المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: اعتبار اختلاف المطالع - الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف

[موافقي الأمين]

فهرس الكتاب

- ‌ الافتتاحية

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌خطة البحث

- ‌المنهج المتبع في البحث:

- ‌الشكر وتقدير:

- ‌التمهيددراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري واختياراته

- ‌المبحث الأول: دراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول:‌‌ اسمه، ونسبه، و‌‌كنيته، و‌‌لقبه

- ‌ اسمه، ونسبه

- ‌كنيته

- ‌لقبه

- ‌المطلب الثاني:‌‌ مولده، و‌‌أسرته، ووفاته

- ‌ مولده

- ‌أسرته

- ‌وفاته:

- ‌المطلب الثالث: نشأته، وطلبه للعلم

- ‌المطلب الرابع:‌‌ شيوخه، وتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌أولا: الشيخ أبو الهدى عبد السلام بن الشيخ خان محمد بن أمان الله المباركفوري

- ‌ثانيا: الشيخ العلامة أبو طاهر البهاري

- ‌ثالثا: الشيخ أبو العلى محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن الشيخ بهادر المباركفوري

- ‌رابعا: الشيخ العلامة أحمد الله بن أمير الله بن فقير الله فرتاب كرهي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفور جيراجفوري

- ‌سادسا: الشيخ العلامة محمد أعظم بن فضل الدين أبو عبد الله الجوندلوي الباكستاني

- ‌تلامذته:

- ‌أولا: الشيخ عبد الجليل بن تعلقدار الرحماني البستوي

- ‌ثانيا: الشيخ محمد إدريس آزاد الرحماني الأملوي

- ‌ثالثا: الشيخ عبد المعيد بن عبد المجيد بن عبد القادر أبو عبيدة البنارسي

- ‌رابعا: الشيخ آفتاب آحمد الرحماني البنغلاديشي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفار حسن بن العلامة عبد الستار بن عبد الجبار العمر فوري الرحماني

- ‌سادسا: الشيخ أحمد الله بن عبد الكريم الرحماني البنغلاديش

- ‌المطلب الخامس:‌‌ عقيدته، ومذهبه الفقهي

- ‌ عقيدته

- ‌عقيدة الشيخ في الإيمان:

- ‌عقيدة الشيخ في الأسماء والصفات:

- ‌عقيدته في التوسل ودعاء الأموات والغائبين:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌المطلب السادس: ثناء العلماء عليه

- ‌المطلب السابع: آثاره العلمية

- ‌المبحث الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول: تعريف الاختيار

- ‌في اللغة:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌التعريف الأول:

- ‌التعريف الثاني:

- ‌وقد عرفه بعض الباحثين باعتبار أقسامه الثلاثة:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي والإنفراد:

- ‌تعريف الرأي:

- ‌وأما في الاصطلاح فقد عرف بعدة تعاريف منها:

- ‌تعريف الإنفراد:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي:

- ‌وجه التشابه بينهما:

- ‌وجه الاختلاف بينهما:

- ‌الفرق بين الإختيار والإنفراد:

- ‌الفرق بين الإنفراد والرأي:

