الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: هل على المرأة المجامعة في رمضان كفارة
؟ .
اختيار الشيخ: اختار أن على المجامع الكفارة وحده دون المرأة، فقال:"واستُدِل بأفراده بذلك على أن الكفارة عليه وحده دون المَوطوءة"(1).
ثم حَكَم ببطلان زيادة: «أَهْلَكْت» والتي استُدِلّ بها على لزوم الكفارة على المرأة (2).
تحرير محل الخلاف: اتفق عامة أهل العلم أن الرجل إذا جامع بعد الفجر في رمضان عامدا أن عليه الكفارة (3).
واختلفوا في وجوب الكفارة على المرأة الصائمة إذا طاوعت (4) في الجماع في نهار رمضان على قولين:
القول الأول: لا تجب عليها الكفارة وعليها القضاء.
وهو: أصح القولين عند الشافعية (5)، ورواية عند الحنابلة (6)، وقول الظاهرية (7) ، وهو اختيار الشيخ رحمه الله.
القول الثاني: تجب عليها الكفارة وعليها القضاء.
وبه قال: الحنفية (8)، والمالكية (9)، وقول عند الشافعية (10)، والمذهب عند الحنابلة (11).
(1) مرعاة المفاتيح، 6/ 504.
(2)
ينظر المصدر السابق 6/ 506. فقد أطال الشيخ الكلام في ردها والحكم ببطلانها.
(3)
ينظر: الإقناع لابن المنذر 1/ 193، والإشراف له 3/ 121، الإقناع لابن القطان 1/ 235، بداية المجتهد 2/ 64، والمغني 3/ 134.
(4)
كلام الشيخ المباركفوري عن المطاوعة، أما المكرهة فلم يرجح فيها شيئا.
(5)
الأم 2/ 109، الحاوي 3/ 424، المجموع 6/ 331، مغني المحتاج 2/ 179.
(6)
الكافي 1/ 446، المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين 1/ 259، الفروع 5/ 42، الإنصاف 3/ 314.
(7)
المحلى 4/ 335.
(8)
المبسوط 3/ 72، بدائع الصنائع 2/ 98، تحفة الفقهاء 1/ 361، تبيين الحقائق 1/ 327.
(9)
تهذيب المدونة 1/ 369، الكافي 1/ 342، المعونة ص 480، التاج والإكليل 3/ 364.
(10)
الحاوي الكبير 3/ 424، البيان 3/ 521، منهاج الطالبين ص 78، كفاية النبيه 6/ 334.
(11)
المغني 3/ 137، المسائل الفقهية من كتاب الروايتين 1/ 259، الفروع 5/ 42، الإنصاف 3/ 314.
سبب الخلاف: قال ابن رشد: "وسبب اختلافهم: معارضة ظاهر الأثر للقياس؛ وذلك: أنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر المرأة في الحديث بكفارة، والقياس أنها مثل الرجل؛ إذ كان كلاهما مكلفا"(1).
أدلة القول الأول: القائلين بأن المرأة لا تلزمها كفارة.
الدليل الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله، هلكت! قال:«ما لك؟ » . قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تجد رقبة تعتقها؟ » . قال: لا. قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ » . قال: لا. قال: «فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟ » . قال: لا. قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن على ذلك أُتِي النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَق فيها تمر، قال:«أين السائل؟ » . فقال: أنا. قال: «خذ هذا فتصدق به» . فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر من أهل بيتي! فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال:«أطعمه أهلك» (2).
الدليل الثاني: عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنه احترق! قال: «ما لك؟ » . قال: أصبت أهلي في رمضان، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بمِكْتل يدعى العَرَق، فقال:«أين المحترق؟ » . قال: أنا. قال: «تصدق بهذا» (3).
وجه الاستدلال: أن النص ورد في الرجل دون المرأة؛ وبيان ذلك من وجهين:
الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الواطئ في رمضان بالكفارة ولم يأمر في المرأة بشيء، مع علمه صلى الله عليه وسلم بوجود ذلك منها (4). والأعرابي إنما سأله عن فعل شارك فيه زوجته مع جهلها بحكمه، فاقتضى أن يكون جوابه صلى الله عليه وسلم حكما لجميع الحادثة (5).
الثاني: أنه لمّا كان تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر المرأة بالكفارة ولا راسلها بإخراجها مع جهلها بالحكم فيها دل على أن الكفارة لا تلزمها (6).
(1) بداية المجتهد 2/ 67.
(2)
سبق تخريجه صفحة (363).
(3)
سبق تخريجه صفحة (364).
(4)
ينظر: المغني 3/ 137.
(5)
ينظر: الحاوي الكبير 3/ 425.
(6)
ينظر: الحاوي الكبير 3/ 425، إحكام الأحكام 2/ 18.
ولهذا لما قال له صلى الله عليه وسلم رجل: إن ابني كان عَسِيفا (1) على هذا، وإنه زَنى بامرأته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«على ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أُنَيْس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها» (2)، لم يهمل حكمها لغيبتها عن حضرته، فدل هذا على أنه لو رأى عليها كفارة لألزمها ذلك ولم يسكت عنها (3).
