختيار) عند الشيخ المباركفوري

- ‌الباب الأول: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في الصيام

- ‌الفصل الأول: في تسمية الشهر، وفي رؤية الهلال، وفي يوم الشك

- ‌المبحث الأول: حكم قول رمضان، وفي رؤية الهلال

- ‌المطلب الثاني: اعتبار اختلاف المطالع

- ‌المطلب الثالث: هل يثبت دخول الشهر بالحساب الفلكي

- ‌المطلب الرابع: عدد الشهود في هلال شهر رمضان

- ‌المطلب الخامس: عدد الشهود لثبوت هلال شوال

- ‌المطلب السادس: هل يكفي الإخبار ممن رأى الهلال أو تشترط الشهادة

- ‌المطلب السابع: حكم صيام من رأى هلال شوال وحده فردت شهادته

- ‌المطلب الثامن: حكم من أفطر ثم تبين أن اليوم من رمضان

- ‌المبحث الثاني: في يوم الشك، والصوم بعد انتصاف شعبان

- ‌المطلب الأول: في تعيين يوم الشك

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر

- ‌المطلب الثالث: من صام يوم الشك فتبين أنه من رمضان

- ‌المطلب الرابع: حكم الصيام بعد انتصاف شعبان

- ‌الفصل الثاني: في النية وصيام المسافر

- ‌المبحث الأول: في النية

- ‌المطلب الأول: في النية للفرض

- ‌المسألة الثانية: حكم النية لكل يوم من رمضان

- ‌المسألة الثالثة: حكم تعيين النية

- ‌المسألة الرابعة: حكم التَلَفُّظ بالنية

- ‌المسألة الخامسة: هل يُشترَط أن تُعقَد النية في جزء معين من الليل

- ‌المسألة السادسة: حكم ما إذا فعل بعد النية قبل الفجر ما ينافي الصوم

- ‌المطلب الثاني: في النية النفل

- ‌المسألة الأولى: حكم صيام يوم الشك بنية التطوع

- ‌المسألة الثانية: حكم نية صوم النفل من النهار

- ‌المسألة الثالثة: حكم عقد نية النفل بعد الزوال

- ‌المبحث الثاني: صوم السفر

- ‌المطلب الأول: حكم الصيام في السفر

- ‌المطلب الثاني: ما الأفضل للمسافر الصيام أو الفطر

- ‌المطلب الثالث: حد السفر المبيح للفطر

- ‌المطلب الرابع: حكم إفطار المسافر الذي استهل عليه رمضان وهو مقيم

- ‌المطلب الخامس: حكم إفطار المسافر بعد أن كان قد شرع في الصيام

- ‌المطلب السادس: حكم إفطار من سافر بعد طلوع الفجر

- ‌الفصل الثالث: في المفطرات وما يجتنبه الصائم، وفي الكفارة وخصالها

- ‌المبحث الأول: في المفطرات وما يجتنبه الصائم

- ‌المطلب الثاني: حكم الفصد للصائم

- ‌المطلب الرابع: حكم التقبيل للصائم

- ‌المطلب الخامس: حكم الاستياك للصائم

- ‌المسألة الثانية: الاستياك بالعود الرطب

- ‌المسألة الثالثة: الاستياك في صوم الفريضة

- ‌المطلب السابع: حكم الوصال في الصيام

- ‌المسألة الأولى: الوصال أكثر من يوم

- ‌المسألة الثانية: الوصال إلى السَحَر

- ‌المطلب الثامن: حكم من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم

- ‌المطلب العاشر: حكم انغماس الصائم في الماء

- ‌المطلب الحادي عشر: في الأكل والشرب للمتسحر

- ‌المسألة الأولى: حكم من أكل أو شرب وهو شاك في الفجر

- ‌المسألة الثانية: هل المعتبر في تحريم الأكل والشرب تَبَيُّن الفجر أو طلوع الفجر

- ‌المطلب الثالث عشر: حكم صيام الحائض والنُفَساء إذا طهرت قبل الفجر، ولم تغتسل إلا بعد الفجر

