المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: حكم قول رمضان، وفي رؤية الهلال - الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف

[موافقي الأمين]

فهرس الكتاب

- ‌ الافتتاحية

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌خطة البحث

- ‌المنهج المتبع في البحث:

- ‌الشكر وتقدير:

- ‌التمهيددراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري واختياراته

- ‌المبحث الأول: دراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول:‌‌ اسمه، ونسبه، و‌‌كنيته، و‌‌لقبه

- ‌ اسمه، ونسبه

- ‌كنيته

- ‌لقبه

- ‌المطلب الثاني:‌‌ مولده، و‌‌أسرته، ووفاته

- ‌ مولده

- ‌أسرته

- ‌وفاته:

- ‌المطلب الثالث: نشأته، وطلبه للعلم

- ‌المطلب الرابع:‌‌ شيوخه، وتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌أولا: الشيخ أبو الهدى عبد السلام بن الشيخ خان محمد بن أمان الله المباركفوري

- ‌ثانيا: الشيخ العلامة أبو طاهر البهاري

- ‌ثالثا: الشيخ أبو العلى محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن الشيخ بهادر المباركفوري

- ‌رابعا: الشيخ العلامة أحمد الله بن أمير الله بن فقير الله فرتاب كرهي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفور جيراجفوري

- ‌سادسا: الشيخ العلامة محمد أعظم بن فضل الدين أبو عبد الله الجوندلوي الباكستاني

- ‌تلامذته:

- ‌أولا: الشيخ عبد الجليل بن تعلقدار الرحماني البستوي

- ‌ثانيا: الشيخ محمد إدريس آزاد الرحماني الأملوي

- ‌ثالثا: الشيخ عبد المعيد بن عبد المجيد بن عبد القادر أبو عبيدة البنارسي

- ‌رابعا: الشيخ آفتاب آحمد الرحماني البنغلاديشي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفار حسن بن العلامة عبد الستار بن عبد الجبار العمر فوري الرحماني

- ‌سادسا: الشيخ أحمد الله بن عبد الكريم الرحماني البنغلاديش

- ‌المطلب الخامس:‌‌ عقيدته، ومذهبه الفقهي

- ‌ عقيدته

- ‌عقيدة الشيخ في الإيمان:

- ‌عقيدة الشيخ في الأسماء والصفات:

- ‌عقيدته في التوسل ودعاء الأموات والغائبين:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌المطلب السادس: ثناء العلماء عليه

- ‌المطلب السابع: آثاره العلمية

- ‌المبحث الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول: تعريف الاختيار

- ‌في اللغة:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌التعريف الأول:

- ‌التعريف الثاني:

- ‌وقد عرفه بعض الباحثين باعتبار أقسامه الثلاثة:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي والإنفراد:

- ‌تعريف الرأي:

- ‌وأما في الاصطلاح فقد عرف بعدة تعاريف منها:

- ‌تعريف الإنفراد:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي:

- ‌وجه التشابه بينهما:

- ‌وجه الاختلاف بينهما:

- ‌الفرق بين الإختيار والإنفراد:

- ‌الفرق بين الإنفراد والرأي:

