الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: حكم الصيام في السفر
.
اختيار الشيخ: اختار جواز الصيام والفطر في السفر، فقال:"وفيه دلالة لمذهب الجمهور في جواز الصوم والفطر جميعا"(1).
تحرير محل الخلاف: أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض والمسافر، وذلك في الجملة (2)، لقوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (3).
واتفقوا على أن المريض إذا تحامل على نفسه فصام، أنه يجزئه (4).
واختلفوا في حكم الصيام في السفر على قولين:
القول الأول: يجوز الصوم والإفطار في السفر.
وبه قال: الحنفية (5) ، والمالكية (6) ، والشافعية (7) ، والحنابلة (8) ، والجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم (9)، وهو اختيار الشيخ.
القول الثاني: لا يحل الصيام في السفر ولا يصح.
وهو قول: الظاهرية (10).
(1) مرعاة المفاتيح 7/ 11. يعني في حديث ابن عباس الذي سيأتي في الأدلة.
(2)
حكى الإجماع: ابن حزم في مراتب الإجماع ص 40، والنووي في روضة الطالبين 2/ 369، وابن عبد البر في التمهيد 9/ 67، والرافعي في الشرح الكبير 3/ 217، وابن قدامة في المغني 3/ 116.
(3)
سورة البقرة: آية: 184.
(4)
ينظر: مراتب الإجماع ص 40، الاستذكار 3/ 305، البناية للعيني 4/ 76، المغني 3/ 155، التوضيح لابن الملقن 13/ 327.
(5)
الحجة على أهل المدينة 1/ 378، المبسوط 3/ 91، بدائع الصنائع 2/ 95، تبيين الحقائق 1/ 333.
(6)
المدونة 1/ 272، الكافي 1/ 337، المنتقى 2/ 48، مواهب الجليل 2/ 401.
(7)
مختصر المزني 8/ 153، المهذب 1/ 327، الوسيط 2/ 540، المجموع 6/ 264.
(8)
المغني 3/ 116، المبدع 3/ 13، الإنصاف 3/ 287، كشاف القناع 2/ 312.
(9)
التمهيد 22/ 48، المجموع 6/ 265، بدائع الصنائع 2/ 95، تفسير الماوردي 1/ 238.
(10)
المحلى 4/ 384. وقيَّدوا: تحريم الصيام وعدم الاجزاء بصيام رمضان دون غيره من الصيام سواء كان الصيام واجبا أو مستحبا.
وروي ذلك عن: عبد الرحمن بن عَوف (1) ، وعبد الله بن عمر، وابن عباس -في رواية-، وأبي هريرة رضي الله عنهم (2).
سبب الخلاف: يرجع سبب اختلافهم في هذه المسألة إلى أمرين والله أعلم:
السبب الأول: اختلافهم هل المسافر مخاطب بالصيام في قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ، أي في الآية إضمارا، أم لا؟ (3).
السبب الثاني: هل صيام رمضان في السفر منسوخ أم لا؟ .
أدلة القول الأول: القائلين بجواز الصوم والإفطار في السفر.
الدليل الأول: قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (4).
وجه الاستدلال من الآية: أن الخطاب عام للمسافر والمقيم (5).
الدليل الثاني: قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} (6).
وجه الاستدلال: أن الله افترض صيام الأيام الثلاثة لمن لم يجد (الهَدْي)(7) حال كونه في سفر الحج؛ لأن المخاطبين هنا هم الغرباء؛ وذلك لقوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (8).
(1) هو: عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن الحارث، أبو محمد القرشي الزهري، من كبار الصحابة، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين جعل عمر الخلافة فيهم، أسلم قديما، وهاجر الهجرتين، وشهد المشاهد، توفي بالمدينة سنة 22 هـ، وقيل غير ذلك. ينظر: الطبقات الكبرى 3/ 125، معرفة الصحابة 1/ 116، وتهذيب الكمال 17/ 324.
(2)
ينظر: مصنف ابن أبي شيبة 2/ 281 - 282، الإشراف لابن المنذر 3/ 142، المجموع 6/ 264، المحلى 4/ 403 - 404، بدائع الصنائع 2/ 95.
