المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب السابع: هل يقضي من أفطر متعمدا في رمضان - الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف

[موافقي الأمين]

فهرس الكتاب

- ‌ الافتتاحية

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌خطة البحث

- ‌المنهج المتبع في البحث:

- ‌الشكر وتقدير:

- ‌التمهيددراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري واختياراته

- ‌المبحث الأول: دراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول:‌‌ اسمه، ونسبه، و‌‌كنيته، و‌‌لقبه

- ‌ اسمه، ونسبه

- ‌كنيته

- ‌لقبه

- ‌المطلب الثاني:‌‌ مولده، و‌‌أسرته، ووفاته

- ‌ مولده

- ‌أسرته

- ‌وفاته:

- ‌المطلب الثالث: نشأته، وطلبه للعلم

- ‌المطلب الرابع:‌‌ شيوخه، وتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌أولا: الشيخ أبو الهدى عبد السلام بن الشيخ خان محمد بن أمان الله المباركفوري

- ‌ثانيا: الشيخ العلامة أبو طاهر البهاري

- ‌ثالثا: الشيخ أبو العلى محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن الشيخ بهادر المباركفوري

- ‌رابعا: الشيخ العلامة أحمد الله بن أمير الله بن فقير الله فرتاب كرهي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفور جيراجفوري

- ‌سادسا: الشيخ العلامة محمد أعظم بن فضل الدين أبو عبد الله الجوندلوي الباكستاني

- ‌تلامذته:

- ‌أولا: الشيخ عبد الجليل بن تعلقدار الرحماني البستوي

- ‌ثانيا: الشيخ محمد إدريس آزاد الرحماني الأملوي

- ‌ثالثا: الشيخ عبد المعيد بن عبد المجيد بن عبد القادر أبو عبيدة البنارسي

- ‌رابعا: الشيخ آفتاب آحمد الرحماني البنغلاديشي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفار حسن بن العلامة عبد الستار بن عبد الجبار العمر فوري الرحماني

- ‌سادسا: الشيخ أحمد الله بن عبد الكريم الرحماني البنغلاديش

- ‌المطلب الخامس:‌‌ عقيدته، ومذهبه الفقهي

- ‌ عقيدته

- ‌عقيدة الشيخ في الإيمان:

- ‌عقيدة الشيخ في الأسماء والصفات:

- ‌عقيدته في التوسل ودعاء الأموات والغائبين:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌المطلب السادس: ثناء العلماء عليه

- ‌المطلب السابع: آثاره العلمية

- ‌المبحث الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول: تعريف الاختيار

- ‌في اللغة:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌التعريف الأول:

- ‌التعريف الثاني:

- ‌وقد عرفه بعض الباحثين باعتبار أقسامه الثلاثة:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي والإنفراد:

- ‌تعريف الرأي:

- ‌وأما في الاصطلاح فقد عرف بعدة تعاريف منها:

- ‌تعريف الإنفراد:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي:

- ‌وجه التشابه بينهما:

- ‌وجه الاختلاف بينهما:

- ‌الفرق بين الإختيار والإنفراد:

- ‌الفرق بين الإنفراد والرأي:

