الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: هل صيام يوم مع عاشوراء لاحتمال الشك أو لمخالفة أهل الكتاب
؟ .
اختيار الشيخ: اختار أن صيام التاسع مع العاشر لمخالفة أهل الكتاب، فقال:"والمعنى: لأصومن التاسع مع العاشر لأجل مخالفة أهل الكتاب"(1).
اختلف أهل العلم: هل صيام يوم مع عاشوراء لاحتمال الشك أو لمخالفة أهل الكتاب؟ ، على قولين:
القول الأول: أن المراد منه مخالفة اليهود في اقتصارهم على العاشر.
وبه قال: الحنفية (2) ، وهو قول عند الشافعية (3)، والقول المقدم عند المالكية (4) ، وهو منصوص الإمام أحمد (5).
وهو مروي عن: ابن عباس رضي الله عنه (6)، وهو اختيار الشيخ.
القول الثاني: لاحتمال الشك، فيصام احتياطا، فإنه ربما يقع في الهلال غلط، فيُظنّ العاشر التاسع، وخروجا من خلاف من قال إن عاشوراء هو التاسع.
وهو قول عند: الشافعية (7) ، وقول عند المالكية (8) ، ورواية عند الحنابلة (9).
وهو مروي أيضا عن: ابن عباس رضي الله عنه (10).
أدلة القول الأول: القائلين بأن المراد منه مخالفة اليهود في اقتصارهم على العاشر.
(1) مرعاة المفاتيح 7/ 48.
(2)
بدائع الصنائع 2/ 79، تحفة الفقهاء 1/ 343، منح السلوك ص 278، نخب الأفكار 8/ 421.
(3)
روضة الطالبين 2/ 387، المجموع 6/ 383، كفاية النبيه 6/ 399، نهاية المحتاج 3/ 207. ولم أجد: من رجح قولا على الآخر، فهم يحكون الاحتمالين في المذهب دون ترجيح.
(4)
البيان والتحصيل 17/ 325، مواهب الجليل 2/ 406، شرح الزرقاني على الموطأ 2/ 26. وقال الزرقاني:"هو الأولى".
(5)
مسائل أحمد وإسحاق 3/ 1227، المغني 3/ 178، شرح العمدة كتاب الصيام 2/ 584، الفروع 5/ 91.
(6)
المجموع 6/ 383، العزيز 3/ 246.
(7)
روضة الطالبين 2/ 387، المجموع 6/ 383، كفاية النبيه 6/ 399، نهاية المحتاج 3/ 207.
(8)
البيان والتحصيل 17/ 325، مواهب الجليل 2/ 406، شرح الزرقاني على الموطأ 2/ 26.
(9)
المغني 3/ 178، المبدع 3/ 49، الروض المربع /239، كشاف القناع 2/ 339.
(10)
الاستذكار 3/ 330، العزيز 3/ 246.
الدليل الأول: عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صام يوم عاشوراء، فقالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فإذا كان العام المقبل إن شاء الله تعالى صمنا اليوم التاسع» ، قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
وجه الاستدلال: يُستدلّ بهذا الحديث في قوله: «صمنا اليوم التاسع» ، وذلك بأن يصومه مع العاشر؛ مخالفة لليهود بتعيينهم اليوم العاشر بالصيام (2).
قال الطِيبي: "أُريدَ بذلك: أن يَضُمَّ إليه يوما آخر؛ ليكون هَدْيه مخالفا لهدي أهل الكتاب. وهذا هو الوجه؛ لأنه وقع جوابا لقولهم: «إنه يوم يعظمه اليهود» "(3).
وقال ابن رجب: "إن النبي صلى الله عليه وسلم عَزَم في آخر عمره على أن لا يصومه مفردا، بل يَضُمّ إليه يوما آخر؛ مخالفة لأهل الكتاب في صيامه"(4).
الدليل الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود، صوموا قبله يوما، أو بعده يوما» (5).
الدليل الثالث: عن ابن عباس رضي الله عنه، قال:«صوموا التاسع والعاشر، وخالفوا اليهود» (6).
وجه الاستدلال: قد جاء في هذه الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يصام التاسع مع العاشر، أو يوما مع العاشر، إما قبله أو بعده؛ قصدا لمخالفة اليهود، فعلمنا أن قول ابن عباس رضي الله عنه:«صوموا يوم التاسع والعاشر» ليس مما رآه هو، بل هو مما أخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم (7).
