المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الرابع: هل ينقطع اعتكاف من عاد مريضا أو صلى على جنازة - الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف

[موافقي الأمين]

فهرس الكتاب

- ‌ الافتتاحية

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌خطة البحث

- ‌المنهج المتبع في البحث:

- ‌الشكر وتقدير:

- ‌التمهيددراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري واختياراته

- ‌المبحث الأول: دراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول:‌‌ اسمه، ونسبه، و‌‌كنيته، و‌‌لقبه

- ‌ اسمه، ونسبه

- ‌كنيته

- ‌لقبه

- ‌المطلب الثاني:‌‌ مولده، و‌‌أسرته، ووفاته

- ‌ مولده

- ‌أسرته

- ‌وفاته:

- ‌المطلب الثالث: نشأته، وطلبه للعلم

- ‌المطلب الرابع:‌‌ شيوخه، وتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌أولا: الشيخ أبو الهدى عبد السلام بن الشيخ خان محمد بن أمان الله المباركفوري

- ‌ثانيا: الشيخ العلامة أبو طاهر البهاري

- ‌ثالثا: الشيخ أبو العلى محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن الشيخ بهادر المباركفوري

- ‌رابعا: الشيخ العلامة أحمد الله بن أمير الله بن فقير الله فرتاب كرهي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفور جيراجفوري

- ‌سادسا: الشيخ العلامة محمد أعظم بن فضل الدين أبو عبد الله الجوندلوي الباكستاني

- ‌تلامذته:

- ‌أولا: الشيخ عبد الجليل بن تعلقدار الرحماني البستوي

- ‌ثانيا: الشيخ محمد إدريس آزاد الرحماني الأملوي

- ‌ثالثا: الشيخ عبد المعيد بن عبد المجيد بن عبد القادر أبو عبيدة البنارسي

- ‌رابعا: الشيخ آفتاب آحمد الرحماني البنغلاديشي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفار حسن بن العلامة عبد الستار بن عبد الجبار العمر فوري الرحماني

- ‌سادسا: الشيخ أحمد الله بن عبد الكريم الرحماني البنغلاديش

- ‌المطلب الخامس:‌‌ عقيدته، ومذهبه الفقهي

- ‌ عقيدته

- ‌عقيدة الشيخ في الإيمان:

- ‌عقيدة الشيخ في الأسماء والصفات:

- ‌عقيدته في التوسل ودعاء الأموات والغائبين:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌المطلب السادس: ثناء العلماء عليه

- ‌المطلب السابع: آثاره العلمية

- ‌المبحث الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول: تعريف الاختيار

- ‌في اللغة:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌التعريف الأول:

- ‌التعريف الثاني:

- ‌وقد عرفه بعض الباحثين باعتبار أقسامه الثلاثة:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي والإنفراد:

- ‌تعريف الرأي:

- ‌وأما في الاصطلاح فقد عرف بعدة تعاريف منها:

- ‌تعريف الإنفراد:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي:

- ‌وجه التشابه بينهما:

- ‌وجه الاختلاف بينهما:

- ‌الفرق بين الإختيار والإنفراد:

- ‌الفرق بين الإنفراد والرأي:

