الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة السادسة: حكم ما إذا فعل بعد النية قبل الفجر ما ينافي الصوم
.
اختيار الشيخ: اختار أن من عقد نية الصيام ثم أكل أو شرب أو جامع بعد ذلك قبل الفجر فإن نيته صحيحة، فقال:"واعلم أنه في أي جزء من الليل نوى أجزأه وسواء فعل بعد النية ما ينافي الصوم من الأكل والشرب والجماع أم لم يفعل لعموم حديث حفصة وإطلاقه"(1).
اختلف أهل العلم في من نوى الصيام، ثم أتى بما ينافي النية من أكل أو شرب أو نوم أو جماع، هل هو باقي على نيته أم لا؟ على قولين:
القول الأول: من نوى الصوم قبل الفجر ثم أكل أو شرب أو جامع فهو على نيته.
وهو قول جمهور أهل العلم من: الحنفية (2) ، والمالكية (3) ، والشافعية في المذهب (4) ، والحنابلة (5)، وهو اختيار الشيخ.
القول الثاني: من نوى الصيام من الليل، ثم نام أو جامع أو أكل أو شرب فعليه تجديد النية.
وهو وجه عند: الشافعية، روي عن: أبي إسحاق المروزي (6).
سبب الخلاف: والسبب في اختلافهم -والله أعلم-: هل من أتى بما ينافي نية الصيام يعد ناقضا لها، فيلزمه تجديدها، أو هو باقي على نيته؟ .
أدلة القول الأول: من نوى الصوم قبل الفجر ثم أكل أو شرب أو جامع فهو على نيته.
الدليل الأول: قوله سبحانه وتعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (7).
(1) مرعاة المفاتيح 6/ 466. حديث حفصة سبق تخريجه ص 151.
(2)
البناية 4/ 15، مراقي الفلاح 1/ 239، تبيين الحقائق 1/ 316.
(3)
الكافي 1/ 335، المنتقى 2/ 41، الذخيرة 2/ 499، مواهب الجليل 2/ 419.
(4)
البيان 3/ 490، الحاوي الكبير 3/ 404، المجموع 6/ 291، روضة الطالبين 2/ 352.
(5)
الكافي 1/ 439، المغني 3/ 110، الفروع 4/ 452، دقائق أولي النهى 1/ 478.
(6)
حلية العلماء 3/ 155، البيان 3/ 490، الحاوي الكبير 3/ 404، المجموع 6/ 291.
(7)
سورة البقرة: آية: 187.
وجه الاستدلال: أن الله سبحانه وتعالى قد أذن في الأكل والشرب إلى طلوع الفجر، ولو كان ذلك يمنع صحة النية لم يجز الأكل والشرب إلى طلوع الفجر (1)، بل كان قد ترك وقتا قبل الفجر لإيقاع النية فيه. وإنما الواجب عليه أن يستصحب نية الصيام إلى الفجر وإن لا ينقضها بنية ترك الصوم (2).
الدليل الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: «لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل» (3).
وجه الاستدلال: أن الخبر عام، فلا يجوز تخصيصه إلا بدليل، والذي ينوي من الليل ثم ينام أو يأكل أو يشرب أو يجامع يَصْدُق عليه أنه قد بَيَّت الصيام من الليل (4).
الدليل الثالث: "ولأنه مفطر في الليل، وإن لم يأكل، فتَرْكه الأكل والجماع مع كونه مُفطِرا غير مفيد"(5).
أدلة القول الثاني: القائلين من نوى الصيام من الليل، ثم نام أو جامع أو أكل أو شرب فعليه تجديد النية.
قالوا: "لأنه بالأكل والجماع قد خالف نيته، وما عقده من الصوم على نفسه"(6).
الراجح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول: أن من نوى الصوم قبل الفجر، ثم أكل أو شرب أو جامع، فهو على نيته؛ لصحة أدلتهم، ولصراحتها.
وأما ما استدل به أبو إسحاق المروزي، فيجاب عنه من ثلاثة أوجه:
الأول: أنه خالف النص وهو عموم قوله صلى الله عليه وسلم: «لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل» ، ومن أكل أو شرب أو جامع بعد النية، يصدق عليه أنه بيت النية من الليل (7).
(1) ينظر: البيان 3/ 490.
(2)
ينظر: المنتقى للباجي 2/ 41.
(3)
سبق تخريجه صفحة (151).
(4)
ينظر الحاوي الكبير 3/ 404.
(5)
المصدر السابق.
(6)
الحاوي الكبير 3/ 404.
(7)
ينظر: الحاوي الكبير 3/ 404.
الثاني: أنه خالف مذهب إمامه الشافعي؛ وذلك أن المذهب عندهم أن من طلع عليه الفجر وهو مجامع ثم نَزَع (1) مكانه، صح صومه (2).
فمتى سيعقد النية من نَزَع مع طلوع الفجر؟ (3).
الثالث: إن المكلف وإن ترك الأكل والشرب والجماع ليلا فهو مفطر حكما، ولو عقد النية قبل ذلك، فتركه للمفطرات لا فائدة منه (4).
قال النووي: "قال إمام الحرمين (5): رَجَع أبو اسحق عن هذا عام حج، وأَشْهَد على نفسه"(6). والله أعلم.
(1) نَزَعْت الدَّلْو: أنزعها نزعا، إذا أخرجتها. وأصل النزع: الجذب والقلع. ينظر: النهاية 5/ 41.
(2)
ينظر: مذهب الشافعي في الأم 2/ 106.
(3)
ينظر: الحاوي الكبير 3/ 404.
(4)
ينظر: فتح الباري 4/ 128.
(5)
هو: عبد الملك بن عبد الله بن يوسف، أبو المعالي رئيس الشافعية، تفقه على والده: الإمام أبي محمد الجويني الملقب ضياء الدين، فأتى على جميع مصنفاته، كان من كبار المتكلمين، ثم رجع عن كل ذلك قبل موته، توفي سنة 478 هـ، من مؤلفاته: نهاية المطلب في دراية المذهب، والبرهان في أصول الفقه. ينظر: طبقات الشافعية 5/ 165، طبقات الشافعيين ص: 466، والوافي بالوفيات 19/ 116.
(6)
المجموع 6/ 291.