المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الرابع: حكم إفطار المسافر الذي استهل عليه رمضان وهو مقيم - الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف

[موافقي الأمين]

فهرس الكتاب

- ‌ الافتتاحية

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌خطة البحث

- ‌المنهج المتبع في البحث:

- ‌الشكر وتقدير:

- ‌التمهيددراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري واختياراته

- ‌المبحث الأول: دراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول:‌‌ اسمه، ونسبه، و‌‌كنيته، و‌‌لقبه

- ‌ اسمه، ونسبه

- ‌كنيته

- ‌لقبه

- ‌المطلب الثاني:‌‌ مولده، و‌‌أسرته، ووفاته

- ‌ مولده

- ‌أسرته

- ‌وفاته:

- ‌المطلب الثالث: نشأته، وطلبه للعلم

- ‌المطلب الرابع:‌‌ شيوخه، وتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌أولا: الشيخ أبو الهدى عبد السلام بن الشيخ خان محمد بن أمان الله المباركفوري

- ‌ثانيا: الشيخ العلامة أبو طاهر البهاري

- ‌ثالثا: الشيخ أبو العلى محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن الشيخ بهادر المباركفوري

- ‌رابعا: الشيخ العلامة أحمد الله بن أمير الله بن فقير الله فرتاب كرهي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفور جيراجفوري

- ‌سادسا: الشيخ العلامة محمد أعظم بن فضل الدين أبو عبد الله الجوندلوي الباكستاني

- ‌تلامذته:

- ‌أولا: الشيخ عبد الجليل بن تعلقدار الرحماني البستوي

- ‌ثانيا: الشيخ محمد إدريس آزاد الرحماني الأملوي

- ‌ثالثا: الشيخ عبد المعيد بن عبد المجيد بن عبد القادر أبو عبيدة البنارسي

- ‌رابعا: الشيخ آفتاب آحمد الرحماني البنغلاديشي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفار حسن بن العلامة عبد الستار بن عبد الجبار العمر فوري الرحماني

- ‌سادسا: الشيخ أحمد الله بن عبد الكريم الرحماني البنغلاديش

- ‌المطلب الخامس:‌‌ عقيدته، ومذهبه الفقهي

- ‌ عقيدته

- ‌عقيدة الشيخ في الإيمان:

- ‌عقيدة الشيخ في الأسماء والصفات:

- ‌عقيدته في التوسل ودعاء الأموات والغائبين:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌المطلب السادس: ثناء العلماء عليه

- ‌المطلب السابع: آثاره العلمية

- ‌المبحث الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول: تعريف الاختيار

- ‌في اللغة:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌التعريف الأول:

- ‌التعريف الثاني:

- ‌وقد عرفه بعض الباحثين باعتبار أقسامه الثلاثة:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي والإنفراد:

- ‌تعريف الرأي:

- ‌وأما في الاصطلاح فقد عرف بعدة تعاريف منها:

- ‌تعريف الإنفراد:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي:

- ‌وجه التشابه بينهما:

- ‌وجه الاختلاف بينهما:

- ‌الفرق بين الإختيار والإنفراد:

- ‌الفرق بين الإنفراد والرأي:

- ‌المطلب الثاني: منهج المباركفوري في اختياراته، وموقف العلماء منها

- ‌المطلب الثالث: دراسة الصيغ المعتبرة (في الاختيار) عند الشيخ المباركفوري

- ‌الباب الأول: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في الصيام

- ‌الفصل الأول: في تسمية الشهر، وفي رؤية الهلال، وفي يوم الشك

- ‌المبحث الأول: حكم قول رمضان، وفي رؤية الهلال

- ‌المطلب الثاني: اعتبار اختلاف المطالع

- ‌المطلب الثالث: هل يثبت دخول الشهر بالحساب الفلكي

- ‌المطلب الرابع: عدد الشهود في هلال شهر رمضان

- ‌المطلب الخامس: عدد الشهود لثبوت هلال شوال

- ‌المطلب السادس: هل يكفي الإخبار ممن رأى الهلال أو تشترط الشهادة

- ‌المطلب السابع: حكم صيام من رأى هلال شوال وحده فردت شهادته

- ‌المطلب الثامن: حكم من أفطر ثم تبين أن اليوم من رمضان

- ‌المبحث الثاني: في يوم الشك، والصوم بعد انتصاف شعبان

- ‌المطلب الأول: في تعيين يوم الشك

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر

- ‌المطلب الثالث: من صام يوم الشك فتبين أنه من رمضان

- ‌المطلب الرابع: حكم الصيام بعد انتصاف شعبان

- ‌الفصل الثاني: في النية وصيام المسافر

- ‌المبحث الأول: في النية

- ‌المطلب الأول: في النية للفرض

- ‌المسألة الثانية: حكم النية لكل يوم من رمضان

- ‌المسألة الثالثة: حكم تعيين النية

- ‌المسألة الرابعة: حكم التَلَفُّظ بالنية

- ‌المسألة الخامسة: هل يُشترَط أن تُعقَد النية في جزء معين من الليل

- ‌المسألة السادسة: حكم ما إذا فعل بعد النية قبل الفجر ما ينافي الصوم

- ‌المطلب الثاني: في النية النفل

- ‌المسألة الأولى: حكم صيام يوم الشك بنية التطوع

- ‌المسألة الثانية: حكم نية صوم النفل من النهار

- ‌المسألة الثالثة: حكم عقد نية النفل بعد الزوال

- ‌المبحث الثاني: صوم السفر

- ‌المطلب الأول: حكم الصيام في السفر

- ‌المطلب الثاني: ما الأفضل للمسافر الصيام أو الفطر

- ‌المطلب الثالث: حد السفر المبيح للفطر

- ‌المطلب الرابع: حكم إفطار المسافر الذي استهل عليه رمضان وهو مقيم

- ‌المطلب الخامس: حكم إفطار المسافر بعد أن كان قد شرع في الصيام

- ‌المطلب السادس: حكم إفطار من سافر بعد طلوع الفجر

- ‌الفصل الثالث: في المفطرات وما يجتنبه الصائم، وفي الكفارة وخصالها

- ‌المبحث الأول: في المفطرات وما يجتنبه الصائم

- ‌المطلب الثاني: حكم الفصد للصائم

- ‌المطلب الرابع: حكم التقبيل للصائم

- ‌المطلب الخامس: حكم الاستياك للصائم

- ‌المسألة الثانية: الاستياك بالعود الرطب

- ‌المسألة الثالثة: الاستياك في صوم الفريضة

- ‌المطلب السابع: حكم الوصال في الصيام

- ‌المسألة الأولى: الوصال أكثر من يوم

- ‌المسألة الثانية: الوصال إلى السَحَر

- ‌المطلب الثامن: حكم من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم

- ‌المطلب العاشر: حكم انغماس الصائم في الماء

- ‌المطلب الحادي عشر: في الأكل والشرب للمتسحر

- ‌المسألة الأولى: حكم من أكل أو شرب وهو شاك في الفجر

- ‌المسألة الثانية: هل المعتبر في تحريم الأكل والشرب تَبَيُّن الفجر أو طلوع الفجر

- ‌المطلب الثالث عشر: حكم صيام الحائض والنُفَساء إذا طهرت قبل الفجر، ولم تغتسل إلا بعد الفجر

- ‌المبحث الثاني: في الكفارة، وخصالها

- ‌المطلب الثاني: هل على المرأة المجامعة في رمضان كفارة

- ‌المطلب الثالث: هل على من جامع ناسيا في رمضان كفارة

- ‌المطلب الرابع: هل الأكل والشرب في رمضان عمدا يوجبان الكفارة كالجماع

- ‌المطلب السادس: هل الخصال الثلاثة في كفارة الجماع في رمضان على الترتيب أو على التخيير

- ‌المطلب السابع: حكم اشتراط التتابع في صيام كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب الثامن: ما هو الحد الواجب في الإطعام في كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب التاسع: هل يشترط في الرقبة المعتقة في كفارة الجماع في رمضان أن تكون مؤمنة