- ‌المطلب الثاني: منهج المباركفوري في اختياراته، وموقف العلماء منها

- ‌المطلب الثالث: دراسة الصيغ المعتبرة (في الاختيار) عند الشيخ المباركفوري

- ‌الباب الأول: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في الصيام

- ‌الفصل الأول: في تسمية الشهر، وفي رؤية الهلال، وفي يوم الشك

- ‌المبحث الأول: حكم قول رمضان، وفي رؤية الهلال

- ‌المطلب الثاني: اعتبار اختلاف المطالع

- ‌المطلب الثالث: هل يثبت دخول الشهر بالحساب الفلكي

- ‌المطلب الرابع: عدد الشهود في هلال شهر رمضان

- ‌المطلب الخامس: عدد الشهود لثبوت هلال شوال

- ‌المطلب السادس: هل يكفي الإخبار ممن رأى الهلال أو تشترط الشهادة

- ‌المطلب السابع: حكم صيام من رأى هلال شوال وحده فردت شهادته

- ‌المطلب الثامن: حكم من أفطر ثم تبين أن اليوم من رمضان

- ‌المبحث الثاني: في يوم الشك، والصوم بعد انتصاف شعبان

- ‌المطلب الأول: في تعيين يوم الشك

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر

- ‌المطلب الثالث: من صام يوم الشك فتبين أنه من رمضان

- ‌المطلب الرابع: حكم الصيام بعد انتصاف شعبان

- ‌الفصل الثاني: في النية وصيام المسافر

- ‌المبحث الأول: في النية

- ‌المطلب الأول: في النية للفرض

- ‌المسألة الثانية: حكم النية لكل يوم من رمضان

- ‌المسألة الثالثة: حكم تعيين النية

- ‌المسألة الرابعة: حكم التَلَفُّظ بالنية

- ‌المسألة الخامسة: هل يُشترَط أن تُعقَد النية في جزء معين من الليل

- ‌المسألة السادسة: حكم ما إذا فعل بعد النية قبل الفجر ما ينافي الصوم

- ‌المطلب الثاني: في النية النفل

- ‌المسألة الأولى: حكم صيام يوم الشك بنية التطوع

- ‌المسألة الثانية: حكم نية صوم النفل من النهار

- ‌المسألة الثالثة: حكم عقد نية النفل بعد الزوال

- ‌المبحث الثاني: صوم السفر

- ‌المطلب الأول: حكم الصيام في السفر

- ‌المطلب الثاني: ما الأفضل للمسافر الصيام أو الفطر

- ‌المطلب الثالث: حد السفر المبيح للفطر

- ‌المطلب الرابع: حكم إفطار المسافر الذي استهل عليه رمضان وهو مقيم

- ‌المطلب الخامس: حكم إفطار المسافر بعد أن كان قد شرع في الصيام

- ‌المطلب السادس: حكم إفطار من سافر بعد طلوع الفجر

- ‌الفصل الثالث: في المفطرات وما يجتنبه الصائم، وفي الكفارة وخصالها

- ‌المبحث الأول: في المفطرات وما يجتنبه الصائم

- ‌المطلب الثاني: حكم الفصد للصائم

- ‌المطلب الرابع: حكم التقبيل للصائم

- ‌المطلب الخامس: حكم الاستياك للصائم

- ‌المسألة الثانية: الاستياك بالعود الرطب

- ‌المسألة الثالثة: الاستياك في صوم الفريضة

- ‌المطلب السابع: حكم الوصال في الصيام

- ‌المسألة الأولى: الوصال أكثر من يوم

- ‌المسألة الثانية: الوصال إلى السَحَر

- ‌المطلب الثامن: حكم من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم

- ‌المطلب العاشر: حكم انغماس الصائم في الماء

- ‌المطلب الحادي عشر: في الأكل والشرب للمتسحر

- ‌المسألة الأولى: حكم من أكل أو شرب وهو شاك في الفجر

- ‌المسألة الثانية: هل المعتبر في تحريم الأكل والشرب تَبَيُّن الفجر أو طلوع الفجر

- ‌المطلب الثالث عشر: حكم صيام الحائض والنُفَساء إذا طهرت قبل الفجر، ولم تغتسل إلا بعد الفجر

- ‌المبحث الثاني: في الكفارة، وخصالها

- ‌المطلب الثاني: هل على المرأة المجامعة في رمضان كفارة

- ‌المطلب الثالث: هل على من جامع ناسيا في رمضان كفارة

- ‌المطلب الرابع: هل الأكل والشرب في رمضان عمدا يوجبان الكفارة كالجماع

- ‌المطلب السادس: هل الخصال الثلاثة في كفارة الجماع في رمضان على الترتيب أو على التخيير

- ‌المطلب السابع: حكم اشتراط التتابع في صيام كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب الثامن: ما هو الحد الواجب في الإطعام في كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب التاسع: هل يشترط في الرقبة المعتقة في كفارة الجماع في رمضان أن تكون مؤمنة

- ‌الفصل الرابع: في صوم التطوع، والأيام التي نهي عن الصوم فيها، وفي النذر، وصوم عاشوراء

- ‌المبحث الأول: في صوم التطوع والأيام التي نهي عن الصوم فيها

- ‌المطلب الأول: حكم إفراد يوم الجمعة بصيام

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام يوم السبت

- ‌المطلب الثالث: حكم صيام يوم عرفة للحاج

- ‌المطلب الخامس: حكم صيام عشر ذي الحِجَّة

- ‌المطلب السادس: حكم صيام الدهر

- ‌المطلب السابع: حكم صيام الست من شوال

- ‌المطلب الثامن: ما هو أفضل الصيام بعد رمضان صيام شعبان أو المحرم

- ‌المطلب التاسع: حكم الإفطار في صوم النافلة

- ‌المطلب العاشر: تعيين الأفضل في صيام ثلاثة أيام من كل شهر

- ‌المطلب الحادي عشر: ما هي أيام البيض

- ‌المطلب الثاني عشر: معنى صيام يوم في سبيل الله

- ‌المبحث الثاني: في النذر، وفي أعذار الفطر

- ‌المطلب الأول: حكم من نذر صوم العيدين متعمدا لعينيهما

- ‌المطلب الثاني: حكم من نذر صوم يوم قدوم فلان مثلا فوافق يوم عيد

- ‌المطلب الثالث: هل الضيافة عذر للإفطار من صوم النفل

- ‌المطلب الرابع: هل يستحب لمن كان صائما صيام نفل أن يفطر إذا دُعي

- ‌المبحث الثالث: في صوم عاشوراء

- ‌المطلب الأول: نسخ وجوب صيام يوم عاشوراء

- ‌المطلب الثاني: هل عاشوراء هو اليوم التاسع أو اليوم العاشر

- ‌المطلب الثالث: ما الأفضل في صيام عاشوراء

- ‌المطلب الرابع: هل صيام يوم مع عاشوراء لاحتمال الشك أو لمخالفة أهل الكتاب

- ‌المطلب الخامس: هل الأفضل صيام يوم عاشوراء أو يوم عرفة

- ‌الباب الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر، وفي الاعتكاف

- ‌الفصل الأول: في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر

- ‌المبحث الأول: في قضاء الصوم

- ‌المطلب الأول: هل يجب قضاء رمضان على الفور؟ ، وهل يجب التتابع

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز التطوع قبل القضاء

- ‌المطلب الثالث: هل يقضي من أفطر في صيام النفل

- ‌المطلب الرابع: حكم صيام المرأة النفل وقضاء الواجب بغير إذن زوجها

- ‌المطلب الخامس: هل يقضي المجامع في رمضان اليوم الذي جامع فيه

- ‌المطلب السادس: حكم القضاء على من ذرعه القيء

- ‌المطلب السابع: هل يقضي من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌المطلب الثامن: هل يقضي الصوم من تمضمض أو استنشق فغلبه الماء