الدليل الثالث: لأن الكفارة هنا إنما وجبت لأجل الإصابة والوقوع على المرأة وجماعها. والجِماعُ إنما يفعله الرجل وحده، وإنما المرأة مُمَكِّنةٌ من الفعل ومَحلٌ له؛ والكفارة لم تُجَب لذلك (4).
الدليل الرابع: ولأنه حق في مال يتعلق بالوطء فوجب أن يختص الزوج بتَحمُّله، كالمهر (5).
الدليل الخامس: ولأن الجِماع فعلٌ واحد لا يتم إلا بهما، فأجزأت فيه كفارة واحدة (6).
أدلة القول الثاني: القائلين بأن المرأة تلزمها الكفارة.
الدليل الأول: حديث الأعرابي السابق ذكره في أدلة القول الأول من رواية أبي هريرة وعائشة رضي الله عنهما.
وجه الاستدلال: أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجلَ بالكفارة -بسبب ما كان منه من إفساد الصيام بالمواقعة- دليلٌ على أن على المرأة كفارة مثل الرجل؛ لأن الشريعة قد سَوَّتْ بين الناس في الأحكام إلا في مواضع قام عليها دليل التفريق. وإذا لزم المرأة القضاء؛ لأنها أفطرت بجماع متعمد - كما وجب على الرجل -، لزِمَها الكفارة لهذه العلة كالرجل سواء (7).
الدليل الثاني: حديث: «من أفطر في رمضان فعليه ما على المظاهر (8)» (9).
(1) العَسِيف: هو الَأجير. ينظر: مختار الصحاح ص: 432.
(2)
رواه البخاري كتاب الصلح 5/ 355 رقم 2695، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، ومسلم كتاب الحدود 3/ 1324 رقم 1698، باب من اعترف على نفسه بالزنا، من حديث أبي هريرة، وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما.
(3)
ينظر: معالم السنن 2/ 118.
(4)
ينظر: شرح عمدة الفقه كتاب الصيام 1/ 324 - 325.
(5)
ينظر: الحاوي الكبير 3/ 425، والمهذب 1/ 337، والبيان للعمراني 3/ 522.
(6)
ينظر: شرح عمدة الفقه كتاب الصيام 1/ 325.
(7)
ينظر: معالم السنن 2/ 117، عارضة الأحوذي 3/ 255.
(8)
من الظهار، وهو قول الرجل لامرأته: أنتي علي كظهر أمي. ينظر: القاموس المحيط 1/ 434.
(9)
قال الزيلعي في نصب الراية 2/ 449: "حديث غريب بهذا اللفظ"، وقال الحافظ في الدراية 1/ 279 رقم 370:"لم أجده هكذا".
وجه الاستدلال: أن الحديث جاء عاما، ولم يفرق بين مفطر أو مفطرة، وهذه مفطرة فيتناولها الحديث؛ لأن «مَن» تُطلَق على المذكر والمؤنث (1).
الدليل الثالث: قياسا على قضاء ذلك اليوم، فلما وجب عليها قضاء ذلك اليوم وجبت عليها الكفارة عنه (2).
الدليل الرابع: ولأنها هتكت صوم رمضان بالجماع، فوجبت عليها الكفارة؛ كالرجل (3)؛ وذلك لأنها إذا طاوعته على الجماع كان كل منهما فاعلا له ومشاركا فيه، فما وجب عليه لله من الكفارة والعقوبة وغير ذلك وجب عليها مثله (4).
الدليل الخامس: ولأن الكفارة عقوبة تتعلق بالجماع، فاستوى فيها الرجل والمرأة؛ كحد الزنا (5).
الدليل السادس: ولأنهما اشتركا في سبب تجب به الكفارة، فوجب أن يلزم كل واحد منهما كفارة؛ كالقتل (6).
الدليل السابع: ولأنها كفارة، فوجبت على كل واحد منهما؛ كالحدّ (7) ، فإن الحدود كفارات لأهلها؛ لأن الكفارة ماحية من وجه وزاجرة من وجه وجابرة من وجه، والمرأة محتاجة إلى هذه المعاني حسب احتياج الرجل (8).
الترجيح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الثاني: أن المرأة الصائمة إذا طاوعت في الجماع في نهار رمضان تجب عليها الكفارة؛ وذلك لقوة أدلة هذا القول، ولأن الشريعة قد سوت بين الناس في الأحكام إلا في مواضع قام عليها دليل التخصيص، ولا دليل على إسقاط الكفارة عن المرأة.
(1) ينظر: المبسوط للسرخسي 3/ 72، الهداية للمرغيناني 1/ 122، منحة السلوك ص 265.
(2)
ينظر: التمهيد 7/ 178، وشرح البخاري لابن بطال 4/ 78، والتوضيح لابن الملقن 13/ 269.
(3)
ينظر: المغني 3/ 137، المبدع 3/ 31، شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 326، مطالب أولي النهى 2/ 200.
(4)
ينظر: شرح عمدة الفقه كتاب الصيام 1/ 326.
(5)
ينظر: المهذب 1/ 337، والبيان 3/ 521، والمجموع 6/ 330.
