المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الثالثة: حكم عقد نية النفل بعد الزوال - الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف

[موافقي الأمين]

فهرس الكتاب

- ‌ الافتتاحية

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌خطة البحث

- ‌المنهج المتبع في البحث:

- ‌الشكر وتقدير:

- ‌التمهيددراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري واختياراته

- ‌المبحث الأول: دراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول:‌‌ اسمه، ونسبه، و‌‌كنيته، و‌‌لقبه

- ‌ اسمه، ونسبه

- ‌كنيته

- ‌لقبه

- ‌المطلب الثاني:‌‌ مولده، و‌‌أسرته، ووفاته

- ‌ مولده

- ‌أسرته

- ‌وفاته:

- ‌المطلب الثالث: نشأته، وطلبه للعلم

- ‌المطلب الرابع:‌‌ شيوخه، وتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌أولا: الشيخ أبو الهدى عبد السلام بن الشيخ خان محمد بن أمان الله المباركفوري

- ‌ثانيا: الشيخ العلامة أبو طاهر البهاري

- ‌ثالثا: الشيخ أبو العلى محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن الشيخ بهادر المباركفوري

- ‌رابعا: الشيخ العلامة أحمد الله بن أمير الله بن فقير الله فرتاب كرهي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفور جيراجفوري

- ‌سادسا: الشيخ العلامة محمد أعظم بن فضل الدين أبو عبد الله الجوندلوي الباكستاني

- ‌تلامذته:

- ‌أولا: الشيخ عبد الجليل بن تعلقدار الرحماني البستوي

- ‌ثانيا: الشيخ محمد إدريس آزاد الرحماني الأملوي

- ‌ثالثا: الشيخ عبد المعيد بن عبد المجيد بن عبد القادر أبو عبيدة البنارسي

- ‌رابعا: الشيخ آفتاب آحمد الرحماني البنغلاديشي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفار حسن بن العلامة عبد الستار بن عبد الجبار العمر فوري الرحماني

- ‌سادسا: الشيخ أحمد الله بن عبد الكريم الرحماني البنغلاديش

- ‌المطلب الخامس:‌‌ عقيدته، ومذهبه الفقهي

- ‌ عقيدته

- ‌عقيدة الشيخ في الإيمان:

- ‌عقيدة الشيخ في الأسماء والصفات:

- ‌عقيدته في التوسل ودعاء الأموات والغائبين:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌المطلب السادس: ثناء العلماء عليه

- ‌المطلب السابع: آثاره العلمية

- ‌المبحث الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول: تعريف الاختيار

- ‌في اللغة:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌التعريف الأول:

- ‌التعريف الثاني:

- ‌وقد عرفه بعض الباحثين باعتبار أقسامه الثلاثة:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي والإنفراد:

- ‌تعريف الرأي:

- ‌وأما في الاصطلاح فقد عرف بعدة تعاريف منها:

- ‌تعريف الإنفراد:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي:

- ‌وجه التشابه بينهما:

- ‌وجه الاختلاف بينهما:

- ‌الفرق بين الإختيار والإنفراد:

- ‌الفرق بين الإنفراد والرأي:

