المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب السابع: متى يدخل المعتكف معتكفه - الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف

[موافقي الأمين]

فهرس الكتاب

- ‌ الافتتاحية

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌خطة البحث

- ‌المنهج المتبع في البحث:

- ‌الشكر وتقدير:

- ‌التمهيددراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري واختياراته

- ‌المبحث الأول: دراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول:‌‌ اسمه، ونسبه، و‌‌كنيته، و‌‌لقبه

- ‌ اسمه، ونسبه

- ‌كنيته

- ‌لقبه

- ‌المطلب الثاني:‌‌ مولده، و‌‌أسرته، ووفاته

- ‌ مولده

- ‌أسرته

- ‌وفاته:

- ‌المطلب الثالث: نشأته، وطلبه للعلم

- ‌المطلب الرابع:‌‌ شيوخه، وتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌أولا: الشيخ أبو الهدى عبد السلام بن الشيخ خان محمد بن أمان الله المباركفوري

- ‌ثانيا: الشيخ العلامة أبو طاهر البهاري

- ‌ثالثا: الشيخ أبو العلى محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن الشيخ بهادر المباركفوري

- ‌رابعا: الشيخ العلامة أحمد الله بن أمير الله بن فقير الله فرتاب كرهي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفور جيراجفوري

- ‌سادسا: الشيخ العلامة محمد أعظم بن فضل الدين أبو عبد الله الجوندلوي الباكستاني

- ‌تلامذته:

- ‌أولا: الشيخ عبد الجليل بن تعلقدار الرحماني البستوي

- ‌ثانيا: الشيخ محمد إدريس آزاد الرحماني الأملوي

- ‌ثالثا: الشيخ عبد المعيد بن عبد المجيد بن عبد القادر أبو عبيدة البنارسي

- ‌رابعا: الشيخ آفتاب آحمد الرحماني البنغلاديشي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفار حسن بن العلامة عبد الستار بن عبد الجبار العمر فوري الرحماني

- ‌سادسا: الشيخ أحمد الله بن عبد الكريم الرحماني البنغلاديش

- ‌المطلب الخامس:‌‌ عقيدته، ومذهبه الفقهي

- ‌ عقيدته

- ‌عقيدة الشيخ في الإيمان:

- ‌عقيدة الشيخ في الأسماء والصفات:

- ‌عقيدته في التوسل ودعاء الأموات والغائبين:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌المطلب السادس: ثناء العلماء عليه

- ‌المطلب السابع: آثاره العلمية

- ‌المبحث الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول: تعريف الاختيار

- ‌في اللغة:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌التعريف الأول:

- ‌التعريف الثاني:

- ‌وقد عرفه بعض الباحثين باعتبار أقسامه الثلاثة:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي والإنفراد:

- ‌تعريف الرأي:

- ‌وأما في الاصطلاح فقد عرف بعدة تعاريف منها:

- ‌تعريف الإنفراد:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي:

- ‌وجه التشابه بينهما:

- ‌وجه الاختلاف بينهما:

- ‌الفرق بين الإختيار والإنفراد:

- ‌الفرق بين الإنفراد والرأي:

- ‌المطلب الثاني: منهج المباركفوري في اختياراته، وموقف العلماء منها

- ‌المطلب الثالث: دراسة الصيغ المعتبرة (في الاختيار) عند الشيخ المباركفوري

- ‌الباب الأول: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في الصيام

- ‌الفصل الأول: في تسمية الشهر، وفي رؤية الهلال، وفي يوم الشك

- ‌المبحث الأول: حكم قول رمضان، وفي رؤية الهلال

- ‌المطلب الثاني: اعتبار اختلاف المطالع

- ‌المطلب الثالث: هل يثبت دخول الشهر بالحساب الفلكي

- ‌المطلب الرابع: عدد الشهود في هلال شهر رمضان

- ‌المطلب الخامس: عدد الشهود لثبوت هلال شوال

- ‌المطلب السادس: هل يكفي الإخبار ممن رأى الهلال أو تشترط الشهادة

- ‌المطلب السابع: حكم صيام من رأى هلال شوال وحده فردت شهادته

- ‌المطلب الثامن: حكم من أفطر ثم تبين أن اليوم من رمضان

- ‌المبحث الثاني: في يوم الشك، والصوم بعد انتصاف شعبان

- ‌المطلب الأول: في تعيين يوم الشك

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر

- ‌المطلب الثالث: من صام يوم الشك فتبين أنه من رمضان

- ‌المطلب الرابع: حكم الصيام بعد انتصاف شعبان

- ‌الفصل الثاني: في النية وصيام المسافر

- ‌المبحث الأول: في النية

- ‌المطلب الأول: في النية للفرض

- ‌المسألة الثانية: حكم النية لكل يوم من رمضان

- ‌المسألة الثالثة: حكم تعيين النية

- ‌المسألة الرابعة: حكم التَلَفُّظ بالنية

- ‌المسألة الخامسة: هل يُشترَط أن تُعقَد النية في جزء معين من الليل

- ‌المسألة السادسة: حكم ما إذا فعل بعد النية قبل الفجر ما ينافي الصوم

- ‌المطلب الثاني: في النية النفل

- ‌المسألة الأولى: حكم صيام يوم الشك بنية التطوع

- ‌المسألة الثانية: حكم نية صوم النفل من النهار

- ‌المسألة الثالثة: حكم عقد نية النفل بعد الزوال

- ‌المبحث الثاني: صوم السفر

- ‌المطلب الأول: حكم الصيام في السفر

- ‌المطلب الثاني: ما الأفضل للمسافر الصيام أو الفطر

- ‌المطلب الثالث: حد السفر المبيح للفطر

- ‌المطلب الرابع: حكم إفطار المسافر الذي استهل عليه رمضان وهو مقيم

- ‌المطلب الخامس: حكم إفطار المسافر بعد أن كان قد شرع في الصيام

- ‌المطلب السادس: حكم إفطار من سافر بعد طلوع الفجر

- ‌الفصل الثالث: في المفطرات وما يجتنبه الصائم، وفي الكفارة وخصالها

- ‌المبحث الأول: في المفطرات وما يجتنبه الصائم

- ‌المطلب الثاني: حكم الفصد للصائم

- ‌المطلب الرابع: حكم التقبيل للصائم

- ‌المطلب الخامس: حكم الاستياك للصائم

- ‌المسألة الثانية: الاستياك بالعود الرطب

- ‌المسألة الثالثة: الاستياك في صوم الفريضة

- ‌المطلب السابع: حكم الوصال في الصيام

- ‌المسألة الأولى: الوصال أكثر من يوم

- ‌المسألة الثانية: الوصال إلى السَحَر

- ‌المطلب الثامن: حكم من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم

- ‌المطلب العاشر: حكم انغماس الصائم في الماء

- ‌المطلب الحادي عشر: في الأكل والشرب للمتسحر

- ‌المسألة الأولى: حكم من أكل أو شرب وهو شاك في الفجر

- ‌المسألة الثانية: هل المعتبر في تحريم الأكل والشرب تَبَيُّن الفجر أو طلوع الفجر

- ‌المطلب الثالث عشر: حكم صيام الحائض والنُفَساء إذا طهرت قبل الفجر، ولم تغتسل إلا بعد الفجر

- ‌المبحث الثاني: في الكفارة، وخصالها

- ‌المطلب الثاني: هل على المرأة المجامعة في رمضان كفارة

- ‌المطلب الثالث: هل على من جامع ناسيا في رمضان كفارة

- ‌المطلب الرابع: هل الأكل والشرب في رمضان عمدا يوجبان الكفارة كالجماع

- ‌المطلب السادس: هل الخصال الثلاثة في كفارة الجماع في رمضان على الترتيب أو على التخيير

- ‌المطلب السابع: حكم اشتراط التتابع في صيام كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب الثامن: ما هو الحد الواجب في الإطعام في كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب التاسع: هل يشترط في الرقبة المعتقة في كفارة الجماع في رمضان أن تكون مؤمنة

- ‌الفصل الرابع: في صوم التطوع، والأيام التي نهي عن الصوم فيها، وفي النذر، وصوم عاشوراء

