الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: ما الأفضل في صيام عاشوراء
؟ .
اختيار الشيخ: اختار رحمه الله استحباب صيام التاسع مع العاشر، وأن إفراد العاشر لا يكره، فقال:"وفيه (1) تنبيه على أن من أراد صوم عاشوراء ابتدأ من يوم التاسع"(2).
ثم قال: "وعندي مراتب صوم عاشوراء الثلاث هكذا أدناها أن يصوم العاشر فقط، وفوقه أن يصوم الحادي عشر معه، وفوقه أن يصوم التاسع والعاشر. وإنما جعلت هذه فوق المرتبتين الأوليين؛ لكثرة الأحاديث فيها"(3).
تحرير محل الخلاف: اتفق العلماء على استحباب صيام تاسوعاء مع عاشوراء (4).
واختلفوا في إفراد عاشوراء على قولين:
القول الأول: يستحب التاسع والعاشر ولا يكره إفراد العاشر.
وبه قال: المالكية (5)، والشافعية (6) ، والحنابلة في المذهب (7) ،وهو اختيار الشيخ.
القول الثاني: يستحب أن يصوم التاسع والعاشر ويكره إفراد العاشر.
وبه قال: الحنفية (8)، ورواية عند: الحنابلة (9).
أدلة القول الأول: القائلين يستحب التاسع والعاشر ولا يكره إفراد العاشر.
(1) أي حديث ابن عباس رضي الله عنه الآتي في نفس الصفحة (519).
(2)
مرعاة المفاتيح 7/ 46.
(3)
المصدر السابق 7/ 47.
(4)
ينظر" المجموع 6/ 383، المغني 3/ 178، المعاني البديعة 1/ 337، مواهب الجليل 2/ 403،
(5)
الرسالة ص 148، الكافي 1/ 350، الذخيرة 2/ 529، جامع الأمهات ص 178. وعند المالكية: لا يسن صيام الحادي عشر مع التاسع والعاشر. ينظر: مواهب الجليل 2/ 403.
(6)
الحاوي الكبير 3/ 473، المجموع 6/ 383، العزيز 3/ 246، نهاية المحتاج 3/ 207. وعند الشافعية: يسن صيام اليوم الحادي عشر مع التاسع والعاشر. ينظر: الغرر البهية 2/ 236، تحفة المحتاج 3/ 456.
(7)
مسائل أحمد وإسحاق 3/ 1226، الهداية ص 164، المحرر 1/ 231، الفروع 5/ 89. وعندهم: إن اشتبه عليه أول الشهر صام ثلاثة أيام؛ ليتيقن صومهما. ينظر: المغني 3/ 178، والمبدع 3/ 49.
(8)
فتح القدير 2/ 303، درر الحكام 1/ 197، البحر الرائق 2/ 277، تبيين الحقائق 1/ 313.
(9)
شرح العمدة كتاب الصيام 2/ 584، الفروع 5/ 91، المبدع 3/ 49، الإنصاف 3/ 346.
الدليل الأول: عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صام يوم عاشوراء، فقالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فإذا كان العام المقبل إن شاء الله تعالى صمنا اليوم التاسع» ، قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
الدليل الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود، صوموا قبله يوما، أو بعده يوما» (2).
وجه الاستدلال: فهذه النصوص تبين أن المستحب مخالفة اليهود بصيام يوم مع عاشوراء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم تمنى أن لو بقي إلى المستقبل صام يوما معه، وأنه عليه الصلاة والسلام صام مدة عمره يوم عاشوراء منفردا، فيكون إفراد صيام يوم عاشوراء جائزا بلا كراهة؛ لفعله عليه الصلاة والسلام، ويكون صيام التاسع مع العاشر سنة لأتباعه صلى الله عليه وسلم؛ لعزمه على ذلك.
قال الطِيبي: "فصار اليوم التاسع من المحرم صومه سنة وإن لم يصمه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه عزم علي صومه"(3).
أدلة القول الثاني: القائلين يستحب أن يصوم التاسع والعاشر ويكره إفراد العاشر.
استدلوا على استحباب يوم معه بما استدل به أصحاب القول الأول.
أما كراهة إفراده فاستدلوا بما يلي:
الدليل الأول: أن ابن عباس رضي الله عنه كان يكره إفراده ويأمر بصوم اليومين مخالفة لليهود (4).
فقد قال رضي الله عنه في يوم عاشوراء: «خالفوا اليهود، وصوموا التاسع والعاشر» (5).
(1) سبق تخريجه صفحة (516).
(2)
رواه البيهقي في السنن الكبرى 4/ 475 رقم 8406، في الصيام، باب صوم يوم التاسع، وفي شعب الإيمان 5/ 330 رقم 3511، في الصيام، باب: تخصيص عاشوراء بالذكر، عن ابن عباس رضي الله عنه ، وأخرجه أحمد 4/ 52 رقم 2154، وابن خزيمة 3/ 290 رقم 2095، في الصيام، باب الأمر بأن يصام قبل عاشوراء يوما أو بعده يوما مخالفة لفعل اليهود في صوم عاشوراء، وقال شعيب الأرناؤوط:"إسناده ضعيف"، وكذا الألباني في ضعيف الجامع رقم 3506.
(3)
شرح المشكاة 5/ 1606.
(4)
ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 2/ 584.
(5)
سبق تخريجه صفحة (516).
الدليل الثاني: ولأنه إفراد يوم يعظمه غير أهل الإسلام، فكره؛ كإفراد النَيْرُوز (1) والمِهْرَجان (2)(3).
الدليل الثالث: ولأن التشبُّه بأهل الكتاب مكروه، وقطع التشبه بهم مشروع ما وُجِد إلى ذلك سبيل؛ فإذا صيمَ وحده؛ كان فيه تشبُّه بأهل الكتاب (4).
الراجح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول: أنه يستحب صيام التاسع والعاشر، ولا يُكرَه إفراد العاشر؛ لأن الكراهة حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل من الكتاب والسنة؛ ولأنه عليه الصلاة والسلام صام مدة عمره يوم عاشوراء منفردا، وتمنى أن لو بقي إلى المستقبل صام يوما معه (5).
فيقال والله أعلم: إن صيام التاسع والعاشر مستحب؛ لعزم النبي صلى الله عليه وسلم على فعله، فإن فاته التاسع صام الحادي عشر معه؛ تحقيقا لمخالفة اليهود، وإن اقتصر على العاشر فلا بأس به، والله أعلم.
(1) النَّيْرُوز: اليوم الحادي والعشرون من شهر مارس من السنة الميلادية، وهو عيد الفرح عند الفرس. ينظر: معجم لغة الفقهاء ص 490، والمعجم الوسيط 2/ 962، ولسان العرب 1/ 527.
(2)
المِهْرَجان: بكسر فسكون لفظ معرب، عيد الخريف عند الفرس. ينظر: معجم لغة الفقهاء ص 467، والمصباح المنير 2/ 582.
(3)
ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 2/ 584.
(4)
ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 2/ 584، وتحفة الفقهاء 1/ 343، رد المحتار 2/ 375.
(5)
ينظر: العرف الشذي 2/ 177.