الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الحادي عشر: ما هي أيام البيض
؟ .
اختيار الشيخ: اختار قول جمهور أهل العلم بأنها الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، فقال:"أيام الليالي البيض، وهي الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر"(1).
وقال أيضا: "واختلفوا في تعيينها، فذهب الجمهور إلى أنها: ثالث عشر، ورابع عشر، وخامس عشر. وقيل هي: الثاني عشر، والثالث عشر، والرابع عشر. وحديث أبي ذر رضي الله عنه هذا وما في معناه يرُدّ ذلك"(2).
تحرير المسألة: قد عرفنا في المسألة السابقة أن جمهور أهل العلم قد استحبوا صيام أيام البيض، وقد جرى بينهم خلاف -وإن كان ضعيفا- في تعيينها، ولأن الشيخ عبيد الله المبارك فوري قد ذكر خلافهم ورجح ما ذُكِر، كان من المناسب أن تذكر أقوالهم هنا باختصار.
وقد اختلفوا في تعيين أيام البيض على قولين:
القول الأول: هي الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر.
وبه قال: الحنفية (3) ، والمالكية (4) ، والشافعية في الصحيح المشهور (5) ، والحنابلة (6)، وهو اختيار الشيخ.
القول الثاني: هي الثاني عشر، والثالث عشر، والرابع عشر.
وهو وجه ضعيف عند الشافعية (7).
أدلة القول الأول: القائلين أنها هي الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر.
استدلوا بالأحاديث التي عينت أيام البيض، وقد ذكرت في المسألة السابقة (8) ، وأذكر هنا بعضها.
(1) مرعاة المفاتيح 7/ 99.
(2)
مرعاة المفاتيح 7/ 85. وحديث أبي ذر سبق صفحة (472).
(3)
المبسوط 11/ 231، بدائع الصنائع 2/ 79، مراقي الفلاح ص 236، تبيين الحقائق 1/ 332.
(4)
الكافي 1/ 350، المقدمات 1/ 243، الذخيرة 2/ 532، مواهب الجليل 2/ 414. تنبيه: ذُكِر هنا في هذه المسألة تعيين المالكية لأيام البيض، وليس المقصود بتعيينهم لها القول باستحباب صومها، فهي مسألة أخرى مرت قبل هذه ص 471.
(5)
الحاوي الكبير 3/ 475، البيان 3/ 553، فتح العزيز 6/ 470، المجموع 6/ 385.
(6)
الكافي 1/ 450، المحرر 1/ 231، شرح الزركشي 2/ 642، الإنصاف 3/ 343.
(7)
الحاوي الكبير 3/ 475، البيان 3/ 553، المجموع 6/ 385، النجم الوهاج 3/ 357.
(8)
صفحة (471).
الدليل الأول: عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر، وأيام البيض صبيحة ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة» (1).
الدليل الثاني: عن قتادة بن ملحان القيسي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصوم البيض: ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة، قال: وقال: «هن كهيئة الدهر» (2).
الدليل الثالث: عن أبي ذر رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام البيض: ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة (3).
وجه الاستدلال: أن هذه الأحاديث قد عينت أيام البيض بأنها: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر من الشهر.
أدلة القول الثاني: القائلين إنها هي الثاني عشر، والثالث عشر، والرابع عشر.
لم أجد في كتب السنة التي وقفتُ عليها ما ذكر من تعيين أيام البيض بأنها هي الثاني عشر، والثالث عشر، والرابع عشر. ولكن ذكر الكِرْماني (4) أن ذلك موجود في كتاب الترمذي.
فقال -عند قول البخاري في صحيحه: باب صيام أيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة-: "وهي الثلاثة المذكورة ليلة البدر وما بعدها وما قبلها وفي كتاب الترمذي أنها هي الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر"(5).
ولم أجده عند الترمذي، وقد ذكر الإمام النووي، والحافظ ابن حجر، وابن الملقن وغيرهم من العلماء † هذا القول، ولم يذكروا فيه حديثا، بل وصفوه بأنه قول ضعيف غريب (6).
ولم يُنبِّه أحد منهم على هذه الرواية التي ذَكرها الكرماني.
(1) سبق تخريجه صفحة (472).
(2)
سبق تخريجه صفحة (472).
(3)
سبق تخريجه صفحة (472).
(4)
هو: محمد بن يوسف بن علي بن سعيد الكِرْماني، شمس الدين البغدادي، فقيه، أصولي، محدث، مفسر، تصدى لنشر العلم ببغداد ثلاثين سنة، وأقام مدة بمكة، وتوفي راجعا من الحج في المحرم سنة 786 هـ، من تصانيفه: الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري، وضمائر القرآن، وشرح مختصر ابن الحاجب. ينظر: الدرر الكامنة 6/ 66، البدر الطالع 2/ 292، والأعلام 7/ 153.
(5)
الكواكب الدراري 9/ 139.
(6)
ينظر: المجموع 6/ 385، وفتح الباري 4/ 227، والتوضيح لابن الملقن 13/ 480.
والذي أخشاه أن الكرماني قد فَهم هذا من شرح الإمام النووي على مسلم، فظن أن هناك رواية عند الترمذي، ونص الإمام النووي في شرحه على مسلم:"وهذا متفق على استحبابه، وهو استحباب كون الثلاثة هي أيام البيض (1) ، وهي: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر؛ وقد جاء فيها حديث في كتاب الترمذي وغيره. وقيل هي: الثاني عشر، والثالث عشر، والرابع عشر"(2).
فإن كان ما ذكر هنا صحيحا من كون الكرماني فهِم كلام الإمام النووي على غير مراده، فيكون القسطلاني قد تبنى كلام الكرماني دون تمحيص.
فقد قال: "والاحتياط صوم الثاني عشر مع أيام البيض لأن في الترمذي أنها الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر"(3). والله أعلم بالصواب.
الراجح: والذي يترجح في هذه المسألة -إن شاء الله- هو القول الأول: أن أيام البيض هي: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر؛ وذلك لصحة أدلتهم ولصراحتها؛ ولعدم وجود دليل يستدل به أصحاب القول الثاني كما مر معنا.
وقد قال الإمام النووي -عند ذكر هذا القول-: "وفيه وجه لبعض أصحابنا
…
أنها: الثاني عشر، والثالث عشر، والرابع عشر، وهذا شاذ ضعيف؛ يَردُّه الحديثُ السابق (4) في تفسيرها، وقَولُ أهل اللغة أيضا وغيرهم" (5).
والله أعلم.
(1) وفيما حكاه النووي: من الاتفاق على استحباب صيام أيام البيض نظر؛ لما ذكر عن الإمام مالك من كراهة تعيين صومها، كما مر في المسألة السابقة ص 471، وينظر: عمدة القاري 11/ 97.
(2)
شرح مسلم 8/ 49.
(3)
إرشاد الساري 3/ 410.
(4)
أي حديث أبي ذر رضي الله عنه ص (479) وما في معناه.
(5)
المجموع 6/ 385.