الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: هل يستحب لمن كان صائما صيام نفل أن يفطر إذا دُعي
؟ .
اختيار الشيخ: اختار أنه إن كان يشق على صاحب الدعوة صومه فالمستحب الفطر وإلا فالصوم أفضل، فقال:"وليس الصوم عذرا في التخلف، لكن إذا حضر لا يلزمه الأكل ويكون الصوم عذرا في ترك الأكل إلا أن يشق على صاحب الطعام ترك إفطاره، فيستحب له حينئذ الفطر وإلا فلا"(1).
تحرير محل الخلاف: مر معنا في المسألة السابقة اختلاف الفقهاء في كون الضيافة عذر للإفطار من صوم النفل أم لا.
وعلمنا أن المالكية والحنفية في رواية قد منعوا إفطار الصائم المتنفل، بينما أجاز الحنفية في الأظهر إفطاره إذا كان يعلم أن صاحب الدعوة يتأذى بتركه الفطر وإلا فلا.
وأما مسألتنا هذه فقد جرى الخلاف فيها بين الشافعية والحنابلة الذين أجازوا فطر الصائم المتنفل دون أن يوجبوا عليه قضاء. فاختلفوا في من دعي إلى طعام هل يستحب له الفطر، أو يستحب له إتمام صومه على قولين:
القول الأول: إن كان يشق على صاحب الدعوة صومه فالمستحب الفطر وإلا فالصوم أفضل.
وبه قال: أكثر الشافعية (2) ، وبعض الحنابلة (3)، وهو اختيار الشيخ.
القول الثاني: يستحب له الفطر مطلقا.
وبه قال: أكثر الحنابلة (4) ، وبعض الشافعية (5).
أدلة القول الأول: القائلين إن كان يشق على صاحب الدعوة صومه فالمستحب الفطر وإلا فالصوم أفضل.
الدليل الأول: عن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من دعي إلى طعام وهو صائم، فليُجِب، فإن شاء طَعِم، وإن شاء ترك» (6).
(1) مرعاة المفاتيح 7/ 109.
(2)
العزيز 8/ 351، المجموع 6/ 393، عمدة السالك ص 208، فتح الباري 9/ 247.
(3)
الهداية ص 410، شرح الزركشي 5/ 333، المحرر 2/ 40، الروض المربع 1/ 543.
(4)
الكافي 3/ 79، المغني 7/ 279، شرح الزركشي 5/ 333، المحرر 2/ 40، دقائق أولي النهى 3/ 34.
(5)
البيان 9/ 490، المهذب 2/ 479، المجموع 16/ 405، فتح الباري 9/ 247.
(6)
سبق تخريجه صفحة (500).
الدليل الثاني: عن أنس رضي الله عنه، قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم سليم فأتته بتمر وسمن، فقال:«أعيدوا سمنكم في سقائه، وتمركم في وعائه، فإني صائم» . ثم قام إلى ناحية من البيت فصلى غير المكتوبة فدعا لأم سليم وأهل بيتها (1).
الدليل الثالث: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه صنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه طعاما، فدعاهم، فلما دخلوا وضع الطعام، فقال رجل من القوم: إني صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«دعاكم أخوكم وتكلف لكم ثم تقول: إني صائم؟ ، أفطر، ثم صم يوما مكانه إن شئت» (2).
وجه الاستدلال من الأحاديث: إذا جمعنا بين هذه الأحاديث نجد أن حديث جابر رضي الله عنه جاء فيه إباحة الفطر وإباحة البقاء على الصيام، دون تفضيل أحدهما على الآخر (3).
ثم يأتي حديث أم سليم رضي الله عنها وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقطع صيامه؛ لعلمه أن أم سليم ترضى بمجرد حضوره ودعائه لها ولأهل بيتها؛ لأن أم سليم كانت عنده بمنزلة أهل بيته (4)؛ وذلك لأنها خالته من الرضاعة (5).
ثم يأتي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه والذي فيه أن صاحب الطعام قد تَكلَّف في إعداده، فلم يكن ليرضى بمجرد الحضور، لذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان صائما من المدعوين بأن يفطر، ويقضي يوما آخر إن شاء؛ حتى لا يكسر قلب صاحب الدعوة، والله أعلم.
