الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب السادس: حكم القضاء على من ذرعه القيء
.
اختيار الشيخ: اختار أن من ذرعه القيء فصيامه صحيح، ولا قضاء عليه، فقال:"والحديث دليل على أنه لا يبطل صوم من غلبه القيء؛ لقوله: «فلا قضاء عليه» (1)؛ إذ عدم القضاء فرع الصحة (2) "(3).
تحرير محل الخلاف: من المسائل التي سبقت (4): حكم من استقاء عمدا وهو صائم، وقد ذُكر فيها خلاف أهل العلم.
ومما اختلفوا فيه أيضا: حكم القضاء على من ذرعه القيء، على قولين:
القول الأول: أن من ذرعه القيء فصيامه صحيح، ولا قضاء عليه.
وبه قال: الحنفية (5)، والمالكية (6) ، والشافعية (7) ، والحنابلة (8) ، والظاهرية (9).
والصحيح من قولي: الحسن البصري (10)، وهو اختيار الشيخ.
القول الثاني: أن من ذرعه القيء يفطر، وعليه القضاء.
ونسب ذلك إلى: الحسن البصري (11).
سبب الخلاف: قال ابن رشد: "وسبب اختلافهم: ما يُتوَهَّم من التعارض بين الأحاديث الواردة في هذه المسألة، واختلافهم أيضا في تصحيحها"(12).
أدلة القول الأول: القائلين بأن من ذرعه القيء فصيامه صحيح، ولا قضاء عليه.
(1) حديث أبي هريرة رضي الله عنه سبق تخريجه صفحة (325).
(2)
تنظر القاعدة في: نفائس الأصول 1/ 319، والتحبير شرح التحرير 3/ 1104.
(3)
مرعاة المفاتيح 6/ 511.
(4)
صفحة (328).
(5)
المبسوط 3/ 56، بدائع الصنائع 2/ 92، الهداية 1/ 121، البحر الرائق 2/ 295.
(6)
المدونة 1/ 271، الرسالة ص 60، الكافي 1/ 345، التاج والإكليل 3/ 343.
(7)
مختصر المزني 8/ 152، الحاوي الكبير 3/ 419، الوسيط 2/ 524، المجموع 6/ 320.
(8)
مختصر الخرقي ص 49، عمدة الفقه ص 42، الفروع 5/ 16، المبدع 3/ 26.
(9)
المحلى 4/ 335.
(10)
مصنف عبد الرزاق رقم 7550، مصنف ابن أبي شيبة رقم 9190.
(11)
الإقناع لابن المنذر 1/ 237، والإجماع له ص 49، المجموع 6/ 320، فتح الباري 4/ 174.
(12)
بداية المجتهد 2/ 54.
الدليل الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدا فليقض» (1).
وجه الاستدلال: الحديث دليل على أن من ذرعه القيء لا يفطر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوجِب عليه القضاء؛ إذ عدم القضاء فرع الصحة (2).
الدليل الثاني: عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال:«استقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأفطر فأُتِي بماء فتوضأ» (3).
وجه الاستدلال: أن إفطار النبي صلى الله عليه وسلم كان بسبب الاستقاء، لا بسبب ذرع القيء، كما جاء صريحا في هذه الرواية (4).
الدليل الثالث: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثٌ لا يُفطِرن الصائم: الحجامة، والقيء، والاحتلام» (5).
وجه الاستدلال: في هذا الحديث أن القيء لا يفطر الصائم، واستثنى الشارع من ذلك الاستقاءة فجعلها مفطرة، فبقي ذرع القيء على ما جاء في هذا النص.
الدليل الرابع: ولأنه إجماع أهل العلم.
قال ابن المنذر: "وأجمعوا أنه لا شيء على الصائم إذا ذرعه القيء، إلا الحسن البصري فإنه قال: عليه. ووافق في أخرى"(6).
وقال ابن بطال: "وأجمع الفقهاء أن من ذرعه القيء فلا قضاء عليه"(7).
الدليل الخامس: ولأن الأصل أن لا يَفسُد الصوم بالقيء، سواء ذرعه، أو تقيأ عمدا؛ لأن كل ما يخرج من البدن لا يفسد الصوم، كالبول والغائط ونحوهما. إلا أننا عرفنا الفساد
(1) سبق تخريجه صفحة (325).
(2)
ينظر: سبل السلام 1/ 573، ونيل الأوطار 4/ 242، والمحلى 4/ 302.
(3)
سبق تخريجه صفحة (326).
(4)
ينظر: شرح البخاري لابن بطال 4/ 81، وفتح الباري 4/ 175.
(5)
سبق تخريجه صفحة (326).
(6)
الإقناع لابن المنذر 1/ 237، وينظر: الإجماع ص 49، وينظر: معالم السنن 2/ 112.
(7)
شرح البخاري 4/ 80.
بالاستقاء وذلك بنص آخر وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ومن استقاء فعليه القضاء» (1)، فبقي الحكم في الذرع على الأصل (2).
الدليل السادس: ولأن ذرع القيء مما لا يمكن التحرز عنه، بل يأتيه على وجه لا يمكنه دفعه، ولا صنع له فيه، والإنسان لا يؤاخذ بما لا صنع له فيه؛ فأشبه الناسي (3).
أدلة القول الثاني: القائلين بأن من ذرعه القيء يفطر وعليه القضاء.
عن معدان بن طلحة، أن أبا الدرداء رضي الله عنه، حدثه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر» فلقيت ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد دمشق، فقلت: إن أبا الدرداء، حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر، قال: صدق، وأنا صببت له وضوءه صلى الله عليه وسلم (4).
وجه الاستدلال: في قوله: «قاء فأفطر» ، دليل على أن القيء يفطر مطلقا، سواء كان غالبا أو مستخرجا. ووجه الاستدلال: أن (الفاء) تدل على أن الإفطار كان مُرتَّبا على القيء، وبسببه، وهو المطلوب (5).
الترجيح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول: أن من ذرعه القيء فصيامه صحيح، ولا قضاء عليه؛ وذلك لصحة ما استدلوا به، ولأنه إجماع أهل العلم. ولا أدري هل صح ما نقلوه عن الحسن البصري أم لا؟ ، فإن الرواية التي وافق فيها الجمهور قد صحت عنه (6).
أما ما نقل عنه في الرواية الثانية فلم أجد من أسندها إليه، والله أعلم.
وأما الجواب عن حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم «قاء فأفطر» ، فمعناه استقاء فأفطر (7).
ويؤيد حمل قوله قاء على القيء عامدا على الرواية التي استدل بها أصحاب القول الأول، والتي فيها:«استقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأفطر» . والله أعلم.
(1) سبق تخريجه صفحة (326).
(2)
ينظر: بدائع الصنائع 2/ 92، والبناية 4/ 50.
(3)
ينظر: بدائع الصنائع 2/ 92.
(4)
سبق تخريجه صفحة (325).
(5)
ينظر: مرعاة المفاتيح 6/ 514، وتحفة الأحوذي 1/ 242.
(6)
ينظر: نخب الأفكار 8/ 531.
(7)
ينظر: شرح البخاري لابن بطال 4/ 81، السنن الكبرى 4/ 371، وفتح الباري 4/ 175.