المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثامن: ما هو أفضل الصيام بعد رمضان صيام شعبان أو المحرم - الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف

[موافقي الأمين]

فهرس الكتاب

- ‌ الافتتاحية

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌خطة البحث

- ‌المنهج المتبع في البحث:

- ‌الشكر وتقدير:

- ‌التمهيددراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري واختياراته

- ‌المبحث الأول: دراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول:‌‌ اسمه، ونسبه، و‌‌كنيته، و‌‌لقبه

- ‌ اسمه، ونسبه

- ‌كنيته

- ‌لقبه

- ‌المطلب الثاني:‌‌ مولده، و‌‌أسرته، ووفاته

- ‌ مولده

- ‌أسرته

- ‌وفاته:

- ‌المطلب الثالث: نشأته، وطلبه للعلم

- ‌المطلب الرابع:‌‌ شيوخه، وتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌أولا: الشيخ أبو الهدى عبد السلام بن الشيخ خان محمد بن أمان الله المباركفوري

- ‌ثانيا: الشيخ العلامة أبو طاهر البهاري

- ‌ثالثا: الشيخ أبو العلى محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن الشيخ بهادر المباركفوري

- ‌رابعا: الشيخ العلامة أحمد الله بن أمير الله بن فقير الله فرتاب كرهي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفور جيراجفوري

- ‌سادسا: الشيخ العلامة محمد أعظم بن فضل الدين أبو عبد الله الجوندلوي الباكستاني

- ‌تلامذته:

- ‌أولا: الشيخ عبد الجليل بن تعلقدار الرحماني البستوي

- ‌ثانيا: الشيخ محمد إدريس آزاد الرحماني الأملوي

- ‌ثالثا: الشيخ عبد المعيد بن عبد المجيد بن عبد القادر أبو عبيدة البنارسي

- ‌رابعا: الشيخ آفتاب آحمد الرحماني البنغلاديشي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفار حسن بن العلامة عبد الستار بن عبد الجبار العمر فوري الرحماني

- ‌سادسا: الشيخ أحمد الله بن عبد الكريم الرحماني البنغلاديش

- ‌المطلب الخامس:‌‌ عقيدته، ومذهبه الفقهي

- ‌ عقيدته

- ‌عقيدة الشيخ في الإيمان:

- ‌عقيدة الشيخ في الأسماء والصفات:

- ‌عقيدته في التوسل ودعاء الأموات والغائبين:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌المطلب السادس: ثناء العلماء عليه

- ‌المطلب السابع: آثاره العلمية

- ‌المبحث الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول: تعريف الاختيار

- ‌في اللغة:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌التعريف الأول:

- ‌التعريف الثاني:

- ‌وقد عرفه بعض الباحثين باعتبار أقسامه الثلاثة:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي والإنفراد:

- ‌تعريف الرأي:

- ‌وأما في الاصطلاح فقد عرف بعدة تعاريف منها:

- ‌تعريف الإنفراد:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي:

- ‌وجه التشابه بينهما:

- ‌وجه الاختلاف بينهما:

- ‌الفرق بين الإختيار والإنفراد:

- ‌الفرق بين الإنفراد والرأي:

- ‌المطلب الثاني: منهج المباركفوري في اختياراته، وموقف العلماء منها

- ‌المطلب الثالث: دراسة الصيغ المعتبرة (في الاختيار) عند الشيخ المباركفوري

- ‌الباب الأول: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في الصيام

- ‌الفصل الأول: في تسمية الشهر، وفي رؤية الهلال، وفي يوم الشك

- ‌المبحث الأول: حكم قول رمضان، وفي رؤية الهلال

- ‌المطلب الثاني: اعتبار اختلاف المطالع

- ‌المطلب الثالث: هل يثبت دخول الشهر بالحساب الفلكي

- ‌المطلب الرابع: عدد الشهود في هلال شهر رمضان

- ‌المطلب الخامس: عدد الشهود لثبوت هلال شوال

- ‌المطلب السادس: هل يكفي الإخبار ممن رأى الهلال أو تشترط الشهادة

- ‌المطلب السابع: حكم صيام من رأى هلال شوال وحده فردت شهادته

- ‌المطلب الثامن: حكم من أفطر ثم تبين أن اليوم من رمضان

- ‌المبحث الثاني: في يوم الشك، والصوم بعد انتصاف شعبان

- ‌المطلب الأول: في تعيين يوم الشك

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر

- ‌المطلب الثالث: من صام يوم الشك فتبين أنه من رمضان

- ‌المطلب الرابع: حكم الصيام بعد انتصاف شعبان

- ‌الفصل الثاني: في النية وصيام المسافر

- ‌المبحث الأول: في النية

- ‌المطلب الأول: في النية للفرض

- ‌المسألة الثانية: حكم النية لكل يوم من رمضان

- ‌المسألة الثالثة: حكم تعيين النية

- ‌المسألة الرابعة: حكم التَلَفُّظ بالنية

- ‌المسألة الخامسة: هل يُشترَط أن تُعقَد النية في جزء معين من الليل

- ‌المسألة السادسة: حكم ما إذا فعل بعد النية قبل الفجر ما ينافي الصوم

- ‌المطلب الثاني: في النية النفل

- ‌المسألة الأولى: حكم صيام يوم الشك بنية التطوع

- ‌المسألة الثانية: حكم نية صوم النفل من النهار

- ‌المسألة الثالثة: حكم عقد نية النفل بعد الزوال

- ‌المبحث الثاني: صوم السفر

- ‌المطلب الأول: حكم الصيام في السفر

- ‌المطلب الثاني: ما الأفضل للمسافر الصيام أو الفطر

- ‌المطلب الثالث: حد السفر المبيح للفطر

- ‌المطلب الرابع: حكم إفطار المسافر الذي استهل عليه رمضان وهو مقيم

- ‌المطلب الخامس: حكم إفطار المسافر بعد أن كان قد شرع في الصيام

- ‌المطلب السادس: حكم إفطار من سافر بعد طلوع الفجر

- ‌الفصل الثالث: في المفطرات وما يجتنبه الصائم، وفي الكفارة وخصالها

- ‌المبحث الأول: في المفطرات وما يجتنبه الصائم

- ‌المطلب الثاني: حكم الفصد للصائم

- ‌المطلب الرابع: حكم التقبيل للصائم

- ‌المطلب الخامس: حكم الاستياك للصائم

- ‌المسألة الثانية: الاستياك بالعود الرطب

- ‌المسألة الثالثة: الاستياك في صوم الفريضة

- ‌المطلب السابع: حكم الوصال في الصيام

- ‌المسألة الأولى: الوصال أكثر من يوم

- ‌المسألة الثانية: الوصال إلى السَحَر

- ‌المطلب الثامن: حكم من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم

- ‌المطلب العاشر: حكم انغماس الصائم في الماء

- ‌المطلب الحادي عشر: في الأكل والشرب للمتسحر

- ‌المسألة الأولى: حكم من أكل أو شرب وهو شاك في الفجر

- ‌المسألة الثانية: هل المعتبر في تحريم الأكل والشرب تَبَيُّن الفجر أو طلوع الفجر

- ‌المطلب الثالث عشر: حكم صيام الحائض والنُفَساء إذا طهرت قبل الفجر، ولم تغتسل إلا بعد الفجر

- ‌المبحث الثاني: في الكفارة، وخصالها

- ‌المطلب الثاني: هل على المرأة المجامعة في رمضان كفارة

- ‌المطلب الثالث: هل على من جامع ناسيا في رمضان كفارة

- ‌المطلب الرابع: هل الأكل والشرب في رمضان عمدا يوجبان الكفارة كالجماع

- ‌المطلب السادس: هل الخصال الثلاثة في كفارة الجماع في رمضان على الترتيب أو على التخيير

- ‌المطلب السابع: حكم اشتراط التتابع في صيام كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب الثامن: ما هو الحد الواجب في الإطعام في كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب التاسع: هل يشترط في الرقبة المعتقة في كفارة الجماع في رمضان أن تكون مؤمنة