- ‌الفصل الرابع: في صوم التطوع، والأيام التي نهي عن الصوم فيها، وفي النذر، وصوم عاشوراء

- ‌المبحث الأول: في صوم التطوع والأيام التي نهي عن الصوم فيها

- ‌المطلب الأول: حكم إفراد يوم الجمعة بصيام

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام يوم السبت

- ‌المطلب الثالث: حكم صيام يوم عرفة للحاج

- ‌المطلب الخامس: حكم صيام عشر ذي الحِجَّة

- ‌المطلب السادس: حكم صيام الدهر

- ‌المطلب السابع: حكم صيام الست من شوال

- ‌المطلب الثامن: ما هو أفضل الصيام بعد رمضان صيام شعبان أو المحرم

- ‌المطلب التاسع: حكم الإفطار في صوم النافلة

- ‌المطلب العاشر: تعيين الأفضل في صيام ثلاثة أيام من كل شهر

- ‌المطلب الحادي عشر: ما هي أيام البيض

- ‌المطلب الثاني عشر: معنى صيام يوم في سبيل الله

- ‌المبحث الثاني: في النذر، وفي أعذار الفطر

- ‌المطلب الأول: حكم من نذر صوم العيدين متعمدا لعينيهما

- ‌المطلب الثاني: حكم من نذر صوم يوم قدوم فلان مثلا فوافق يوم عيد

- ‌المطلب الثالث: هل الضيافة عذر للإفطار من صوم النفل

- ‌المطلب الرابع: هل يستحب لمن كان صائما صيام نفل أن يفطر إذا دُعي

- ‌المبحث الثالث: في صوم عاشوراء

- ‌المطلب الأول: نسخ وجوب صيام يوم عاشوراء

- ‌المطلب الثاني: هل عاشوراء هو اليوم التاسع أو اليوم العاشر

- ‌المطلب الثالث: ما الأفضل في صيام عاشوراء

- ‌المطلب الرابع: هل صيام يوم مع عاشوراء لاحتمال الشك أو لمخالفة أهل الكتاب

- ‌المطلب الخامس: هل الأفضل صيام يوم عاشوراء أو يوم عرفة

- ‌الباب الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر، وفي الاعتكاف

- ‌الفصل الأول: في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر

- ‌المبحث الأول: في قضاء الصوم

- ‌المطلب الأول: هل يجب قضاء رمضان على الفور؟ ، وهل يجب التتابع

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز التطوع قبل القضاء

- ‌المطلب الثالث: هل يقضي من أفطر في صيام النفل

- ‌المطلب الرابع: حكم صيام المرأة النفل وقضاء الواجب بغير إذن زوجها

- ‌المطلب الخامس: هل يقضي المجامع في رمضان اليوم الذي جامع فيه

- ‌المطلب السادس: حكم القضاء على من ذرعه القيء

- ‌المطلب السابع: هل يقضي من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌المطلب الثامن: هل يقضي الصوم من تمضمض أو استنشق فغلبه الماء

- ‌المطلب التاسع: حكم من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر

- ‌المطلب العاشر: ما الواجب على المُرضع والحامل إذا خافتا على ولدهما فقط

- ‌المبحث الثاني: في القضاء عن الميت

- ‌المطلب الأول: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي أمكنه التدارك

- ‌المطلب الثاني: ما الصوم الذي يصام عن الميت

- ‌المطلب الثالث: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي لم يمكنه التدارك

- ‌المبحث الثالث: في ليلة القدر

- ‌المطلب الأول: في تعيين ليلة القَدْر

- ‌المطلب الثاني: هل ليلة القدر خاصة بهذه الأمة

- ‌الفصل الثاني: في الاعتكاف

- ‌المبحث الأول: في حكمه، واشتراط الصوم له، وغير ذلك

- ‌المطلب الأول: حكم (الاعتكاف)

- ‌المطلب الثاني: هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف

- ‌المطلب الثالث: هل لأقل الاعتكاف حدّ

- ‌المطلب الرابع: هل ينقطع اعتكاف من عاد مريضا أو صلى على جنازة

- ‌المطلب الخامس: هل يجوز (الاشتراط في الاعتكاف)