أدلة القول الثاني: القائلين بأنه لاحتمال الشك فيصام احتياطا، فإنه ربما يقع في الهلال غلط، فيُظنّ العاشر التاسع، وخروجا من خلاف من قال إن عاشوراء هو التاسع.
(1) سبق تخريجه صفحة (516).
(2)
ينظر: نخب الأفكار 8/ 420.
(3)
شرح المشكاة 5/ 1606.
(4)
لطائف المعارف ص 51.
(5)
سبق تخريجه صفحة (520).
(6)
سبق تخريجه صفحة (516).
(7)
ينظر: نخب الأفكار 8/ 2.
الدليل الأول: عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صام يوم عاشوراء، فقالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فإذا كان العام المقبل إن شاء الله تعالى صمنا اليوم التاسع» ، قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
وجه الاستدلال: في قوله: «إذا كان العام المقبل إن شاء الله تعالى صمنا اليوم التاسع» ، يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم قصد نقل صيام عاشوراء إلى اليوم التاسع، ويحتمل صيامه مع اليوم العاشر، مخالفة لليهود، فلما توفي صلى الله عليه وسلم قبل بيان ذلك كان الاحتياط صوم اليومين معا (2).
الدليل الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن عشت إن شاء الله إلى قابل صمت التاسع؛ مخافة أن يفوتني يوم عاشوراء» (3).
الدليل الثالث: عن شُعْبَة مولى ابن عباس (4)، عن ابن عباس رضي الله عنه:«أنه كان يصوم يوم عاشوراء في السفر، ويُوالي بين اليومين مخافة أن يفوته» (5).
وجه الاستدلال: أن هذين الأثرين بينا أن المقصود من ضم التاسع إلى العاشر هو الخشية من فوات صيام يوم عاشوراء، وذلك يحتمل معنيين:
(1) سبق تخريجه صفحة (516).
(2)
ينظر: فتح الباري 4/ 246، كوثر المعاني الدراري 13/ 189.
(3)
رواه ابن ماجه 1/ 552 رقم 1736، في الصيام باب صيام يوم عاشوراء، والبيهقي في معرفة السنن والآثار 6/ 351 رقم 8974، في الصيام باب: صيام يوم التاسع من المحرم مع العاشر، والطبراني في المعجم الكبير 10/ 330 رقم 10817، واللفظ له. وقال الألباني في السلسلة الصحيحة 1/ 686 رقم 350:"هذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات".
(4)
هو: شعبة بن دينار القرشي الهاشمي، أبو عبد الله، ويقال أبو يحيى، المدني مولى ابن عباس، قال النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن حجر: صدوق سيئ الحفظ، من الرابعة، مات في وسط خلافة هشام. ينظر: تهذيب الكمال 12/ 497، تهذيب التهذيب 4/ 347، تقريب التهذيب 1/ 351.
(5)
رواه ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 313 رقم 9388، في الصيام، باب: في يوم عاشوراء، أي يوم هو؟ ، والبيهقي في معرفة السنن والآثار 6/ 351 رقم 8972، في الصيام، صيام يوم التاسع من المحرم مع العاشر. وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند 5/ 281:"وهذا إسناد ضعيف لضعف شعبة مولى ابن عباس".
الأول: أن يكون عاشوراء هو اليوم التاسع كما مر معنا في مسألة سبقت (1). فإذا صام التاسع مع العاشر تأكد من صيام يوم عاشوراء.
قال الحطاب: "لأنه قد تقدم أن العلماء اختلفوا في يوم عاشوراء، هل هو التاسع أو العاشر"(2).
وقال ابن رشد الجد: "وقد اختلف فيه فقيل: هو العاشر، وقيل: هو التاسع. فمن أراد أن يتحراه صام التاسع والعاشر"(3).
الثاني: الاحتياط في صوم العاشر خشية نقص الهلال ووقوع غلط فيكون التاسع في العدد هو العاشر في نفس الأمر (4).
الترجيح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول: أن المراد منه مخالفة اليهود في اقتصارهم على العاشر.
وذلك واضح في قوله صلى الله عليه وسلم: «فإذا كان العام المقبل إن شاء الله تعالى صمنا اليوم التاسع» ، فإنه قد وقع جوابا لقولهم:«إنه يوم يعظمه اليهود» . فأراد صلى الله عليه وسلم أن يضم إلى العاشر يوما آخر ليكون هديه مخالفا لهدي أهل الكتاب.
والله أعلم.
(1) صفحة (519).
(2)
مواهب الجليل 2/ 406.
(3)
المقدمات الممهدات 1/ 242.
(4)
ينظر: المجموع 6/ 383، العزيز 3/ 246.