- ‌الفصل الرابع: في صوم التطوع، والأيام التي نهي عن الصوم فيها، وفي النذر، وصوم عاشوراء

- ‌المبحث الأول: في صوم التطوع والأيام التي نهي عن الصوم فيها

- ‌المطلب الأول: حكم إفراد يوم الجمعة بصيام

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام يوم السبت

- ‌المطلب الثالث: حكم صيام يوم عرفة للحاج

- ‌المطلب الخامس: حكم صيام عشر ذي الحِجَّة

- ‌المطلب السادس: حكم صيام الدهر

- ‌المطلب السابع: حكم صيام الست من شوال

- ‌المطلب الثامن: ما هو أفضل الصيام بعد رمضان صيام شعبان أو المحرم

- ‌المطلب التاسع: حكم الإفطار في صوم النافلة

- ‌المطلب العاشر: تعيين الأفضل في صيام ثلاثة أيام من كل شهر

- ‌المطلب الحادي عشر: ما هي أيام البيض

- ‌المطلب الثاني عشر: معنى صيام يوم في سبيل الله

- ‌المبحث الثاني: في النذر، وفي أعذار الفطر

- ‌المطلب الأول: حكم من نذر صوم العيدين متعمدا لعينيهما

- ‌المطلب الثاني: حكم من نذر صوم يوم قدوم فلان مثلا فوافق يوم عيد

- ‌المطلب الثالث: هل الضيافة عذر للإفطار من صوم النفل

- ‌المطلب الرابع: هل يستحب لمن كان صائما صيام نفل أن يفطر إذا دُعي

- ‌المبحث الثالث: في صوم عاشوراء

- ‌المطلب الأول: نسخ وجوب صيام يوم عاشوراء

- ‌المطلب الثاني: هل عاشوراء هو اليوم التاسع أو اليوم العاشر

- ‌المطلب الثالث: ما الأفضل في صيام عاشوراء

- ‌المطلب الرابع: هل صيام يوم مع عاشوراء لاحتمال الشك أو لمخالفة أهل الكتاب

- ‌المطلب الخامس: هل الأفضل صيام يوم عاشوراء أو يوم عرفة

- ‌الباب الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر، وفي الاعتكاف

- ‌الفصل الأول: في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر

- ‌المبحث الأول: في قضاء الصوم

- ‌المطلب الأول: هل يجب قضاء رمضان على الفور؟ ، وهل يجب التتابع

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز التطوع قبل القضاء

- ‌المطلب الثالث: هل يقضي من أفطر في صيام النفل

- ‌المطلب الرابع: حكم صيام المرأة النفل وقضاء الواجب بغير إذن زوجها

- ‌المطلب الخامس: هل يقضي المجامع في رمضان اليوم الذي جامع فيه

- ‌المطلب السادس: حكم القضاء على من ذرعه القيء

- ‌المطلب السابع: هل يقضي من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌المطلب الثامن: هل يقضي الصوم من تمضمض أو استنشق فغلبه الماء

- ‌المطلب التاسع: حكم من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر

- ‌المطلب العاشر: ما الواجب على المُرضع والحامل إذا خافتا على ولدهما فقط

- ‌المبحث الثاني: في القضاء عن الميت

- ‌المطلب الأول: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي أمكنه التدارك

- ‌المطلب الثاني: ما الصوم الذي يصام عن الميت

- ‌المطلب الثالث: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي لم يمكنه التدارك

- ‌المبحث الثالث: في ليلة القدر

- ‌المطلب الأول: في تعيين ليلة القَدْر

- ‌المطلب الثاني: هل ليلة القدر خاصة بهذه الأمة

- ‌الفصل الثاني: في الاعتكاف

- ‌المبحث الأول: في حكمه، واشتراط الصوم له، وغير ذلك

- ‌المطلب الأول: حكم (الاعتكاف)