(3)
ينظر: مناهج التحصيل 2/ 8، وبداية المجتهد 2/ 57.
(4)
سورة البقرة: آية: 185.
(5)
ينظر: المبسوط للسرخسي 3/ 91.
(6)
سورة البقرة: آية: 196.
(7)
الهَدْي: اسم لما يهدى أي يُنقَل، وهو ما يُنقَل للذبح من النَعَم إلى الحَرَم. ويكون من الإبل والبقر والغنم. ينظر: طلبة الطلبة ص 35، التعريفات للجرجاني ص 256.
(8)
ينظر: تفسير مجاهد ص: 228، وتفسير الطبري 3/ 110، والمحلى 4/ 401.
الدليل الثالث: عن عائشة رضي الله عنها أن حمزة بن عمرو الأَسْلمي (1) رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أصوم في السفر؟ - وكان كثير الصيام -، قال:«إن شئت فصم وإن شئت فأفطر» (2).
وجه الاستدلال: أن هذا الحديث نص في إثبات الخيار للمسافر في الصوم والإفطار (3).
وفيه دليل على جواز صيام الفرض والنفل في السفر؛ لأن سؤال حمزة بن عمرو رضي الله عنه عام، فإذا خرج الجواب مطلقا حمل على عمومه، ولا يُخص صوم دون صوم إلا بدليل (4).
الدليل الرابع: وعنه رضي الله عنه أيضا قال: يا رسول الله، أجد بي قوة على الصيام في السفر، فهل عليَّ جُناح (5)؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«هي (رخصة) (6) من الله، فمن أخذ بها، فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه» (7).
وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الفطر في السفر رخصة، وهذا يُشعِر بأن حمزة رضي الله عنه سأل عن صيام الفريضة؛ وذلك إن الرخصة إنما تطلق في مقابلة ما هو واجب (8).
الدليل الخامس: وعنه رضي الله عنه أيضا، قال: يا رسول الله، إني صاحب ظَهْر (9) أُعَالِجه (10) أسافر عليه، وأكريه، وإنه ربما صادفني هذا الشهر يعني رمضان، وأنا أجد القوة، وأنا شاب، وأجد
(1) هو: حمزة بن عمرو بن عُوَيْمر بن الحارث الأسلمي المدني، صحابي روى عن: أبي بكر، وعمر، وعنه: ابنه محمد، وعائشة أم المؤمنين، وغيرهما. هو الذي بشر كعب بن مالك بتوبة الله عليه، توفي سنة 61 هـ. ينظر: الطبقات الكبرى 4/ 315، معرفة الصحابة 2/ 680، تاريخ الإسلام 2/ 639.
(2)
متفق عليه: رواه البخاري 3/ 33 رقم 1943، كتاب الصيام، باب الصوم في السفر والإفطار، واللفظ له، ومسلم 2/ 789 رقم 1121، كتاب الصيام، باب التخيير في الصوم والفطر في السفر.
(3)
ينظر: عون المعبود 7/ 29.
(4)
ينظر: المنتقى للباجي 2/ 50.
(5)
الجُناح: أي الإثم والتضييق. ينظر: مشارق الأنوار 1/ 155، ومعجم لغة الفقهاء 1/ 167.
(6)
الرخصة في اللغة: هي اليسر والسهولة، وفي الشرع: صرف الأمر من عسر إلى يسر بسبب عذر في المكلف. ينظر: أصول الشاشي ص 385.، ومعجم مقاييس اللغة 2/ 500.
(7)
رواه مسلم 2/ 790 رقم 1121، كتاب الصيام، باب التخيير في الصوم والفطر في السفر.
(8)
ينظر: فتح الباري 4/ 180، وعمدة القاري 11/ 45.
(9)
الظَهْر: الإبل التي يحمل عليها ويركب. ينظر: النهاية 3/ 166، لسان العرب 4/ 522.
(10)
أُعَالجه: أي: أزاوله، وأمارسه وأكاري عليه. النهاية 3/ 286، تاج العروس 6/ 108.