- ‌المطلب الثاني: منهج المباركفوري في اختياراته، وموقف العلماء منها

- ‌المطلب الثالث: دراسة الصيغ المعتبرة (في الاختيار) عند الشيخ المباركفوري

- ‌الباب الأول: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في الصيام

- ‌الفصل الأول: في تسمية الشهر، وفي رؤية الهلال، وفي يوم الشك

- ‌المبحث الأول: حكم قول رمضان، وفي رؤية الهلال

- ‌المطلب الثاني: اعتبار اختلاف المطالع

- ‌المطلب الثالث: هل يثبت دخول الشهر بالحساب الفلكي

- ‌المطلب الرابع: عدد الشهود في هلال شهر رمضان

- ‌المطلب الخامس: عدد الشهود لثبوت هلال شوال

- ‌المطلب السادس: هل يكفي الإخبار ممن رأى الهلال أو تشترط الشهادة

- ‌المطلب السابع: حكم صيام من رأى هلال شوال وحده فردت شهادته

- ‌المطلب الثامن: حكم من أفطر ثم تبين أن اليوم من رمضان

- ‌المبحث الثاني: في يوم الشك، والصوم بعد انتصاف شعبان

- ‌المطلب الأول: في تعيين يوم الشك

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر

- ‌المطلب الثالث: من صام يوم الشك فتبين أنه من رمضان

- ‌المطلب الرابع: حكم الصيام بعد انتصاف شعبان

- ‌الفصل الثاني: في النية وصيام المسافر

- ‌المبحث الأول: في النية

- ‌المطلب الأول: في النية للفرض

- ‌المسألة الثانية: حكم النية لكل يوم من رمضان

- ‌المسألة الثالثة: حكم تعيين النية

- ‌المسألة الرابعة: حكم التَلَفُّظ بالنية

- ‌المسألة الخامسة: هل يُشترَط أن تُعقَد النية في جزء معين من الليل

- ‌المسألة السادسة: حكم ما إذا فعل بعد النية قبل الفجر ما ينافي الصوم

- ‌المطلب الثاني: في النية النفل

- ‌المسألة الأولى: حكم صيام يوم الشك بنية التطوع

- ‌المسألة الثانية: حكم نية صوم النفل من النهار

- ‌المسألة الثالثة: حكم عقد نية النفل بعد الزوال

- ‌المبحث الثاني: صوم السفر

- ‌المطلب الأول: حكم الصيام في السفر

- ‌المطلب الثاني: ما الأفضل للمسافر الصيام أو الفطر

- ‌المطلب الثالث: حد السفر المبيح للفطر

- ‌المطلب الرابع: حكم إفطار المسافر الذي استهل عليه رمضان وهو مقيم

- ‌المطلب الخامس: حكم إفطار المسافر بعد أن كان قد شرع في الصيام

- ‌المطلب السادس: حكم إفطار من سافر بعد طلوع الفجر

- ‌الفصل الثالث: في المفطرات وما يجتنبه الصائم، وفي الكفارة وخصالها

- ‌المبحث الأول: في المفطرات وما يجتنبه الصائم

- ‌المطلب الثاني: حكم الفصد للصائم

- ‌المطلب الرابع: حكم التقبيل للصائم

- ‌المطلب الخامس: حكم الاستياك للصائم

- ‌المسألة الثانية: الاستياك بالعود الرطب

- ‌المسألة الثالثة: الاستياك في صوم الفريضة

- ‌المطلب السابع: حكم الوصال في الصيام

- ‌المسألة الأولى: الوصال أكثر من يوم

- ‌المسألة الثانية: الوصال إلى السَحَر

- ‌المطلب الثامن: حكم من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم

- ‌المطلب العاشر: حكم انغماس الصائم في الماء

- ‌المطلب الحادي عشر: في الأكل والشرب للمتسحر

- ‌المسألة الأولى: حكم من أكل أو شرب وهو شاك في الفجر

- ‌المسألة الثانية: هل المعتبر في تحريم الأكل والشرب تَبَيُّن الفجر أو طلوع الفجر

- ‌المطلب الثالث عشر: حكم صيام الحائض والنُفَساء إذا طهرت قبل الفجر، ولم تغتسل إلا بعد الفجر

- ‌المبحث الثاني: في الكفارة، وخصالها

- ‌المطلب الثاني: هل على المرأة المجامعة في رمضان كفارة

- ‌المطلب الثالث: هل على من جامع ناسيا في رمضان كفارة

- ‌المطلب الرابع: هل الأكل والشرب في رمضان عمدا يوجبان الكفارة كالجماع

- ‌المطلب السادس: هل الخصال الثلاثة في كفارة الجماع في رمضان على الترتيب أو على التخيير

- ‌المطلب السابع: حكم اشتراط التتابع في صيام كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب الثامن: ما هو الحد الواجب في الإطعام في كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب التاسع: هل يشترط في الرقبة المعتقة في كفارة الجماع في رمضان أن تكون مؤمنة

- ‌الفصل الرابع: في صوم التطوع، والأيام التي نهي عن الصوم فيها، وفي النذر، وصوم عاشوراء