- ‌المطلب السادس: حكم من نذر الاعتكاف قبل إسلامه

- ‌المطلب السابع: متى يدخل المعتكِف معتكَفه

- ‌المطلب الثامن: حكم قضاء الاعتكاف

- ‌المبحث الثاني: في مكان الاعتكاف

- ‌المطلب الأول: أين تعتكف المرأة

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

- ‌المطلب الثالث: هل يجوز الاعتكاف في غير (المسجد الجامع)

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب الرابع: حكم إفطار المسافر الذي استهل عليه رمضان وهو مقيم

‌المطلب الرابع: حكم إفطار المسافر الذي استهل عليه رمضان وهو مقيم

.

اختيار الشيخ: اختار جواز إفطار المسافر الذي استهل عليه رمضان وهو مقيم، فقال:"والحديث نص في الجواز إذ لا خلاف في أنه صلى الله عليه وسلم استهل رمضان في عام غزوة الفتح وهو بالمدينة، ثم سافر في أثنائه"(1).

تحرير محل الخلاف: اتفق أهل العلم أن من سافر سفرا تقصر في مثله الصلاة، فأَهلّ عليه شهر رمضان وهو في سفره، أنه إن أفطر فلا إثم عليه (2).

واختلفوا في من استهل عليه شهر رمضان وهو مقيم، ثم بدا له أن يسافر أثناء الشهر، هل له الفطر أم يلزمه الصيام في سفره؟ على قولين:

القول الأول: يلزمه الصوم في سفره، وليس له الفطر.

وقال به: ابن عباس، وعلي ابن أبي طالب، رضي الله عنهما (في رواية عنهما) ، وعائشة رضي الله عنها (3) ، وسُوَيْد بن غَفَلَة (4) ، وعُبَيْدَة السَّلْماني (5) ، وأبو مِجْلَز (6)(7).

(1) مرعاة المفاتيح 7/ 11. أي في حديث ابن عباس وسيأتي في أدلة القول الثاني.

(2)

ينظر: مراتب الإجماع ص 40، الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 230، اختلاف الأئمة العلماء 1/ 227، بدائع الصنائع 2/ 94، البيان 3/ 471، تفسير القرطبي 2/ 299، المغني 3/ 116.

(3)

مصنف ابن أبي شيبة رقم 9001، تفسير الطبري 3/ 449، 451، تفسير القرطبي 2/ 299.

(4)

هو: سُوَيد بن غَفَلة الُجعفي، أبو أمية الكوفي، المخضرم، أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ودخل المدينة يوم وفاته، وشهد القادسية واليرموك، روى عن: الخلفاء الأربعة، وغيرهم، وروى عنه: الشعبي، وإبراهيم، وغيرهما، توفي سنة 81 هـ. ينظر: معرفة الصحابة 3/ 1403، سير أعلام النبلاء 4/ 69، الأعلام 3/ 145.

(5)

هو: عبيدة بن عمرو أو قيس، أبو عمرو السَّلْماني المرادي، الفقيه الكوفي، تابعي كبير مخضرم، أسلم باليمن أيام فتح مكة، هاجر إلى المدينة في زمن عمر رضي الله عنه، وحضر كثير من الوقائع، روى عن: علي، وابن مسعود، وغيرهما، وروى عنه: إبراهيم النخعي، ومحمد بن سيرين، وغيرهما، توفي سنة 72 هـ. ينظر: تاريخ بغداد 11/ 117، سير أعلام النبلاء 4/ 40، الأعلام 4/ 199.

(6)

هو: لَاحِق بن حُمَيْد، ويقال: شعبة بن خالد السَّدُوسي، بصري تابعي ثقة، روى عن: أنس بن مالك، وعبد الله بن عمر، وغيرهما، روى عنه: أنس بن سيرين، وأيوب السختياني، وغيرهما، توفي في خلافة عمر بن عبد العزيز. ينظر: تهذيب التهذيب 11/ 151، تاريخ الإسلام 7/ 300.

(7)

مصنف ابن أبي شيبة 2/ 282، الإشراف لابن المنذر 3/ 145، تفسير الطبري 3/ 450، تفسير القرطبي 2/ 299، المغني 3/ 117.

