الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: هل يجوز التطوع قبل القضاء
؟ .
اختيار الشيخ: اختار جواز التطوع بالصيام قبل قضاء رمضان، فقال بعد حديث عائشة رضي الله عنها:"وهو مبني على أنها كانت لا ترى جواز صيام التطوع لمن عليه دَين من رمضان. ولكن مِن أين ذلك لمن يقول به، والحديث ساكت عن ذلك؟ "(1).
اختلف العلماء في حكم التطوع بالصيام قبل قضاء رمضان على قولين:
القول الأول: يجوز التطوع قبل قضاء رمضان.
وبه قال: الحنفية (2) ، والمالكية (3) ، والشافعية (4) ، والحنابلة في رواية (5)، وهو اختيار الشيخ.
القول الثاني: لا يجوز التطوع قبل قضاء رمضان.
وبه قال: الحنابلة في المذهب (6)، والظاهرية (7).
أدلة القول الأول: القائلين بأنه يجوز التطوع قبل قضاء رمضان.
الدليل الأول: عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت:«إن كانت إحدانا لَتُفطِر في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما تقدر على أن تقضيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى يأتي شعبان» (8).
وجه الاستدلال: أن عائشة أخبرت عنها وعن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أنهن كن يقضين رمضان في شعبان، ويَبعُد جدا أن لا يَكُنّ قد تَطوعْنَ بصيام يوم واحد خلال هذه المدة الطويلة، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان يصوم حتى يقال: لا يفطر، ويفطر حتى يقال: لا يَصوم» (9).
(1) مرعاة المفاتيح 7/ 23. سيأتي حديث عائشة في الأدلة في نفس هذه الصفحة (542).
(2)
بدائع الصنائع 2/ 104، الهداية 1/ 124، فتح القدير 2/ 354، اللباب في شرح الكتاب 1/ 170.
(3)
البيان والتحصيل 2/ 325، الشامل 1/ 198، مختصر خليل ص 61، التاج والإكليل 3/ 333. وعندهم: يكره التطوع قبل القضاء وإن كان فعله جائزا، تنظر المراجع السابقة.
(4)
النجم الوهاج 3/ 352، أسنى المطالب 1/ 431، نهاية الزين ص 197، تحفة المحتاج 3/ 457. وعندهم: الجواز غير مستوي الطرفين بل يكره تقديم النفل على القضاء، تنظر المراجع السابقة.
(5)
الهداية ص 165، المغني 3/ 154، شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 358، الإنصاف 3/ 350.
(6)
تنظر المراجع السابقة.
(7)
المحلى 4/ 408.
(8)
رواه مسلم 2/ 803 رقم 1146، في الصيام باب قضاء رمضان في شعبان.
(9)
سبق تخريجه صفحة (141)، من حديث أسامة.
وكان يصوم يوم عرفة وعاشوراء، ورغَّب في صيامهن أشد الترغيب (1)، وكان يُكثِر من صوم الاثنين والخميس (2) ، وكان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر (3).
الدليل الثاني: ولأن قضاء رمضان عبادة وقتها موسع، فجاز التطوع في وقتها قبل فعلها؛ كالصلاة يتطوع في أول وقتها (4).
أدلة القول الثاني: القائلين بأنه لا يجوز التطوع قبل قضاء رمضان.
الدليل الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:«من أدرك رمضان وعليه من رمضان شيء -لم يقضه-، لم يُتَقَبَّل منه، ومن صام تطوعا وعليه من رمضان شيء -لم يقضه-، فإنه لا يُتقبَّل منه حتى يصومه» (5).
الدليل الثاني: في وصية أبي بكر الصديق (6) لعمر رضي الله عنهما: «وإنه لا يَقبل نافلة حتى تؤدي الفريضة» (7).
الدليل الثالث: ولأنه إنما جاز له تأخير القضاء رِفْقا به وتخفيفا عنه؛ فلم يجز له أن يشتغل عنه بغيره كالأداء (8).