- ‌المبحث الأول: في صوم التطوع والأيام التي نهي عن الصوم فيها

- ‌المطلب الأول: حكم إفراد يوم الجمعة بصيام

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام يوم السبت

- ‌المطلب الثالث: حكم صيام يوم عرفة للحاج

- ‌المطلب الخامس: حكم صيام عشر ذي الحِجَّة

- ‌المطلب السادس: حكم صيام الدهر

- ‌المطلب السابع: حكم صيام الست من شوال

- ‌المطلب الثامن: ما هو أفضل الصيام بعد رمضان صيام شعبان أو المحرم

- ‌المطلب التاسع: حكم الإفطار في صوم النافلة

- ‌المطلب العاشر: تعيين الأفضل في صيام ثلاثة أيام من كل شهر

- ‌المطلب الحادي عشر: ما هي أيام البيض

- ‌المطلب الثاني عشر: معنى صيام يوم في سبيل الله

- ‌المبحث الثاني: في النذر، وفي أعذار الفطر

- ‌المطلب الأول: حكم من نذر صوم العيدين متعمدا لعينيهما

- ‌المطلب الثاني: حكم من نذر صوم يوم قدوم فلان مثلا فوافق يوم عيد

- ‌المطلب الثالث: هل الضيافة عذر للإفطار من صوم النفل

- ‌المطلب الرابع: هل يستحب لمن كان صائما صيام نفل أن يفطر إذا دُعي

- ‌المبحث الثالث: في صوم عاشوراء

- ‌المطلب الأول: نسخ وجوب صيام يوم عاشوراء

- ‌المطلب الثاني: هل عاشوراء هو اليوم التاسع أو اليوم العاشر

- ‌المطلب الثالث: ما الأفضل في صيام عاشوراء

- ‌المطلب الرابع: هل صيام يوم مع عاشوراء لاحتمال الشك أو لمخالفة أهل الكتاب

- ‌المطلب الخامس: هل الأفضل صيام يوم عاشوراء أو يوم عرفة

- ‌الباب الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر، وفي الاعتكاف

- ‌الفصل الأول: في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر

- ‌المبحث الأول: في قضاء الصوم

- ‌المطلب الأول: هل يجب قضاء رمضان على الفور؟ ، وهل يجب التتابع

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز التطوع قبل القضاء

- ‌المطلب الثالث: هل يقضي من أفطر في صيام النفل

- ‌المطلب الرابع: حكم صيام المرأة النفل وقضاء الواجب بغير إذن زوجها

- ‌المطلب الخامس: هل يقضي المجامع في رمضان اليوم الذي جامع فيه

- ‌المطلب السادس: حكم القضاء على من ذرعه القيء

- ‌المطلب السابع: هل يقضي من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌المطلب الثامن: هل يقضي الصوم من تمضمض أو استنشق فغلبه الماء

- ‌المطلب التاسع: حكم من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر

- ‌المطلب العاشر: ما الواجب على المُرضع والحامل إذا خافتا على ولدهما فقط

- ‌المبحث الثاني: في القضاء عن الميت

- ‌المطلب الأول: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي أمكنه التدارك

- ‌المطلب الثاني: ما الصوم الذي يصام عن الميت

- ‌المطلب الثالث: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي لم يمكنه التدارك

- ‌المبحث الثالث: في ليلة القدر

- ‌المطلب الأول: في تعيين ليلة القَدْر

- ‌المطلب الثاني: هل ليلة القدر خاصة بهذه الأمة

- ‌الفصل الثاني: في الاعتكاف

- ‌المبحث الأول: في حكمه، واشتراط الصوم له، وغير ذلك

- ‌المطلب الأول: حكم (الاعتكاف)

- ‌المطلب الثاني: هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف

- ‌المطلب الثالث: هل لأقل الاعتكاف حدّ

- ‌المطلب الرابع: هل ينقطع اعتكاف من عاد مريضا أو صلى على جنازة

- ‌المطلب الخامس: هل يجوز (الاشتراط في الاعتكاف)

- ‌المطلب السادس: حكم من نذر الاعتكاف قبل إسلامه

- ‌المطلب السابع: متى يدخل المعتكِف معتكَفه

- ‌المطلب الثامن: حكم قضاء الاعتكاف

- ‌المبحث الثاني: في مكان الاعتكاف

- ‌المطلب الأول: أين تعتكف المرأة

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

- ‌المطلب الثالث: هل يجوز الاعتكاف في غير (المسجد الجامع)

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب السابع: هل يقضي من أفطر متعمدا في رمضان

‌المطلب السابع: هل يقضي من أفطر متعمدا في رمضان

؟ .