- ‌المطلب التاسع: حكم من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر

- ‌المطلب العاشر: ما الواجب على المُرضع والحامل إذا خافتا على ولدهما فقط

- ‌المبحث الثاني: في القضاء عن الميت

- ‌المطلب الأول: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي أمكنه التدارك

- ‌المطلب الثاني: ما الصوم الذي يصام عن الميت

- ‌المطلب الثالث: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي لم يمكنه التدارك

- ‌المبحث الثالث: في ليلة القدر

- ‌المطلب الأول: في تعيين ليلة القَدْر

- ‌المطلب الثاني: هل ليلة القدر خاصة بهذه الأمة

- ‌الفصل الثاني: في الاعتكاف

- ‌المبحث الأول: في حكمه، واشتراط الصوم له، وغير ذلك

- ‌المطلب الأول: حكم (الاعتكاف)

- ‌المطلب الثاني: هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف

- ‌المطلب الثالث: هل لأقل الاعتكاف حدّ

- ‌المطلب الرابع: هل ينقطع اعتكاف من عاد مريضا أو صلى على جنازة

- ‌المطلب الخامس: هل يجوز (الاشتراط في الاعتكاف)

- ‌المطلب السادس: حكم من نذر الاعتكاف قبل إسلامه

- ‌المطلب السابع: متى يدخل المعتكِف معتكَفه

- ‌المطلب الثامن: حكم قضاء الاعتكاف

- ‌المبحث الثاني: في مكان الاعتكاف

- ‌المطلب الأول: أين تعتكف المرأة

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

- ‌المطلب الثالث: هل يجوز الاعتكاف في غير (المسجد الجامع)

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المبحث الأول: حكم قول رمضان، وفي رؤية الهلال

‌المبحث الأول: حكم قول رمضان، وفي رؤية الهلال

وفيه ثمانية مطالب:

المطلب الأول: قول رمضان دون أن تسبقه كلمة شهر.

المطلب الثاني: اعتبار اختلاف المطالع.

المطلب الثالث: هل يثبت دخول الشهر بالحساب الفلكي؟ .

المطلب الرابع: عدد الشهود لثبوت هلال رمضان.

المطلب الخامس: عدد الشهود لثبوت هلال شوال.

المطلب السادس: هل يكفي الإخبار مِنْ مَن رأى الهلال أو تشترط الشهادة؟ .

المطلب السابع: حكم صيام من رأى هلال شوال وحده فردت شهادته.

المطلب الثامن: حكم من أفطر ثم تبين أن اليوم من رمضان.

ص: 56

المطلب الأول: قول رمضان (1) دون أن تسبقه كلمة شهر (2).

اختيار الشيخ المباركفوري: اختار جواز قول رمضان مطلقا دون إضافة لفظة شهر بلا كراهة، فقال:"وفيه دليل لما ذهب إليه الجمهور من أنه يجوز أن يقال رمضان بدون إضافة لفظ الشهر إليه"(3).

تحرير محل الخلاف: قد سمى الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز شهر (الصيام)(4) شهر رمضان؛ وذلك في قوله عز وجل: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} (5).

(1) رمض: الراء والميم والضاد أصل مطرد يدل على حدّة في شيء من حرّ وغيره، فالرَّمْض: حرّ الحجارة من شدّة حرّ الشمس. وأرض رمضة: حارة الحجارة، ومنه سمي:"رمضان" لأنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة، فوافق رمضان أيام رمض الحر، وكان اسمه ناتقا ويجمع على رمضانات وأرمضاء. ينظر: معجم مقاييس اللغة 2/ 440، والنهاية في غريب الحديث 2/ 264، ولسان العرب 4/ 34.

(2)

شهر: الشين والهاء والراء أصل صحيح يدل على وضوح في الأمر وإضاءة، والشهر: واحد الشهور، وقد أشهرنا، أي أتى علينا شهر، والعرب تسمي الهلال شهرا، سمى به لشهرته وظهوره. ينظر: معجم مقاييس اللغة 3/ 222، والصحاح 2/ 705، والنهاية في غريب الحديث 2/ 515.

(3)

مرعاة المفاتيح 6/ 399.

