المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب التاسع: حكم من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر - الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف

[موافقي الأمين]

فهرس الكتاب

- ‌ الافتتاحية

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌خطة البحث

- ‌المنهج المتبع في البحث:

- ‌الشكر وتقدير:

- ‌التمهيددراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري واختياراته

- ‌المبحث الأول: دراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول:‌‌ اسمه، ونسبه، و‌‌كنيته، و‌‌لقبه

- ‌ اسمه، ونسبه

- ‌كنيته

- ‌لقبه

- ‌المطلب الثاني:‌‌ مولده، و‌‌أسرته، ووفاته

- ‌ مولده

- ‌أسرته

- ‌وفاته:

- ‌المطلب الثالث: نشأته، وطلبه للعلم

- ‌المطلب الرابع:‌‌ شيوخه، وتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌أولا: الشيخ أبو الهدى عبد السلام بن الشيخ خان محمد بن أمان الله المباركفوري

- ‌ثانيا: الشيخ العلامة أبو طاهر البهاري

- ‌ثالثا: الشيخ أبو العلى محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن الشيخ بهادر المباركفوري

- ‌رابعا: الشيخ العلامة أحمد الله بن أمير الله بن فقير الله فرتاب كرهي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفور جيراجفوري

- ‌سادسا: الشيخ العلامة محمد أعظم بن فضل الدين أبو عبد الله الجوندلوي الباكستاني

- ‌تلامذته:

- ‌أولا: الشيخ عبد الجليل بن تعلقدار الرحماني البستوي

- ‌ثانيا: الشيخ محمد إدريس آزاد الرحماني الأملوي

- ‌ثالثا: الشيخ عبد المعيد بن عبد المجيد بن عبد القادر أبو عبيدة البنارسي

- ‌رابعا: الشيخ آفتاب آحمد الرحماني البنغلاديشي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفار حسن بن العلامة عبد الستار بن عبد الجبار العمر فوري الرحماني

- ‌سادسا: الشيخ أحمد الله بن عبد الكريم الرحماني البنغلاديش

- ‌المطلب الخامس:‌‌ عقيدته، ومذهبه الفقهي

- ‌ عقيدته

- ‌عقيدة الشيخ في الإيمان:

- ‌عقيدة الشيخ في الأسماء والصفات:

- ‌عقيدته في التوسل ودعاء الأموات والغائبين:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌المطلب السادس: ثناء العلماء عليه

- ‌المطلب السابع: آثاره العلمية

- ‌المبحث الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول: تعريف الاختيار

- ‌في اللغة:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌التعريف الأول:

- ‌التعريف الثاني:

- ‌وقد عرفه بعض الباحثين باعتبار أقسامه الثلاثة:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي والإنفراد:

- ‌تعريف الرأي:

- ‌وأما في الاصطلاح فقد عرف بعدة تعاريف منها:

- ‌تعريف الإنفراد:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي:

- ‌وجه التشابه بينهما:

- ‌وجه الاختلاف بينهما:

- ‌الفرق بين الإختيار والإنفراد:

- ‌الفرق بين الإنفراد والرأي:

- ‌المطلب الثاني: منهج المباركفوري في اختياراته، وموقف العلماء منها

- ‌المطلب الثالث: دراسة الصيغ المعتبرة (في الاختيار) عند الشيخ المباركفوري

- ‌الباب الأول: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في الصيام

- ‌الفصل الأول: في تسمية الشهر، وفي رؤية الهلال، وفي يوم الشك

- ‌المبحث الأول: حكم قول رمضان، وفي رؤية الهلال

- ‌المطلب الثاني: اعتبار اختلاف المطالع

- ‌المطلب الثالث: هل يثبت دخول الشهر بالحساب الفلكي

- ‌المطلب الرابع: عدد الشهود في هلال شهر رمضان

- ‌المطلب الخامس: عدد الشهود لثبوت هلال شوال

- ‌المطلب السادس: هل يكفي الإخبار ممن رأى الهلال أو تشترط الشهادة

- ‌المطلب السابع: حكم صيام من رأى هلال شوال وحده فردت شهادته

- ‌المطلب الثامن: حكم من أفطر ثم تبين أن اليوم من رمضان

- ‌المبحث الثاني: في يوم الشك، والصوم بعد انتصاف شعبان

- ‌المطلب الأول: في تعيين يوم الشك

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر

- ‌المطلب الثالث: من صام يوم الشك فتبين أنه من رمضان

- ‌المطلب الرابع: حكم الصيام بعد انتصاف شعبان

- ‌الفصل الثاني: في النية وصيام المسافر

- ‌المبحث الأول: في النية

- ‌المطلب الأول: في النية للفرض

- ‌المسألة الثانية: حكم النية لكل يوم من رمضان

- ‌المسألة الثالثة: حكم تعيين النية

- ‌المسألة الرابعة: حكم التَلَفُّظ بالنية

- ‌المسألة الخامسة: هل يُشترَط أن تُعقَد النية في جزء معين من الليل

- ‌المسألة السادسة: حكم ما إذا فعل بعد النية قبل الفجر ما ينافي الصوم

- ‌المطلب الثاني: في النية النفل

- ‌المسألة الأولى: حكم صيام يوم الشك بنية التطوع

- ‌المسألة الثانية: حكم نية صوم النفل من النهار

- ‌المسألة الثالثة: حكم عقد نية النفل بعد الزوال

- ‌المبحث الثاني: صوم السفر

- ‌المطلب الأول: حكم الصيام في السفر

- ‌المطلب الثاني: ما الأفضل للمسافر الصيام أو الفطر

- ‌المطلب الثالث: حد السفر المبيح للفطر

- ‌المطلب الرابع: حكم إفطار المسافر الذي استهل عليه رمضان وهو مقيم

- ‌المطلب الخامس: حكم إفطار المسافر بعد أن كان قد شرع في الصيام

- ‌المطلب السادس: حكم إفطار من سافر بعد طلوع الفجر

- ‌الفصل الثالث: في المفطرات وما يجتنبه الصائم، وفي الكفارة وخصالها

- ‌المبحث الأول: في المفطرات وما يجتنبه الصائم

- ‌المطلب الثاني: حكم الفصد للصائم

- ‌المطلب الرابع: حكم التقبيل للصائم

- ‌المطلب الخامس: حكم الاستياك للصائم

- ‌المسألة الثانية: الاستياك بالعود الرطب

- ‌المسألة الثالثة: الاستياك في صوم الفريضة

- ‌المطلب السابع: حكم الوصال في الصيام

- ‌المسألة الأولى: الوصال أكثر من يوم

- ‌المسألة الثانية: الوصال إلى السَحَر

- ‌المطلب الثامن: حكم من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم

- ‌المطلب العاشر: حكم انغماس الصائم في الماء

- ‌المطلب الحادي عشر: في الأكل والشرب للمتسحر

- ‌المسألة الأولى: حكم من أكل أو شرب وهو شاك في الفجر

- ‌المسألة الثانية: هل المعتبر في تحريم الأكل والشرب تَبَيُّن الفجر أو طلوع الفجر

- ‌المطلب الثالث عشر: حكم صيام الحائض والنُفَساء إذا طهرت قبل الفجر، ولم تغتسل إلا بعد الفجر

- ‌المبحث الثاني: في الكفارة، وخصالها

- ‌المطلب الثاني: هل على المرأة المجامعة في رمضان كفارة

- ‌المطلب الثالث: هل على من جامع ناسيا في رمضان كفارة

- ‌المطلب الرابع: هل الأكل والشرب في رمضان عمدا يوجبان الكفارة كالجماع

- ‌المطلب السادس: هل الخصال الثلاثة في كفارة الجماع في رمضان على الترتيب أو على التخيير

- ‌المطلب السابع: حكم اشتراط التتابع في صيام كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب الثامن: ما هو الحد الواجب في الإطعام في كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب التاسع: هل يشترط في الرقبة المعتقة في كفارة الجماع في رمضان أن تكون مؤمنة

- ‌الفصل الرابع: في صوم التطوع، والأيام التي نهي عن الصوم فيها، وفي النذر، وصوم عاشوراء