- ‌المطلب الثاني: منهج المباركفوري في اختياراته، وموقف العلماء منها

- ‌المطلب الثالث: دراسة الصيغ المعتبرة (في الاختيار) عند الشيخ المباركفوري

- ‌الباب الأول: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في الصيام

- ‌الفصل الأول: في تسمية الشهر، وفي رؤية الهلال، وفي يوم الشك

- ‌المبحث الأول: حكم قول رمضان، وفي رؤية الهلال

- ‌المطلب الثاني: اعتبار اختلاف المطالع

- ‌المطلب الثالث: هل يثبت دخول الشهر بالحساب الفلكي

- ‌المطلب الرابع: عدد الشهود في هلال شهر رمضان

- ‌المطلب الخامس: عدد الشهود لثبوت هلال شوال

- ‌المطلب السادس: هل يكفي الإخبار ممن رأى الهلال أو تشترط الشهادة

- ‌المطلب السابع: حكم صيام من رأى هلال شوال وحده فردت شهادته

- ‌المطلب الثامن: حكم من أفطر ثم تبين أن اليوم من رمضان

- ‌المبحث الثاني: في يوم الشك، والصوم بعد انتصاف شعبان

- ‌المطلب الأول: في تعيين يوم الشك

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر

- ‌المطلب الثالث: من صام يوم الشك فتبين أنه من رمضان

- ‌المطلب الرابع: حكم الصيام بعد انتصاف شعبان

- ‌الفصل الثاني: في النية وصيام المسافر

- ‌المبحث الأول: في النية

- ‌المطلب الأول: في النية للفرض

- ‌المسألة الثانية: حكم النية لكل يوم من رمضان

- ‌المسألة الثالثة: حكم تعيين النية

- ‌المسألة الرابعة: حكم التَلَفُّظ بالنية

- ‌المسألة الخامسة: هل يُشترَط أن تُعقَد النية في جزء معين من الليل

- ‌المسألة السادسة: حكم ما إذا فعل بعد النية قبل الفجر ما ينافي الصوم

- ‌المطلب الثاني: في النية النفل

- ‌المسألة الأولى: حكم صيام يوم الشك بنية التطوع

- ‌المسألة الثانية: حكم نية صوم النفل من النهار

- ‌المسألة الثالثة: حكم عقد نية النفل بعد الزوال

- ‌المبحث الثاني: صوم السفر

- ‌المطلب الأول: حكم الصيام في السفر

- ‌المطلب الثاني: ما الأفضل للمسافر الصيام أو الفطر

- ‌المطلب الثالث: حد السفر المبيح للفطر

- ‌المطلب الرابع: حكم إفطار المسافر الذي استهل عليه رمضان وهو مقيم

- ‌المطلب الخامس: حكم إفطار المسافر بعد أن كان قد شرع في الصيام

- ‌المطلب السادس: حكم إفطار من سافر بعد طلوع الفجر

- ‌الفصل الثالث: في المفطرات وما يجتنبه الصائم، وفي الكفارة وخصالها

- ‌المبحث الأول: في المفطرات وما يجتنبه الصائم

- ‌المطلب الثاني: حكم الفصد للصائم

- ‌المطلب الرابع: حكم التقبيل للصائم

- ‌المطلب الخامس: حكم الاستياك للصائم

- ‌المسألة الثانية: الاستياك بالعود الرطب

- ‌المسألة الثالثة: الاستياك في صوم الفريضة

- ‌المطلب السابع: حكم الوصال في الصيام

- ‌المسألة الأولى: الوصال أكثر من يوم

- ‌المسألة الثانية: الوصال إلى السَحَر

- ‌المطلب الثامن: حكم من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم

- ‌المطلب العاشر: حكم انغماس الصائم في الماء

- ‌المطلب الحادي عشر: في الأكل والشرب للمتسحر

- ‌المسألة الأولى: حكم من أكل أو شرب وهو شاك في الفجر

- ‌المسألة الثانية: هل المعتبر في تحريم الأكل والشرب تَبَيُّن الفجر أو طلوع الفجر

- ‌المطلب الثالث عشر: حكم صيام الحائض والنُفَساء إذا طهرت قبل الفجر، ولم تغتسل إلا بعد الفجر

- ‌المبحث الثاني: في الكفارة، وخصالها

- ‌المطلب الثاني: هل على المرأة المجامعة في رمضان كفارة

- ‌المطلب الثالث: هل على من جامع ناسيا في رمضان كفارة

- ‌المطلب الرابع: هل الأكل والشرب في رمضان عمدا يوجبان الكفارة كالجماع

- ‌المطلب السادس: هل الخصال الثلاثة في كفارة الجماع في رمضان على الترتيب أو على التخيير

- ‌المطلب السابع: حكم اشتراط التتابع في صيام كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب الثامن: ما هو الحد الواجب في الإطعام في كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب التاسع: هل يشترط في الرقبة المعتقة في كفارة الجماع في رمضان أن تكون مؤمنة

- ‌الفصل الرابع: في صوم التطوع، والأيام التي نهي عن الصوم فيها، وفي النذر، وصوم عاشوراء

- ‌المبحث الأول: في صوم التطوع والأيام التي نهي عن الصوم فيها

- ‌المطلب الأول: حكم إفراد يوم الجمعة بصيام

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام يوم السبت

- ‌المطلب الثالث: حكم صيام يوم عرفة للحاج

- ‌المطلب الخامس: حكم صيام عشر ذي الحِجَّة

- ‌المطلب السادس: حكم صيام الدهر

- ‌المطلب السابع: حكم صيام الست من شوال

- ‌المطلب الثامن: ما هو أفضل الصيام بعد رمضان صيام شعبان أو المحرم

- ‌المطلب التاسع: حكم الإفطار في صوم النافلة

- ‌المطلب العاشر: تعيين الأفضل في صيام ثلاثة أيام من كل شهر

- ‌المطلب الحادي عشر: ما هي أيام البيض

- ‌المطلب الثاني عشر: معنى صيام يوم في سبيل الله

- ‌المبحث الثاني: في النذر، وفي أعذار الفطر

- ‌المطلب الأول: حكم من نذر صوم العيدين متعمدا لعينيهما

- ‌المطلب الثاني: حكم من نذر صوم يوم قدوم فلان مثلا فوافق يوم عيد

- ‌المطلب الثالث: هل الضيافة عذر للإفطار من صوم النفل

- ‌المطلب الرابع: هل يستحب لمن كان صائما صيام نفل أن يفطر إذا دُعي

- ‌المبحث الثالث: في صوم عاشوراء

- ‌المطلب الأول: نسخ وجوب صيام يوم عاشوراء

- ‌المطلب الثاني: هل عاشوراء هو اليوم التاسع أو اليوم العاشر

- ‌المطلب الثالث: ما الأفضل في صيام عاشوراء

- ‌المطلب الرابع: هل صيام يوم مع عاشوراء لاحتمال الشك أو لمخالفة أهل الكتاب

- ‌المطلب الخامس: هل الأفضل صيام يوم عاشوراء أو يوم عرفة

- ‌الباب الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر، وفي الاعتكاف

- ‌الفصل الأول: في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر

- ‌المبحث الأول: في قضاء الصوم

- ‌المطلب الأول: هل يجب قضاء رمضان على الفور؟ ، وهل يجب التتابع

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز التطوع قبل القضاء

- ‌المطلب الثالث: هل يقضي من أفطر في صيام النفل

- ‌المطلب الرابع: حكم صيام المرأة النفل وقضاء الواجب بغير إذن زوجها

- ‌المطلب الخامس: هل يقضي المجامع في رمضان اليوم الذي جامع فيه

- ‌المطلب السادس: حكم القضاء على من ذرعه القيء

- ‌المطلب السابع: هل يقضي من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌المطلب الثامن: هل يقضي الصوم من تمضمض أو استنشق فغلبه الماء