- ‌المطلب الثاني: هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف

- ‌المطلب الثالث: هل لأقل الاعتكاف حدّ

- ‌المطلب الرابع: هل ينقطع اعتكاف من عاد مريضا أو صلى على جنازة

- ‌المطلب الخامس: هل يجوز (الاشتراط في الاعتكاف)

- ‌المطلب السادس: حكم من نذر الاعتكاف قبل إسلامه

- ‌المطلب السابع: متى يدخل المعتكِف معتكَفه

- ‌المطلب الثامن: حكم قضاء الاعتكاف

- ‌المبحث الثاني: في مكان الاعتكاف

- ‌المطلب الأول: أين تعتكف المرأة

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

- ‌المطلب الثالث: هل يجوز الاعتكاف في غير (المسجد الجامع)

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب الثامن: ما هو أفضل الصيام بعد رمضان صيام شعبان أو المحرم

‌المطلب الثامن: ما هو أفضل الصيام بعد رمضان صيام شعبان أو المحرم

؟ .

اختيار الشيخ: اختار أن أفضل الصيام بعد رمضان صيام شهر الله المحرم (1)، فقال:"وحديث الباب صريح إن شهر المحرم أفضل الشهور للصوم"(2).

اختلف أهل العلم في أي الشهور أفضل بعد رمضان، شعبان أو المحرم؟ على قولين:

القول الأول: أفضل الشهور صوما بعد رمضان شهر الله المحرم.

وبه قال: الحنفية (3) ، والمالكية (4) ، والشافعية (5) ، والحنابلة (6)، وهو اختيار الشيخ.

القول الثاني: أفضل الشهور صوما بعد رمضان شهر شعبان.

وهو اختيار: ابن رشد الجدّ (7) من المالكية (8) ، وابن رجب (9) من الحنابلة (10).

(1) قال السيوطي: "هذا الاسم إسلامي دون سائر الشهور، فإن أسماءها كلها على ما كانت عليه في الجاهلية، وكان اسم المحرم في الجاهلية صَفَر الأول، والذي بعده صَفَر الثاني، فلما جاء الإسلام سماه الله المحرم، فأضيف إلى الله بهذا الاعتبار، وهذه الفائدة لطيفة رأيتها في الجمهرة". الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج 3/ 252، وينظر: جمهرة اللغة 1/ 522.

(2)

مرعاة المفاتيح 7/ 43. أي حديث أبي هريرة القادم صفحة (458).

(3)

شرح مشكل الآثار 3/ 292، المعتصر من المختصر 1/ 148، نخب الأفكار 8/ 458، عمدة القاري 11/ 84.

(4)

المقدمات 1/ 242، المسالك 4/ 210، مواهب الجليل 2/ 407، الفواكه الدواني 2/ 273.

(5)

الحاوي الكبير 3/ 474، عمدة السالك ص 119، أسنى المطالب 1/ 433، مغني المحتاج 2/ 187.

(6)

المغني 3/ 180، العدة شرح العمدة ص 169، الإقناع 1/ 318، الروض المربع ص 239.

(7)

هو: محمد بن أحمد بن محمد بن رشد، أبو الوليد الأندلسي، قاضي الجماعة بقرطبة، من أعيان المالكية، وهو جد ابن رشد الفيلسوف المشهور، توفي سنة 520 هـ، من مؤلفاته: المقدمات الممهدات لمدونة مالك، والبيان والتحصيل في الفقه، ومختصر شرح معاني الآثار للطحاوي. ينظر: الديباج 1/ 248، شجرة النور الزكية 1/ 190؛ معجم المؤلفين 8/ 228، الأعلام 5/ 316.

(8)

المقدمات الممهدات 1/ 243، المسالك في شرح موطأ مالك 4/ 211.

(9)

هو: عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن البغدادي، المعروف بابن رجب لقب جده عبد الرحمن، سمع من الفخر عثمان بن يوسف ومحمد الخباز، وأجازه ابن النقيب، من مصنفاته: القواعد الفقهية، وشرح جامع الترمذي، وشرح البخاري، وشرح الأربعين النووية، توفي سنة 795 هـ. ينظر الدرر الكامنة 3/ 108، المنهج الأحمد 5/ 168، الأعلام 3/ 295.