- ‌المبحث الأول: في صوم التطوع والأيام التي نهي عن الصوم فيها

- ‌المطلب الأول: حكم إفراد يوم الجمعة بصيام

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام يوم السبت

- ‌المطلب الثالث: حكم صيام يوم عرفة للحاج

- ‌المطلب الخامس: حكم صيام عشر ذي الحِجَّة

- ‌المطلب السادس: حكم صيام الدهر

- ‌المطلب السابع: حكم صيام الست من شوال

- ‌المطلب الثامن: ما هو أفضل الصيام بعد رمضان صيام شعبان أو المحرم

- ‌المطلب التاسع: حكم الإفطار في صوم النافلة

- ‌المطلب العاشر: تعيين الأفضل في صيام ثلاثة أيام من كل شهر

- ‌المطلب الحادي عشر: ما هي أيام البيض

- ‌المطلب الثاني عشر: معنى صيام يوم في سبيل الله

- ‌المبحث الثاني: في النذر، وفي أعذار الفطر

- ‌المطلب الأول: حكم من نذر صوم العيدين متعمدا لعينيهما

- ‌المطلب الثاني: حكم من نذر صوم يوم قدوم فلان مثلا فوافق يوم عيد

- ‌المطلب الثالث: هل الضيافة عذر للإفطار من صوم النفل

- ‌المطلب الرابع: هل يستحب لمن كان صائما صيام نفل أن يفطر إذا دُعي

- ‌المبحث الثالث: في صوم عاشوراء

- ‌المطلب الأول: نسخ وجوب صيام يوم عاشوراء

- ‌المطلب الثاني: هل عاشوراء هو اليوم التاسع أو اليوم العاشر

- ‌المطلب الثالث: ما الأفضل في صيام عاشوراء

- ‌المطلب الرابع: هل صيام يوم مع عاشوراء لاحتمال الشك أو لمخالفة أهل الكتاب

- ‌المطلب الخامس: هل الأفضل صيام يوم عاشوراء أو يوم عرفة

- ‌الباب الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر، وفي الاعتكاف

- ‌الفصل الأول: في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر

- ‌المبحث الأول: في قضاء الصوم

- ‌المطلب الأول: هل يجب قضاء رمضان على الفور؟ ، وهل يجب التتابع

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز التطوع قبل القضاء

- ‌المطلب الثالث: هل يقضي من أفطر في صيام النفل

- ‌المطلب الرابع: حكم صيام المرأة النفل وقضاء الواجب بغير إذن زوجها

- ‌المطلب الخامس: هل يقضي المجامع في رمضان اليوم الذي جامع فيه

- ‌المطلب السادس: حكم القضاء على من ذرعه القيء

- ‌المطلب السابع: هل يقضي من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌المطلب الثامن: هل يقضي الصوم من تمضمض أو استنشق فغلبه الماء

- ‌المطلب التاسع: حكم من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر

- ‌المطلب العاشر: ما الواجب على المُرضع والحامل إذا خافتا على ولدهما فقط

- ‌المبحث الثاني: في القضاء عن الميت

- ‌المطلب الأول: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي أمكنه التدارك

- ‌المطلب الثاني: ما الصوم الذي يصام عن الميت

- ‌المطلب الثالث: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي لم يمكنه التدارك

- ‌المبحث الثالث: في ليلة القدر

- ‌المطلب الأول: في تعيين ليلة القَدْر

- ‌المطلب الثاني: هل ليلة القدر خاصة بهذه الأمة

- ‌الفصل الثاني: في الاعتكاف

- ‌المبحث الأول: في حكمه، واشتراط الصوم له، وغير ذلك

- ‌المطلب الأول: حكم (الاعتكاف)

- ‌المطلب الثاني: هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف

- ‌المطلب الثالث: هل لأقل الاعتكاف حدّ

- ‌المطلب الرابع: هل ينقطع اعتكاف من عاد مريضا أو صلى على جنازة

- ‌المطلب الخامس: هل يجوز (الاشتراط في الاعتكاف)

- ‌المطلب السادس: حكم من نذر الاعتكاف قبل إسلامه

- ‌المطلب السابع: متى يدخل المعتكِف معتكَفه

- ‌المطلب الثامن: حكم قضاء الاعتكاف

- ‌المبحث الثاني: في مكان الاعتكاف

- ‌المطلب الأول: أين تعتكف المرأة

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

- ‌المطلب الثالث: هل يجوز الاعتكاف في غير (المسجد الجامع)

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب التاسع: حكم من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر

‌المطلب التاسع: حكم من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر

.