- ‌المطلب التاسع: حكم من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر

- ‌المطلب العاشر: ما الواجب على المُرضع والحامل إذا خافتا على ولدهما فقط

- ‌المبحث الثاني: في القضاء عن الميت

- ‌المطلب الأول: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي أمكنه التدارك

- ‌المطلب الثاني: ما الصوم الذي يصام عن الميت

- ‌المطلب الثالث: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي لم يمكنه التدارك

- ‌المبحث الثالث: في ليلة القدر

- ‌المطلب الأول: في تعيين ليلة القَدْر

- ‌المطلب الثاني: هل ليلة القدر خاصة بهذه الأمة

- ‌الفصل الثاني: في الاعتكاف

- ‌المبحث الأول: في حكمه، واشتراط الصوم له، وغير ذلك

- ‌المطلب الأول: حكم (الاعتكاف)

- ‌المطلب الثاني: هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف

- ‌المطلب الثالث: هل لأقل الاعتكاف حدّ

- ‌المطلب الرابع: هل ينقطع اعتكاف من عاد مريضا أو صلى على جنازة

- ‌المطلب الخامس: هل يجوز (الاشتراط في الاعتكاف)

- ‌المطلب السادس: حكم من نذر الاعتكاف قبل إسلامه

- ‌المطلب السابع: متى يدخل المعتكِف معتكَفه

- ‌المطلب الثامن: حكم قضاء الاعتكاف

- ‌المبحث الثاني: في مكان الاعتكاف

- ‌المطلب الأول: أين تعتكف المرأة

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

- ‌المطلب الثالث: هل يجوز الاعتكاف في غير (المسجد الجامع)

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب الثاني: اعتبار اختلاف المطالع

‌المطلب الثاني: اعتبار اختلاف المطالع

.

اختيار الشيخ: اختار القول باعتبار اختلاف المطالع، فقال:"قلت: لا مَناص من اعتبار اختلاف المطالع (1) في باب الصوم أيضا"(2).

تحرير محل الخلاف: اتفق الفقهاء على أنه يجب صوم رمضان برؤية الهلال (3)، لقوله صلى الله عليه وسلم:«صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» (4).

واتفقوا أيضا على أن خليفة المسلمين إذا أصدر أمرا بثبوت رؤية الهلال، فحَكَم بأن الغد من رمضان أو من شوال، -وكان يرى أن لا عبرة باختلاف المطالع في اجتهاده، ونقل أمره هذا إلى جميع الأقطار الإسلامية الخاضعة لولايته-، وجب الامتثال لأمره؛ لأن حكم الحاكم يرفع الخِلاف (5)(6).

وإن اختلاف مطالع الأهلة من الأمور التي علمت بالضرورة حِسّا وعقلا، ولم يخالف فيها أحد، وإنما وقع الاختلاف بين علماء المسلمين في اعتبار اختلاف المطالع من عدمه (7).

واختلفوا لو تمت رؤيته في بلد، هل يلزم جميع البلاد الصوم بتلك الرؤية أم لا؟ على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أنه لا عبرة باختلاف المطالع؛ فإذا رؤي الهلال في بلد إسلامي في المشرق وجب على جميع البلدان الإسلامية الصوم برؤيتهم ولو كانوا في أقصى المغرب وأهله لم يروه.

(1) المَطالِع: جمع مَطلع، وطلع القمر وغيره طلوعا فهو طالع، وكل ما بدا لك من علو فقد طَلَع، ووقت طلوعه المطلِع، وموضع طلوعه المطلَع. ينظر: المصباح المنير 2/ 375، جمهرة اللغة 2/ 915، مختار الصحاح ص 191.

(2)

مرعاة المفاتيح 6/ 427.

(3)

ينظر: الإقناع لابن المنذر 1/ 227، الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 228، بدائع الصنائع 2/ 80، بداية المجتهد 2/ 46، الحاوي الكبير 3/ 409، المبدع في شرح المقنع 3/ 3.

(4)

سيأتي تخريجه صفحة (70).

(5)

فتح القدير للكمال 2/ 324، الكافي لابن عبد البر 1/ 335، المجموع 6/ 283، المغني 3/ 165.

(6)

تنظر القاعدة في: شرح تنقيح الفصول ص 441، الفروق 2/ 103.

(7)

أبحاث هيئة كبار العلماء قرار رقم 2، وتاريخ 13/ 8/1392 هـ. ينظر: مجلة البحوث الإسلامية، العدد 28 ص 321، وينظر: رد المحتار على الدر المختار 2/ 393.

ص: 67

وبه قال: الحنفية في (ظاهر المذهب)(1)(2) ، والمالكية في (المشهور)(3)(4)، والليث ابن سعد (5)(6)، والشافعية في قول (7)، والحنابلة (8).

القول الثاني: العبرة باختلاف المطالع؛ حيث إنّه يعتبر لأهل كل بلد رؤيتهم ولا يلزمهم رؤية غيرهم.