(10)

لطائف المعارف ص 129.

ص: 459

سبب الخلاف: والسبب في اختلافهم والله أعلم يرجع إلى اختلاف الآثار المروية في هذه المسألة، وفهم كل فريق لها.

أدلة القول الأول: القائلين بأن أفضل الشهور صوما بعد رمضان شهر الله المحرم.

الدليل الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل» (1).

وجه الاستدلال: في الحديث التصريح بأن شهر الله المحرم هو أفضل الشهور للصوم (2).

قال ابن هُبَيْرَة (3): "في هذا الحديث ما يدل على فضيلة شهر المحرم، من حيث إنه أول العام فيستقبله بالعبادة، فيرجى بذلك أن يكون مكفرا لباقي العام"(4).

الدليل الثاني: عن علي رضي الله عنه قال: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الشهر تأمرني أن أصوم بعد رمضان قال: «صم المحرم؛ فإنه شهر الله، وفيه يوم تاب فيه على قوم، ويتوب فيه على آخرين» (5).

وجه الاستدلال: أن الحديث ظاهر في أن المقصود صيام شهر المحرم كله، وتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم لهذا السائل بصيام المحرم دون غيره من الشهور دليل على أفضليته (6).

الدليل الثالث: عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صام يوما من المحرم، فله بكل يوم ثلاثون حسنة» (7).

(1) سبق تخريجه صفحة (442).

(2)

ينظر: شرح مسلم للنووي 8/ 55، وينظر: الديباج للسيوطي 3/ 252.

(3)

هو: يحيى بن محمد بن هُبَيْرَة الذُهلي الشيباني، أبو المظفر عون الدين البغدادي، فقيه حنبلي، من تلاميذه ابن الجوزي، توفي سنة 560 هـ، من آثاره: الإفصاح عن معاني الصحاح، العبادات على مذهب أحمد. ينظر: تاريخ بغداد 15/ 385، سير أعلام النبلاء 20/ 426.

(4)

الإفصاح عن معاني الصحاح 8/ 215.

(5)

رواه الترمذي 3/ 108 رقم 741، أبواب الصيام باب ما جاء في صوم المحرم، وقال:"هذا حديث حسن غريب"، وأحمد 2/ 448 رقم 1335، قال شعيب:"إسناده ضعيف"، والدارمي 2/ 1101 رقم 1797، في الصوم باب في صيام المحرم، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب 1/ 154 رقم 614.

(6)

ينظر: حاشية السندي على سنن ابن ماجه 1/ 530، ومرعاة المفاتيح 7/ 43.

(7)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 11/ 72 رقم 11082، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 3/ 190:"وفيه الهيثم بن حبيب ضعفه الذهبي"، وقال الألباني في الضعيفة 1/ 596 رقم 412:"موضوع".

ص: 460

وجه الاستدلال: أن هذا الفضل العظيم في تضعيف الحسنات دليل على أفضلية الصوم في شهر الله المحرم (1).

الدليل الرابع: عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، فربما أخر ذلك حتى يجتمع عليه صوم السنة، فيصوم شعبان» (2).

وجه الاستدلال: أن صيام النبي صلى الله عليه وسلم لشهر شعبان لم يكن لأنه أفضل الشهور بعد رمضان؛ وإنما كان يقضي فيه ما اجتمع عليه من أيام لم يصمهن (3). وأما صيام شهر الله المحرم فلأفضليته على غيره.

أدلة القول الثاني: القائلين بأن أفضل الشهور صوما بعد رمضان شهر شعبان.

الدليل الأول: عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان، ثم يصله برمضان» (4).

الدليل الثاني: عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين، إلا أنه كان يصل شعبان برمضان» (5).

الدليل الثالث: عن أبي سلمة قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: «كان يصوم حتى نقول قد صام، ويفطر حتى نقول قد أفطر، ولم أره صائما من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان، كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلا» (6).

