الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: حكم من نذر صوم يوم قدوم فلان مثلا فوافق يوم عيد
.
اختيار الشيخ: اختار أن نذره ينعقد ويصح ويجب عليه قضاء يوم آخر، فقال:"وأما المسألة الثانية فالأشبه فيهما أن ينعقد نذره ويصح ويجب قضاؤه"(1).
تحرير المسألة: ذُكر في المسألة السابقة حكم من نذر صوم العيدين لعينيهما، وذُكر اختلاف الفقهاء فيها. ومما اختلفوا فيه أيضا:
حكم من نذر صوم يوم قدوم فلان مثلا، فوافق يوم عيد، فاختلفوا فيها على قولين:
القول الأول: أن نذره لا يصح ولا ينعقد.
وبه قال: المالكية (2) ، والشافعية في الأصح (3).
القول الثاني: أن نذره ينعقد ويصح، ويجب عليه قضاء يوم آخر.
وبه قال: الحنفية (4) ، وقول عند الشافعية (5) ، وهو قول الحنابلة (6)، وهو اختيار الشيخ.
أدلة القول الأول: القائلين بأن نذره لا يصح ولا ينعقد.
الدليل الأول: جاء رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما، فقال: إني نذرت أن أصوم يوما، فوافق يوم أضحى أو فطر، فقال ابن عمر رضي الله عنهما:«أَمَر الله تعالى بوفاء النذر، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم هذا اليوم» (7).
وجه الاستدلال: أن ابن عمر رضي الله عنه نبَّه على أن الوفاء بالنذر عام، والمنع من صوم يوم العيد خاص، فكأنه أفهمه أنه يقضي بالخاص على العام، فلا يصومه ولا يقضيه (8).
(1) مرعاة المفاتيح 7/ 69.
(2)
جامع الأمهات ص 178، إكمال المعلم 4/ 93، التنبيهات المستنبطة 1/ 329، التوضيح 2/ 457.
(3)
الأم 2/ 114، الوسيط 7/ 271، البيان 4/ 490، شرح مسلم للنووي 8/ 16.
(4)
الأصل للشيباني 2/ 242، المبسوط للسرخسي 3/ 95، عمدة القاري 11/ 110.
(5)
الأم 2/ 114، الوسيط 7/ 271، العزيز 3/ 247، أسنى المطالب 1/ 432.
(6)
الإقناع 4/ 360، المبدع 8/ 131، منتهى الإرادات 5/ 257. وعندهم: في رواية مع القضاء الكفارة، وفي أخرى: إن صامه أجزأ وإن كان صيامه حراما، ينظر: المغني 10/ 22.
(7)
سبق تخريجه صفحة (492).
(8)
ينظر: إرشاد الساري 3/ 418، شرح مسلم للنووي 8/ 16، المعلم 2/ 59.
الدليل الثاني: ولأنه إذا التقى الأمر والنهي في محل قدم النهي (1).
الدليل الثالث: ولأنه قَدِمَ في زمن لا يصح صومه فيه، فلم يلزمه شيء، كما لو قَدِم ليلا (2).
الدليل الرابع: ولأن لفظه لم يتناول القضاء، وإنما يجب قضاء الفرائض بأمر جديد على المختار عند الأصوليين (3).
أدلة القول الثاني: القائلين بأن نذره ينعقد ويصح، ويجب عليه قضاء يوم آخر.
الدليل الأول: جاء رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما، فقال: إني نذرت أن أصوم يوما، فوافق يوم أضحى أو فطر، فقال ابن عمر رضي الله عنهما:«أمر الله تعالى بوفاء النذر، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم هذا اليوم» (4).
وجه الاستدلال: أن ابن عمر رضي الله عنهما عَرَّضَ (5) للسائل بأن الاحتياط لك هو القضاء، فتَجْمَع بين أمر الله سبحانه وتعالى وهو قوله:{وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} (6). وبين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أمره بترك صوم يومي العيد (7).
الدليل الثاني: ولأنه لم يقصد بنذره المعصية، وإنما وقع اتفاقا (8).
الدليل الثالث: ولأنه نذر نذرا يمكن الوفاء به غالبا، فكان منعقدا؛ كما لو وافق غير يوم العيد، ولا يجوز أن يصوم يوم العيد؛ لأن الشرع حرَّم صومه، فأشبه زمن الحيض، ولزمه القضاء؛ لأنه نذرٌ منعقد، وقد فاته الصيام بالعذر (9).
الترجيح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الثاني: أنه ينعقد نذره ويصح ويجب قضاؤه؛ لأنه نذر نذرا يمكن الوفاء به غالبا، ولم يقصد بنذره المعصية، وإنما وقع اتفاقا فينعقد؛ كما لو
(1) ينظر: إرشاد الساري 3/ 418، أضواء البيان 2/ 300.
(2)
ينظر: المغني 10/ 22.
(3)
ينظر: شرح مسلم للنووي 8/ 16، ونيل الأوطار 4/ 310.
(4)
سبق تخريجه صفحة (492).
(5)
عَرَّض: من التَعْريض: وهو خلاف التصريح في القول، والجمع معاريض. ينظر: النهاية 3/ 212.
(6)
سورة الحج: آية: 92.
(7)
ينظر: عمدة القاري 11/ 112.
(8)
ينظر: المغني 10/ 23.
(9)
ينظر: المغني 10/ 22، الشرح الكبير 11/ 346، والمنح الشافيات 2/ 769، كشاف القناع 6/ 280.
وافق غير يوم العيد. ولا يجوز أن يصوم يوم العيد؛ لأن الشرع حرَّم صومه فأشبه زمن الحيض، ولزمه القضاء؛ لأنه نذر منعقد وقد فاته الصيام بالعذر (1).
وأما جواب ابن عمر رضي الله عنهما فلا أظنه حجة لأحد القولين، بل أظن أن ابن عمر رضي الله عنهما قد تَوَرَّع (2) عن الجواب؛ لتعارض الأدلة عنده.
قال النووي: "معناه أن ابن عمر توقف عن الجزم بجوابه لتعارض الأدلة عنده"(3).
والله أعلم.
(1) ينظر: مرعاة المفاتيح 7/ 69.
(2)
تَوَرَّع: من الوَرَع: وهو التقوى، والتَحَرُّج. ينظر: تاج العروس 22/ 313
(3)
شرح مسلم 8/ 16، وينظر إرشاد الساري 3/ 418.