- ‌المطلب الثاني: منهج المباركفوري في اختياراته، وموقف العلماء منها

- ‌المطلب الثالث: دراسة الصيغ المعتبرة (في الاختيار) عند الشيخ المباركفوري

- ‌الباب الأول: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في الصيام

- ‌الفصل الأول: في تسمية الشهر، وفي رؤية الهلال، وفي يوم الشك

- ‌المبحث الأول: حكم قول رمضان، وفي رؤية الهلال

- ‌المطلب الثاني: اعتبار اختلاف المطالع

- ‌المطلب الثالث: هل يثبت دخول الشهر بالحساب الفلكي

- ‌المطلب الرابع: عدد الشهود في هلال شهر رمضان

- ‌المطلب الخامس: عدد الشهود لثبوت هلال شوال

- ‌المطلب السادس: هل يكفي الإخبار ممن رأى الهلال أو تشترط الشهادة

- ‌المطلب السابع: حكم صيام من رأى هلال شوال وحده فردت شهادته

- ‌المطلب الثامن: حكم من أفطر ثم تبين أن اليوم من رمضان

- ‌المبحث الثاني: في يوم الشك، والصوم بعد انتصاف شعبان

- ‌المطلب الأول: في تعيين يوم الشك

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر

- ‌المطلب الثالث: من صام يوم الشك فتبين أنه من رمضان

- ‌المطلب الرابع: حكم الصيام بعد انتصاف شعبان

- ‌الفصل الثاني: في النية وصيام المسافر

- ‌المبحث الأول: في النية

- ‌المطلب الأول: في النية للفرض

- ‌المسألة الثانية: حكم النية لكل يوم من رمضان

- ‌المسألة الثالثة: حكم تعيين النية

- ‌المسألة الرابعة: حكم التَلَفُّظ بالنية

- ‌المسألة الخامسة: هل يُشترَط أن تُعقَد النية في جزء معين من الليل

- ‌المسألة السادسة: حكم ما إذا فعل بعد النية قبل الفجر ما ينافي الصوم

- ‌المطلب الثاني: في النية النفل

- ‌المسألة الأولى: حكم صيام يوم الشك بنية التطوع

- ‌المسألة الثانية: حكم نية صوم النفل من النهار

- ‌المسألة الثالثة: حكم عقد نية النفل بعد الزوال

- ‌المبحث الثاني: صوم السفر

- ‌المطلب الأول: حكم الصيام في السفر

- ‌المطلب الثاني: ما الأفضل للمسافر الصيام أو الفطر

- ‌المطلب الثالث: حد السفر المبيح للفطر

- ‌المطلب الرابع: حكم إفطار المسافر الذي استهل عليه رمضان وهو مقيم

- ‌المطلب الخامس: حكم إفطار المسافر بعد أن كان قد شرع في الصيام

- ‌المطلب السادس: حكم إفطار من سافر بعد طلوع الفجر

- ‌الفصل الثالث: في المفطرات وما يجتنبه الصائم، وفي الكفارة وخصالها

- ‌المبحث الأول: في المفطرات وما يجتنبه الصائم

- ‌المطلب الثاني: حكم الفصد للصائم

- ‌المطلب الرابع: حكم التقبيل للصائم

- ‌المطلب الخامس: حكم الاستياك للصائم

- ‌المسألة الثانية: الاستياك بالعود الرطب

- ‌المسألة الثالثة: الاستياك في صوم الفريضة

- ‌المطلب السابع: حكم الوصال في الصيام

- ‌المسألة الأولى: الوصال أكثر من يوم

- ‌المسألة الثانية: الوصال إلى السَحَر

- ‌المطلب الثامن: حكم من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم

- ‌المطلب العاشر: حكم انغماس الصائم في الماء

- ‌المطلب الحادي عشر: في الأكل والشرب للمتسحر

- ‌المسألة الأولى: حكم من أكل أو شرب وهو شاك في الفجر

- ‌المسألة الثانية: هل المعتبر في تحريم الأكل والشرب تَبَيُّن الفجر أو طلوع الفجر

- ‌المطلب الثالث عشر: حكم صيام الحائض والنُفَساء إذا طهرت قبل الفجر، ولم تغتسل إلا بعد الفجر

- ‌المبحث الثاني: في الكفارة، وخصالها

- ‌المطلب الثاني: هل على المرأة المجامعة في رمضان كفارة

- ‌المطلب الثالث: هل على من جامع ناسيا في رمضان كفارة

- ‌المطلب الرابع: هل الأكل والشرب في رمضان عمدا يوجبان الكفارة كالجماع

- ‌المطلب السادس: هل الخصال الثلاثة في كفارة الجماع في رمضان على الترتيب أو على التخيير

- ‌المطلب السابع: حكم اشتراط التتابع في صيام كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب الثامن: ما هو الحد الواجب في الإطعام في كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب التاسع: هل يشترط في الرقبة المعتقة في كفارة الجماع في رمضان أن تكون مؤمنة