وهو رواية عن: الإمام مالك (9)(10) ، ووجه عند الشافعية (11).

(1) هو ما جاء في كتب محمد بن الحسن الشيباني الست: الجامع الكبير، والجامع الصغير، والسِيَر الكبير، والسِيَر الصغير، والمبسوط أو الأصل والزيادات. وقد جمع فيها فقه أبي حنيفة، ويعتبر ما جاء فيها هو الراجح في المذهب، ويُعبَّر عن الترجيح بأنه في ظاهر الرواية. ينظر: رد المحتار 1/ 50.

(2)

بدائع الصنائع 2/ 80، تبيين الحقائق 1/ 316، فتح القدير 2/ 313، رد المحتار 2/ 393.

(3)

مذهب جمهور المالكية أن المشهور ما كثر قائله، لا ما قوي دليله. ينظر: رفع العتاب والملام ص 17.

(4)

القوانين الفقهية ص 79، التوضيح لخليل 2/ 379، مواهب الجليل 2/ 383، الشرح الكبير للدردير 1/ 510. وهي رواية ابن القاسم والمصريين عن مالك. ينظر: النوادر والزيادات 2/ 11، الاستذكار 3/ 282، بداية المجتهد 2/ 50.

(5)

هو: الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي، مولى خالد بن ثابت بن ظاعن، أبو الحارث، إمام أهل مصر في عصره، حديثا وفقها، ولد في قلقشندة - قرية من أسفل أعمال مصر - سنة 94 هـ، روى عنه خلق كثير منهم: ابن عجلان شيخه، وابن لهيعة، توفي في القاهرة سنة 175 هـ. ينظر: طبقات ابن سعد 7/ 517، سير أعلام النبلاء 8/ 136، الأعلام 5/ 248.

(6)

ينظر: الإشراف لابن المنذر 3/ 112، الاستذكار 3/ 282، المجموع 6/ 274، المغني 3/ 107.

(7)

الحاوي الكبير 3/ 409، المجموع 6/ 273، كفاية النبيه 6/ 246، مغني المحتاج 2/ 144.

(8)

مسائل أحمد رواية أبي داود ص 128، المغني 3/ 107، المبدع 3/ 7، كشاف القناع 2/ 303.

(9)

هو: مالك بن أنس بن مالك الأصبحي الحميري، أبو عبد الله المدني، إمام دار الهجرة، وأحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة، أخذ العلم عن: نافع مولى ابن عمر، والزُهري، وربيعة الرأي، ونظرائهم، توفي بالمدينة سنة 179 هـ، من تصانيفه: الموطأ؛ وتفسير غريب القرآن؛ ينظر: ترتيب المدارك 1/ 104، الديباج المذهب ص 17؛ شجرة النور الزكية 1/ 80؛ سير أعلام النبلاء 8/ 48.

(10)

ينظر: النوادر والزيادات 2/ 11، الاستذكار 3/ 282، بداية المجتهد 2/ 50. وهي رواية المدنيين.

(11)

الحاوي الكبير 3/ 409، المجموع 6/ 274، كفاية النبيه 6/ 246.

ص: 68

وهو اختيار: الزَّيْلَعي (1) من الحنفية (2)، وإسحاق بن راهَوِيْه (3)(4)، وهو اختيار الشيخ.

القول الثالث: إن كانت المسافة بين البلدين متقاربة لا تختلف المطالع لأجلها فحكمها حكم بلد واحد؛ فإذا رؤي الهلال في أحدهما وجب على أهل البلد الآخر الصيام، وإن تباعدا في المسافة لم يجب الصوم على أهل البلد الآخر.

وبه قال الشافعية في المعتمد عندهم في المذهب (5).

سبب الخلاف: والسبب في اختلافهم: هو تعارض الأثر والنظر. أما النظر: فهو أن البلاد إذا لم تختلف مطالعها كل الاختلاف فيجب أن يحمل بعضها على بعض؛ لأنها في قياس الأفق الواحد. وأما الأثر: فحديث ابن عباس الذي سيأتي في أدلة القول الثاني والثالث (6).

أدلة القول الأول: القائلين بأنه لا عبرة باختلاف المطالع.

الدليل الأول: قول الله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (7).

(1) هو: عثمان بن علي بن محجن البارعي، فخر الدين أبو محمد الزّيْلَعي، الإمام العلامة الحنفي، قدم القاهرة سنة 705 هـ فأفتى ودرّس، ونشر الفقه، وانتفع به الناس، وتوفي فيها سنة 743 هـ، ودفن بالقرافة، من مصنفاته: تبيين الحقائق في شرح كنز الدقائق، وشرح الجامع الكبير. ينظر: الجواهر المضية 1/ 345، الأعلام للزركلي 4/ 210، حسن المحاضرة 1/ 470.

(2)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق 1/ 321، وحاشية ابن عابدين 2/ 393.

(3)

هو: إسحاق بن إبراهيم بن مخلد، من بني حنظلة من تميم، أبو يعقوب المروزي، المعروف بابن راهويه، عالم خراسان في عصره، طاف البلاد لجمع الحديث، وأخذ عنه أحمد والشيخان، اجتمع له الفقه والحديث والحفظ والصدق والورع والزهد، استوطن نيسابور وتوفي بها سنة 238 هـ. ينظر: تاريخ بغداد 6/ 345، سير أعلام النبلاء 11/ 358، تهذيب الكمال 2/ 373، الأعلام 1/ 292.