اختيار الشيخ: اختار أن من أفطر متعمدا يقضي، فقال رادا على من استدل بحديث:«من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة ولا مرض لم يقض عنه صوم الدهر كله وإن صامه» (1): "ومثل هذا الحديث لا يكفى مع انفراده للاحتجاج به، ويُحمَل -إن ثبت- على التشديد والتغليظ كما سبق (2).

تحرير المسألة: مر معنا فيما سبق (3) مسألة: هل يقضي المجامع في رمضان اليوم الذي جامع فيه؟ .

ولا شك أن من جامع في يوم رمضان متعمدا، أنه تعمد الفطر، ولكن الشيخ المباركفوري قد نص على أن قوله صلى الله عليه وسلم:«من أفطر يوما من رمضان» ، المراد منه: الإفطار بالأكل أو الشرب عامدا، فقال:"أطلق الإفطار، وهو لا يخلو: إما أن يكون بجماع، أو غيره، ناسيا أو عامدا. لكن المراد منه: الإفطار بالأكل أو الشرب عامدا، وأما ناسيا أو بالجماع فقد تقدم ذِكرهما"(4).

وقد اختلف أهل العلم في من أفطر في يوم رمضان متعمدا بأكل أو بشرب، هل يقضي ذلك اليوم؟ ، على قولين:

القول الأول: يجب عليه قضاء ذلك اليوم.

وبه قال: الحنفية (5) ، والمالكية (6) ، والشافعية (7) ، والحنابلة (8)، وهو اختيار الشيخ.

القول الثاني: أنه لا يقضيه ولا يمكنه قضاؤه.

وبه قال: الظاهرية (9)، وروي عن: علي ابن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما (10).

(1) سيأتي تخريجه صفحة (564).

(2)

مرعاة المفاتيح 6/ 530.

(3)

صفحة (558).

(4)

مرعاة المفاتيح 6/ 527.

(5)

بدائع الصنائع 2/ 94، تحفة الفقهاء 1/ 355، كنز الدقائق ص 221، النهر الفائق 2/ 21.

(6)

الكافي 1/ 342، الإشراف 1/ 434، القبس 1/ 501، مواهب الجليل 2/ 434.

(7)

الحاوي الكبير 3/ 434، المهذب 1/ 336، منهاج الطالبين ص 78، ومغني المحتاج 2/ 178.

(8)

الهداية ص 158، المغني 3/ 119، شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 278، المبدع 3/ 21.

(9)

المحلى 4/ 308، وعندهم: لا يمكنه القضاء في جميع ما يفطر به حتى في الفطر بارتكاب المعاصي كما هو مذهبهم، واستثنوا من ذلك: الاستقاءة عمدا؛ لصحة النص في إيجاب القضاء فيها.

(10)

مصنف عبد الرزاق رقم 7476، وابن أبي شيبة رقم 9784، الإشراف 3/ 128، المحلى 4/ 312.

ص: 565

أدلة القول الأول: القائلين بأنه يجب عليه قضاء ذلك اليوم.

الدليل الأول: قوله سبحانه وتعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (1).

وجه الاستدلال: معنى الآية: فمن كان منكم مريضا أو على سفر، فأفطر بعذر المرض والسفر، فعدة من أيام أخر؛ فيكون في الآية دلالة على وجوب القضاء على من أفطر بغير عذر؛ لأنه لما وجب القضاء على المريض والمسافر، مع أنهما أفطرا بسبب العذر المبيح للإفطار، فلأن يجب على غير ذي العذر أولى (2).

الدليل الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ذرعه القيء، فليس عليه قضاء، ومن استقاء فليقض» (3).

وجه الاستدلال: نص الحديث على وجوب القضاء على من أفطر بالاستقاءة عمدا، فيقاس عليه من أكل أو شرب متعمدا في وجوب القضاء؛ بجامع تعمد الفطر في كل (4).