- ‌الفصل الرابع: في صوم التطوع، والأيام التي نهي عن الصوم فيها، وفي النذر، وصوم عاشوراء

- ‌المبحث الأول: في صوم التطوع والأيام التي نهي عن الصوم فيها

- ‌المطلب الأول: حكم إفراد يوم الجمعة بصيام

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام يوم السبت

- ‌المطلب الثالث: حكم صيام يوم عرفة للحاج

- ‌المطلب الخامس: حكم صيام عشر ذي الحِجَّة

- ‌المطلب السادس: حكم صيام الدهر

- ‌المطلب السابع: حكم صيام الست من شوال

- ‌المطلب الثامن: ما هو أفضل الصيام بعد رمضان صيام شعبان أو المحرم

- ‌المطلب التاسع: حكم الإفطار في صوم النافلة

- ‌المطلب العاشر: تعيين الأفضل في صيام ثلاثة أيام من كل شهر

- ‌المطلب الحادي عشر: ما هي أيام البيض

- ‌المطلب الثاني عشر: معنى صيام يوم في سبيل الله

- ‌المبحث الثاني: في النذر، وفي أعذار الفطر

- ‌المطلب الأول: حكم من نذر صوم العيدين متعمدا لعينيهما

- ‌المطلب الثاني: حكم من نذر صوم يوم قدوم فلان مثلا فوافق يوم عيد

- ‌المطلب الثالث: هل الضيافة عذر للإفطار من صوم النفل

- ‌المطلب الرابع: هل يستحب لمن كان صائما صيام نفل أن يفطر إذا دُعي

- ‌المبحث الثالث: في صوم عاشوراء

- ‌المطلب الأول: نسخ وجوب صيام يوم عاشوراء

- ‌المطلب الثاني: هل عاشوراء هو اليوم التاسع أو اليوم العاشر

- ‌المطلب الثالث: ما الأفضل في صيام عاشوراء

- ‌المطلب الرابع: هل صيام يوم مع عاشوراء لاحتمال الشك أو لمخالفة أهل الكتاب

- ‌المطلب الخامس: هل الأفضل صيام يوم عاشوراء أو يوم عرفة

- ‌الباب الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر، وفي الاعتكاف

- ‌الفصل الأول: في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر

- ‌المبحث الأول: في قضاء الصوم

- ‌المطلب الأول: هل يجب قضاء رمضان على الفور؟ ، وهل يجب التتابع

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز التطوع قبل القضاء

- ‌المطلب الثالث: هل يقضي من أفطر في صيام النفل

- ‌المطلب الرابع: حكم صيام المرأة النفل وقضاء الواجب بغير إذن زوجها

- ‌المطلب الخامس: هل يقضي المجامع في رمضان اليوم الذي جامع فيه

- ‌المطلب السادس: حكم القضاء على من ذرعه القيء

- ‌المطلب السابع: هل يقضي من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌المطلب الثامن: هل يقضي الصوم من تمضمض أو استنشق فغلبه الماء

- ‌المطلب التاسع: حكم من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر

- ‌المطلب العاشر: ما الواجب على المُرضع والحامل إذا خافتا على ولدهما فقط

- ‌المبحث الثاني: في القضاء عن الميت

- ‌المطلب الأول: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي أمكنه التدارك

- ‌المطلب الثاني: ما الصوم الذي يصام عن الميت

- ‌المطلب الثالث: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي لم يمكنه التدارك

- ‌المبحث الثالث: في ليلة القدر

- ‌المطلب الأول: في تعيين ليلة القَدْر

- ‌المطلب الثاني: هل ليلة القدر خاصة بهذه الأمة

- ‌الفصل الثاني: في الاعتكاف

- ‌المبحث الأول: في حكمه، واشتراط الصوم له، وغير ذلك

- ‌المطلب الأول: حكم (الاعتكاف)