(4)

ينظر: الإشراف لابن المنذر 3/ 112، الاستذكار 3/ 282، المجموع 6/ 274، المغني 3/ 107.

(5)

المجموع 6/ 273، العزيز 3/ 179، كفاية النبيه 6/ 247، مغني المحتاج 2/ 144، وفيما يعتبر به: البعد والقرب عندهم ثلاثة أوجه: الأول: وهو أصحها، أن التباعد يختلف باختلاف المطالع. والثاني: الاعتبار باتحاد الإقليم واختلافه. والثالث: أن التباعد هو مسافة القصر والتقارب دونها. ينظر: المجموع 6/ 273.

(6)

ينظر: بداية المجتهد 2/ 50.

(7)

سورة البقرة: آية: 185.

ص: 69

وجه الاستدلال من الآية الكريمة: اتفق المسلمون على معنى الآية في اعتبار رؤية الهلال سببا في إيجاب صوم رمضان؛ فدل ذلك على أن رؤية الهلال هي شهود الشهر (1).

وبما أن رؤية الهلال قد ثبتت بشهادة الثّقات، وجب الصيام على جميع المسلمين (2)؛ لأن العبرة بثبوت الشهر نفسه من أي مطلع كان؛ وذلك لأن الشارع أناط عموم الحكم -وهو وجوب الصوم- بثبوت الشهر نفسه، بشرط العلم به، وأن يكون من شهد الشهر بالغا عاقلا صحيحا مقيما (3).

الدليل الثاني: عن ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غُمَّ عليْكم (4) فاقْدُرُوا له (5)» (6).

الدليل الثالث: وعنه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر رمضان فقال: «لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له» (7).

الدليل الرابع: عن أبي هريرة رضي الله عنهم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُمِّيَ (8) عليكم فأكملوا العدد» (9).

(1) ينظر: أحكام القرآن للجصاص 1/ 249.

(2)

ينظر: المغني 3/ 107.

(3)

ينظر الجامع لأحكام القرآن 2/ 299.

(4)

يقال: غُمَّ علينا الهلال غَما فهو مَغموم، إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو غيره. من غَمَمت الشيء إذا غَطَّيْته. ينظر: النهاية 3/ 388، لسان العرب 12/ 442، وتاج العروس 33/ 181.

(5)

فاقدروا له: أي قَدِّروا له عدد الشهر حتى تُكملوه ثلاثين يوما، وقيل بمعنى ضَيِّقوا له. ينظر: النهاية 4/ 23، مختار الصحاح ص 248، لسان العرب 5/ 78.

(6)

أخرجه البخاري 4/ 135 رقم 1900، في الصوم، باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان، ومن رأى كله واسعا، ومسلم 2/ 759 رقم 1080، في الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال.

(7)

أخرجه البخاري 4/ 143 رقم 1906، في الصوم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا رأيتم الهلال فصوموا» ، ومسلم 2/ 759 رقم 1080، كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال.

(8)

يقال: أُغْمِيَ علينا الهلال غُمِّيَ، فهو مُغْمى ومُغَمى، إذا حال دون رؤيته غيم أو قترة. وأصل التغمية الستر والتغطية. ينظر: النهاية 3/ 389، لسان العرب 15/ 135، المصباح المنير 2/ 454.

(9)

أخرجه البخاري 4/ 143 رقم 1909، في الصوم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا رأيتم الهلال فصوموا» ، ومسلم 2/ 762 رقم 1081، في الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، واللفظ له.

ص: 70

وجه الاستدلال من الأحاديث: أن الخطاب عام، وقد علق بمطلق الرؤية في قوله صلى الله عليه وسلم:«حتى تروا» ، و «لرؤيته» فإذا ثبتت الرؤية من قوم فإنه يَصْدُق اسم الرؤية، فثبت ما تُعُلِّق به من عموم الحكم، فيعم الوجوب جميع المسلمين (1).

ومن المقرر أصوليا أنّ: (المطلق)(2) يجرى على إطلاقه ما لم يقم دليل التقييد (3).

الدليل الخامس: عن أبي عُمَير بن أنس (4) قال: حدثني عمومتي من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: أُغْمِيَ علينا هلال شوال فأصبحنا صياما، فجاء ركَبْ (5) من آخر النهار، فشهدوا عند النبي صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس، «فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفطروا، وأن يخرجوا إلى عيدهم من الغد» (6).

(1) ينظر: فتح القدير لابن الهمام 2/ 314.

(2)

المُطْلق في اللغة: من الإطلاق: وهو الحل والإرسال. واصطلاحا: هو المُتناوِل لواحد لا بعينه باعتبار حقيقة شاملة لجنسه، وقيل: ما يدل على واحد غير معين. ويُقابِله المقيد. ينظر: روضة الناظر 2/ 102، التعريفات للجرجاني ص 209، تاج العروس 26/ 102.

(3)

ينظر: شرح القواعد الفقهية لأحمد الزرقا ص: 323.