- ‌المبحث الأول: في صوم التطوع والأيام التي نهي عن الصوم فيها

- ‌المطلب الأول: حكم إفراد يوم الجمعة بصيام

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام يوم السبت

- ‌المطلب الثالث: حكم صيام يوم عرفة للحاج

- ‌المطلب الخامس: حكم صيام عشر ذي الحِجَّة

- ‌المطلب السادس: حكم صيام الدهر

- ‌المطلب السابع: حكم صيام الست من شوال

- ‌المطلب الثامن: ما هو أفضل الصيام بعد رمضان صيام شعبان أو المحرم

- ‌المطلب التاسع: حكم الإفطار في صوم النافلة

- ‌المطلب العاشر: تعيين الأفضل في صيام ثلاثة أيام من كل شهر

- ‌المطلب الحادي عشر: ما هي أيام البيض

- ‌المطلب الثاني عشر: معنى صيام يوم في سبيل الله

- ‌المبحث الثاني: في النذر، وفي أعذار الفطر

- ‌المطلب الأول: حكم من نذر صوم العيدين متعمدا لعينيهما

- ‌المطلب الثاني: حكم من نذر صوم يوم قدوم فلان مثلا فوافق يوم عيد

- ‌المطلب الثالث: هل الضيافة عذر للإفطار من صوم النفل

- ‌المطلب الرابع: هل يستحب لمن كان صائما صيام نفل أن يفطر إذا دُعي

- ‌المبحث الثالث: في صوم عاشوراء

- ‌المطلب الأول: نسخ وجوب صيام يوم عاشوراء

- ‌المطلب الثاني: هل عاشوراء هو اليوم التاسع أو اليوم العاشر

- ‌المطلب الثالث: ما الأفضل في صيام عاشوراء

- ‌المطلب الرابع: هل صيام يوم مع عاشوراء لاحتمال الشك أو لمخالفة أهل الكتاب

- ‌المطلب الخامس: هل الأفضل صيام يوم عاشوراء أو يوم عرفة

- ‌الباب الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر، وفي الاعتكاف

- ‌الفصل الأول: في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر

- ‌المبحث الأول: في قضاء الصوم

- ‌المطلب الأول: هل يجب قضاء رمضان على الفور؟ ، وهل يجب التتابع

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز التطوع قبل القضاء

- ‌المطلب الثالث: هل يقضي من أفطر في صيام النفل

- ‌المطلب الرابع: حكم صيام المرأة النفل وقضاء الواجب بغير إذن زوجها

- ‌المطلب الخامس: هل يقضي المجامع في رمضان اليوم الذي جامع فيه

- ‌المطلب السادس: حكم القضاء على من ذرعه القيء

- ‌المطلب السابع: هل يقضي من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌المطلب الثامن: هل يقضي الصوم من تمضمض أو استنشق فغلبه الماء

- ‌المطلب التاسع: حكم من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر

- ‌المطلب العاشر: ما الواجب على المُرضع والحامل إذا خافتا على ولدهما فقط

- ‌المبحث الثاني: في القضاء عن الميت

- ‌المطلب الأول: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي أمكنه التدارك

- ‌المطلب الثاني: ما الصوم الذي يصام عن الميت

- ‌المطلب الثالث: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي لم يمكنه التدارك

- ‌المبحث الثالث: في ليلة القدر

- ‌المطلب الأول: في تعيين ليلة القَدْر

- ‌المطلب الثاني: هل ليلة القدر خاصة بهذه الأمة

- ‌الفصل الثاني: في الاعتكاف

- ‌المبحث الأول: في حكمه، واشتراط الصوم له، وغير ذلك

- ‌المطلب الأول: حكم (الاعتكاف)

- ‌المطلب الثاني: هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف

- ‌المطلب الثالث: هل لأقل الاعتكاف حدّ

- ‌المطلب الرابع: هل ينقطع اعتكاف من عاد مريضا أو صلى على جنازة

- ‌المطلب الخامس: هل يجوز (الاشتراط في الاعتكاف)

- ‌المطلب السادس: حكم من نذر الاعتكاف قبل إسلامه

- ‌المطلب السابع: متى يدخل المعتكِف معتكَفه

- ‌المطلب الثامن: حكم قضاء الاعتكاف

- ‌المبحث الثاني: في مكان الاعتكاف

- ‌المطلب الأول: أين تعتكف المرأة

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

- ‌المطلب الثالث: هل يجوز الاعتكاف في غير (المسجد الجامع)

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب السابع: متى يدخل المعتكف معتكفه

‌المطلب السابع: متى يدخل المعتكِف معتكَفه

؟ .