بأن أصوم، يا رسول الله، أهون علي من أن أؤخره، فيكون دينا، أفأصوم يا رسول الله أعظم لأجري، أو أفطر؟ قال:«أيُّ ذلك شئتَ يا حمزةُ» (1).
وجه الاستدلال: أن الحديث صريح في أن صيام حمزة رضي الله عنه كان في رمضان، فخيره رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصيام والإفطار (2).
الدليل السادس: عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في حر شديد، حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رَواحَة (3)» (4).
وجه الاستدلال: أن الصوم والإفطار في السفر لو لم يكونا مباحين لما صام النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة ¢، وأفطر الصحابة (5).
وفيه رَدّ على من منع صوم رمضان في السفر (6).
الدليل السابع: عن أنس صلى الله عليه وسلم قال: «كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم» (7).
(1) رواه أبو داود 2/ 316 رقم 2403، كتاب الصوم، باب الصوم في السفر، واللفظ له، والحاكم 1/ 598 رقم 1581، والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 405 رقم 8143، باب جواز الفطر في السفر القاصد دون القصير، وينظر: إرواء الغليل 4/ 61 رقم 926.
(2)
ينظر: فتح الباري 4/ 180، وعمدة القاري 11/ 45.
(3)
هو: عبد الله بن رَواحَة بن ثعلبة، أبو محمد الأنصاري الخزرجي، صحابي أحد النقباء، شهد العقبة، وبدرا، واستخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة في إحدى غزواته، روى عنه: ابن عباس، وأبو هريرة رضي الله عنهم، قتل يوم مؤتة شهيدا سنة 8 هـ. ينظر: الإصابة 4/ 72، والاستيعاب 3/ 898، والأعلام 4/ 86.
(4)
متفق عليه: رواه البخاري 3/ 34 رقم 1945، كتاب الصوم، باب إذا صام أياما من رمضان ثم سافر، ومسلم 2/ 790 رقم 1122، كتاب الصيام، باب التخيير في الصوم والفطر، واللفظ له.
(5)
ينظر: عمدة القاري 11/ 46، وإرشاد الساري 3/ 385.
(6)
ينظر: نيل الأوطار 4/ 265.
(7)
رواه البخاري 3/ 34 رقم 1947، كتاب الصوم، باب لم يعب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعضهم بعضا في الصوم والإفطار، واللفظ له، ومسلم 2/ 788 رقم 1118، كتاب الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر
…
وفي رواية: سئل أنس رضي الله عنه عن صوم رمضان في السفر؟ فقال: «سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم» (1).
الدليل الثامن: عن أبي سعيد الخدري صلى الله عليه وسلم قال: «كنا نغزوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فمنا الصائم ومنا المفطر، فلا يَجِد (2) الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم، يرون أن من وجد قوة فصام، فإن ذلك حسن ويرون أن من وجد ضعفا فأفطر، فإن ذلك حسن» (3).
وجه الاستدلال: في الحديث حجة على من زعم أن الصائم في السفر لا يجزئه صومه؛ لأن تركهم لإنكار الصوم والفطر، يدل على أن ذلك عندهم من المتعارف المشهور الذي تجب الحجة به. ولا حجة لأحد مع السُنَّة الثابتة، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صام ولم يعب على من صام ولا على من أفطر، فوجب التسليم له (4).
الدليل العاشر: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فصام حتى بلغ عسفان (5) ، ثم دعا بإناء من ماء، فشرب نهارا ليراه الناس، فأفطر حتى قدم مكة» . فكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: «صام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر وأفطر» ، فمن شاء صام ومن شاء أفطر (6).
وجه الاستدلال: الحديث صريح أنه صلى الله عليه وسلم صام في السفر، وهو رد على من لم يُجِز الصوم فيه (7).
(1) رواه البخاري 3/ 34 رقم 1947، كتاب الصوم، باب لم يعب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعضهم بعضا في الصوم والإفطار، ومسلم 2/ 787 رقم 1118، كتاب الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر، واللفظ له.
(2)
وجدت على فلان: إذا غضبت عليه. ينظر: تهذيب اللغة 11/ 110 تاج العروس 9/ 261.
(3)
رواه مسلم 2/ 787 رقم 1116، في الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر ..