(4)

هو: أبو عمير بن أنس بن مالك الأنصاري، قيل اسمه عبد الله، وكان أكبر ولد أنس، رَوَى عَن: عمومة لَهُ من الأنصار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، روى عنه: أبو بشر جعفر بن أبي وحشية، كان ثقة قليل الحديث. ينظر: الطبقات الكبرى 7/ 192، تهذيب الكمال 34/ 142، تهذيب التهذيب 12/ 188.

(5)

الرَكب: جمع راكب، وهم أصحاب الإبل خاصة دون الدواب، وهم العشرة فما فوقها. ينظر: الصحاح 1/ 138، النهاية 2/ 256.

(6)

أخرجه أبو داود 1/ 300 رقم 1157، كتاب الصلاة، باب إذا لم يخرج الإمام للعيد من يومه يخرج من الغد، والنسائي 3/ 180 رقم 1557، كتاب صلاة العيدين، باب الخروج إلى العيدين من الغد، وابن ماجه 1/ 529 رقم 1653، باب ما جاء في الشهادة على رؤية الهلال، والدارقطني في سننه 2/ 170 رقم 2184، وحسنه، وصححه الألباني في الإرواء رقم 634.

ص: 71

الدليل السادس: عن رِبْعي بن حِراش (1)، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: اختلف الناس في آخر يوم من رمضان، فقدم أعرابيان فشهدا عند النبي صلى الله عليه وسلم لأهلاّ الهلال (2) أمس عشيّة (3)، «فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يفطروا» (4).

وجه الاستدلال من الحديثين: أن هؤلاء القوم الذين أخذ النبي صلى الله عليه وسلم برؤيتهم قد رأوا الهلال في غير المدينة، وبينهم وبينها نحو من يومين؛ لأنّ شهادتهم كانت آخر النهار، والمطالع قد تختلف في الأمكنة المتقاربة (5).

الدليل السابع: قياس (6) البلدان البعيدة على الضواحي والمدن القريبة من بلد الرؤية لعدم وجود دليل على اختصاص كل منهما بحكم، فالبيّنة العادلة ممثلة بشهادة الثقات قد أثبتت رؤية الهلال، فوجب الصيام؛ كما في حالة تقارب البلدان (7).

أدلة القول الثاني: القائلين باعتبار اختلاف المطالع.

(1) هو: رِبْعي بن حِرَاش بن جَحْش بن عمرو الغَطَفَانِيُّ، أبو مريم الكوفي، التابعي الجليل المشهور، سمع من: عمر، وعلي، وأبي موسى رضي الله عنهم، وعنه: أبو مالك الأشجعي، ومنصور بن المعتمر، وآخرون، توفي سنة 100 هـ، وقيل غير ذلك، ينظر: الطبقات 6/ 127، سير أعلام النبلاء 4/ 359، تهذيب التهذيب 3/ 237.

(2)

أي: رأو الهلال وأبصروه. ينظر: النهاية 5/ 271، لسان العرب 11/ 703.

(3)

العَشِيّ: قيل ما بين الزوال إلى الغروب، وقيل: هو آخر النهار. ينظر النهاية 3/ 242، وتهذيب اللغة 3/ 38، والمصباح المنير 2/ 412.

(4)

رواه أبو داود 2/ 301 رقم 2339، كتاب الصوم، باب شهادة رجلين على رؤية هلال شوال، والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 416 رقم 8189، كتاب الصيام، باب من لم يقبل على رؤية هلال الفطر إلا شاهدين عدلين، والدارقطني في سننه 3/ 123 رقم 2202، كتاب الصيام، باب الشهادة على رؤية الهلال، وقال:"هذا إسناد حسن ثابت"، وقال الألباني في صحيح أبي داود 7/ 104:"إسناده صحيح".

(5)

ينظر: كتاب الصيام من شرح عمدة الفقه لابن تيمية 1/ 172.

(6)

القياس في اللغة: التقدير، ومنه:"قست الثوب بالذراع". وهو في الشرع: حمل فرع على أصل في حكم بجامع بينهما. وقيل غير ذلك. ينظر روضة الناظر 2/ 141، طلبة الطلبة ص 167.

(7)

ينظر: المغني 3/ 107، وينظر: المُعْلِم 2/ 45.

ص: 72

الدليل الأول: عن كُرَيْب (1) أن أم الفَضْل بنت الحارث (2) بعثته إلى معاوية (3) رضي الله عنهما بالشام (4)،

فقال: قَدِمت الشام فقضيت حاجتها، واستهل علي رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنه، ثم ذكر الهلال، فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم، ورآه الناس وصاموا، وصام معاوية، فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، فقلت: ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: «لا هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم» (5).

وجه الاستدلال من الحديث: أنّ ابن عبّاس رضي الله عنهما لم يعمل برؤية أهل الشّام وقال في آخر الحديث: هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدلّ ذلك على أنّه قد حفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه لا يلزم أهل بلد العمل برؤية أهل بلد آخر (6)، فلأهل الشام رؤيتهم، ولأهل المدينة رؤيتهم.

(1) هو: كُرَيب بن أبي مسلم، أبو رشيدين الهاشمي العباسي مولاهم الحجازي، أدرك عثمان، وروى عن: أم الفضل، وابن عباس، وأم سلمة، وغيرهم، وكان ثقة كثير الحديث. مات سنة 98 هـ. ينظر طبقات ابن سعد 5/ 293، سير أعلام النبلاء 4/ 479 هـ.