- ‌المطلب الثاني: هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف

- ‌المطلب الثالث: هل لأقل الاعتكاف حدّ

- ‌المطلب الرابع: هل ينقطع اعتكاف من عاد مريضا أو صلى على جنازة

- ‌المطلب الخامس: هل يجوز (الاشتراط في الاعتكاف)

- ‌المطلب السادس: حكم من نذر الاعتكاف قبل إسلامه

- ‌المطلب السابع: متى يدخل المعتكِف معتكَفه

- ‌المطلب الثامن: حكم قضاء الاعتكاف

- ‌المبحث الثاني: في مكان الاعتكاف

- ‌المطلب الأول: أين تعتكف المرأة

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

- ‌المطلب الثالث: هل يجوز الاعتكاف في غير (المسجد الجامع)

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب الرابع: هل ينقطع اعتكاف من عاد مريضا أو صلى على جنازة

‌المطلب الرابع: هل ينقطع اعتكاف من عاد مريضا أو صلى على جنازة

؟ .

اختيار الشيخ: اختار أن الخروج من المسجد لعيادة المريض أو للصلاة على الجنازة يقطع الاعتكاف، فقال:"والراجح عندنا: إنه لا يجوز الخروج لعيادة المريض وصلاة الجنازة"(1).

تحرير محل الخلاف: أجمع العلماء أنه يجوز للمعتكف الخروج من المسجد لما لا بد منه، كحاجة الإنسان (البول والغائط)(2).

واختلفوا في خروج المعتكف لعيادة المريض أو لصلاة الجنازة على قولين:

القول الأول: ليس للمعتكف أن يخرج لعيادة المريض أو لشهود الجنازة فإن فعل انقطع اعتكافه.

وبه قال: الحنفية (3)، والمالكية (4)، والشافعية (5)، والحنابلة في المذهب (6)، وهو اختيار الشيخ.

القول الثاني: للمعتكف أن يخرج لعيادة المريض أو لشهود الجنازة.

وهو رواية عند: الحنابلة (7)، وبه قال الظاهرية (8).

أدلة القول الأول: القائلين بأنه ليس للمعتكف أن يخرج لعيادة المريض أو لشهود الجنازة فإن فعل انقطع اعتكافه.

الدليل الأول: عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا اعتكف، يُدني إلي رأسه فأُرَجِّله (9)، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان (10).

(1) مرعاة المفاتيح 7/ 163.

(2)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 50، والإشراف له 3/ 162، والإقناع في مسائل الإجماع 1/ 243، والمغني 3/ 192، والكافي لابن عبد البر 1/ 353 ، والمجموع 6/ 501.

(3)

بدائع الصنائع 2/ 114، فتح القدير 2/ 396، مجمع الأنهر 1/ 377، رد المحتار 2/ 447.

(4)

الرسالة ص 64، الكافي 1/ 353، المعونة 1/ 491، جامع الأمهات ص 181، التلقين 1/ 76.

(5)

الأم 2/ 115، المهذب 1/ 353، البيان 3/ 588، المجموع 6/ 509.

(6)

الهداية ص 167، الكافي 1/ 458، شرح الزركشي 3/ 9، الإنصاف 3/ 375.

(7)

الكافي 1/ 458، المغني 3/ 194، شرح الزركشي 3/ 9، الإنصاف 3/ 375.

(8)

المحلى 3/ 423.

(9)

التَّرَجُّل والتَّرْجِيل: تسريح الشعر وتنظيفه وتحسينه. ينظر: النهاية 2/ 203، لسان العرب 11/ 270.

(10)

رواه البخاري 3/ 48 رقم 2029، في الاعتكاف، باب لا يدخل البيت إلا لحاجة، ومسلم 1/ 244 رقم 297، كتاب الحيض، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله. واللفظ له.

ص: 641

وجه الاستدلال من الحديث: في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يخرج من معتكفه إلا لحاجة الإنسان؛ والخروج لعيادة المريض وشهود الجنائز ليس من ذلك.