- ‌المبحث الثاني: في الكفارة، وخصالها

- ‌المطلب الثاني: هل على المرأة المجامعة في رمضان كفارة

- ‌المطلب الثالث: هل على من جامع ناسيا في رمضان كفارة

- ‌المطلب الرابع: هل الأكل والشرب في رمضان عمدا يوجبان الكفارة كالجماع

- ‌المطلب السادس: هل الخصال الثلاثة في كفارة الجماع في رمضان على الترتيب أو على التخيير

- ‌المطلب السابع: حكم اشتراط التتابع في صيام كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب الثامن: ما هو الحد الواجب في الإطعام في كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب التاسع: هل يشترط في الرقبة المعتقة في كفارة الجماع في رمضان أن تكون مؤمنة

- ‌الفصل الرابع: في صوم التطوع، والأيام التي نهي عن الصوم فيها، وفي النذر، وصوم عاشوراء

- ‌المبحث الأول: في صوم التطوع والأيام التي نهي عن الصوم فيها

- ‌المطلب الأول: حكم إفراد يوم الجمعة بصيام

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام يوم السبت

- ‌المطلب الثالث: حكم صيام يوم عرفة للحاج

- ‌المطلب الخامس: حكم صيام عشر ذي الحِجَّة

- ‌المطلب السادس: حكم صيام الدهر

- ‌المطلب السابع: حكم صيام الست من شوال

- ‌المطلب الثامن: ما هو أفضل الصيام بعد رمضان صيام شعبان أو المحرم

- ‌المطلب التاسع: حكم الإفطار في صوم النافلة

- ‌المطلب العاشر: تعيين الأفضل في صيام ثلاثة أيام من كل شهر

- ‌المطلب الحادي عشر: ما هي أيام البيض

- ‌المطلب الثاني عشر: معنى صيام يوم في سبيل الله

- ‌المبحث الثاني: في النذر، وفي أعذار الفطر

- ‌المطلب الأول: حكم من نذر صوم العيدين متعمدا لعينيهما

- ‌المطلب الثاني: حكم من نذر صوم يوم قدوم فلان مثلا فوافق يوم عيد

- ‌المطلب الثالث: هل الضيافة عذر للإفطار من صوم النفل

- ‌المطلب الرابع: هل يستحب لمن كان صائما صيام نفل أن يفطر إذا دُعي

- ‌المبحث الثالث: في صوم عاشوراء

- ‌المطلب الأول: نسخ وجوب صيام يوم عاشوراء

- ‌المطلب الثاني: هل عاشوراء هو اليوم التاسع أو اليوم العاشر

- ‌المطلب الثالث: ما الأفضل في صيام عاشوراء

- ‌المطلب الرابع: هل صيام يوم مع عاشوراء لاحتمال الشك أو لمخالفة أهل الكتاب

- ‌المطلب الخامس: هل الأفضل صيام يوم عاشوراء أو يوم عرفة

- ‌الباب الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر، وفي الاعتكاف

- ‌الفصل الأول: في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر

- ‌المبحث الأول: في قضاء الصوم

- ‌المطلب الأول: هل يجب قضاء رمضان على الفور؟ ، وهل يجب التتابع

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز التطوع قبل القضاء

- ‌المطلب الثالث: هل يقضي من أفطر في صيام النفل

- ‌المطلب الرابع: حكم صيام المرأة النفل وقضاء الواجب بغير إذن زوجها

- ‌المطلب الخامس: هل يقضي المجامع في رمضان اليوم الذي جامع فيه

- ‌المطلب السادس: حكم القضاء على من ذرعه القيء

- ‌المطلب السابع: هل يقضي من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌المطلب الثامن: هل يقضي الصوم من تمضمض أو استنشق فغلبه الماء

- ‌المطلب التاسع: حكم من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر

- ‌المطلب العاشر: ما الواجب على المُرضع والحامل إذا خافتا على ولدهما فقط

- ‌المبحث الثاني: في القضاء عن الميت

- ‌المطلب الأول: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي أمكنه التدارك

- ‌المطلب الثاني: ما الصوم الذي يصام عن الميت

- ‌المطلب الثالث: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي لم يمكنه التدارك

- ‌المبحث الثالث: في ليلة القدر

- ‌المطلب الأول: في تعيين ليلة القَدْر

- ‌المطلب الثاني: هل ليلة القدر خاصة بهذه الأمة

- ‌الفصل الثاني: في الاعتكاف

- ‌المبحث الأول: في حكمه، واشتراط الصوم له، وغير ذلك

- ‌المطلب الأول: حكم (الاعتكاف)