وجه الاستدلال: أن هذه النصوص تدل على أن أفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شعبان؛ وذلك لمحافظته صلى الله عليه وسلم على صومه أو صوم أكثره، ولتصريح أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بأنه أَحبّ الشهور صياما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(1) ينظر: التيسير بشرح الجامع الصغير 2/ 425، التنوير شرح الجامع الصغير 10/ 278.

(2)

رواه الطبراني في المعجم الأوسط 2/ 320 رقم 2098؛ وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 3/ 192: "فيه: محمد بن أبي ليلى، وفيه كلام"، وقال الحافظ في الفتح 4/ 214:"وفيه حديث ضعيف أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق ابن أبي ليلى، وهو ضعيف".

(3)

ينظر: شرح البخاري لابن بطال 4/ 115.

(4)

سبق تخريجه صفحة (140).

(5)

سبق تخريجه صفحة (141).

(6)

سبق تخريجه صفحة (141).

ص: 461

قال ابن رشد الجد: "ففي هذا دليل على فضل صيام شعبان، وأنه أفضل من صيام سواه"(1).

الدليل الرابع: عن أنس رضي الله عنه قال: «سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الصوم أفضل بعد رمضان؟ فقال: «شعبان لتعظيم رمضان» ، قيل: فأي الصدقة أفضل؟ قال: «صدقة في رمضان» (2).

وجه الاستدلال: أن الحديث نص على أن شهر شعبان هو أفضل الشهور صياما بعد شهر رمضان؛ وذلك لأنه لمّا كان شعبان مُقدِّمة بين يدي رمضان، كان صومه فيه تعظيمًا له؛ فيُحتَرَم لاحترامه، ويأتي شهر رمضان وقد آنَست النفس بالعبادة، وأَلِفتْها (3).

الدليل الخامس: وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت: ولم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان، قال:«ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم» (4).

وجه الاستدلال: يستدل بهذا الحديث على أفضلية شهر شعبان من وجوه:

الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر أُسامة رضي الله عنه عندما قال له: «ولم أرك تصوم من الشهور ما تصوم من شعبان» .

الثاني: تعليله صلى الله عليه وسلم بأنه وقت فاضل يغفل عنه الناس وينشغلون بغيره.

الثالث: ذِكْر ما فيه من فضل رفع الأعمال إلى رب العزة والجلال.

وهذا كله يدل على أنه أفضل الشهور للصيام بعد رمضان.

الدليل السادس: عن عائشة رضي الله عنها قالت: ذُكِر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناس يصومون رجبا؟ فقال: «فأين هم عن شعبان» (5).

(1) المقدمات الممهدات 1/ 243، وينظر: المسالك في شرح موطأ مالك 4/ 211.

(2)

رواه الترمذي 3/ 42 رقم 663 وقال: "هذا حديث غريب، وصدقة بن موسى ليس عندهم بذاك القوي"، والطحاوي في شرح معني الآثار 2/ 83 رقم 3330، باب الصوم بعد النصف من شعبان إلى رمضان، والبيهقي في الكبرى 4/ 503 رقم 8517، في الصيام باب الجود والإفضال في شهر رمضان، وقال الألباني في الإرواء 3/ 396 رقم 888:"ضعيف".

(3)

ينظر: التنوير شرح الجامع الصغير 2/ 571.

(4)

سبق تخريجه صفحة (141).

(5)

رواه الشجري في أماليه كما في ترتيب الأمالي 1/ 347 رقم 1221، باب في فضل الصوم وفضل صيام شهر رمضان وما يتصل بذلك، وقال صاحب الإيماء إلى زوائد الأمالي والأجزاء 7/ 77:"إسناده ضعيف".

ص: 462

وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أشار على من كان يصوم رجب بصيام شعبان لا غيره من الشهور فدل على أفضليته.

الدليل السابع: أن أسامة رضي الله عنه كان يصوم الأشهر الحرم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«صم شوالا» . فتَرَكَ الأشهر الحرم. فكان يصوم شوالا حتى مات (1).