الدليل الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:«أنه أمر الذي واقع أهله في رمضان أن يقضي يوما مكانه» (5).

وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر في هذا الحديث من أفطر بجِماعٍ أن يقضي اليوم الذي أفسده، فدل على وجوبه على من أفطر بأكل أو شرب أو غيرهما؛ بجامع جَبْر ما فاته من صيام في كل.

الدليل الرابع: عن سعيد بن المسيب، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أفطرت يوما من رمضان، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«تصدق، واستغفر الله، وصم يوما مكانه» (6).

(1) سورة البقرة: آية: 184.

(2)

ينظر: بدائع الصنائع 2/ 94، والمهذب للشيرازي 1/ 336.

(3)

سبق تخريجه صفحة (325).

(4)

ينظر: شرح البخاري لابن بطال 4/ 80.

(5)

سبق تخريجه صفحة (376).

(6)

رواه ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 347 رقم 9774، في الصيام، باب: ما قالوا في الرجل يفطر من رمضان يوما ما عليه، وبرقم 12568، في الأيمان والنذور والكفارات، باب: من يفطر يوما من رمضان، وقال الألباني في الإرواء 4/ 92:"هذا مرسل جيد الاسناد".

ص: 566

وجه الاستدلال: فهذا الحديث نص على أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من أفطر متعمدا في رمضان بالقضاء، فيدخل تحته من أفطر بأكل أو شرب أو غير ذلك، والدليل على أنه متعمد قوله:«واستغفر الله» ؛ إذ غير المتعمد غير مؤاخذ.

الدليل الخامس: حديث ابن عباس رضي الله عنه، والذي ذكر فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«اقضوا الله الذي له، فإن الله أحق بالوفاء» (1).

وجه الاستدلال: أن الحديث جاء عاما في وجوب قضاء حقوق الله، والصيام من أعظم تلك الحقوق لتعلقه بركن من أركان الإسلام.

الدليل السادس: ولأن القضاء إنما وجب جبرا لما فات من صيام، والفوات يحصل بمطلق الإفساد، سواء كان بجماع أو بأكل أو بشرب، فتقع الحاجة إلى الجبر بالقضاء؛ ليقوم مقام الفائت فينجبر الفوات (2).

أدلة القول الثاني: القائلين بأنه لا يقضيه ولا يمكنه قضاؤه.

الدليل الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أفطر يوما من رمضان من غير رُخصَة، ولا مرض؛ لم يقضه صوم الدهر كله، وإن صامه» (3).

وجه الاستدلال: دل الحديث على أن من انتهك حرمة رمضان بالفطر، لم يَقدِر على قضاء ذلك اليوم الذي أفسده. وعليه فلا يشرع له القضاء؛ لأن إيجاب صيام غيره بدلا عنه إيجاب شرع لم يأذن الله تعالى به، فهو باطل (4).

(1) رواه البخاري 9/ 102 رقم 7315، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب من شبه أصلا معلوما بأصل مبين، قد بين الله حكمهما، ليفهم السائل.

(2)

ينظر: بدائع الصنائع 2/ 97.

(3)

رواه أبو داود 2/ 314 رقم 2396، في الصوم، باب التغليظ في من أفطر عمدا، والترمذي 3/ 92 رقم 723، في الصيام، باب ما جاء في الإفطار متعمدا، وقال:"حديث أبي هريرة لا نعرفه إلا من هذا الوجه"، واللفظ له، والنسائي في الكبرى 3/ 357 رقم 3265، في الصيام، باب: إثم من أفطر قبل تحلة الفطر، وابن ماجه 1/ 535 رقم 1672، في الصيام، باب ما جاء في كفارة من أفطر يوما من رمضان، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب 1/ 308 رقم 605.

(4)

ينظر: المحلى 4/ 308.

ص: 567

الدليل الثاني: عن أبي بكر الصديق أنه قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما فيما أوصاه به: «مَن صام شهر رمضان في غيره لم يُقبَل منه، ولو صام الدهر أجمع» (1).

وجه الاستدلال: أفاد الأثر: أن من انتهك حرمة رمضان بإفطار يوم منه، كان كمن أخر صيامه إلى غير رمضان، فلا يُقبَل منه.