(4)
ينظر: شرح البخاري لابن بطال 4/ 88، التوضيح لابن الملقن 13/ 345، عمدة القاري 11/ 50.
(5)
عُسْفان: بضم العين وسكون السين وفاء وألف وآخره نون: بلد على مسافة ثمانين كيلا من مكة شمالا على طريق المدينة المنورة. ينظر. المعالم الأثيرة ص 192، معجم البلدان 6/ 173.
(6)
متفق عليه: رواه البخاري 3/ 34 رقم 1948، كتاب الصوم، باب من أفطر في السفر ليراه الناس، واللفظ له، ومسلم 2/ 785 برقم 1113،كتاب الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر.
(7)
ينظر: عمدة القاري 11/ 46، نخب الأفكار 8/ 333.
وهذا ابن عباس رضي الله عنهما يقول: «فمن شاء صام ومن شاء أفطر» ، أي: لا حرج على أحدهما (1).
الدليل الحادي عشر: ولأن المريض لو تكلف فصام صح إجماعا، فكذا المسافر (2).
أدلة القول الثاني: لا يحل الصيام في السفر ولا يصح.
الدليل الأول: قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (3).
وجه الاستدلال من وجهين:
الوجه الأول: أن معنى الآية: فليصم عدة من أيام، أو فعليه عدة من أيام، وكلمة {عَلَى} للوجوب، فثبت أن ظاهر القرآن يقتضي إيجاب صوم أيام أخر، فوجب أن يكون فطر هذه الأيام واجبا (4).
فصار وقت القضاء في حق المسافر كالشهر في حق المقيم، فلا يجوز الأداء قبله (5).
الوجه الثاني: أنه تعالى أعاد فيما بعد ذلك هذه الآية، ثم قال عقيبها:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (6) ، ولا بد وأن يكون هذا اليسر والعسر شيئا تقدم ذكرهما، وليس هناك يسر إلا أنه أذن للمريض والمسافر في الفطر، وليس هناك عسر إلا كونهما صائمَين فكان قوله:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} معناه: يريد منكم الإفطار ولا يريد منكم الصوم (7).
(1) ينظر: مرقاة المفاتيح 4/ 1403.
(2)
ينظر: التوضيح لابن الملقن 13/ 327، الاستذكار 3/ 305، وبداية المجتهد 2/ 58.
(3)
سورة البقرة: آية: 184.
(4)
ينظر: مفاتيح الغيب للرازي 5/ 245.
(5)
ينظر: المبسوط للسرخسي 3/ 91، وبدائع الصنائع 2/ 95، المحلى 4/ 399.
(6)
سورة البقرة: آية: 185.
(7)
ينظر: مفاتيح الغيب 5/ 245.
الدليل الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة في رمضان فصام، حتى بلغ الكَدِيد (1) أفطر، فأفطر الناس» (2).
وفي رواية: قال ابن شِهاب (3): «فكانوا يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره، ويرونه الناسخ المحكم» (4).
الدليل الثالث: عن جابر بن عبد الله (5) رضي الله عنهما: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان، فصام حتى بلغ كُرَاع الغَميم (6)، فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: إنّ بعض الناس قد صام؟ فقال: «أولئك العُصَاة! أولئك العُصَاة! » (7).
(1) الكَديد: بفتح الكاف وكسر الدال المهملة. يُعرف اليوم باسم (الحمَض): وهو أرض بين عُسفان وخليص على مسافة (90) كيلا من مكة، على طريق المدينة النبوية. ينظر: المعالم الأثيرة ص 231، معجم البلدان 4/ 501.
(2)
أخرجه البخاري 4/ 213 رقم 1944، كتاب الصوم، باب إذا صام أياما من رمضان ثم سافر، ومسلم 2/ 784 رقم 1113، كتاب الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر.
(3)
هو: محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب، أبو بكر القرشي الزهري، تابعي من كبار الحفاظ والفقهاء، مدني سكن الشام، هو أول من دون الأحاديث النبوية، ودون معها فقه الصحابة، أخذ عن بعض الصحابة، وأخذ عنه: مالك بن أنس، وطبقته، توفي سنة 124 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 5/ 326، تاريخ دمشق 55/ 294، تهذيب التهذيب 9/ 445.