قال ابن دقيق العيد: "كل ما ذكره الفقهاء - أنه لا يخرج إليه، أو اختلفوا في جواز الخروج إليه - فهذا الحديث يدل على عدم الخروج إليه؛ لعُمومه. فإذا ضُمَّ إلى ذلك قرينة الحاجة إلى الخروج لكثير منه، أو قيام الداعي الشرعي في بعضه، كعيادة المريض، وصلاة الجنازة، وشبهه، قويت الدلالة على المنع"(1).

الدليل الثاني: عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إن كنت لَأدخل البيت للحاجة، والمريضُ فيه، فما أسأل عنه إلا وأنا مارّة، «وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليُدخِل عليَّ رأسه وهو في المسجد فأُرَجِّله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة، إذا كان معتكفا» (2).

الدليل الثالث: عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالمريض وهو معتكف، فيمر كما هو ولا يُعَرِّج (3) يسأل عنه» (4).

وجه الاستدلال: في الحديثين جواز عيادة المريض على وجه المرور، من غير تعريج، فيفهم منه عدم عيادته على غير هذا الوجه (5).

قال القاضي عياض: "المعتكِف لا يدخل البيت إلا لضرورة حاجة الإنسان، وأنه لا يعود مريضا ولا يشتغل بغير ما هو فيه، وأن سؤاله عن المريض، والتسليم على الناس، ومُكالمتِهم، وشبه هذا -في مسيره إلى حاجته- لا يضره"(6).

(1) إحكام الأحكام 2/ 43.

(2)

رواه مسلم 1/ 244 رقم 297، كتاب الحيض باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه.

(3)

لا يُعَرِّج: أي لا يُقِيم ولا يحْتَبِس. ينظر: النهاية 3/ 203، تاج العروس 6/ 94.

(4)

رواه أبو داود 2/ 333 رقم 2472، في الصوم، باب المعتكف يعود المريض، وعنه البيهقي في السنن الكبرى 4/ 526 رقم 8595، في الصيام، باب المعتكف يخرج من المسجد لبول أو غائط ثم لا يسأل عن المريض إلا مارا. وقال الألباني في ضعيف أبي داود 2/ 292:"وهذا إسناد ضعيف".

(5)

ينظر: إحكام الأحكام 2/ 43.

(6)

إكمال المعلم 2/ 130.

ص: 642

الدليل الرابع: وعنها أيضا قالت: «السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا، ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه، ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع» (1).

وجه الاستدلال: في الحديث دليل على أنه لا يجوز للمعتكف أن يخرج من معتكفه لعيادة المريض، ولا لما يماثلها من القُرَب؛ كتشييع الجنازة، ونحو ذلك (2).

أدلة القول الثاني: القائلين بأن للمعتكف أن يخرج لعيادة المريض أو لشهود الجنازة.

الدليل الأول: عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المعتكف يَتبع الجنازة، ويعود المريض» (3).

وجه الاستدلال: في الحديث جواز اتباع الجنازة، وعيادة المريض للمعتكف، وأن فِعل ذلك لا يقطع الاعتكاف (4).

فيكون حديث أنس رضي الله عنه هذا لبيان جواز اتباع الجنازة وعيادة المريض للمعتكف، ويكون حديث عائشة رضي الله عنها: «السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا، ولا يشهد جنازة

»، لبيان الأفضل والأولى (5).

الدليل الثاني: عن علي رضي الله عنه ، قال:«المعتكف يشهد الجمعة، ويتبع الجنازة، ويعود المريض» (6).

(1) سبق تخريجه صفحة (627).

(2)

ينظر: نيل الأوطار 4/ 316.

(3)

رواه ابن ماجه 1/ 565 رقم 1777، في الصيام باب في المعتكف يعود المريض، ويشهد الجنائز، وقال الألباني في السلسلة الضعيفة رقم 4679:"موضوع".

(4)

ينظر: التيسير بشرح الجامع الصغير 2/ 457، والتنوير شرح الجامع الصغير 10/ 486.

(5)

ينظر: شرح سنن ابن ماجه مجموع من 3 شروح ص 127.