(4)

الصَّوْم والصِّيام: في اللغة: هو الكف والإمساك. يقال: صامت الشمس في كبد السماء أي قامت في وسط السماء ممسكة عن الجري. والإمساك عن الكلام يسمى صوما، كما في قوله تعالى:{إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [سورة مريم: 26]، أي: ممسكة عن الكلام. والصائم من الخيل القائم الساكن الذي لا يطعم شيئا. قال النابغة: خَيلٌ صيامٌ وخيلٌ غيرُ صائمةٍ

تَحت العجاج، وأخرى تَعْلِك اللُجُما. ينظر: الصحاح 5/ 1970، ومقاييس اللغة 3/ 323، ولسان العرب 12/ 351. وفي الشرع: عرفه النسفي الحنفي بقوله: "عبارة عن الإمساك عن الأكل والشرب والمباشرة، مع النية في جميع النهار". ينظر: طلبة الطلبة ص: 21. وعرفه ابن عرفة المالكي بقوله: "كفُّ بنيةٍ عن إنزالٍ يقظةً ووطء وإنعاظ ومذي ووصولِ غذاء غيرِ غالبِ غبارٍ أو ذباب أو فلقة بين الأسنان بحلق أو جوف زمن الفجر حتى الغروب دونَ إغماء أكثر نهاره". ينظر: شرح حدود ابن عرفة ص 80. وعرفه النووي الشافعي بقوله: "إمْسَاك مَخْصُوص فِي زمن مَخْصُوص من شخص مَخْصُوص". ينظر: تحرير ألفاظ التنبيه ص 123. وعرفه البعلي الحنبلي بقوله: "عبارة: عن الإمساك عن أشياء مخصوصة في زمن مخصوص من شخص مخصوص بنية مخصوصة". ينظر: المطلع على ألفاظ المقنع ص 182.

(5)

سورة البقرة: الآية: 185.

ص: 57

واختلف أهل العلم في حكم إسقاط لفظ الشهر في اسم رمضان على ثلاثة أقوال:

القول الأول: كراهة قول رمضان دون لفظة الشهر.

وقال به: محمد بن الحسن (1) من الحنفية (2).

وروي عن: أصحاب مالك (3) ، وهو اختيار ابن عقيل (4) من الحنابلة (5).

وروي عن: مجاهد (6)(7) ، والحسن البصري (8)(9).

القول الثاني: جواز قول رمضان دون لفظة الشهر.

(1) هو: محمد بن الحسن الشيباني، صاحب الإمام أبي حنيفة النعمان، صاحب الفضل الأكبر في تدوين مذهب الحنفية، انتهت إليه رياسة الفقه بالعراق بعد أبي يوسف، من مؤلفاته: كتب ظاهر الرواية، توفي في الري سنة 189 هـ. ينظر مناقب الإمام أبي حنيفة وصاحبيه ص 79، ومغاني الأخيار في شرح أسامي رجال معاني الآثار 3/ 540، وتعجيل المنفعة 2/ 174.

(2)

ينظر: الأصل للشيباني 2/ 186 - 187، والمبسوط للسرخسي 3/ 55، ورد المحتار 2/ 370.

(3)

الذخيرة 2/ 486، مواهب الجليل 2/ 379، شرح خليل للزرقاني 2/ 351، الفواكه الدواني 1/ 303.

(4)

هو: أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي، شيخ الحنابلة في زمانه، كان مبرزا في المناظرة، من أعظم تآليفه كتاب الفنون في 400 مجلد، سمع: ابن بشران، والقاضي أبو يعلى، وغيرهما، وعنه: أبو بكر السمعاني، وأبو طاهر السلفي، وآخرون، توفي سنة 513 هـ. ينظر سير أعلام النبلاء 14/ 330، ومناقب الإمام أحمد ص 700، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 318.

(5)

الفروع 4/ 403، المبدع 3/ 3، الإنصاف 3/ 269، كشاف القناع 2/ 300.

(6)

هو مجاهد بن جبر، أبو الحجاج مولى قيس بن السائب المخزومي، شيخ المفسرين، أخذ التفسير عن ابن عباس، أجمعت الأمة على إمامته، له مؤلف واحد اسمه: تفسير مجاهد، توفي عام 104 هـ. ينظر طبقات الفقهاء ص 69، وسير أعلام النبلاء 4/ 449، والأعلام 5/ 278.

(7)

تفسير الطبري 3/ 445، تفسير ابن أبي حاتم 1/ 310، السنن الكبرى للبيهقي 4/ 339.

(8)

هو: الحسن بن أبي الحسن أبو سعيد البصري، فقيه مشهور، رأى بعض الصحابة، وسمع من قليل منهم، كان سيد أهل زمانه علما وعملا، روى عن: عمران بن الحصين، والمغيرة بن شعبة، وغيرهما، وعنه: مالك بن دينار، وعباد بن راشد، وغيرهما، توفي بالبصرة سنة 110 هـ. ينظر: التاريخ الأوسط 1/ 244 وطبقات الفقهاء ص: 87، وسير أعلام النبلاء 4/ 563.

(9)

السنن الكبرى للبيهقي 4/ 339، المجموع 6/ 248، عمدة القاري 10/ 265.

ص: 58

وبه قال: عامة الحنفية (1)، وهو الصحيح عند المالكية (2)، وهو (المعتمد عند الشافعية)(3)(4)، وهو الصحيح في مذهب الحنابلة (5).

وهو قول المحققين من أهل العلم: كالبخاري (6)(7)، وهو اختيار الشيخ.

القول الثالث: التفصيل: جواز قول رمضان دون لفظة الشهر، إذا كانت هناك قرينة (8) تدُل على أنه الشهر كصمنا رمضان، والكراهة إذا لم تكن هناك قرينة تدل على أنه الشهر كجاء رمضان.

وبه قال: أكثر الشافعية (9) ، واختاره ابن الباقلاني (10) من المالكية (11).