اختيار الشيخ: اختار عدم جواز تأخير صيام قضاء رمضان إلى رمضان القادم كقول الجمهور، لكن لم يتضح رأيه في مسألة الإطعام، فقال:"ويؤخذ من حرص عائشة على القضاء في شعبان أنه لا يجوز تأخير القضاء حتى يدخل رمضان آخر، فإن دخل فالقضاء واجب أيضا فلا يسقط، وأما الإطعام فليس له في الحديث ذكر لا بالنفي ولا بالإثبات"(1).

فلذلك ستنصَبّ الدراسة -إن شاء الله- على حكم التأخير، دون التعرض لمسألة حكم الإطعام.

تحرير محل الخلاف: قد ذُكِر في مسألة سابقة أن العلماء اتفقوا على أن من قضى رمضان في أول أوقات إمكان الصيام أياما متتابعات، أجزأه ذلك، وكان على يقين من أنه قد أتى بما وجب عليه (2).

واختلفوا في من تمكن من القضاء فأخره إلى ما بعد رمضان الآخر على قولين:

القول الأول: يَحرُم تأخير قضاء رمضان إلى ما بعد رمضان الذي يليه بلا عذر.

وبه قال: المالكية (3) ، والشافعية (4) ، والحنابلة (5) ، والظاهرية (6)، وهو اختيار الشيخ.

القول الثاني: لا يحرم تأخير القضاء إلى ما بعد رمضان أو أكثر.

وبه قال: الحنفية (7).

سبب الخلاف: الذي يظهر -والله أعلم- أن لهذه المسألة سببي خلاف:

السبب الأول: هل وجوب القضاء في قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (8) مؤقت، أو مطلق عن الوقت؟ .

(1) مرعاة المفاتيح 7/ 23. أي حديث عائشة الآتي صفحة (573).

(2)

مراتب الإجماع ص 41، الإقناع لابن القطان 1/ 238، المجموع 6/ 365، المغني 3/ 159.

(3)

المدونة 1/ 285، الرسالة ص 60، الكافي 1/ 336، المنتقى 2/ 71، مواهب الجليل 2/ 450.

(4)

الحاوي 3/ 451، حلية العلماء 3/ 173، المجموع 6/ 364، تحفة المحتاج 3/ 445.

(5)

الهداية ص 162، المغني 3/ 153، الفروع 5/ 64، الإنصاف 3/ 333، زاد المستقنع ص 84.

(6)

المحلى 4/ 407.

(7)

المبسوط 3/ 77، بدائع الصنائع 2/ 104، فتح القدير 2/ 355، البناية 4/ 81.

(8)

سورة البقرة: آية: 184.

ص: 575

السبب الثاني: هل كلام عائشة رضي الله عنها في تأخيرها قضاء رمضان إلى شعبان يدل على أنه آخر وقت للقضاء؟ .

أدلة القول الأول: القائلين بأنه يحرم تأخير قضاء رمضان إلى ما بعد رمضان الذي يليه بلا عذر.

الدليل الأول: قوله سبحانه وتعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (1).

وجه الاستدلال: أن الأصل أن يُحمَل القضاء على الفور، فلما جاء حديث عائشة رضي الله عنها -الذي سيأتي معنا إن شاء الله في الأدلة-، دلَّ على جواز التأخير إلى شعبان، وما زاد على ذلك لم يأت في الحديث بيان جوازه من منعه. ومطلق الأمر الوارد في الآية يقتضي منع ذلك (2).

الدليل الثاني: عن عائشة رضي الله عنها، قالت:«كان يكون علي الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، الشغل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو برسول الله صلى الله عليه وسلم» (3).

وجه الاستدلال: في هذا الحديث ذكرت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقضي ما عليها من رمضان في شعبان؛ لبيان تضييق وقته في شعبان، وأنها كانت تؤخره إلى آخر وقته، والدليل على أنها قصدت أن هذا هو آخر وقته تعليلها سبب التأخير بأنه الشغل برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشعبان وما بعده في الشغل سواء، فلولا تضيق الوقت؛ لأخرته إلى ما بعد شعبان. فعُلِم أن وقت القضاء كان محصورا بين الرمضانين (4).