قال النووي: "وأما الصائم فلا خلاف أنه لا يجب عليه الأكل، لكن إن كان صومه فرضا لم يجز له الأكل؛ لأن الفرض لا يجوز الخروج منه، وإن كان نفلا جاز الفطر وتركه، فإن كان يشق على صاحب الطعام صومه فالأفضل الفطرُ، وإلا فإتمامُ الصوم، والله أعلم"(6).
أدلة القول الثاني: القائلين يستحب له الفطر مطلقا.
(1) سبق تخريجه صفحة (501).
(2)
سبق تخريجه صفحة (500).
(3)
ينظر: تحفة الأحوذي 3/ 413.
(4)
ينظر: فيض القدير شرح الجامع الصغير 6/ 231.
(5)
ينظر: التوضيح لابن الملقن 13/ 482، وعمدة القاري 11/ 98.
(6)
شرح مسلم 9/ 236. وينظر: فتح الباري 4/ 228، شرح المشكاة للطيبي 5/ 1618.
الدليل الأول: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه صنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه طعاما، فدعاهم، فلما دخلوا وضع الطعام، فقال رجل من القوم: إني صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«دعاكم أخوكم وتكلف لكم ثم تقول: إني صائم؟ ، أفطر، ثم صم يوما مكانه إن شئت» (1).
وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كان صائما -وأبا الفطر- بقطع صيامه، وإجابة دعوة أخيه، ولم يفرق صلى الله عليه وسلم بين من ينكسر قلبه بترك طعامه: فيؤكل عنده، وبين من يرضى بمجرد الحضور: فلا يؤكل عنده؛ بل جعل صلى الله عليه وسلم مجرد صُنعِ الطعام من أجل الضيف سببا في استحباب قطع صيام النفل؛ لإدخال السرور على أخيه المضيف.
قال ابن حجر: "فيه حجة لمن استحب له أن يخرج من صيامه لذلك"(2)، أي لمجرد الدعوة.
الدليل الثاني: ولأن إتمام الصوم جائز فقط، أما الخروج منه وفطره عند صاحب الدعوة ففيه إدخال السرور على أخيه المسلم، وجبر قلبه بأكل طعامه فيكون مستحبا (3).
الترجيح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول: أنه إن كان يشق على صاحب الدعوة صومه فالمستحب الفطر وإلا فالصوم أفضل، خاصة إذا كانت الدعوة عامة والحضور فيها كثير؛ فالغالب أن صاحب الدعوة يرضى بمجرد الحضور، ويبينه أثر ابن عمر رضي الله عنه حيث:«كان إذا دعي إلى طعام وهو صائم أجاب، فإذا جاءوا بالمائدة وعليها الطعام مد يده ثم قال: «خذوا بسم الله» ، فإذا أهوى القوم كف يده» (4).
أو يكون الضيف ليس بينه وبين أصحاب الطعام كُلْفَة، كما مر معنا في حديث أم سُلَيْم رضي الله عنها، أو يكون وقت الإفطار قد قَرُب، فهذا كله يرجح البقاء على الصيام.
قال ابن حجر: "ويَبعُد إطلاق استحباب الفطر مع وجود الخلاف، ولا سيما إن كان وقت الإفطار قد قَرُب"(5).
(1) سبق تخريجه صفحة (500).
(2)
فتح الباري 9/ 248.
(3)
ينظر: الكافي لابن قدامة 3/ 79، المغني 7/ 279، شرح الزركشي 5/ 333.
(4)
رواه ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 318 رقم 9441، كتاب الصيام، باب من كان يقول إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب.
(5)
فتح الباري 9/ 247.
أما إن كان صاحب الدعوة قد أقامها من أجله، وتَكَلَّف في إعداد الطعام، وقد يدعو الناس إكراما له، فالغالب أنه يجد في نفسه شيئا إن تَرَك الأكل عنده وإن لم يصرح بذلك، فلا شك أن المستحب هنا فِطْره وإدخال السرور على قلب أخيه المسلم.
والله أعلم.