(1) ينظر: المبسوط 3/ 55، النهر الفائق 2/ 6، رد المحتار 2/ 370.

(2)

الذخيرة 2/ 486، المنتقى 2/ 35، إكمال المعلم 4/ 5، شرح خليل للزرقاني 2/ 351.

(3)

المعتمد في مذهب الشافعية للحكم والفتوى: هو ما اتفق عليه الشيخان: النووي والرافعي، فإن اختلفا فما جزم به النووي، فالرافعي، فما رجحه الأكثر، فالأعلم، فالأورع. ينظر: فتح المعين ص 623، إعانة الطالبين 4/ 267.

(4)

المجموع 6/ 248، تحفة المحتاج 3/ 371، الغرر البهية 2/ 206، تحفة الحبيب 2/ 372.

(5)

الإنصاف 3/ 269، المبدع 3/ 3، الروض المربع ص 225، كشاف القناع 2/ 300.

(6)

هو: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، أبو عبد الله، أمير المؤمنين في الحديث، سمع من نحو ألف شيخ، وجمع نحو ست مئة ألف حديث، اختار منها في صحيحه ما وثق برواته، وكتابه في الحديث أوثق الكتب الستة المعول عليها، توفي في سمرقند سنة 256 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 12/ 391، تذكرة الحفاظ 2/ 104، تهذيب التهذيب 9/ 47، والأعلام 6/ 34.

(7)

ينظر: شرح النووي على مسلم 7/ 187، وفتح الباري 4/ 113، وعمدة القاري 10/ 265.

(8)

القرينة: في اللغة: فعيلة بمعنى المفاعلة، مأخوذ من المقارنة، أي: ضمّ الشي إلى شيء آخر. وفي الاصطلاح: أمر يشير إلى المطلوب. والقرينة: إما حالية، أو معنوية، أو لفظية. ينظر: التعريفات للجرجاني ص 174، مقاييس اللغة 5/ 76.

(9)

ينظر: الحاوي الكبير 3/ 396، والبيان 3/ 459، والمجموع 6/ 248، وفتح الباري 4/ 113.

(10)

هو: محمد بن الطيب بن محمد، أبو بكر البصري، الفقيه الأصولي المتكلم، المعروف بابن الباقِلاني، أخذ عن: أبي عبد الله بن مجاهد الطائي، وأبي بكر الأبهري، وغيرهما، وعنه: عبد الوهاب بن علي بن نصر المالكي، وأبو ذر الهروي، وغيرهما، من مؤلفاته: التقريب والإرشاد في أصول الفقه، توفي سنة 403 هـ. ينظر: الديباج المُذَهَّب 2/ 228، شجرة النور الزكية 1/ 138، وفيات الأعيان 4/ 269.

(11)

المنتقى 2/ 35، إكمال المعلم 1/ 211، مواهب الجليل 2/ 379 - 380.

ص: 59

واختاره: ابن قدامة (1) من الحنابلة (2).

سبب الخلاف: والسبب في اختلافهم -والله أعلم- إثبات كون (رمضان) اسم من أسماء الله الحسنى (3).

أدلة القول الأول: القائلين بكراهة قول رمضان دون لفظة الشهر.

الدليل الأول: قول الله سبحانه وتعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (4).

وجه الاستدلال من الآية: أن الله سماه في كتابه شهر رمضان، أي: شهر الله، فلا يسمى إلا كما سماه الله، فلذلك لا يصح تسميته دون لفظة شهر (5).

الدليل الثاني: عن ابن عمر (6) رضي الله عنهما ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يقولن أحدكم صمت رمضان، وقمت رمضان، ولا صنعت في رمضان كذا وكذا، فإن رمضان اسم من أسماء الله عز وجل العظام، ولكن قولوا: شهر رمضان كما قال ربكم عز وجل في كتابه» (7).

(1) هو: عبد الله بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي، أبو محمد موفق الدين؛ فقيه من أكابر الحنابلة، له تصانيف منها: المغني شرح به مختصر الخرقي في الفقه، وروضة الناظر في أصول الفقه، وغيرها، توفي بدمشق سنة 620 هـ. ينظر: البداية والنهاية 13/ 117، وذيل طبقات الحنابلة 3/ 281، والأعلام 4/ 66.

(2)

ينظر: المغني 3/ 104 - 105.

(3)

ملاحظة: كل سبب خلاف أو وجه استدلال أو مناقشة لا أحيل على مصدرها فهي من عندي.

(4)

سورة البقرة: الآية: 185.

(5)

ينظر: تفسير القرطبي 2/ 291، ومفاتيح الغيب 5/ 251، وتفسير البغوي 1/ 216، وفتح الباري لابن حجر 4/ 113.

(6)

هو: عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، أسلم مع أبيه قبل بلوغه سنة ثلاث من البعثة، وهاجر وعمره عشر سنين، وأول ما شهد من الغزوات الخندق، كان شديد الاتباع لآثار النبي صلى الله عليه وسلم ، ويعد من المكثرين من رواية الحديث بعد أبي هريرة، وهو أحد العبادلة الأربعة، وأحد فقهاء الصحابة، توفي بمكة سنة 73 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 3/ 204، الإصابة 4/ 155.