(1) سبق صفحة (420)، من حديث أبي قتادة.
(2)
سبق صفحة (141)، من حديث أسامة.
(3)
ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 358.
(4)
ينظر: المغني 3/ 155، شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 358، بدائع الصنائع 2/ 104.
(5)
رواه أحمد 14/ 269 رقم 8621، وقال شعيب الأرناؤوط:"إسناده ضعيف"، وأخرج الشطر الأول منه الطبراني في المعجم الأوسط 3/ 321 رقم 3284، وقال:"تفرد به ابن لهيعة"، وقال الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة 2/ 235 رقم 838:"ضعيف".
(6)
هو: عبد الله بن أبي قُحَافَة عثمان بن عامر بن كعب التيمي القرشي، أبو بكر: أول الخلفاء الراشدين، وأول من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم من الرجال، وأحد أعاظم العرب. بويع بالخلافة يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فحارب المرتدين والممتنعين من دفع الزكاة. توفي في المدينة سنة 13 هـ. ينظر: أسد الغابة 3/ 205، الإصابة 7/ 38، الأعلام 4/ 102.
(7)
رواها ابن أبي شيبة في المصنف 7/ 91 رقم 34433، في كتاب الزهد، باب كلام أبي بكر، وأبو داود في الزهد ص 53 رقم 28، وابن المبارك في الزهد والرقائق ص 319 رقم 914، وقال الألباني في الإرواء 6/ 80 رقم 1642:"أثر أن أبا بكر وصى بالخلافة لعمر صحيح".
(8)
ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 357.
الترجيح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول: جواز التطوع قبل قضاء رمضان؛ لقوة ما استدلوا به؛ ولعدم وجود دليل يمنع ذلك.
ومع هذا فالأفضل تقديم قضاء رمضان على صيام النفل، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك في قوله:«من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر كله» (1). فهذا تلطف من الشارع الحكيم لكي يبادر العبد في قضاء رمضان في شوال، ثم يصوم الست من شوال وينال هذا الأجر العظيم.
وأما ما استدل به أصحاب القول الثاني فيجاب عنه بما يلي:
أولا: أما استدلالهم بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فيجاب عنه:
أنه حديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم. كما أن فيه نكارة؛ وذلك في قوله: «من أدرك رمضان وعليه من رمضان شيء -لم يقضه-، لم يتقبل منه» (2).
ثانيا: وأما استدلالهم بوصية أبي بكر لعمر رضي الله عنهما ، والتي فيها:«وإنه لا يقبل نافلة حتى تؤدي الفريضة» ، فيجاب عنه:
أنه يلزمهم على هذا الفهم القول بتحريم صلاة النوافل والرَواتب قبل أداء صلاة الفريضة، فإن قالوا: هذه وقتها موسع، قيل لهم: وتلك وقتها موسع (3).
وإنما معنى الأثر -والله أعلم- أن الله لا يتقبل من عباده النوافل وهم قد ضيعوا الفرائض.
قال أبو الوليد ابن رشد الجدّ: "وما جاء من أنه لا تقبل من أحد نافلة وعليه فريضة معناه -والله أعلم-: في الرجل يصلي النافلة في آخر وقت الفريضة، قبل أن يصلي الفريضة، فتفوته بذلك صلاة الفريضة. مثال ذلك: أن يترك صلاة الصبح إلى قرب طلوع الشمس، بمقدار ركعتين فيصلي ركعتي الفجر، أو غيرهما من النوافل، ويترك صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، أو يترك صلاة العصر إلى قرب مغيب الشمس، بمقدار أربع ركعات، فيتنفل، ويترك صلاة العصر حتى تغيب الشمس"(4). والله أعلم.
(1) سبق تخريجه صفحة (444).
(2)
ينظر: المغني 3/ 154.
(3)
ينظر: الشرح الممتع 6/ 443
(4)
مسائل أبي الوليد ابن رشد الجد 2/ 892. وينظر: الفروع وتصحيح الفروع 5/ 111.