اختيار الشيخ: اختار قول الجمهور أن المعتكِف يدخل معتكفَه قبل غروب شمس يوم العشرين ليلة الحادي والعشرين من رمضان، فقال - مفسرا لقول عائشة رضي الله عنها:«دخل في معتكفه» -: "أي: انقطع فيه، وتخلى بنفسه بعد صلاة الصبح، لا أن ذلك وقت ابتداء اعتكافه، بل كان يعتكف من الغروب ليلة الحادي والعشرين، وإلا لما كان معتكفا العشر بتمامه، الذي ورد في عدة أخبار أنه كان يعتكف العشر بتمامه"(1).

اختلف أهل العلم في وقت دخول المعتكِف إلى معتكَفه إذا أراد اعتكاف العشر الأواخر من شهر رمضان على قولين:

القول الأول: يدخل إلى معتكَفه قبل غروب الشمس من يوم العشرين (ليلة إحدى وعشرين).

وهو قول: الحنفية (2)، والمالكية (3)، والشافعية (4) ، والحنابلة في المذهب (5)، والظاهرية (6)، وهو اختيار الشيخ.

القول الثاني: يدخل إلى معتكَفه بعد صلاة الصبح من يوم الحادي والعشرين.

وهو رواية عن: أحمد (7)، وقول الأوزاعي (8) ، واختاره ابن المنذر (9).

سبب الخلاف: والسبب في اختلافهم سببان -والله أعلم-:

الأول: هل المقصود اعتكاف اليوم مع ليلته، أو المقصود اعتكاف اليوم فقط؟ (10).

(1) مرعاة المفاتيح 7/ 158. وحديث عائشة سيأتي ص 654.

(2)

بدائع الصنائع 2/ 111، مراقي الفلاح ص 267، البحر الرائق 2/ 329، رد المحتار 2/ 452.

(3)

الرسالة ص: 64، الكافي 1/ 353، جامع الأمهات ص 181، التلقين 1/ 76، المعونة 1/ 493.

(4)

الأم 2/ 115، المهذب 1/ 351، العزيز 3/ 250، روضة الطالبين 2/ 401.

(5)

الهداية ص 167، الكافي 1/ 456، شرح الزركشي 3/ 20، الإنصاف 3/ 370.

(6)

المحلى 3/ 435.

(7)

المغني 3/ 208، الكافي 1/ 456، الإنصاف 3/ 369.

(8)

الإشراف لابن المنذر 3/ 161، معالم السنن 2/ 138، شرح مسلم للنووي 8/ 68، المغني 3/ 208.

(9)

الإشراف 3/ 161.

(10)

ينظر: بداية المجتهد 2/ 78، والاستذكار 3/ 401، والإعلام بفوائد عمدة الأحكام 5/ 435.

ص: 655

والثاني: اختلاف ظواهر النصوص: فحديث أبي سعيد رضي الله عنه أفاد أنه صلى الله عليه وسلم دخل معتكفه ليلة الحادي والعشرين، وحديث عائشة رضي الله عنها يُفهم منه أنه صلى الله عليه وسلم دخل معتكفه بعد صلاة الفجر.

أدلة القول الأول: القائلين بأنه يدخل إلى معتكَفه قبل غروب شمس يوم العشرين (ليلة الحادي والعشرين).

الدليل الأول: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر الأول من رمضان واعتكفنا معه، فأتاه جبريل، فقال: إن الذي تطلب أمامك، فاعتكف العشر الأوسط، فاعتكفنا معه، فأتاه جبريل فقال: إن الذي تطلب أمامك، فقام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا صبيحة عشرين من رمضان فقال:«من كان اعتكف مع النبي صلى الله عليه وسلم، فليرجع، فإني أريت ليلة القدر، وإني نسيتها، وإنها في العشر الأواخر، في وتر» (1).

وفي رواية: اعتكفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط، فلما كان صبيحة عشرين نقلنا متاعنا، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«من كان اعتكف معي فليرجع إلى معتكفه، فإني رأيت هذه الليلة، ورأيتني أسجد في ماء وطين» . فلما رجع إلى معتكفه، قال: وهاجت السماء فمطرنا، فو الذي بعثه بالحق لقد هاجت السماء من آخر ذلك اليوم، وكان المسجد عريشا، فلقد رأيت على أنفه وأرنبته أثر الماء والطين (2).

وفي رواية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر» (3).

