الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الأولى: حكم صيام يوم الشك بنية التطوع
.
اختيار الشيخ: اختار أن صيام يوم الشك بنية النفل لا يجوز إلا لمن كان له عادة صيام، فقال:"ولا يجوز صومه لا بنية رمضان شكا أو جزما ولا بنية النفل، إلا أن يوافق صوما كان يصومه"(1).
تحرير محل الخلاف: اتفق الفقهاء أن من كان له عادة صيام كالاثنين والخميس ووافق ذلك يوم الشك أنه يجوز له الصيام (2).
واختلفوا في حكم صومه بنية النفل لمن لم تكن له عادة صيام، على ثلاثة أقوال:
القول الأول: يجوز صيام يوم الشك بنية النفل بلا كراهة.
وهو قول: الحنفية (3) ، والمشهور عند المالكية (4) ، ورواية عند الحنابلة (5).
القول الثاني: يَحرُم صيام يوم الشك بنية النفل.
وبه قال: الشافعية في الصحيح (6) ، والحنابلة في رواية (7)، والظاهرية (8)، وهو اختيار الشيخ.
القول الثالث: يكره صيام يوم الشك بنية النفل.
وبه قال: المالكية في قول (9) ، والشافعية في وجه (10) ، والحنابلة في المذهب (11).
سبب الخلاف: والسبب في اختلافهم:
(1) مرعاة المفاتيح 6/ 446.
(2)
ينظر: الهداية للمرغينني 1/ 118، المجموع 6/ 400، مواهب الجليل 2/ 393، دقائق أولي النهى 1/ 494.
(3)
البناية 4/ 17، الاختيار 1/ 130، البحر الرائق 2/ 284، تبيين الحقائق وحاشية الشلبي 1/ 117.
(4)
الرسالة ص 59، الكافي 1/ 48، الذخيرة 2/ 502، التوضيح لخليل 2/ 391.
(5)
مسائل أحمد رواية عبد الله ص 180، الفروع 5/ 106 - 107، الإنصاف 3/ 349.
(6)
التنبيه ص 68، حلية العلماء 3/ 178، البيان 3/ 558، المجموع 6/ 400.
(7)
الفروع 5/ 106 - 107، الإنصاف 3/ 349.
(8)
المحلى 4/ 444.
(9)
مواهب الجليل 2/ 393، حاشية الدسوقي 1/ 513، بلغة السالك 1/ 687، شرح زروق للرسالة 1/ 446.
(10)
الإقناع ص 81، المجموع 6/ 400، حلية العلماء 3/ 178.
(11)
الفروع 5/ 106، الإنصاف 3/ 349، الإقناع 1/ 319، دقائق أولي النهى 1/ 494.
هو اختلافهم في نهيه صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الشك؛ هل هو نهي أريد به العموم، فيدخل فيه صيام النفل، أو نهي أريد به الخصوص، وهو صومه بنية الاحتياط لرمضان (1).
أدلة القول الأول: يجوز صيام يوم الشك بنية النفل بلا كراهة.
الدليل الأول: عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت:«ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين، إلا أنه كان يصل شعبان برمضان» (2).
الدليل الثاني: عن أبي أُمامة رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصل شعبان برمضان» (3).
الدليل الثالث: عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان، ثم يصله برمضان» (4).
الدليل الرابع: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوما، فليصمه» (5).
وجه الاستدلال: أن الأحاديث الثلاثة الأُوَل تدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الشك؛ لأنه كان يصل شعبان برمضان، وبما أنه صلى الله عليه وسلم قد نهى عن صوم يوم الشك، كما في الحديث الرابع، فيجمع بين الأحاديث: بأن يكون نهيه صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الشك إنما هو على الخوف أن يكون من رمضان، وأن هذا هو الممنوع. وأما إذا أخلص النية للتطوع فلم يحصل فيه معنى الشك، إنما نيته أنه من شعبان فهذا لا مانع منه (6).