الدليل الثالث: عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَما إنه ليس في النوم تَفْريط (5)، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى» (6).

وجه الاستدلال: فإذا كان من أَخَّر الصلاة بلا عذر إلى دخول وقت الأخرى مُفَرِّطا، فهو في حق الصائم أولى؛ وبيانه: أن وقت الصلاة الثانية يتسع للصلاتين، أما وقت الصوم الثاني فلا يتسع لهما (7).

(1) الآية السابقة.

(2)

ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 352.

(3)

سبق تخريجه صفحة (536).

(4)

ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 352، وينظر: عمدة القاري 11/ 56، إرشاد الساري 3/ 389.

(5)

التَفْريط في الأَمْر: التَقْصير فيه وتَضْييعه حتى يَفوت، ينظر: تاج العروس 19/ 533.

(6)

رواه مسلم 1/ 472 رقم 681، كتاب المساجد، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها.

(7)

ينظر: شرح عمدة الفقه 1/ 352، وينظر: الإشراف للقاضي عبد الوهاب 1/ 445.

ص: 576

الدليل الرابع: عن أبي هريرة رضي الله عنه فيمن فَرَّط في قضاء رمضان حتى أدركه رمضان آخر، قال:«يصوم هذا مع الناس ويصوم الذي فَرَّط فيه، ويطعم لكل يوم مسكينا» (1).

الدليل الخامس: عن ابن عباس رضي الله عنه ، قال:«من فَرَّط في صيام شهر رمضان حتى يُدركه رمضان آخر فليصم هذا الذي أَدركَه، ثم ليصم ما فاته، ويطعم مع كل يوم مسكينا» (2).

وجه الاستدلال: أن الصحابة رضي الله عنهم سَمَّوا من أخر قضاء رمضان حتى أدركه رمضان آخر مُفَرِّطا، والتفريط إنما يكون فيمن أَخَّر العبادة عن وقتها (3).

الدليل السادس: عن إبراهيم النخعي قال: «إذا تتابع عليه رمضانان صامهما. فإن صَحّ بينهما فلم يقض الأول، فبئس ما صنع، فليستغفر الله وليصم» (4).

وجه الاستدلال: هذا الأثر واضح الدلالة على أن إبراهيم النخعي -التابعي الجليل- يرى أن من أخر قضاء رمضان إلى ما بعد رمضان الآخر مسيء، وعليه الاستغفار من هذا الذنب.

الدليل السابع: ولأن العبادات إما أن تَجِب مؤقتة، أو على الفور، ولا تكون على التراخي في الصحيح من قولي أهل العلم. فلما لم يجب قضاء رمضان على الفور؛ عُلِم أنه مؤقت (5).

أدلة القول الثاني: القائلين بأنه لا يحرم تأخير القضاء إلى ما بعد رمضان أو أكثر.

الدليل الأول: قوله سبحانه وتعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (6).

(1) رواه الدارقطني 3/ 179 رقم 2344، في الصيام، باب القبلة للصائم، وقال:"إسناد صحيح موقوف"، وعبد الرزاق في المصنف 4/ 234 رقم 7620، في الصيام، باب المريض في رمضان وقضائه، والبيهقي في الكبرى 4/ 422 رقم 8212، في الصيام، باب المفطر يمكنه أن يصوم ففرط حتى جاء رمضان آخر.

(2)

رواه الدارقطني 3/ 180 رقم 2347، في الصيام باب القبلة للصائم،.

(3)

ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 353.

(4)

رواه سعيد بن منصور في سننه، ذكر ذلك ابن حجر في تغليق التعليق 3/ 187، والعيني في عمدة القاري 11/ 54، وأصل الأثر عند البخاري معلقا 3/ 35، في الصوم، باب متى يقضى قضاء رمضان.

(5)

ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 352.

(6)

سورة البقرة: آية: 184.

ص: 577

وجه الاستدلال: أن الله عز وجل قد أمر بالقضاء مطلقا عن وقت معين، فلا يجوز تقييده ببعض الأوقات إلا بدليل، والتعيين بما بين الرمضانين تَحَكُم لا دليل عليه (1).