- ‌المطلب الثاني: هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف

- ‌المطلب الثالث: هل لأقل الاعتكاف حدّ

- ‌المطلب الرابع: هل ينقطع اعتكاف من عاد مريضا أو صلى على جنازة

- ‌المطلب الخامس: هل يجوز (الاشتراط في الاعتكاف)

- ‌المطلب السادس: حكم من نذر الاعتكاف قبل إسلامه

- ‌المطلب السابع: متى يدخل المعتكِف معتكَفه

- ‌المطلب الثامن: حكم قضاء الاعتكاف

- ‌المبحث الثاني: في مكان الاعتكاف

- ‌المطلب الأول: أين تعتكف المرأة

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

- ‌المطلب الثالث: هل يجوز الاعتكاف في غير (المسجد الجامع)

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب الثاني: ما الصوم الذي يصام عن الميت

‌المطلب الثاني: ما الصوم الذي يصام عن الميت

؟ .

اختيار الشيخ: اختار أنه يقضى عن الميت جميع ما وجب عليه من صيام، فقال عن حديث ابن عباس -الذي فيه صيام النذر-، وحديث عائشة -الذي فيه مطلق الصيام-:"وفيه أنه ليس بين الحديثين تعارض حتى يجمع بينهما، فحديث ابن عباس صورة مستقلة سأل عنها من وقعت له. وأما حديث عائشة فهو تقرير قاعدة عامة"(1).

تحرير المسألة: جاء في المسألة السابقة أن العلماء اختلفوا: هل يقضى الصوم عن الميت أو لا يقضى؟ على قولين، والذين أجازوا قضاء الصوم عن الميت اختلفوا في نوع الصوم الذي يقضى عنه على قولين:

القول الأول: يقضى عن الميت جميع ما وجب عليه من صيام، سواء كان قضاء رمضان أو نذر، أو كفارات.

وبه قال: الشافعي في القديم (2) ، والظاهرية (3) ، وأبو ثور (4)، وهو اختيار الشيخ.

القول الثاني: يقضى عنه النذر فقط ويطعم عنه في ما سواه.

وبه قال: الحنابلة (5).

سبب الخلاف: والسبب في اختلافهم والله أعلم هو اختلافهم في المقصود من الصوم الذي يقضى عن الميت الوارد في الأحاديث التي ستأتي معنى في الأدلة إن شاء الله.

أدلة القول الأول: القائلين بأنه يقضى عن الميت جميع ما وجب عليه من صيام، سواء كان قضاء رمضان أو نذر أو كفارات.

الدليل الأول: عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من مات وعليه صيام صام عنه وليه» (6).

(1) مرعاة المفاتيح 7/ 31. وسيأتي حديث عائشة ص 593، وحديث ابن عباس ص 595.

(2)

المجموع 6/ 370، منهاج الطالبين ص 77، النجم الوهاج 3/ 335، مغني المحتاج 2/ 172.

(3)

المحلى 4/ 420.

(4)

التمهيد 9/ 28، الاستذكار 3/ 341، والمحلى 4/ 420، مختصر اختلاف العلماء 2/ 46.

(5)

مسائل أحمد رواية صالح 2/ 189، المغني 3/ 153، شرح الروض المربع 3/ 440.

(6)

سبق تخريجه صفحة (586).

ص: 596

وجه الاستدلال: في قوله: «وعليه صيام» نكرة في سياق الشرط، فيعُمّ كلّ صيام (1)، من صوم رمضان، أو صوم نذر، أو صوم كفارة، أو غير ذلك (2).

الدليل الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟ فقال:«لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها» ؟ قال: نعم. قال: «فدين الله أحق أن يقضى» (3).

وجه الاستدلال من وجهين:

الوجه الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الحكم غير مقيد، بعد سؤال السائل مطلقا عن واقعة يحتمل أن يكون وجوب الصوم فيها عن نذر، ويحتمل أن يكون عن غيره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أجاب بلفظ غير مقيد عن سؤال وقع عن صورة محتملة أن يكون الحكم فيها مختلفا، فيتعين أن يكون الحكم شاملا للصور كلها، وهو ما يعبر عنه في أصول الفقه بقولهم: ترك الاستفصال عن قضايا الأحوال، مع قيام الاحتمال منزل منزلة العموم في المقال.