(1) ينظر: مناهج التحصيل 2/ 96.
(2)
سبق تخريجه صفحة (141).
(3)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 8/ 181 رقم 7750، وفي مسند الشاميين 2/ 46 رقم 894، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 3/ 192:"رجاله ثقات"، وفيه سويد بن عبد العزيز، قال الحافظ في التقريب رقم 2692:"ضعيف".
(4)
سبق تخريجه صفحة (140).
(5)
سبق تخريجه صفحة (132).
(6)
ينظر: التمهيد 2/ 41، التوضيح 13/ 104، فتح الباري 4/ 128، عمدة القاري 10/ 288، تحفة الأحوذي 3/ 296.
الدليل الخامس: قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يصام اليوم الذي يشك فيه أنه من رمضان إلا تطوعا» (1).
أدلة القول الثاني: يَحرُم صيام يوم الشك بنية النفل.
الدليل الأول: عن عمار بن ياسر رضي الله عنه، قال:«من صام اليوم الذي يشك فيه، فقد عصى أبا القاسم» (2).
وجه الاستدلال: فهذا الحديث صريح في النهي عن صيام يوم الشك، ولم يفرق بين صيامه بنية النفل أو بنية الاحتياط من رمضان، ولا يستثنى إلا ما استثناه الشرع.
الدليل الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه» (3).
وجه الاستدلال: فالحديث صريح في النهي عن التقدم بالصيام قبل رمضان، واستثني من ذلك من كان له سبب، بأن كان عادته صوم يوم وفطر يوم، أو صوم يوم معين كيوم الاثنين فصادفه، فيجوز صيامه؛ لورود النص بذلك (4).
أما من لم يكن له عادة صيام ثم صامه تطوعا، فيَدخل تحت النهي.
الدليل الثالث: ولِما ثبت عن ابن عباس، وأبي هريرة رضي الله عنهما:«أنهما كانا يأمران بالفصل بين شعبان ورمضان بفطر يوم أو يومين، كما استحبوا أن يفصلوا بين صلاة الفريضة والنافلة بكلام، أو قيام، أو تقدم أو تأخر» (5).
الدليل الرابع: ولأن التطوع مجرد قربة، فلا يحصل بفعل معصية (6).
(1) ذكره الزيلعي في نصب الراية 2/ 440، وقال:"غريب جد". وابن حجر في الدراية تخريج أحاديث الهداية 1/ 276، وقال:"لم أجده بهذا اللفظ". وقال الكمال في فتح القدير 2/ 316: "لا أصل له".
(2)
سبق تخريجه صفحة (121).
(3)
سبق تخريجه صفحة (132).
(4)
ينظر: المجموع 6/ 400، وفتح الباري 4/ 128.
(5)
رواه عن ابن عباس: عبد الرزاق في المصنف 4/ 158 رقم 7311 - 7312، باب فصل ما بين رمضان وشعبان، وابن أبي شيبة 2/ 284 رقم 9022، و 2/ 285 رقم 9033، باب من كره أن يتقدم شهر رمضان بصوم. وعن أبي هريرة: عبد الرزاق 4/ 158 رقم 7313، باب فصل ما بين رمضان وشعبان، وابن أبي شيبة 2/ 285 رقم 9025، باب من كره أن يتقدم شهر رمضان بصوم.
(6)
ينظر: المهذب للشيرازي 1/ 346، البيان للعمراني 3/ 558.
أدلة القول الثالث: يكره صيام يوم الشك بنية النفل.
الظاهر أن أصحاب هذا القول قد جمعوا بين النصوص التي استدل بها أصحاب القول الأول، والتي تفيد جواز صيام يوم الشك بنية النفل، وبين النصوص التي استدل بها أصحاب القول الثاني، والتي تفيد النهي عن صيام يوم الشك بنية النفل، ثم حملوا النهي على الكراهة، والله أعلم.