الدليل الثالث: عن علي رضي الله عنه، قال:«من أفطر يوما من رمضان متعمدا، لم يقضه أبدا طول الدهر» (2).

الدليل الرابع: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «من أفطر يوما من رمضان متعمدا من غير عِلَّة ثم قضى طول الدهر لم يُقبَل منه» (3).

الراجح: الذي يترجح -إن شاء الله- هو القول الأول: أنه يجب قضاء ذلك اليوم؛ وذلك لصحة ما استدلوا به؛ ولدلالته على المطلوب؛ ولأن الذمة لا تبرأ إلا بيَقين الأداء، وهو قضاء ذلك اليوم (4).

وأما ما استدل به أصحاب القول الثاني فيجاب عنه:

أن في أدلتهم ما هو ضعيف ولا يحتج به كحديث أبي هريرة وأثر أبي بكر وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم ، وعلى فرض صحة كل ما استدلوا به، فقد أجاب أهل العلم عن معنى:«لم يقض عنه صوم الدهر» بما يلي:

قال ابن تيمية: "إنما كان كذلك: لأن الله سبحانه أوجب عليه صوم ذلك اليوم المُعيَّن، وذلك اليوم لا يكون مثله إلا في شهر رمضان. لكن صوم ذلك المِثل واجبٌ بنفسه أداءً، فلا

(1) ذكره ابن حزم في المحلى 4/ 311، وقال الحافظ في فتح الباري 4/ 162:"فيه انقطاع".

(2)

رواه ابن أبي شيبة 2/ 348 رقم 9785، في الصيام باب: من قال لا يقضيه وإن صام الدهر، ورقم 12571، كتاب الأيمان والنذور والكفارات باب: من يفطر يوما من رمضان.

(3)

رواه البيهقي في السنن الكبرى 4/ 385 رقم 8067، في الصيام، باب التغليظ على من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا من غير عذر، وقال:"عبد الملك هذا أظنه ابن حسين النخعي، ليس بالقوي"، والطبراني في المعجم الكبير 9/ 314 رقم 9574، ومصنف عبد الرزاق 4/ 198 رقم 7476، في الصيام، باب حرمة رمضان، وابن أبي شيبة 2/ 347 رقم 9784، في الصيام، باب: من قال لا يقضيه وإن صام الدهر.

(4)

ينظر: شرح البخاري لابن بطال 4/ 72.

ص: 568

يمكن أن يُصامَ قضاءً عن غيره، فلو صام الدهر كله؛ لم يقض عنه حق ذلك المُعيَّن. لكن وجب عليه صوم يوم؛ لأنه أحد الواجبَين، والتعيين هو الواجب الآخر، فَفَوات أحدهما لا يوجِب سقوط الآخر. وهذا معنى كلام أحمد، وسواء أفطر بجماع أو أكل أو غيره" (1).

وقال ابن المُنَيِّر: "يعني أن القضاء لا يقوم مقام الأداء، ولو صام عِوَض اليوم دَهْرا، ويقال بموجبه؛ فإن الإثم لا يسقط بالقضاء، ولا سبيل إلى اشتراك القضاء والأداء في كمال الفضيلة. فقوله: «لم يقضه صيام الدهر» أي: في وصفِه الخاص به وهو الكمال، وإن كان يقضي عنه في وصفِه العام المنحط عن كمال الأداء. هذا هو اللائق بمعنى الحديث، ولا يُحمَل على نفي القضاء بالكلّيَّة، ولا تُعهَد عبادة واجبة مؤقتة لا تَقبل القضاء إلا الجُمعة؛ لأنها لا تجتمع بشروطها إلا في يومها، وقد فات، أو في مثله، وقد اشتغلت الذِمّة بالحاضرة، فلا تَسَع الماضية"(2).

والله أعلم.

(1) شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 272.

(2)

نقله عنه الحافظ في الفتح 4/ 161، والقسطلاني في إرشاد الساري 3/ 375. ولم أجده في المتواري لناصر الدين. ولعله لأخيه زين الدين في حاشيته على ابن بطال، وهو غير مطبوع.

ص: 569