(4)
رواه مسلم 2/ 785 رقم 1113، في الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر.
(5)
هو: جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري، السلمي، صحابي أحد المكثرين من الرواية؛ شهد بيعة العقبة، وغزا مع النبي صلى الله عليه وسلم 19 غزوة، وكانت له في أواخر أيامه حلقة بالمسجد النبوي يؤخذ عنه فيها العلم، توفي بالمدينة سنة 78 هـ. ينظر: الطبقات الكبرى 3/ 574، معرفة الصحابة 2/ 535، معجم الصحابة 1/ 438.
(6)
كُرَاع الغَميم: موضع بناحية الحجاز بين مكة والمدينة، وهو واد أمام عسفان بثمانية أميال. ينظر: فتح الباري 4/ 181، معجم البلدان 4/ 503، شرح النووي على صحيح مسلم 7/ 230. ويُعرَف اليوم باسم (برقاء الغميم) على مسافة 64 كيلا من مكة على طريق المدينة. المعالم الأثيرة ص 231.
(7)
أخرجه مسلم 2/ 785 رقم 1114، كتاب الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر.
وجه الاستدلال: إن كان صيامه صلى الله عليه وسلم في هذه السفرة في رمضان فقد (نسخه)(1) بقوله: «أولئك العصاة» ، وصار الفطر فرضا والصوم معصية، ولا سبيل إلى خبر ناسخ لهذا أبدا، وإن كان صيامه صلى الله عليه وسلم في هذه السفرة تطوعا فهذا أحرى للمنع من صيام رمضان في السفر (2).
الدليل الرابع: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فرأى زحاما ورجلا قد ظُلِّل عليه، فقال:«ما هذا؟ » ، فقالوا: صائم، فقال:«ليس مِن البِّر (3) الصوم في السفر» (4).
وجه الاستدلال: إن اللفظ جاء عاما، (والعِبْرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب)(5)(6).
الدليل الخامس: عن أنس بن مالك الكَعْبي (7) رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهو يتغدى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«هلم إلى الغداء» ، فقال: إني صائم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الله عز وجل وضع للمسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحُبْلى (8) والمُرْضِع» (9).
(1) النَّسْخ: في اللغة هو الإزالة، يقال: نسخت الشمس الظل، أي: أزالته. وفي الشرع: هو رفع حكمٍ شرعي بدليلٍ شرعي متأخر. ينظر: مختار الصحاح ص 309، التعريفات للجرجاني ص 47.
(2)
ينظر: المحلى 4/ 399.
(3)
البِرّ: يأتي بمعاني كثيرة، والمقصود هنا الطاعة والعبادة. ينظر: النهاية 1/ 117.
(4)
متفق عليه: رواه البخاري 3/ 34 رقم 1946، كتاب الصوم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن ظلل عليه واشتد الحر:«ليس من البر الصوم في السفر» ، واللفظ له، ومسلم 2/ 786 رقم 1115، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية إذا كان سفره مرحلتين فأكثر.
(5)
ينظر تفصيل هذه القاعدة في: إرشاد الفحول 1/ 332
(6)
ينظر: المحلى 4/ 391/ فتح الباري 4/ 184.
(7)
هو: أنس بن مالك الكعبي القُشَيْري، أبو أمية، بصري، له صحبة، وحديث واحد، رواه عنه: أبو قلابة الجرمي، وعبد الله بن سوادة القشيري، وحديثه في السنن. ينظر: التاريخ الكبير 2/ 29، معرفة الصحابة 1/ 240، تهذيب الكمال 3/ 378.
(8)
أصل الحَبَل: الِامْتِلَاء، والحَبَل الحَمل، وهو من ذلك لأنه امتلاء الرَّحم. ينظر: لسان العرب 11/ 139.