(7)

رواه تَمّام في فوائده 1/ 104 رقم 1104، وابن عساكر في تاريخ دمشق 72/ 144، وذكره صاحب كنز العمال 8/ 484. وفي سنده ناشب بن عمرو، وهو منكر الحديث. ينظر: ميزان الاعتدال 4/ 239 رقم 8986.

ص: 60

الدليل الثالث: عن أبي هريرة (1) رضي الله عنهم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله، ولكن قولوا شهر رمضان» (2).

وجه الاستدلال من الحديثين: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تسميته برمضان دون لفظة شهر، فوجب امتثال أمره؛ وذلك لأن القائل شهر رمضان، كأنه قال: شهر الله؛ لأن رمضان اسم من أسماء الله الحسنى (3).

الدليل الرابع: ولأن اسم رمضان، مشتق من الإرْماض، وهو الإحراق، والمُحرِقُ للذنوب المُذهِبُ لها هو الله تعالى (4).

أدلة القول الثاني: القائلين بجواز قول رمضان دون لفظة الشهر

الدليل الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل رمضان فُتحت أبواب الجنة، وغُلقت أبواب جهنم وسُلسِلت الشياطين» (5).

الدليل الثاني: وعنه أيضا رضي الله عنهم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إذا جاء رمضان فُتحت أبواب الجنة» (6).

الدليل الثالث: وعنه أيضا رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان رمضان فُتحت أبواب الرحمة، وغُلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين» (7).

(1) هو: عبد الرحمن بن صخر الدوسي، وقيل غير ذلك، الملقب بأبي هريرة، الإمام الفقيه المجتهد الحافظ، كان أكثر الصحابة حفظا للحديث، أسلم سنة 7 هـ، ولزم صحبة النبي صلى الله عليه وسلم ، توفي بالمدينة سنة 59 هـ. ينظر سير أعلام النبلاء 2/ 578، والإصابة 7/ 349، والأعلام للزركلي 3/ 308.

(2)

أخرجه ابن عدي في الكامل 8/ 313، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى 4/ 339 رقم 7904، كتاب الصيام، باب ما روي في كراهية قول القائل جاء رمضان وذهب رمضان، وذكره الدارقطني في الموضوعات 2/ 187، وقال فيه:"هذا حديث موضوع لا أصل له"، وقال السيوطي في اللآلئ المصنوعة 2/ 82:"موضوع"، وقال الألباني في السلسلة الضعيفة رقم 6768:"باطل".

(3)

ينظر: المسالك في شرح موطأ مالك 2/ 474.

(4)

ينظر: المبسوط للسرخسي 3/ 55.

(5)

رواه البخاري 4/ 123 رقم 3277، كتاب بدأ الخلق، باب صفة إبليس وجنوده.

(6)

رواه البخاري 3/ 25 رقم 1898، كتاب الصوم، باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان، ومن رأى كله واسعا، واللفظ له، ومسلم 2/ 758 رقم 1079، كتاب الصيام، باب فضل شهر رمضان.

(7)

رواه مسلم 2/ 758 رقم 1079، كتاب الصيام، باب فضل شهر رمضان.

ص: 61

الدليل الرابع: عن عبد الله بن عباس (1) رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة من الأنصار: «فإذا كان رمضان اعتمري (2) فيه؛ فإن عمرة في رمضان حَجَّة» (3).

الدليل الخامس: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بُنِي الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة (4)، وإيتاء الزكاة (5)، والحج (6)، وصوم رمضان» (7).

الدليل السادس: عن أبي هريرة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غُفِر له ما تقدم من ذنبه» (8).

(1) هو: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم، صحابي جليل، وابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، حبر الأمة، وترجمان القرآن، أحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المكثرين من رواية الحديث، من تلاميذه: مجاهد ابن جبر، وعطاء بن أبي رباح، وغيرهما، توفي بالطائف سنة 68 هـ. ينظر: معرفة الصحابة 3/ 1699، وأسد الغابة 3/ 291، سير أعلام النبلاء 3/ 331.

(2)

العُمْرة: في اللغة: مأخوذة من الاعتمار، وهو الزيارة والقصد إلى مكان عامر. وشرعا: قصد بيت الله بأفعال مخصوصة، وتسمى: بالحج الأصغر، وأفعالها أربعة: الإحرام والطواف والسعي والحلق أو التقصير، وهي غير مؤقتة بوقت، وجمع العمرة العُمُر والعُمرات. ينظر: النهاية 3/ 297، لسان العرب 4/ 605، التعريفات الفقهية ص 152.

(3)

رواه البخاري 3/ 3 رقم 1782، أبواب العمرة، باب عمرة في رمضان، واللفظ له، ومسلم 2/ 917 رقم 1256، كتاب الحج، باب فضل العمرة في رمضان.

(4)

الصلاة: في اللغة الدعاء. وفي الشرع: عبارة عن أركان مخصوصة وأذكار معلومة بشرائط محصورة بصفات معينة، أو هي: عبادةٌ ذاتُ أقوال وأفعال، مفتتحة بالتَّكبير، مختتمة بالتَّسليم. ينظر: النهاية 3/ 50، التعريفات الفقهية ص 129، الشرح الممتع 2/ 5.