وجه الاستدلال: قال ابن رجب: "فهذا نص في تفضيل صيام شوال على صيام الأشهر الحُرُم؛ وإنما كان كذلك: لأنه يلي رمضان من بعده، كما أن شعبان يليه من قبله. وشعبان أفضل؛ لصيام النبي صلى الله عليه وسلم له دون شوال. فإذا كان صيام شوال أفضل من الأشهر الحُرُم؛ فلأن يكون صوم شعبان أفضل بطريق الأولى"(2).

الترجيح: بعد عرض الأدلة ووجوه الاستدلال منها يتبين -والله أعلم- أن أصحاب القول الأول أسعد بالدليل من جهة القول، وأن أصحاب القول الثاني أسعد بالدليل من جهة الفعل؛ وبيان ذلك:

أن ما استدل به أصحاب القول الأول وهو حديث: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم» حديث صحيح، وصريح في كون المحرم أفضل الشهور صياما بعد رمضان، من قوله صلى الله عليه وسلم.

وقد عارضه حديث أنس رضي الله عنه في تفضيل شعبان، لكنه حديث ضعيف لا يقاوم حديث أبي هريرة في تفضيل المحرم، فيقدم حديث أبي هريرة رضي الله عنه (3).

وقد يمكن الجمع بين الحديثين على فرض صحة حديث أنس رضي الله عنه ، فيقال:

إن أفضل الصيام بعد رمضان عند الإطلاق صيام المحرم، وعند تعظيم رمضان صيام شعبان، ولعل المراد بتعظيم رمضان: تعظيم صيامه بأن تَتَعوَّد النفس عليه؛ لئلا يثقل صيام رمضان على النفس فتكرهه طبعا، ولئلا تُخِلّ بآدابه فَجأَةُ الصيام (4).

(1) رواه ابن ماجة 1/ 555 رقم 1744، في الصيام، باب صيام أشهر الحرم، والضياء في المختارة 4/ 145 رقم 1359، وقال في الزوائد 2/ 78:"إسناده صحيح إلَّا أنه منقطع بين محمَّد بن إبراهيم بن الحارث التيمي وبين أسامة بن زيد". وضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجة رقم 381.

(2)

لطائف المعارف ص 129.

(3)

ينظر: تحفة الأحوذي 3/ 265، وقوت المغتذي على جامع الترمذي 1/ 251.

(4)

ينظر: تحفة الأحوذي 3/ 265.

ص: 463

فسبب الفضل مختلف كما ترى، فالمحرم فُضِّل لكونه فاضلا في ذاته، وأما شعبان فقد فُضِّل لتعظيم غيره، فيكون المحرم أفضل من شعبان (1).

وأما ما استدل به أصحاب القول الثاني فهو من جهة الفعل؛ فإن إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من الصيام في شعبان يُشعِر بأفضليته على شهر المحرم؛ فما كان النبي صلى الله عليه وسلم ليترك شهر المحرم مع ما ذُكِر فيه من الفضل، ويُكثِر الصيام في شعبان إلا لما فيه من فضل على غيره من الشهور.

اللهم إلا أن يجاب عن إقلاله صلى الله عليه وسلم من الصيام في شهر المحرم بما ذكره بعض أهل العلم فيقال:

إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكثر من الصيام في شهر الله المحرم لأسباب:

الأول: أنه لم يَعلم بفضل المحرم إلا في آخر حياته قبل التَمكُّن من صومه (2).

الثاني: أنه كان يعرض له من الأعذار ما يُشغِله عن الصوم من سفر، أو غزو، أو مرض، فيقضي ذلك كله في شعبان (3).

وعلى كل حال فإن فضل شهر الله المحرم وفضل شهر شعبان، ثابت عنه صلى الله عليه وسلم قولا وفِعلا، فيكون الإكثار من الصوم فيهما مطلب لكل مسلم حريص على الأجر، والله أعلم.

(1) ينظر: دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين 6/ 637.

(2)

ينظر: شرح مسلم للنووي 8/ 55، وشرح الزرقاني على الموطأ 2/ 290.

(3)

ينظر: شرح مسلم للنووي 8/ 55، وعون المعبود 7/ 59، وتحفة الأحوذي 3/ 368.

ص: 464