(9)
رواه النسائي 4/ 180 رقم 2274، كتاب الصيام، باب وضع الصيام عن المسافر، واللفظ له، وأبو داود 2/ 317 رقم 2408، كتاب الصوم، باب اختيار الفطر، والترمذي 3/ 85 رقم 715، أبواب الصيام، باب ما جاء في الرخصة في الإفطار للحبلى والمرضع، وابن ماجه 1/ 533 رقم 1667، كتاب الصيام، باب ما جاء في الإفطار للحامل والمرضع، وقال الألباني في صحيح أبي داود رقم 2083:"إسناده حسن صحيح".
وجه الاستدلال: أن الله قد وضع عن المسافر شطر الصلاة كما وضع عنه الصيام فلم يصح منه (1).
الدليل السادس: عن عبد الرحمن بن عوف ¢ قال: «الصائم في السفر كالمفطر في الحضر» (2).
الترجيح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول: جواز الصوم والفطر في السفر؛ وذلك لقوة أدلتهم، ولأن الإجماع استقر على جواز الصيام في السفر.
قال الكاساني: "لأن جواز الصوم للمسافر في رمضان مجمع عليه؛ فإن التابعين أجمعوا عليه بعد وقوع الاختلاف فيه بين الصحابة، والخلاف في العصر الأول لا يمنع انعقاد الإجماع في العصر الثاني، بل الإجماع المتأخر يرفع الخلاف المتقدم عندنا (3)؛ على ما عرف في أصول الفقه"(4).
وأما الجواب عما استدل به أصحاب القول الثاني فيجاب عنه بما يلي:
أولا: أما استدلالهم بالآية فيجاب عنه من وجهين:
الأول: أن في الآية إضْمارا، وعليه إجماع أهل التفسير. وتقديرها: فمن كان منكم مريضا، أو على سفر فأفطر فعدة من أيام أخر (5).
(1) ينظر المحلى 4/ 401.
(2)
أخرجه ابن ماجة مرفوعا 1/ 532 رقم 1666، باب ما جاء في الإفطار في السفر، والمحفوظ عن أبي سلمة عن أبيه موقوفا، كذا أخرجه النسائي 4/ 183 رقم 2284، باب ذكر قوله: الصائم في السفر كالمفطر في الحضر، والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 411 رقم 8166، باب الرخصة في الصوم في السفر، وقال:"وهو موقوف، وفي إسناده انقطاع، وروي مرفوعا وإسناده ضعيف"، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة 7/ 98 رقم 3099.
(3)
ينظر: الفصول في الأصول 3/ 339.
(4)
بدائع الصنائع 2/ 95، وينظر: التمهيد 22/ 49.
(5)
ينظر تفسير الماوردي النكت والعيون 1/ 238، وتفسير البغوي 1/ 215، التفسير الكبير 5/ 245، تفسير الجلالين ص 38.
وتمام تقرير هذا الكلام: أن (الإضمار)(1) في كلام الله جائز في الجملة، وقد دل الدليل على وقوعه هاهنا، أما بيان الجواز فكما في قوله تعالى:{فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ} (2)، والتقدير: فضرب فانفجرت. وكذلك قوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} إلى قوله: {أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} (3)، أي: فحَلَق فعليه فدية. فثبت أن الإضمار جائز (4).
الثاني: أن قوله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} لبيان الترخص بالفطر، فينتفي به وجوب الأداء لا جوازه (5).
وبيانه: أن الله تعالى جعل المرض والسفر، من الأعذار المُرخِصة للإفطار؛ تيسيرا وتخفيفا على أربابها وتوسيعا عليهم، فلو تحتم عليهم الصوم في غير السفر ولم يجز لهم في السفر لكان فيه تعسير وتضييق عليهم، وهذا يضاد موضوع الرخصة وينافي معنى التيسير (6).
ثانيا: وأما استدلالهم بقول ابن شهاب الزهري: «فكانوا يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره، ويرونه الناسخ المحكم» ، فيجاب عنه من أربعة أوجه:
الوجه الأول: أن هذه الزيادة (مدرجة)(7) من قول الزهري كما جزم بذلك البخاري، وكذلك وقعت عند مسلم مدرجة، فلا حجة فيها (8).