(6)
ينظر: الحاوي الكبير 3/ 425، والمسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين 1/ 259.
(7)
الحَدّ: واحد حدود، وهو في اللغة: المنع، وفي الشرع: عقوبة مقدرة وجبت حقًا لله تعالى. ينظر: النهاية 1/ 352، التعريفات للجرجاني ص 83.
(8)
ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 327.
وأما ما استدل به أصحاب القول الأول فيجاب عنه بما يلي:
أولا: أما استدلالهم بحديث الأعرابي؛ فيجاب عنه من ثلاثة وجوه:
الوجه الأول: إن ما ذكر من المشابهة بين قصة الأعرابي وقصة العسيف لا يستقيم، وبيانه من وجهين:
الأول: أن الرجل في حديث العسيف أخبر بما يوجب الحد، والحدود حق الله، يلزم الإمام استيفاؤها، أما الكفارة فهي معاملة بين العبد وبين ربه لا نظر للإمام فيها.
الثاني: أن الحد في قصة العسيف مختلف: فإن المرأة كانت مُحصَنة، وحَدُّها الرجم، وكان الرجل غير مُحْصَن، وحَدُّه الجلد، فلم يكن بيان أحدهما بيانا للآخر، فلما اختلف البيان احتاج إلى شرحه، بخلاف مسألتنا: فإن الحكم لا يختلف، فكان البيان للرجل بيانا للمرأة (1).
الوجه الثاني: أنه لا يُسلَّم أن هناك حاجة إلى إعلام المرأة؛ فإنها لم تعترف بسبب الكفارة. وإقرار الرجل عليها لا يوجب عليها حُكما. فيكون النبي صلى الله عليه وسلم قد قَبِل قول الأعرابي على نفسه بإقراره، ولم يقبل قوله عليها. وقد يمكن أن تكون المرأة مفطرة بعذر، من مرض، أو سفر، أو تكون مكرهة، أو ناسية لصومها، أو نحو ذلك من الأمور. وإذا كان كذلك، فإن الحاجة تمس إلى إعلامها إذا ثبت الوجوب في حقها، ولم يثبت (2).
الوجه الثالث: لا يُسلَّم قولهم إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين حكم المرأة؛ فإن بيانه في حق الرجل بيان له في حق المرأة؛ لاستوائهما في تحريم الفطر، وانتهاك حرمة الصوم، مع العلم بأن سبب إيجاب الكفارة هو ذاك. والتنصيص على الحكم في بعض المكلفين كاف عن ذكره في حق الباقين. وهذا كما أنه عليه السلام لم يذكر إيجاب الكفارة على سائر الناس غير الأعرابي لعلمهم بالاستواء في الحكم (3).
(1) ينظر: التحقيق في أحاديث الخلاف لابن الجوزي 2/ 84، شرح عمدة الفقه كتاب الصيام 1/ 330، والمبسوط للسرخسي 3/ 72 - 73.
(2)
ينظر: إحكام الأحكام 2/ 18، التحقيق في أحاديث الخلاف 2/ 85، معالم السنن 2/ 118.
(3)
ينظر: إحكام الأحكام 2/ 19.
وقد يقال أيضا: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرها بالقضاء، وقد أمر الأعرابي بالقضاء؛ لعلمه بأن حكمها حكمه، فما حمل عليه ترك ذكر القضاء؛ حمل عليه ترك ذكر الكفارة (1).
ثانيا: وأما قولهم: إن الجماع فعل واحد لا يتم إلا بهما فأجزأت فيه كفارة واحدة، فيجاب عنه:
أنه لا يخلو إيجابكم الكفارة الواحدة من أحد أمرين: إما أن تجب على الزوج وحده، أو تجب عليهما معا. فيبطل أن تجب على الزوج وحده؛ لاشتراكهما في موجب الكفارة وهو الوطء، ويبطل أن تجب عليهما معا؛ لأنه يقتضي أن يلزم كل واحد منهما نصف كفارة، وهذا خلاف الأصول (2).
ثالثا: وأما قولهم: إنه حق في مال يتعلق بالوطء فوجب أن يختص الزوج بتحمله كالمهر، فيجاب عنه:
أن قياس الكفارة على المهر قياس مردود، للفرق بينهما، لأن التحمل في النكاح إنما يجري في مؤن الزوجية، ولا يجري في العبادات والعقوبات (3).
رابعا: وأما قولهم: إن الكفارة هنا إنما وجبت لأجل الإصابة والوقوع على المرأة وجماعها، والجماع إنما يفعله الرجل وحده، وإنما المرأة ممكنة من الفعل ومحل له، والكفارة لم تُوجَب لذلك، فيجاب عنه:
بأن السبب جناية الإفساد لا نفس الوقاع، وقد شاركته فيها (4).
والله أعلم.
(1) ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 327، وشرح البخاري لابن بطال 4/ 78، والتوضيح لابن الملقن 13/ 269.
(2)
ينظر: الحاوي الكبير 3/ 425.
(3)
المبسوط للسرخسي 3/ 73.
(4)
ينظر: الهداية للمرغيناني 1/ 122.