الوجه الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم علّل قضاء الصوم بعلة عامة للنذر وغيره، وهو كونه عليها، وقاسه على الدين، وهذه العلة -كونها حقا واجبا- لا تختص بالنذر، والحكم يعم بعموم علته (4).

الدليل الثالث: عن بُرَيْدة رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم أفأصوم عنها؟ ، قال:«نعم» (5).

وجه الاستدلال: أن قول المرأة في الحديث: (وعليها صوم) مطلق يشمل جميع ما وجب عليها من صيام: كرمضان، والنذر، وغير ذلك (6).

أدلة القول الثاني: القائلين بأنه يقضى عنه النذر فقط ويطعم عنه في ما سواه.

يستدل أصحاب هذا القول على مذهبهم من جهتين:

(1) تنظر القاعدة الأصولية في: التمهيد في تخريج الفروع على الأصول للأسنوي ص: 324، والتحبير شرح التحرير للمرداوي 5/ 2435.

(2)

ينظر: نيل الأوطار 4/ 279، سبل السلام 1/ 580، التمهيد 9/ 28.

(3)

سبق تخريجه صفحة (589).

(4)

يُنظر الوجهان في إحكام الأحكام 2/ 25.

(5)

سبق تخريجه صفحة (589).

(6)

ينظر: حاشية السندي على ابن ماجه 1/ 535، والمحلى 4/ 421.

ص: 597

الجهة الأولى: أدلتهم على أن أولياء الميت لا يُشرَع لهم صيام القضاء والكفارات عن ميتهم، وإنما يُطعِمون عنه. وهي نفسها أدلة القائلين بأنه لا يشرع صيام الأولياء عن ميتهم مطلقا وإنما يُطعم عنه وقد تقدّمَت في المسألة السابقة.

الجهة الثانية: أدلتهم على جواز صيام النذر عن الميت وهي كالتالي:

الدليل الأول: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم نذر، أفأصوم عنها؟ قال:«أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته، أكان يؤدي ذلك عنها» قالت: نعم؛ قال: «فصومي عن أمك» (1).

وجه الاستدلال: أن الحديث جاء نصا صريحا في قضاء صوم النذر عن الميت، فيجب المصير إليه. ويحمل ما جاء مطلقا في الروايات الأخرى على ما جاء مفسرا في هذه الرواية.

الدليل الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «إذا مرض الرجل في رمضان، ثم مات ولم يصم أُطعِم عنه، ولم يكن عليه قضاء، وإن كان عليه نذر قضى عنه وليه» (2).

وجه الاستدلال: أن تفصيل ابن عباس رضي الله عنهما بأن الإطعام عن الميت يكون في قضاء رمضان، والصيام عنه يكون في النذر، دليل على أن المقصود من الحديث المرفوع صيام النذر عن الميت دون غيره من الواجبات؛ لأن ابن عباس رضي الله عنهما هو راوي الحديث وهو أعلم بتأويله (3).

الدليل الثالث: ولأن حديث عائشة رضي الله عنها مطلق وحديث ابن عباس رضي الله عنهما مقيد فيحمل عليه، ويكون المراد بالصيام صيام النذر (4).

الدليل الرابع: ولأن النيابة تدخل في العبادة بحسب خفتها، والنذر أخف حكما؛ لكونه لم يجب بأصل الشرع، وإنما أوجبه الناذر على نفسه، ولهذا جازت النيابة في النذر دون غيره (5).

(1) أخرجه البخاري 4/ 227 رقم 1953، في الصوم باب من مات وعليه صوم، ومسلم 2/ 804 رقم 1148، في الصيام باب قضاء الصيام عن الميت، واللفظ له.

(2)

أخرجه أبو داود 2/ 315 رقم 2401، في الصوم باب فيمن مات وعليه صيام، وابن أبي شيبة في المصنف 3/ 113 رقم 12598، في الأيمان والنذور باب: من مات وعليه نذر، وقال الألباني في صحيح أبي داود 7/ 163 رقم 2078:"إسناده صحيح على شرط الشيخين".