(6)

رواه الدارقطني في السنن 3/ 185 رقم 2358، كتاب الصيام، باب الاعتكاف، وبنحوه عبد الرزاق في المصنف 4/ 356 رقم 8049، كتاب الاعتكاف، باب سنة الاعتكاف، وابن أبي شيبة في المصنف 2/ 334 رقم 9631، كتاب الصيام، باب ما قالوا في المعتكف ما له إذا اعتكف مما يفعله.

ص: 643

الدليل الثالث: عن صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ (1) رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكِفا، فأتيته أزوره ليلا، فحدّثتُه ثم قمت لأنقلب، فقام معي لِيَقْلِبَنِي (2)، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد» (3).

وفي رواية: «فذهب معها حتى أدخلها بيتها، وهو معتكف» (4).

وجه الاستدلال: في هذا الحديث دليل على جواز خروج المعتكِف من مسجد اعتكافه لتشييع الزائر؛ فيكون جواز الخروج من مسجد اعتكافه لعيادة المريض وتشيع الجنازة من باب أولى (5).

الترجيح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول: أنه ليس للمعتكف أن يخرج لعيادة المريض أو لشهود الجنازة، فإن فعل انقطع اعتكافه؛ وذلك لصحة ما استدلوا به، ولأن المعتكِف ليس له الخروج من المسجد إلا للحاجة، وعيادة المريض وشهود الجنازة ليس فعلهما من ما لا بد منه.

وأما ما استدل به أصحاب القول الثاني، فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما استدلالهم بحديث أنس رضي الله عنه، فلا يصح؛ لأنه حديث شديد الضعف.

ثانيا: وأما استدلالهم بأثر علي رضي الله عنه، فقد قال فيه ابن المنذر:"وليس بثابت عنه"(6).

ثالثا: وأما استدلالهم بحديث صفية بنت حُيَي رضي الله عنها فيجاب عنه:

أنه لا دلالة فيه؛ لأن خروج النبي صلى الله عليه وسلم مع أم المؤمنين رضي الله عنها ليقلبها هو مما يُحتاج إلى الخروج له، والدليل قوله صلى الله عليه وسلم لصفية بنت حيي رضي الله عنها:«لا تعجلي حتى أنصرف معك» (7).

(1) هي: صفية بنت حُيَيِّ بن أَخْطَب، أم المؤمنين، من ذرية رسول الله هارون عليه السلام، كانت في الجاهلية تدين باليهودية، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خيبر، وجعل عتقها صداقها. روى عنها: ابن أخيها، وعلي بن الحسين، ومسلم بن صفوان، وغيرهم. توفيت سنة 50 هـ. ينظر: الطبقات الكبرى 8/ 120، الاستيعاب 4/ 1871، وسير أعلام النبلاء 2/ 231.

(2)

لِيَقْلِبَنِي، أي: لأرجع إلى بيتي فقام معي يصحبني. ينظر: النهاية 4/ 96، مجمع بحار الأنوار 4/ 309.

(3)

رواه البخاري 4/ 124 رقم 3281، كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، ومسلم 4/ 1712 رقم 2175، كتاب السلام، باب بيان أنه يستحب لمن رئي خاليا بامرأة

(4)

رواه عبد الرزاق في المصنف 4/ 360 رقم 8066، في الاعتكاف باب خروج النبي صلى الله عليه وسلم في اعتكافه.

(5)

ينظر: المحلى 3/ 425، نيل الأوطار 4/ 315.

(6)

الإشراف 3/ 162.

(7)

رواه البخاري 7/ 57 رقم 2038، في الاعتكاف، باب زيارة المرأة زوجها في اعتكافه.

ص: 644

وقيامه صلى الله عليه وسلم معها ليقلبها دليل على أن مكانها كان بينه وبين المسجد مسافة يخاف فيها من سير المرأة وحدها ليلا، وذلك قبل أن يتخذ حجرتها قريبا من المسجد، ولهذا قال:«كان مسكنها في دار أسامة» . فهذا خروج للخوف على أهله، فيلحق به كل حاجة (1).

وليس عيادة المريض واتباع الجنائز من ذلك. والله أعلم.

(1) ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 2/ 804.

ص: 645