(2)

هي: أم الفضل لُبابة بنت الحارث بن حزن الهلالية، الصحابية الجليلة، أخت ميمونة أم المؤمنين، وزوجة العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم ، وخالة خالد بن الوليد، توفيت في خلافة عثمان رضي الله عنه. ينظر: الاستيعاب 4/ 1907، سير أعلام النبلاء 2/ 314.

(3)

هو: صخر بن حرب بن أمية القرشي الأموي، مؤسس الدولة الأموية بالشام، وأحد دهاة العرب الكبار، كان فصيحا حليما وقورا، ولد بمكة، وأسلم عام الفتح، ولاه أبو بكر ثم عمر، وأقره عثمان على الديار الشامية، تنازل له الحسن بن علي عام الجماعة، وكثرت الفتوحات في خلافته، توفي في دمشق سنة 60 هـ. ينظر: معرفة الصحابة 5/ 2496؛ سير أعلام النبلاء 3/ 119، والإصابة 6/ 120.

(4)

يقال: الشام والشأم والشآم، وهو اسم هذا القُطر العزيز على ما عرفته العرب، وهو يتناول عامة الأقاليم الداخلة اليوم في فلسطين وسورية بحسب الاصطلاح الحديث. ينظر: خطط الشام لمحمد كُرْد عَلي 1/ 7، ومعجم البلدان لياقوت الحموي 3/ 311 ..

(5)

أخرجه مسلم 2/ 765 رقم 1087، كتاب الصيام، باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم.

(6)

ينظر: نيل الأوطار 4/ 230، وينظر: شرح مشكل الآثار 1/ 422.

ص: 73

الدليل الثاني: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غمّ عليكم فاقدروا له» (1).

الدليل الثالث: وعنه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه ذكر رمضان فقال: «لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غمّ عليكم فاقدروا له» (2).

الدليل الرابع: عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غمّي عليكم فأكملوا العدد» (3).

وجه الاستدلال من الأحاديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علّق صيام رمضان على رؤية أناس مخصوصين وهم أهل البلد الذين رأوا الهلال، وبما أن أهل البلد الآخر لم يروه فلا يلزمهم الصيام (4).

الدليل الخامس: استدلوا بفعل الصحابة الكرام؛ لأنه لم ينقل عن أحد من الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أنهم كانوا يكتبون إلى الآفاق إذا رأوا الهلال، ولو كانت الرؤية تلزم أهل الآفاق الأخرى بالصوم لكتبوا إليهم. فدل ذلك على عدم لزوم الصوم على أهل بلد لم يروا الهلال، ولو كان ذلك لازما لبلغوهم؛ إذ لا يتصور إهمالهم لأمور الدين (5).

الدليل السادس: القياس على اختلاف مطالع الشمس المنوط به اختلاف مواقيت الصلاة، فهي معتبرة شرعا، ومنعقد عليها بالإجماع، فلما كان لكل بلد شروقه وغروبه، وظهره وعصره تبعا لاختلاف مطالع الشمس، وجب أن يكون لكل بلد صيامهم، تبعا لاختلاف مطلع الهلال عندهم (6).

(1) سبق تخريجه ص: (70).

(2)

سبق تخريجه ص: (70).

(3)

سبق تخريجه ص: (70).

(4)

ينظر: أعلام الحديث للخطابي 2/ 943، والكواكب الدراري للكرماني 9/ 85.

(5)

ينظر: الذخيرة 2/ 491.

(6)

ينظر الفتاوى الفقهية الكبرى للهيتمي 2/ 57، ورد المحتار على الدر المختار 2/ 393، وبحث: توحيد بدايات الشهور القمرية لفضيلة الشيخ محمد علي السايس، مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد الثالث 2/ 938.

ص: 74

القول الثالث: القائلين بأنه إن كانت المسافة بين البلدين متقاربة لا تختلف المطالع لأجلها فحكمها حكم بلد واحد؛ فإذا رؤي الهلال في أحدهما وجب على أهل البلد الآخر الصيام، وإن تباعدا في المسافة لم يجب الصوم على أهل البلد الآخر.

الدليل الأول: حديث كريب السابق (1).

وجه الاستدلال من الحديث: أن المسافة بين المدينة والشام قد وجدت فيها مسافة القصر، واختلاف الإقْلِيم (2)، واختلاف المطالع، واحتمال عدم الرّؤية؛ فلذلك لم يلتزم ابن عباس برؤية أهل الشام (3).

الدليل الثاني: حديث: أغمي علينا هلال شوال فأصبحنا صياما، فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفطروا ثم يخرجوا لعيدهم من الغد (4).

وجه الاستدلال: أن الركب الذين شهدوا برؤية الهلال جاءوا آخر النهار، وقد كانوا رأوا الهلال بالأمس، ومع هذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد اعتبر رؤيتهم؛ وذلك لاتحاد المطلع.

الدليل الثالث: لأنّ مطلع الذين رأوا الهلال هو نفسه مطلع الذين لم يروه، وإنما لم يره هؤلاء إما لتقصيرهم في التَّأَمُّل، أو لعارض، بخلاف مختلفي المطلع (5).

الراجح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول: عدم اعتبار اختلاف المطالع في ثبوت بدء الصوم وإن تباعدت البلدان، شريطة أن تكون الأقاليم والبلدان مشتركة في جزء من ليلة الرؤية.