الدليل الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه أمر الذي واقع أهله في رمضان أن يقضي يوما مكانه» (2).

وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر الواطئ في هذا الحديث بوجوب القضاء عليه، ولم يذكر له حدا معينا، ولو كان مُحددا بما بين الرمضانين لبينه له؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز (3).

الدليل الثالث: ولأن وجوب القضاء لا يتوقت؛ لأن الأمر بالقضاء مطلق عن تعيين بعض الأوقات دون بعض، فيجري على إطلاقه. وخيار التعيين يعود إلى المكلف، ففي أي وقت شرع فيه تعين ذلك الوقت للوجوب، وإن لم يشرع يتضيق الوجوب عليه في آخر عمره في زمان يتمكن فيه من الأداء قبل موته (4).

الترجيح: الذي يترجح في هذه المسألة -والله أعلم- هو القول الأول: أنه يحرم تأخير قضاء رمضان إلى ما بعد رمضان الذي يليه بلا عذر؛ وذلك لقوة ما استدلوا به، ويؤخذ من حرص عائشة رضي الله عنها على القضاء في شعبان عدم جواز تأخير القضاء حتى يدخل رمضان آخر؛ لأن العلة التي من أجلها أخرت صيام ما عليها من قضاء إلى شعبان -أي: الشغل برسول الله صلى الله عليه وسلم موجودة حتى في شعبان، فلو جاز لها التأخير إلى ما بعد رمضان لما قضته في شعبان.

وأما ما استدل به أصحاب القول الثاني فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما استدلالهم بالآية فيجاب عنه:

أن الأمر الوارد في الآية قد بين حده ما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها، من كون شعبان هو أقصى وقت يؤخر القضاء إليه.

(1) ينظر: بدائع الصنائع 2/ 104، والمبسوط للسرخسي 3/ 77، وفتح القدير لابن الهمام 2/ 355.

(2)

سبق تخريجه صفحة (376).

(3)

ينظر: التوضيح شرح الجامع الصحيح 13/ 366.

(4)

ينظر: بدائع الصنائع 2/ 104، والمبسوط للسرخسي 3/ 77.

ص: 578

ثانيا: وأما استدلالهم بحديث المجامع في رمضان، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين له وجوب القضاء ولم يذكر له حدا معينا، فالجواب:

أن عائشة رضي الله عنها قد حدته إلى شعبان، فعلم أنه الوقت المضيق الذي لا يجوز تعديه (1).

ثالثا: وأما قولهم: إن وجوب القضاء لا يتوقت؛ لأن الأمر بالقضاء مطلق عن تعيين بعض الأوقات دون بعض، فيجري على إطلاقه. فيجاب عنه:

أن الأصل أن يُحمَل القضاء على الفور؛ لأن دلالة الأمر المطلق تقتضي الفور، كما هو قول جمهور الأصوليين (2).

فلما جاء حديث عائشة رضي الله عنها -الذي سبق ذكره في الأدلة- وأفاد جواز التأخير إلى شعبان، عُلِم أن وقت القضاء مؤقت بين الرمضانين.

ثم إن إطلاق لفظ التفريط عند الحنفية يعني المؤاخذة (3)، وقد جعل الإمام أبو حنيفة من أَخَّر قضاء رمضان إلى ما بعد رمضان الآخر مُفَرِّطا، فقال:"من كان عليه صيام شهر رمضان ففَرَّط فيه، وهو قَويّ على الصيام حتى يدخل عليه شهر رمضان آخر، صام هذا الداخل عليه وقضى ما عليه"(4). والله أعلم.

(1) ينظر: التوضيح شرح الجامع الصحيح 13/ 366.

(2)

ينظر: أصول الفقه لابن مفلح 2/ 690، إجابة السائل شرح بغية الآمل لابن الأمير ص: 280، وأصول السرخسي 1/ 26، القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام ص:244.

(3)

ينظر: بدائع الصنائع 2/ 3، اللباب في الجمع بين السنة والكتاب 1/ 374، رد المحتار 6/ 599.

(4)

ينظر: الحجة على أهل المدينة 1/ 401.

ص: 579