(3)

ينظر: الفروع 5/ 66، التمهيد 9/ 28، وشرح العمدة كتاب الصيام 1/ 365.

(4)

ينظر: شرح الزركشي 2/ 608، نيل الأوطار 4/ 280.

(5)

ينظر: المغني 3/ 153.

ص: 598

الترجيح: الذي يترجح في هذه المسألة -والله أعلم- هو القول الأول: القاضي بصحة الصيام عن الميت فيما وجب في ذمته، من صوم واجب؛ سواء أكان قضاء من رمضان، أو كفارة، أو نذر؛ وذلك لما يلي:

الأول: قوة أدلته، حيث جاءت أدلته نصية صريحة في الدلالة على صحة النيابة عن الميت في الصوم مطلقا، وبألفاظ لا تحتمل غير ذلك؛ نحو قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة رضي الله عنها:«من مات وعليه صوم صام عنه وليه» ، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قوله للرجل الذي سأل عن صوم شهر كان على أمه، وقد ماتت؛ فقال صلى الله عليه وسلم:«فدين الله أحق أن يقضى» .

الثاني: ضعف ما استدل به أصحاب القول الثاني وبيانه كما يلي:

أولا: أما قولهم في حديث ابن عباس: إنه جاء نصا صريحا في قضاء صوم النذر عن الميت، فيجب المصير إليه، ويحمل ما جاء مجملا في الروايات الأخرى على ما جاء مفسرا في هذه الرواية، فيجاب عنه:

أنهما واقعتان لرجل وامرأة، فهما حديثان مختلفان، لا روايتان لحديث واحد حتى يحمل المجمل على المفسر، فتبقى كل منهما على مدلولها، ولا تقيد الأولى بالثانية، بل تبقى على عمومها (1).

ثانيا: وأما قولهم: إن حديث عائشة رضي الله عنها مطلق وحديث ابن عباس رضي الله عنهما مقيد، فيحمل عليه، ويكون المراد بالصيام صيام النذر، فيجاب عنه:

أنه ليس بين الحديثين تعارض حتى يجمع بينهما، فحديث ابن عباس رضي الله عنهما صورة مستقلة، سأل عنها من وقعت له وهي صيام النذر عن الميت، وهذا من التنصيص على بعض أفراد العام فلا يصلح لتخصيصه ولا لتقييده كما تقرر في الأصول (2).

وأما حديث عائشة رضي الله عنها فهو تقرير لقاعدة عامة، وهي قضاء جميع ما وجب عليه من الصيام (3).

ثالثا: وأما استدلالهم بأثر ابن عباس رضي الله عنهما، فيجاب عنه:

(1) ينظر: إحكام الأحكام 2/ 26، وتيسير العلام ص:334.

(2)

ينظر: رفع النقاب 4/ 244، إرشاد الفحول 1/ 336.

(3)

ينظر: فتح الباري 4/ 193، إحكام الأحكام 2/ 26، نيل الأوطار 4/ 280.

ص: 599

أن النقل عن ابن عباس رضي الله عنهما مضطرب جدا، فقد جاء عنه قوله:«لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد» (1). وجاء أن امرأة جعلت على نفسها مشيا إلى مسجد قباء فماتت ولم تقضه، «فأفتى عبد الله بن عباس ابنتها أن تمشي عنها» (2).

وجاء في هذا الأثر الذي معنا قوله: «إذا مرض الرجل في رمضان، ثم مات، ولم يصم، أطعم عنه، ولم يكن عليه قضاء، وإن كان عليه نذر قضى عنه وليه» .

قال العَيْني -بعد ذكر هذه الآثار عن ابن عباس رضي الله عنهما: "قلت: النقل عنه في هذا مضطرب فلا يقوم به حجة لأحد"(3).

والله أعلم.

(1) سبق تخريجه صفحة (587).

(2)

رواه الإمام مالك في الموطأ 3/ 672 رقم 1711، كتاب النذور، باب: ما يجب من النذور في المشي، وعلقه البخاري 8/ 142، كتاب الأيمان والنذور، باب من مات وعليه نذر.

(3)

عمدة القاري 23/ 210، وينظر: نيل الأوطار 8/ 292.

ص: 600