(5)

الزكاة: في اللغة: الزيادة والنماء والطهارة. وفي الشرع: عبارة عن إيجاب طائفة من المال في مال مخصوص لمالكٍ مخصوص. ينظر: لسان العرب 14/ 358، طلبة الطلبة ص 16، التعريفات ص 114.

(6)

الحَجُّ: في اللغة: القَصْدُ. وشرعا: قصدٌ لبيت الله تعالى بصفة مخصوصة، في وقت مخصوص، بشرائط مخصوصة. ينظر: القاموس المحيط ص 183، التعريفات للجرجاني ص 82.

(7)

رواه البخاري 1/ 11 رقم 8، كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:«بني الإسلام على خمس» ، ومسلم 1/ 45 رقم 16، كتاب الإيمان باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:«بني الإسلام على خمس» واللفظ لهما.

(8)

رواه البخاري 1/ 16 رقم 37، كتاب الإيمان، باب تطوع قيام رمضان من الإيمان، ومسلم 1/ 523 رقم 759، كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب الترغيب في قيام رمضان، واللفظ لهما.

ص: 62

الدليل السابع: وعنه أيضا رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتاكم رمضان، شهر مبارك فَرَض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغَلّ (1) فيه مَرَدَة (2) الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِم خيرها فقد حُرِم» (3).

وجه الاستدلال من الأحاديث: أن الأحاديث جاءت مُصرِّحة باسم رمضان مطلقا دون إضافة كلمة شهر، مما يدل على أن رمضان اسم للشهر نفسه وليس اسما لله عز وجل (4).

قال القاضي عياض (5): "فيه حجة على جواز قول مثل هذا دون ذِكر الشهر، خلافا لمن كرهه، وروي أثر في النهي عن ذلك، وأن رمضان اسم من أسماء الله وهو أثر لا يصح"(6).

الدليل الثامن: ولأن الكراهة إنما تَثبُت بنَهي الشرع، ولم يَثبُت نهي في تسميته برمضان دون إضافة لفظ شهر (7).

الدليل التاسع: ولأن قولهم: إن (رمضان) من أسماء الله سبحانه وتعالى ليس بصحيح، ولم يصح فيه شيء، وأسماء الله تعالى توقيفية لا تُطلَق إلا بدليل صحيح (8).

أدلة القول الثالث: القائلين بالتفصيل: جواز قول رمضان دون لفظة الشهر، إذا كانت هناك قرينة تدُل على أنه الشهر كصمنا رمضان، والكراهة إذا لم تكن هناك قرينة تدل على أنه الشهر كجاء رمضان.

(1) الغُلّ: واحد الأغلال. يقال في رقبته غُلّ من حديد. وقد غُلّ فهو مَغلول، أي جعل في أيدي المَرَدَة وأعناقهم الغُلَّ، وهو القيد المختص بهما. ينظر: الصحاح 5/ 1783، والنهاية 3/ 381.

(2)

المَارِد: هو العاتي الشديد، المتجرد من الخير. ينظر: النهاية 4/ 315، ومقاييس اللغة 5/ 317.

(3)

رواه النسائي 4/ 129 رقم 2106، كتاب الصيام، باب فضل شهر رمضان، واللفظ له، وأحمد 12/ 59 رقم 7148، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 1/ 585 رقم 998:"صحيح لغيره".

(4)

ينظر: المسالك في شرح موطأ مالك 2/ 474، ومرقاة المفاتيح 1/ 68.

(5)

هو: عِياض بن موسى بن عياض اليحْصُبي السبتي، أبو الفضل الأندلسي، أحد عظماء المالكية، كان إماما حافظا محدثا فقيها، توفي سنة 544 هـ، من تصانيفه: التنبيهات المستنبطة في شرح مشكلات المدونة في الفقه، والشفا في حقوق المصطفى؛ وإكمال المعلم في شرح صحيح مسلم. ينظر: الديباج المذهب 2/ 46، شجرة النور الزكية 1/ 205، سير أعلام النبلاء 20/ 212.

(6)

إكمال المعلم 4/ 5.

(7)

ينظر: المجموع للنووي 6/ 248.

(8)

ينظر: المصدر السابق.

ص: 63

قالوا: بما أنه قد صح تسمية شهر رمضان دون إضافة لفظة (شهر) في أحاديث كثيرة، وجاء النهي عن تسمية الشهر برمضان دون لفظة شهر؛ لأنه من أسماء الله الحسنى، فجمعا بين الأدلة: نحمل النهي على ما إذا لم تدل القرينة على أنه الشهر، كقولك: أتى رمضان، وجاء رمضان، فالإتيان والمجيء يَصدُق على الشهر وعلى غيره، فيُكرَه لوجود اللَبس. أما إذا دلت القرينة على أنه الشهر، كقولك: صمنا رمضان، وقمنا رمضان، فلا يُكره؛ لوضوح المعنى (1).

الراجح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الثاني: أنه يجوز قول رمضان دون لفظة الشهر، بقرينة وبغير قرينة؛ وذلك لما يلي:

أولا: لأن النصوص جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم صحيحة صريحة في جواز تسمية شهر الصيام (رمضان) دون إضافة لفظ شهر، ولم تُفرِّق النصوص بين ما دلت عليه القرينة وما لم تدل عليه (2).

ثانيا: ولأن الآية التي استدل بها أصحاب القول الأول، لا دلالة فيها على المنع من قول رمضان دون إضافة كلمة شهر.