الراجح: الذي يترجح والله أعلم هو القول الثاني: أنه يحرم صيام يوم الشك بنية النفل؛ إلا ما جاء الإذن به عن النبي صلى الله عليه وسلم، كمن كانت له عادة صيام، وأن النهي الوارد في الأحاديث يفيد منع الصيام لا كراهته؛ والأصل في النهي التحريم، ولا صارف له إلى الكراهة (1).
ويجاب عما استدل به أصحاب القول الأول بما يلي:
أولا: أما استدلالهم بحديث: «لا يصام اليوم الذي يشك فيه أنه من رمضان إلا تطوعا» . فهو حديث لا أصل له.
ثانيا: وأما استدلالهم بحديث: وصل شعبان برمضان، فيجاب عنه:
أنه يجوز ذلك لمن كان له عادة صيام، كما جاء الحديث صريحا في ذلك.
ثالثا: وأما قولهم: إن النهي بالتقدم لمن صامه احتياطا خشية أن يكون اليوم من رمضان، فيجاب عنه من وجهين:
الأول: أن في قوله صلى الله عليه وسلم: «ولا يومين» دليل على أن المقصود هنا هو انهي عن صيام التطوع وليس صيام يوم الشك؛ وذلك لأن الشك لا يكون في يومين فلو قصد النهي عن يوم الشك لاكتفى بقوله: «بصوم يوم» (2).
الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: «إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه» فالحديث نهى عن التقدم، ثم استثنى من عرفنا، وهذا استثناء متصل، فهل من استُثني في الحديث له أن يصوم يوم الشك بنية الاحتياط من لرمضان أو يقتصر الجواز على صيام النفل؟ . فإذا كان الجواب هو الثاني وهو المقصود من الحديث بلا شك، فما فائدة هذا الاستثناء إذا أبحنا للجميع صيام يوم الشك بنية النفل من كان له عادة ومن لم يكن له عادة! .
(1) ينظر: إرشاد الفحول 1/ 279.
(2)
ينظر: التمهيد 2/ 41.
فيكون معنى الحديث والله أعلم: لا يتقدم أحد بأي صيام، إلا ما استثناه الدليل. وبهذا يُجمع بين النصوص: فتكون أحاديث النهي عن التقدم والنهي عن صيام يوم الشك، لمن لم يكن له عادة صيام، وتكون أحاديث وصل شعبان برمضان، لمن كانت له عادة صيام.
قال الشَّوكاني (1): "ولا تعارض بينه وبين ما روي عنه صلى الله عليه وسلم من صوم شعبان أو أكثره ووصله برمضان، وبين أحاديث النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين
…
، فإن الجمع بينها ظاهر: بأن يحمل النهي على من لم يدخل تلك الأيام في صيام يعتاده، وقد تقدم تقييد أحاديث النهي عن التقدم بقوله صلى الله عليه وسلم:«إلا أن يكون شيء يصومه أحدكم» (2) " (3).
والله أعلم.
(1) هو: محمد بن علي بن محمد الشوكاني الخولاني، أبو عبد الله، فقيه مجتهد من كبار علماء صنعاء اليمن، ولي قضاءها، ومات حاكما بها، وكان يرى تحريم التقليد، توافد عليه الطلاب من كل مكان، من مصنفاته: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، وفتح القدير في التفسير، والسيل الجرار، مات سنة 1250 هـ. ينظر: البدر الطالع 2/ 214، الأعلام 6/ 298، معجم المؤلفين 11/ 53.
(2)
هذه الرواية رواها: أبو داود 2/ 298 رقم 2327، باب من قال: فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين، والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 349 رقم 7948، باب النهي عن استقبال شهر رمضان بصوم يوم أو يومين، والنهي عن صوم يوم الشك، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وصححه الألباني في صحيح أبي داوود 7/ 94.
(3)
نيل الأوطار 4/ 292.