(1) الإضْمَار هو: الإخفاء، وتستعمله العرب للاختصار. ويفرّق بين الحذف والإضمار فيقال: إنّ المضمر ما له أثر من الكلام، والمحذوف ما لا أثر له. ينظر: لسان العرب 11/ 466، كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم 1/ 219.
(2)
سورة البقرة: آية: 60.
(3)
سورة البقرة: آية: 196.
(4)
ينظر: مفاتيح الغيب 5/ 245 - 246، وبدائع الصنائع 2/ 95.
(5)
ينظر: المبسوط للسرخسي 3/ 91.
(6)
ينظر: بدائع الصنائع 2/ 95.
(7)
الإدراج هو: أن تزاد لفظة في متن الحديث من كلام الراوي، فيحسبها من يسمعها من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فيرويها كذلك. ينظر: الباعث الحثيث اختصار علوم الحديث ص 73.
(8)
ينظر: صحيح البخاري رقم 4276، كتاب المغازي، باب غزوة الفتح في رمضان، وصحيح مسلم رقم 1113، كتاب الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر، وفتح الباري 4/ 181، ونيل الأوطار 4/ 266.
الوجه الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم صام بعد هذه القصة في السفر، كما جاء ذلك في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام، قال: فنزلنا منزلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم» فكانت رخصة، فمنا من صام، ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلا آخر، فقال:«إنكم مصبحو عدوكم، والفطر أقوى لكم، فأفطروا» وكانت عزمة، فأفطرنا، ثم قال: لقد رأيتنا نصوم، مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، في السفر (1).
الوجه الثالث: وأما كون الفطر كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالمراد به واقعة معينة، وهي غزاة الفتح، فإنه صام حتى بلغ الكديد ثم أفطر، فكان فطره آخر أمريه، لا أنه حرم الصوم (2).
الوجه الرابع: أن راوي الحديث وهو ابن عباس رضي الله عنه قد جاء عنه أنه قال: «لا تَعِب على من صام، ولا على من أفطر، قد صام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر وأفطر» (3).
وقال أيضا: «إنما أراد الله بالفطر في السفر التيسير عليكم، فمن يسر الله عليه الصيام فليصم، ومن يسر عليه الفطر فليفطر» (4).
فهذا ابن عباس لم يجعل إفطاره صلى الله عليه وسلم في السفر بعد صيامه ناسخا للصوم في السفر، ولكنه جعله على جهة التيسير (5).
ثالثا: وأما استدلالهم بحديث: «أولئك العصاة أولئك العصاة» ، فيجاب عنه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك لأنه قد كان أمرهم بالإفطار في ذاك اليوم بخصوصه، فسماهم عصاة لمخالفة أمره، لا لمجرد الصوم في السفر (6).
(1) رواه مسلم 2/ 789 رقم 1120، كتاب الصيام، باب أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل.
(2)
ينظر: حاشية ابن القيم على سنن أبي داوود 7/ 35.
(3)
أخرجه البخاري 3/ 34 رقم 1948، كتاب الصوم، باب من أفطر في السفر ليراه الناس، ومسلم 2/ 785 رقم 1113، كتاب الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر، واللفظ له.
(4)
رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار 2/ 66، كتاب الصيام، باب الصيام في السفر، وذكره ابن عبد البر في التمهيد 2/ 172.
(5)
ينظر: التوضيح لابن الملقن 13/ 335.
(6)
ينظر: الروضة الندية لصديق حسن خان 1/ 229.
رابعا: وأما استدلالهم بحديث: «ليس من البر الصوم في السفر» ، فيجاب عنه من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن معنى الحديث: ليس البر الصوم في السفر حتى يُغشى على الصائم ويحتاج إلى أن يُظَلَّل ويُنضَح عليه، إذ الله قد رخص للمسافر في الفطر، وجعل له أن يصوم في أيام أخر، وأَعلَم سبحانه في محكم تنزيله أنه أراد بهم اليسر لا العسر في ذلك (1).
الوجه الثاني: ويحتمل ليس من البر الذي هو أبر البر وأعلى مراتب البر الصوم في السفر، وإن كان الصوم في السفر برا إلا أن غيره في البر أبر منه، كما قال صلى الله عليه وسلم:«ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس، فتَرُدّه اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان» قالوا: فما المسكين؟ يا رسول الله، قال:«الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يُفطَن له، فيُتَصدَّق عليه، ولا يسأل الناس شيئا» (2).