وإنما معنى الآية الذي دلت عليه هو: إما أن يكون الإخبار عن شهر رمضان، أنه هو الأيام المعدودات، وذلك على قراءة الرفع (3) في لفظة شهر، أو يكون أمرا بصيام شهر رمضان، على قراءة النصب (4) في لفظة شهر (5).

وقد ذكر الطاهر بن عاشور (6) كلاما نفيسا في سبب إضافة لفظ الشهر إلى رمضان في الآية، فقال: "وإنما أضيف لفظ الشهر إلى رمضان في هذه الآية -مع أن

(1) ينظر: البيان للعمراني 3/ 459 - 460، والمنتقى للباجي 2/ 35، والمغني 3/ 104.

(2)

ينظر: المجموع 6/ 248.

(3)

وهي قراءة جمهور القراء ينظر: تفسير ابن عطية 1/ 254، وتفسير الطبري 3/ 445.

(4)

تنسب قراءة النصب إلى الحَسَن، ومجاهد، وشهر بن حوشب، وهارون الأعور. ينظر: تفسير ابن عطية 1/ 254، وإعراب القرآن للنحاس 1/ 95، ومعاني القرآن للفراء 1/ 112.

(5)

ينظر: تفسير الطبري 3/ 445، ومفاتيح الغيب 5/ 251، وإعراب القرآن للنحاس 1/ 956، وتفسير الراغب الأصفهاني 1/ 392، وفتح القدير للشوكاني 1/ 210.

(6)

هو: محمد الطاهر بن محمد بن عاشور التونسي، كان رئيس المفتين المالكيين، وشيخ جامع الزيتونة وفروعه، وكان من أعضاء المجمعين العربيين في دمشق والقاهرة. من مصنفاته: مقاصد الشريعة = الإسلامية، والتحرير والتنوير في تفسير القرآن، وموجز البلاغة، وكَتب كثيرا في المجلات، توفي سنة 1393 هـ. ينظر: الأعلام 6/ 174، مقدمة التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور حياته وآثاره.

ص: 64

الإيجاز المطلوب لهم يتقضي عدم ذكره-: إما لأنه الأشهر في فصيح كلامهم، وإما للدلالة على استيعاب جميع أيامه بالصوم؛ لأنه لو قال رمضان لكان (ظاهرا لا نصا)(1)، لا سيما مع تقدم قوله:{أياما} فيتوهم السامعون أنها أيام من رمضان" (2).

ثالثا: ولأن الأحاديث التي استدلوا بها على المنع شديدة الضعف، ولا يصلح الاحتجاج بها لإثبات حكم الكراهة (3).

رابعا: ولأن أسماء الله الحسنى توقيفية لا تثبت إلا بدليل صحيح. ولذلك حكم العلماء بأن اسم رمضان ليس من أسماء الله الحسنى؛ لأنه لم يرد إلا من هذه الطرق الواهية (4).

قال أبو بكر ابن العربي (5): "وهذا ضعيف سندا ومعنى (6): أما طريقه فلم يصح، وأما معناه فساقط لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا جاء رمضان» وقوله: «إذا دخل رمضان» وهذا يدل على أنه اسم من أسماء الشهر، وقد كانت العرب تسميه في الجاهلية، قبل أن يأتي الشرع بأسماء الله وصفاته، وهذا بين في بابه"(7).

خامسا: ولأن الكراهة حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل صحيح صريح (8).

(1) النص والظاهر من أقسام المنطوق في علم أصول الفقه، فالنص ما لا يحتمل التأويل، والظاهر ما يحتمله. ينظر: إرشاد الفحول للشوكاني 2/ 36.

(2)

التحرير والتنوير 2/ 171.

(3)

ينظر: قاعدة جليلة ص 175، إرشاد الفحول 1/ 134، تدريب الراوي 1/ 351.

(4)

ينظر: المجموع 6/ 248.

(5)

هو: محمد بن عبد الله بن محمد المُعافِري، القاضي أبو بكر بن العربي الإشبيلي المالكي الحافظ، عالم أهل الأندلس، أخذ العلم عن: المازري، والغزالي، وغيرهم. وأخذ عنه: القاضي عياض، وابن بشكوال، وغيرهما. من مؤلفاته: عارضة الأحوذي؛ القبس شرح الموطأ؛ أحكام القرآن؛ توفي في فاس سنة 543 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 20/ 198، شجرة النور الزكية 1/ 199، الأعلام 6/ 230.

(6)

يقصد حديث أبي هريرة الوارد في أدلة القول الأول، لكنه نسبه إلى ابن عباس، ولم أجده عنه.

(7)

القبس 1/ 276، والمسالك 2/ 474.

(8)

ينظر: المجموع 6/ 248.

ص: 65

سادسا: ولأن الجمع بين النصوص وإعمالها كلها -عند توهم التعارض بينها-، يكون عند تساويها في الثبوت والصحة (1).

أما أن نجمع بين نصوص صحيحة صريحة وبين نصوص ضعيفة واهية فلا. فتبين أن قول الجمهور هو القول الراجح إن شاء الله.

(1) ينظر: أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله ص 416، والجامع لمسائل أصول الفقه للنملة ص 416.

ص: 66