ص: 227

القول الثاني: أن له الفطر في سفره ذلك.

وبه قال: الحنفية (1) ، والمالكية (2) ، والشافعية (3) ، والحنابلة (4).

وهو قول: ابن عباس، وعلي بن أبي طالب، رضي الله عنهم (في الرواية الثانية عنهما)(5) ، والحسن البصري، وسعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، وإسحاق بن راهويه (6).

وهو قول: جمهور أهل العلم (7)، وهو اختيار الشيخ.

سبب الخلاف: قال ابن رشد: "والسبب في اختلافهم؛ اختلافهم في مفهوم قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (8)؛ وذلك أنه يحتمل أن يفهم منه أن من شهد بعض الشهر فالواجب عليه أن يصومه كله. ويحتمل أن يفهم منه أن من شهد أن الواجب أن يصوم ذلك البعض الذي شهده"(9).

أدلة القول الأول: القائلين بأنه يلزمه الصوم في سفره وليس له الفطر.

الدليل الأول: قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (10).

وجه الاستدلال: أن معنى الآية: من حضر دخول الشهر، وكان مقيما في أوله، وجب عليه صيام كل الشهر، سافر بعد ذلك أو أقام، وإنما يفطر في السفر من دخل عليه رمضان وهو في سفر (11).

(1) المبسوط للسرخسي 3/ 91، بدائع الصنائع 2/ 94، تحفة الفقهاء 1/ 358.

(2)

الاستذكار 3/ 299، بداية المجتهد 2/ 60، إكمال المعلم 4/ 64، تفسير القرطبي 2/ 299.

(3)

الإشراف لابن المنذر 3/ 146، البيان 3/ 470، المجموع 6/ 263.

(4)

مسائل أحمد وإسحاق 3/ 1246، المغني 3/ 117، الشرح الكبير 3/ 19، شرح الزركشي 2/ 569.

(5)

تفسير الطبري 3/ 451 و 453.

(6)

مصنف ابن أبي شيبة 9012، تفسير الطبري 3/ 453، الإشراف لابن المنذر 3/ 146.

(7)

الإشراف لابن المنذر 3/ 146، بداية المجتهد 2/ 60، تفسير القرطبي 2/ 299، المغني 3/ 117.

(8)

سورة البقرة: آية: 185.

(9)

بداية المجتهد 2/ 60.

(10)

سورة البقرة: آية: 185.

(11)

ينظر: تفسير القرطبي 2/ 299، تفسير ابن عطية 1/ 254، تفسير الطبري 3/ 449، تفسير ابن كثير 1/ 503، مفاتيح الغيب للرازي 5/ 256، والمغني 3/ 117.

ص: 228

الدليل الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} : «فإذا شهده وهو مقيم فعليه الصوم، أقام أو سافر. وإن شهده وهو في سفر، فإن شاء صام وإن شاء أفطر» (1).

الدليل الثالث: عن علي رضي الله عنه قال: «إذا أدركه رمضان وهو مقيم، ثم سافر فليصم» (2).

الدليل الرابع: عن أم ذَرَّة (3) قالت: أتيت عائشة رضي الله عنها، فقالت:«من أين جئت؟ » ، فقلت: من عند أخي، فقالت:«ما شأنه؟ » ، قلت: ودعته، يريد أن يرتحل، قالت:«وأقرئيه مني السلام، ومُري به فليُقِم، فلو أدركني وأنا ببعض الطريق، لأَقَمت» ، يعني رمضان (4).

وجه الاستدلال: أن عائشة رضي الله عنها أمرت من استهل عليه شهر رمضان وهو مقيم، بأن لا يسافر؛ لأنه لا يمكنه الترخص بالإفطار.

الدليل الخامس: لأنه لمّا استهل عليه الشهر في الحضر ولزمه صوم الإقامة، وهو: صومُ الشهر كاملا حتما، أراد بسفره هذا إسقاط الصوم عن نفسه، فيُمنَعُ من ذلك، كما مُنِعَ من الفطر في اليوم الذي كان مقيما فيه ثم سافر (5).