وفي رواية: «وإذا هي ليلة إحدى وعشرين من العشر الأواخر» (4).

وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين في هذا الحديث أن من اعتكف العشر الأواخر؛ فإنه يعتكف ليلة إحدى وعشرين (5)؛ لأن العشر اسم لليالي مع الأيام، ولا يكون معتكفا جميع العشر إلا باعتكاف أول ليلة منه وهي ليلة الحادي والعشرين.

(1) سبق تخريجه صفحة (624).

(2)

رواه البخاري 3/ 50 رقم 2040، كتاب الاعتكاف، باب من خرج من اعتكافه عند الصبح.

(3)

رواه البخاري 3/ 48 رقم 2027، كتاب الاعتكاف، باب الاعتكاف في العشر الأواخر.

(4)

رواه مسلم 2/ 825 رقم 1167، كتاب الصيام، باب فضل ليلة القدر، والحث على طلبها

(5)

ينظر شرح العمدة كتاب الصيام 2/ 779.

ص: 656

قال ابن قدامة -بعد أن ذكر الحديث الذي فيه: «فليعتكف العشر الأواخر» -: "لأن العشر بغير هاء عدد الليالي، فإنها عدد المؤنث، قال الله تعالى:{وَلَيَالٍ عَشْرٍ} (1).

وأول الليالي العشر ليلة إحدى وعشرين" (2).

وقال ابن تيمية: "لأنه لا يكون معتكفا جميع العشر إلا باعتكاف أول ليلة منه؛ لا سيما وهي إحدى الليالي التي يلتمس فيها ليلة القدر"(3).

الدليل الثاني: "ولأن كل ليلة تتبع اليوم الذي بعدها؛ ألا ترى أن شهر رمضان يدخل بغروب الشمس في آخر يوم من شعبان"(4).

أدلة القول الثاني: القائلين بأنه يدخل إلى معتكفه بعد صلاة الصبح من يوم العشرين.

استدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فكنت أضرب له خباء فيصلي الصبح ثم يدخله» (5).

وفي رواية: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه (6).

وفي رواية: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان، وإذا صلى الغداة دخل مكانه الذي اعتكف فيه» (7).

وفي رواية: «وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح أتى معتكفه» (8).

وجه الاستدلال: في الحديث أن المعتكف يبتدئ اعتكافه من أول النهار، ويدخل في معتكفه بعد أن يصلي الفجر (9).

(1) سورة الفجر: آية: 2.

(2)

المغني 3/ 129.

(3)

شرح عمدة الفقه كتاب الصيام 2/ 777.

(4)

الحاوي الكبير 3/ 488.

(5)

سبق تخريجه صفحة (629).

(6)

أخرجه مسلم 2/ 831 رقم 1172، في الاعتكاف، باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان.

(7)

رواه البخاري 3/ 51 رقم 2041، كتاب الاعتكاف، باب الاعتكاف في شوال.

(8)

رواه النسائي في الكبرى 3/ 381 رقم 3333، في الاعتكاف، باب: متى يأتي المعتكف معتكفه؟ .

(9)

ينظر: معالم السنن 2/ 138.

ص: 657

قال الصنعاني (1): "فيه دليل على أن أول وقت الاعتكاف بعد صلاة الفجر، وهو ظاهر في ذلك"(2).

الترجيح: الذي يترجح في هذه المسألة -والله أعلم- هو القول الأول: أن المعتكف يدخل إلى معتكفه قبل غروب الشمس؛ لأن بذلك تكتمل عدة العشر الليالي، وبغيره تكون عدتها ناقصة، وهو ما أفاده حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وإن دخل معتكفه صبح عشرين، فهو الأفضل والأولى؛ لأنه أَوْلى ما حُمِل عليه حديث عائشة رضي الله عنها، فكان بالاعتماد أحرى (3)، كما سيتبين -إن شاء الله- عند المناقشة في الصفحة الآتية.

وأما استدلال أصحاب القول الثاني بحديث عائشة رضي الله عنها على أن المعتكف يدخل معتكفه بعد صبح يوم الحادي والعشرين فيجاب عنه من وجوه:

الوجه الأول: أن الحديث محمول على أنه صلى الله عليه وسلم دخل المعتكف وانقطع فيه وتخلى بنفسه بعد صلاته الصبح، لا أن ذلك وقت ابتداء الاعتكاف، بل كان من قبل المغرب معتكفا لابثا في المسجد، فلما صلى الصبح انفرد (4).