فلم يكن معنى قوله: «ليس المسكين بالطواف» على معنى إخراجه إياه من أسباب المسكنة كلها، ولكنه أراد بذلك: ليس هو المسكين المتكامل المسكنة الذي لا يسأل الناس، ولا يُعرَف فيُتصدَّق عليه. فكذلك قوله:«ليس البر الصيام في السفر» ليس ذلك على إخراج الصوم في السفر من أن يكون بِرّا، ولكنه على معنى: ليس من البر الذي هو أبر البر الصوم في السفر؛ لأنه قد يكون الإفطار هناك أبر فيه إذا كان على التقوي للقاء العدو وما أشبه ذلك (3).
الوجه الثالث: قولهم: إن اللفظ عام، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فيجاب عنه:
أن قول النبي صلى الله عليه وسلم خارج على سبب، وهو أنه رأى رجلا قد جَهَدَه الصوم فقال هذا القول، فهو عموم خرج على سبب (4).
(1) ينظر: صحيح ابن خزيمة 2/ 970.
(2)
متفق عليه من حديث أبي هريرة: رواه البخاري 2/ 125 رقم 1479، كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى:{لا يسألون الناس إلحافا} وكم الغنى، ومسلم 2/ 719 رقم 1039، كتاب الزكاة، باب المسكين الذي لا يجد غنى، ولا يفطن له فيتصدق عليه، واللفظ له.
(3)
ينظر: شرح معاني الآثار 2/ 63، التمهيد 4/ 301، نخب الأفكار 8/ 333.
(4)
ينظر: التنبيه على مبادئ التوجيه 2/ 726.
خامسا: وأما استدلالهم بحديث: «الصائم في السفر كالمفطر في الحضر» فيجاب عنه:
أن المحفوظ عن أبي سلمة عن أبيه موقوفا، ومع وقفه فهو (مُنْقَطع)(1)؛ لأن أبا سلمة لم يسمع من أبيه. وعلى تقدير صحته فهو محمول على الحالة التي يكون الفطر فيها أولى من الصوم، حالة المشقة؛ جمعا بين الأدلة (2).
سادسا: وأما استدلالهم بحديث: «إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة» ، فيجاب عنه:
بأنه مختلف في صحته، وعلى التسليم بصحته: فإن الوضع لا يستلزم عدم صحة الصوم في السفر (3)، بل المقصود: وضع الوجوب؛ بدليل بقية الحديث (4)؛ لأن الحامل والمرضع إذا صامتا رمضان أجزأهما، ولا يكونان كمن صام قبل وجوب الصوم عليه، بل وجوب الصيام ثابت في حقهما بدخول شهر رمضان، وجُعل لهما تأخير الصيام إن شاءا ذلك، والمسافر في ذلك مثلهما (5).
وأما ما قاله الظاهرية: من التفريق بين صيام رمضان، وصيام غيره من الواجبات أو النوافل في السفر، بأن منعوا الأول، وأجازوا الثاني:
فهو تفريق لا دليل عليه، بل الأدلة الصحيحة الصريحة قد دلت على أن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم صاموا في شهر رمضان، واستمر الصحابة على ذلك بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سبق في أدلة الجمهور.
والله تعالى أعلم.
(1) المُنْقَطع: لغة: هو اسم فاعل من "الانقطاع" ضد الاتصال. واصطلاحا: ما لم يتصل إسناده، على أي وجه كان انقطاعه. ينظر: شمس العلوم 8/ 5560، تيسير مصطلح الحديث ص 94.
(2)
ينظر: المجموع 6/ 264، وبدائع الصنائع 2/ 95، وفتح الباري 4/ 184، ونيل الأوطار 4/ 267.
(3)
ينظر: نيل الأوطار 4/ 267.
(4)
ينظر: التوضيح لابن الملقن 13/ 343.
(5)
ينظر: اللباب في الجمع بين السنة والكتاب 1/ 397.