أدلة القول الثاني: القائلين بأن له الفطر في سفره ذلك.

الدليل الأول: قول الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (6).

وجه الاستدلال: أن الله سبحانه وتعالى قد جعل مطلق السفر سببا لرخصةِ الفطر، والسبب في هذه الرخصة هو المشقة، وهي ثابتة على كل حال، سواء سافر أثناء الشهر أو سافر قبل استهلاله (7).

(1) تفسير الطبري 3/ 449.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة 2/ 282 رقم 9001، والطبري في التفسير 3/ 449.

(3)

هي: أم ذَرّة المدنية، مولاة عائشة، روت عن: عائشة، وأم سلمة، وعنها: ابن المنكدر، وعائشة بنت سعد. ينظر: تهذيب التهذيب 12/ 415، تهذيب الكمال 35/ 358.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 283 رقم 9010، والطبري في التفسير 3/ 451.

(5)

ينظر: بدائع الصنائع 2/ 94.

(6)

سورة البقرة: آية: 184.

(7)

ينظر: بدائع الصنائع 2/ 94، وتحفة الفقهاء 1/ 358، والمغني 3/ 117.

ص: 229

الدليل الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح في شهر رمضان، فصام حتى بلغ الكديد، ثم أفطر وأفطر الناس» (1).

وجه الاستدلال: هذا الحديث نص في جواز فطر المسافر الذي استهل عليه شهر رمضان وهو مقيم وبيانه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة خلال شهر رمضان، أي بعد أن استهل عليه الشهر وهو مقيم صائم بالمدينة، ومع ذلك فقد أفطر في بعض مراحل سفره (2).

الدليل الثالث: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لست عشرة مضت من رمضان، فمنا من صام ومنا من أفطر، فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم» (3).

وجه الاستدلال: أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يخبر أنهم خرجوا للغزو، بعد أن كان قد استهل عليهم شهر رمضان. فمنهم من أفطر في سفره ذلك، ومنهم من صام، ولم يعب بعضهم على بعض. ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم بصنيعهم، ولم ينكر عليهم.

الدليل الرابع: عن ابن عمر رضي الله عنه: «أنه خرج في رمضان فأفطر» (4).

وجه الاستدلال: أن ابن عمر رضي الله عنه خرج مسافرا بعد أن استهل عليه شهر رمضان، ومع هذا فقد أفطر.

الدليل الخامس: ولأن صوم الشهر عبادات متفرقة، وإنما يلزمه الأداء باعتبار اليوم الذي كان مقيما في شيء منه دون اليوم الذي كان مسافرا في جميعه، قياسا على الصلوات (5).

(1) سبق تخريجه صفحة (200).

(2)

ينظر: فتح الباري 4/ 181، وشرح البخاري لابن بطال 4/ 86، والتمهيد 3/ 299، وإرشاد الساري 3/ 384.

(3)

سبق تخريجه صفحة (198).

(4)

رواه ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 282 رقم 9003، ما قالوا: في الرجل يدركه رمضان فيصوم ثم يسافر، وقال الألباني في تصحيح حديث إفطار الصائم ص 42:"إسناد رجاله ثقات".

(5)

ينظر: المبسوط للسرخسي 3/ 92.

ص: 230

الترجيح: الذي يترجح -إن شاء الله- هو القول الثاني: أنه يجوز إفطار من سافر بعد أن استهل عليه شهر رمضان؛ وذلك لقوة أدلتهم وصراحتها ودلالتها على المطلوب، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما في سفره صلى الله عليه وسلم أثناء رمضان وفطره، نص في جواز ذلك.

وأما ما استدل به أصحاب القول الأول فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما استدلالهم بالآية فيناقش من ثلاثة وجوه:

الأول: أن قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (عام)(1) يدخل فيه الحاضر والمسافر، وقوله بعد ذلك:{وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (خاص)(2) ، "والخاص مقدم على العام"(3). فثبت أنه وإن سافر بعد شهود الشهر فإنه يحل له الإفطار (4).