قال ابن دقيق العيد: "ولكنه أُوِّل على أن الاعتكاف كان موجودا، وأن دخوله في هذا الوقت لمعتكَفه للانفراد عن الناس بعد الاجتماع بهم في الصلاة، لا أنه كان ابتداء دخول المعتكَف، فيكون المراد بالمعتكَف هنا: الموضع الذي خصَّه بهذا، وأعدَّه له. ويُشعِر بذلك ما في هذه الرواية: «دخل مكانه الذي اعتكَف فيه» بلفظ الماضي"(5).

(1) هو: محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد بن علي، الكحلاني، ثم الصنعاني، يعرف بالأمير الصنعاني. وُلد سنة 1099 هـ، هو أحد أئمة اليمن المتأخرين، من مصنفاته: سبل السلام شرح بلوغ المرام؛ التنوير شرح الجامع الصغير للسيوطي. توفي بصنعاء سنة 1182 هـ. ينظر: البدر الطالع 2/ 133 - 139، أبجد العلوم 868، الأعلام 6/ 38.

(2)

سبل السلام 1/ 594.

(3)

حاشية السندي على النسائي 2/ 44، وحاشيته على ابن ماجه 1/ 539.

(4)

ينظر: شرح مسلم للنووي 8/ 69، وشرح المشكاة للطيبي 5/ 1631، والتوضيح لابن الملقن 13/ 645، وطرح التثريب 4/ 168، وعمدة القاري 11/ 148.

(5)

إحكام الأحكام 2/ 41.

ص: 658

الوجه الثاني: أن من أعظم ما يطلب بالاعتكاف إدراك ليلة القدر، وهي قد تكون ليلة الحادي والعشرين كما جاء في حديث أبي سعيد رضي الله عنه، فينبغي له أن يكون معتكفا فيها لا أن يعتكف بعدها (1).

الوجه الثالث -وهو المختار إن شاء الله-: أن حديث عائشة رضي الله عنها محمول على أنه صلى الله عليه وسلم دخل صبح يوم العشرين.

قال ابن تيمية: "ويشبه -والله أعلم- أن يكون دخوله معتكفه صبيحة العشرين قبل الليلة الحادية والعشرين؛ فإنه ليس في حديث عائشة أنه كان يدخل معتكفه صبيحة إحدى وعشرين، وإنما ذكرت أنه كان يدخل المعتكف بعد صلاة الفجر، مع قولها: «إنه أمر بخِبائه فضُرِب، ثم أراد الاعتكاف في العشر الأواخر»، والعشر صفة لليالي لا للأيام، فمحال أن يريد الاعتكاف في الليالي العشر وقد مضت ليلة منها، وإنما يكون ذلك إذا استقبلها بالاعتكاف. وقد ذكرت أنه اعتكف عشْرا قضاءً للعشر التي تَرَكها، وإنما يقضي عشْرا من كان يريد أن يعتكف عشْرا. ويؤيد ذلك أنه لم يكن يدخل معتكَفه إلا بعد صلاة الفجر، وقد مضى من النهار جزء، مع أنه لم يكن يخرج من منزله إلى المسجد حتى يُصلّي ركعتي الفجر في بيته، وهذا لا يكون مستوعبا للنهار أيضا"(2).

قال السِّنْدي (3): "وهذا الجواب هو الذي يفيده النظر في أحاديث الباب، فهو أولى، وبالاعتماد أحرى"(4). والله أعلم.

(1) ينظر: حاشية السندي على سنن النسائي 2/ 44، وحاشيته على ابن ماجه 1/ 538.

(2)

شرح العمدة كتاب الصيام 2/ 779 - 780.

(3)

هو: نور الدين محمد بن عبد الهادي التتوي، أبو الحسن السندي، فقيه حنفي، عالم بالحديث والتفسير والعربية، توطن بالمدينة إلى أن توفي سنة 1138 هـ، له من المؤلفات: حاشية على: الصحيحين، والسنن الأربعة، ومسند الإمام أحمد، وغير ذلك. ينظر: الأعلام 6/ 253، فهرس الفهارس 1/ 148، سلك الدرر 4/ 66.

(4)

حاشيته على النسائي 2/ 44، وحاشيته على ابن ماجه 1/ 539.

ص: 659