الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الخامس: هل يقضي المجامع في رمضان اليوم الذي جامع فيه
؟ .
اختيار الشيخ: اختار أن المجامع في يوم رمضان يقضي ذلك اليوم، فقال:"واعلم أنه صلى الله عليه وسلم لم يأمره في هذه الرواية بقضاء اليوم الذي جامع فيه إلا أنه ورد الأمر بالقضاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه "(1).
تحرير محل الخلاف: اتفق الفقهاء أن المرأة إذا طاوعت على الجماع في يوم من رمضان أن عليها قضاء ذلك اليوم (2). واختلفوا في الرجل المجامع في يوم رمضان هل عليه قضاء ذلك اليوم مع الكفارة أم تكفيه الكفارة، على قولين:
القول الأول: عليه قضاء ذلك اليوم مع الكفارة.
وبه قال: الحنفية (3) ، والمالكية (4) ، والشافعية في الصحيح (5) ، والحنابلة (6)، وهو اختيار الشيخ.
القول الثاني: لا يقضي ذلك اليوم وتكفيه الكفارة.
وهو: قول عند الشافعية (7)، وبه قال: الظاهرية (8).
سبب الخلاف: والسبب في اختلافهم-والله أعلم-: هل أَمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم الأعرابيَّ المجامع في رمضان بقضاء ذلك اليوم، أو اكتفى بالكفارة؟ .
أدلة القول الأول: القائلين بأن عليه قضاء ذلك اليوم مع الكفارة.
الدليل الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:«أنه أمر الذي واقع أهله في رمضان أن يقضي يوما مكانه» (9).
(1) مرعاة المفاتيح 6/ 509. يعني الرواية التي في الصحيحينن سبق تخريجها ص 363، والرواية التي فيها القضائ سبق تخريجها ص 376.
(2)
المدونة 1/ 268، بدائع الصنائع 2/ 98، المجموع 6/ 331، حاشية الروض المربع 3/ 413.
(3)
بدائع الصنائع 2/ 98، تحفة الفقهاء 1/ 355، الهداية 1/ 122، البناية 4/ 53.
(4)
الرسالة ص 61، الإشراف 1/ 432، المسالك 4/ 199، مواهب الجليل 2/ 427.
(5)
الحاوي الكبير 3/ 424، البيان 3/ 520، المجموع 6/ 344، متن أبي شجاع ص 19.
(6)
الكافي 1/ 444، شرح الزركشي 2/ 590، دليل الطالب ص 95.
(7)
حلية العلماء 3/ 167، المجموع 6/ 344، البيان 3/ 519، فتح الباري 4/ 172.
(8)
المحلى 4/ 308.
(9)
سبق تخريجه صفحة (376).
وجه الاستدلال: أن هذه الرواية لحديث الأعرابي قد جاء فيها التصريح بوجوب القضاء على من جامع في يوم رمضان، زيادة على الكفارة.
الدليل الثاني: ولأن المجامع أفسد يوما من رمضان، فلزمه قضاؤه، كما لو أفسده بالأكل. وكما لو أفسد صومه الواجب في غير رمضان (كالكفارة، والنذر) بالجماع، فلزمه قضاؤه، فكذا هنا (1).
الدليل الثالث: ولأن الكفارة إنما وجبت تكفيرا وزجرا عن جناية الإفساد، أو رفعا لذنب الإفساد، أما صوم القضاء فإنما وجب جبرا للفائت. فكل واحد منهما شُرِع لغير ما شُرِع له الآخر (2).
الدليل الرابع: وقياسا على من أفسد حجه بالجماع، فإننا نُلزِمه بالكفارة، ومع هذا لا يسقط عنه قضاء ما أفسده من حج، فكذا هنا (3).
أدلة القول الثاني: القائلين بأنه لا يقضي ذلك اليوم وتكفيه الكفارة.
الدليل الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله، هلكت! قال:«ما لك؟ » . قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تجد رقبة تعتقها؟ » . قال: لا. قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ » . قال: لا. قال: «فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟ » . قال: لا. قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيها تمر، قال:«أين السائل؟ » . فقال: أنا. قال: «خذ هذا فتصدق به» . فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر من أهل بيتي! فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال:«أطعمه أهلك» (4).
الدليل الثاني: عن عائشة رضي الله عنها، قالت: إن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنه احترق، قال:«ما لك؟ » ، قال: أصبت أهلي في رمضان، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بمكتل يدعى العرق، فقال:«أين المحترق» قال: أنا، قال:«تصدق بهذا» (5).
(1) ينظر: المغني 3/ 134، الشرح الكبير 3/ 55.
(2)
ينظر: بدائع الصنائع 2/ 98، فتح الباري 4/ 172، والبناية 4/ 53.
(3)
ينظر: شرح البخاري لابن بطال 4/ 72.
(4)
سبق تخريجه صفحة (363).
(5)
سبق تخريجه صفحة (364).
وجه الاستدلال: أن هذه الأحاديث في الصحيحين ولم يقع فيها التصريح بالقضاء، فدل ذلك على سقوط قضاء اليوم الذي أفسده المجامع اكتفاء بالكفارة، ولو كان القضاء واجبا عليه لبينه له صلى الله عليه وسلم؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز (1).
الراجح: الذي يترجح في هذه المسألة -والله أعلم- هو القول الأول: أن على المجامع في رمضان قضاء ذلك اليوم مع الكفارة؛ وذلك لأن معهم نص في محل الخلاف يوجب القضاء عليه (2).
وأما قول أصحاب القول الثاني: بأن الأحاديث التي في الصحيحين ليس فيها ذكر القضاء، فيجاب عنه: أنه ليس في هذا دليل على إسقاط القضاء؛ لأن الرواية جاءت صحيحة صريحة في إيجابه، ولو اقتصرنا على روايات الصحيحين دون غيرهما من كتب السنن والمسانيد ودواوين السنة لضاعت أحكام فقهية كثيرة.
ومن اللازم لفهم السنة فهما صحيحا أن تجمع الأحاديث الصحيحة في الموضوع الواحد، بحيث يُحمَل مطلقها على مقيدها، ويُفسَر عامها بخاصها. وبذلك يتضح المعنى المراد منها، ولا يُضرَب بعضها ببعض (3).
وعلى فرض أن الروايات لم تنُصَّ على إيجاب القضاء على الأعرابي المُجامِع، فقد ذكرَ أهل العلم أن السائل كان عالما بإيجاب قضاء ذلك اليوم الذي أفسده (4).
وإنما جاء الأعرابي ليسأل عن ما يُكَفِّر عنه جناية إفساده، أو يرفع عنه ذنب ما أفسده (5). والله أعلم.
(1) ينظر: فتح الباري 4/ 172، البيان للعمراني 3/ 519، والمحلى 4/ 308.
(2)
ينظر: شرح البخاري لابن بطال 4/ 72.
(3)
كتاب كيف نتعامل مع السنة النبوية، معالم وضوابط للقرضاوي ص 103.
(4)
ينظر: المسالك 4/ 199، والقبس 1/ 500.
(5)
ذكر هذا المعنى: الكاساني في بدائع الصنائع 2/ 98، وينظر: فتح الباري 4/ 172.