الثاني: أن الله عز وجل قد أمر من شهد الشهر كله أن يصومه، ولا يقال لمن شهد بعض الشهر أنه شهد الشهر (5).

الثالث: أن معنى الآية: أن من شهد أول الشهر وآخره فليصم ما دام مقيما، فإن سافر أفطر (6).

ثم إن السُنَّة قد بينت معنى الآية، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بيَّن المراد منها بفعله في غزوة الفتح، إذ صام أول الشهر بالمدينة، وخرج منها صائما حتى بلغ الكديد ثم أفطر، فكان فعله صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة -وكانت في العام الثامن من الهجرة- يعتبر من التشريعات المحكمة؛ لأن الصحابة كانوا يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره صلى الله عليه وسلم.

(1) العام هو: اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له بحسب وضع واحد دفعة. ينظر: إرشاد الفحول 1/ 287.

(2)

الخاص هو: اللفظ الدال على مسمى واحد، وقيل هو ما دل على كثرة مخصوصة. والتخصيص هو: إخراج بعض ما كان داخلا تحت العموم، على تقدير عدم المخصص. ينظر: إرشاد الفحول 1/ 352 ، 350.

(3)

وهذا نوع من أنواع الترجيح. ينظر: إرشاد الفحول 2/ 268.

(4)

ينظر: مفاتيح الغيب للرازي 5/ 257.

(5)

ينظر: الإشراف لابن المنذر 3/ 146، وشرح البخاري لابن بطال 4/ 86، والمغني 3/ 117.

(6)

ينظر: تفسير القرطبي 2/ 299، وفتح القدير للشوكاني 1/ 210، والمجموع 6/ 263.

ص: 231

فهذه الأحاديث الواردة في محل النزاع تقطع كل احتمال يتوهمه البعض من الآية وترفع كل لَبْس قد يحوم حول دلالتها على عموم الرخصة، سواء لمن شهد بداية الشهر مقيما أو مسافرا (1).

ثانيا: أما ما نقل عن علي رضي الله عنه من القول بوجوب إتمام الشهر صائما، فيجاب عنه من وجهين:

الأول: أن الأثر لا يصح عن علي رضي الله عنه، كما نقله ابن حجر (2) عن ابن المنذر (3).

الثاني: وعلى فرض صحة الأثر: فلعله كان اجتهادا منه، ومعلوم أن النص الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا أو فعلا أقوى من اجتهاد الصحابي مهما كان قدره (4).

ثالثا: وأما ما نقل عن عائشة رضي الله عنها ، فيجاب عنه:

أنه لا دلالة فيه؛ لأن عائشة رضي الله عنها تقول: «فلو أدركني وأنا ببعض الطريق، لأقمت» ، ونحن مسألتنا إذا أدركه وهو مقيم ثم سافر. ولعل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كانت تكره السفر في رمضان مطلقا؛ لما في صومه من عظيم الثواب، وما في قيام ليله من المغفرة والرحمة. فالمسافر وإن رخص له في الفطر، لكنه سيفوته ثواب الصيام في نفس الشهر، وسيفوته قيام ليله المؤدي للمغفرة والرحمة، مما ينبغي الحرص عليه (5).

والله أعلم.

(1) ينظر: رخصة الفطر في سفر رمضان، مجلة الجامعة الإسلامية العدد 49 ص: 89، وتفسير ابن كثير 1/ 503.

(2)

هو: شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد، أبو الفضل الكناني العسقلاني، ثم المصري، من كبار الشافعية، كان محدثًا فقيهًا مؤرخًا، انتهى إليه معرفة الرجال وعلل الأحاديث، تفقه: بالبلقيني، والعز بن جماعة، من تصانيفه: فتح الباري شرح البخاري، وتهذيب التهذيب، وغيرها. توفي سنة 852 هـ. ينظر: طبقات الحفاظ 552، شذرات الذهب 1/ 74، الأعلام 1/ 178.

(3)

ينظر: فتح الباري 7/ 11.

(4)

ينظر: الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 4/ 206.

(5)

ينظر: رخصة الفطر في سفر رمضان العدد 49 ص: 90.

ص: 232