وسبب ترجيح هذا القول: قوة أدلته، ودقة وجوه الاستدلال بها، ولتعليق الشارع الكريم عموم الحكم بمطلق الرؤية.

(1) سبق تخريجه ص: (73).

(2)

الإقْلِيم: مأخوذ من قلامة الظفر لأنه قطعة من الأرض، وعند القدماء سبعة أقاليم، كإقليم الهند وإقليم اليمن، وغيرها من مناطق الأرض تكاد تتحد فيها الأحوال المناخية والنظم الاجتماعية. ينظر: مختار الصحاح ص/259، المصباح المنير 2/ 515، المعجم الوسيط 2/ 756.

(3)

ينظر: الفتاوى الفقهية الكبرى للهيتمي 2/ 57، وينظر: المُفْهِم للقرطبي 3/ 142.

(4)

سبق تخريجه ص: (71).

(5)

ينظر: المجموع 6/ 273.

ص: 75

وأما ما استدل به أصحاب القولين الآخرين فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما استدلالهم بحديث كريب مولى ابن عباس، فيجاب عنه:

أن الحجة في حديث ابن عباس رضي الله عنه في (المرفوع)(1) منه؛ لا في ما فهمه الناس من اجتهاده، وذلك في قوله:«هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم» . وقصد ابن عباس بهذا الأمر -والله أعلم- قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تصوموا حتّى تروا الهلال، ولا تفطروا حتّى تروه، فإن غمّ عليكم فأكملوا العدّة ثلاثين» .

فهو لا يريد بقوله: «هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم» أن عنده عن الرسول صلى الله عليه وسلم حديثا خاصا بهذه المسألة يدل على عدم الصيام. والدليل على أن ابن عباس قصد هذا الحديث قوله في آخر حديث كريب: «فلا نزال نصوم حتّى نكمل ثلاثين» (2).

ثانيا: وأما استدلالهم بحديث ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما، فيجاب عنه:

أن الخطاب في تلك الأحاديث لا يختصّ بأهل ناحية على جهة الانفراد، بل هو خطاب لكلّ من يصلح له من المسلمين. فالاستدلال به على لزوم رؤية أهل بلد لغيرهم من أهل البلاد أظهر من الاستدلال به على عدم اللّزوم؛ لأنّه إذا رآه أهل بلد فقد رآه المسلمون، فيلزم غيرهم ما لزمهم (3).

ثالثا: وأما من فَرَّق بين القرب والبعد، فإن تفريقه لا دليل عليه من الشرع، وإنما أنتجه الدليل العقلي، بدليل أنهم اختلفوا في الضابط الذي يعتبر به البعد والقرب، فمنهم من جعل الضابط هو اتحاد المطلع واختلافه، ومنهم من جعله اتحاد الإقليم واختلافه، ومنهم من جعله مسافة القصر (4).

رابعا: وأما استدلالهم بالقياس على اختلاف مطالع الشمس فلا حجة فيه؛ لأن طلوع الشمس وغروبها يتكرر في كل يوم، ويشق مراعاته، ويلحق المشقة في اعتبار طلوعه وغروبه،

(1) المَرْفُوع: هو الحديث الذي أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم قولاً أو فعلاً. ينظر: الباعث الحثيث ص 45.

(2)

ينظر: نيل الأوطار 4/ 230 - 231.

(3)

ينظر: المصدر السابق 4/ 231.

(4)

ينظر: المجموع 6/ 273.

ص: 76

بخلاف الهلال (1)؛ فإنه ليس في السنة إلا رمضان واحد، ولا يلزم من التوحيد في الأزمان السابقة إلا قضاء اليوم الأول الذي لم يروا الهلال فيه ولا حرج في ذلك.

أما في أزماننا هذه فلا يلزم شيء أبدا؛ لأنه من المتيسر جدا بعد الاختراعات الحديثة تبليغ ثبوت الرؤية في لمح البصر، وقبل أن يطلع النهار الجديد في أي بلد إسلامي مهما كان بعيدا عن بلد الرؤية؛ فقد ثبت علميا أنه ليس بين أي بلدين إسلاميين في مشارق الأرض ومغاربها أكثر من تسع ساعات، هكذا قال أهل التخصص والعهدة عليهم (2).

خامسا: وأما استدلالهم بفعل الخلفاء الراشدين: أنهم كانوا لا يكتبون إلى الآفاق إذا رأوا الهلال، فيجاب عنه:

أنه لو تيسر للخلفاء والولاة في صدر الإسلام ما هو متيسر الآن من إذاعة الأخبار في جميع أنحاء المعمورة في أقل من لمح البصر، ما ترددوا في إبلاغ ثبوت الأهلة إلى جميع الولايات الإسلامية، ليتوحد مظهرهم الديني ويتفقوا في بدء الصيام والإفطار وسائر أعيادهم ومواسمهم الدينية (3). والله تعالى أعلم.

(1) ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 173.

(2)

ينظر: بحث توحيد بدايات الشهور القمرية لفضيلة الشيخ محمد علي السايس مجلة المجمع الفقهي الإسلامي العدد الثالث 2/ 945، حيث أشار إلى أن هذا ما قرره الأستاذ الشيخ محمد أبو العلا البنا مدرس الفلك بكلية الشريعة بجامعة الأزهر.

(3)

المصدر السابق.

ص: 77