- ‌المطلب الثاني: منهج المباركفوري في اختياراته، وموقف العلماء منها

- ‌المطلب الثالث: دراسة الصيغ المعتبرة (في الاختيار) عند الشيخ المباركفوري

- ‌الباب الأول: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في الصيام

- ‌الفصل الأول: في تسمية الشهر، وفي رؤية الهلال، وفي يوم الشك

- ‌المبحث الأول: حكم قول رمضان، وفي رؤية الهلال

- ‌المطلب الثاني: اعتبار اختلاف المطالع

- ‌المطلب الثالث: هل يثبت دخول الشهر بالحساب الفلكي

- ‌المطلب الرابع: عدد الشهود في هلال شهر رمضان

- ‌المطلب الخامس: عدد الشهود لثبوت هلال شوال

- ‌المطلب السادس: هل يكفي الإخبار ممن رأى الهلال أو تشترط الشهادة

- ‌المطلب السابع: حكم صيام من رأى هلال شوال وحده فردت شهادته

- ‌المطلب الثامن: حكم من أفطر ثم تبين أن اليوم من رمضان

- ‌المبحث الثاني: في يوم الشك، والصوم بعد انتصاف شعبان

- ‌المطلب الأول: في تعيين يوم الشك

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر

- ‌المطلب الثالث: من صام يوم الشك فتبين أنه من رمضان

- ‌المطلب الرابع: حكم الصيام بعد انتصاف شعبان

- ‌الفصل الثاني: في النية وصيام المسافر

- ‌المبحث الأول: في النية

- ‌المطلب الأول: في النية للفرض

- ‌المسألة الثانية: حكم النية لكل يوم من رمضان

- ‌المسألة الثالثة: حكم تعيين النية

- ‌المسألة الرابعة: حكم التَلَفُّظ بالنية

- ‌المسألة الخامسة: هل يُشترَط أن تُعقَد النية في جزء معين من الليل

- ‌المسألة السادسة: حكم ما إذا فعل بعد النية قبل الفجر ما ينافي الصوم

- ‌المطلب الثاني: في النية النفل

- ‌المسألة الأولى: حكم صيام يوم الشك بنية التطوع

- ‌المسألة الثانية: حكم نية صوم النفل من النهار

- ‌المسألة الثالثة: حكم عقد نية النفل بعد الزوال

- ‌المبحث الثاني: صوم السفر

- ‌المطلب الأول: حكم الصيام في السفر

- ‌المطلب الثاني: ما الأفضل للمسافر الصيام أو الفطر

- ‌المطلب الثالث: حد السفر المبيح للفطر

- ‌المطلب الرابع: حكم إفطار المسافر الذي استهل عليه رمضان وهو مقيم

- ‌المطلب الخامس: حكم إفطار المسافر بعد أن كان قد شرع في الصيام

- ‌المطلب السادس: حكم إفطار من سافر بعد طلوع الفجر

- ‌الفصل الثالث: في المفطرات وما يجتنبه الصائم، وفي الكفارة وخصالها

- ‌المبحث الأول: في المفطرات وما يجتنبه الصائم

- ‌المطلب الثاني: حكم الفصد للصائم

- ‌المطلب الرابع: حكم التقبيل للصائم

- ‌المطلب الخامس: حكم الاستياك للصائم

- ‌المسألة الثانية: الاستياك بالعود الرطب

- ‌المسألة الثالثة: الاستياك في صوم الفريضة

- ‌المطلب السابع: حكم الوصال في الصيام

- ‌المسألة الأولى: الوصال أكثر من يوم

- ‌المسألة الثانية: الوصال إلى السَحَر

- ‌المطلب الثامن: حكم من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم

- ‌المطلب العاشر: حكم انغماس الصائم في الماء

- ‌المطلب الحادي عشر: في الأكل والشرب للمتسحر

- ‌المسألة الأولى: حكم من أكل أو شرب وهو شاك في الفجر

- ‌المسألة الثانية: هل المعتبر في تحريم الأكل والشرب تَبَيُّن الفجر أو طلوع الفجر

- ‌المطلب الثالث عشر: حكم صيام الحائض والنُفَساء إذا طهرت قبل الفجر، ولم تغتسل إلا بعد الفجر

- ‌المبحث الثاني: في الكفارة، وخصالها

- ‌المطلب الثاني: هل على المرأة المجامعة في رمضان كفارة

- ‌المطلب الثالث: هل على من جامع ناسيا في رمضان كفارة

- ‌المطلب الرابع: هل الأكل والشرب في رمضان عمدا يوجبان الكفارة كالجماع

- ‌المطلب السادس: هل الخصال الثلاثة في كفارة الجماع في رمضان على الترتيب أو على التخيير

- ‌المطلب السابع: حكم اشتراط التتابع في صيام كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب الثامن: ما هو الحد الواجب في الإطعام في كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب التاسع: هل يشترط في الرقبة المعتقة في كفارة الجماع في رمضان أن تكون مؤمنة

- ‌الفصل الرابع: في صوم التطوع، والأيام التي نهي عن الصوم فيها، وفي النذر، وصوم عاشوراء

- ‌المبحث الأول: في صوم التطوع والأيام التي نهي عن الصوم فيها

- ‌المطلب الأول: حكم إفراد يوم الجمعة بصيام

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام يوم السبت

- ‌المطلب الثالث: حكم صيام يوم عرفة للحاج

- ‌المطلب الخامس: حكم صيام عشر ذي الحِجَّة

- ‌المطلب السادس: حكم صيام الدهر

- ‌المطلب السابع: حكم صيام الست من شوال

- ‌المطلب الثامن: ما هو أفضل الصيام بعد رمضان صيام شعبان أو المحرم

- ‌المطلب التاسع: حكم الإفطار في صوم النافلة

- ‌المطلب العاشر: تعيين الأفضل في صيام ثلاثة أيام من كل شهر

- ‌المطلب الحادي عشر: ما هي أيام البيض

- ‌المطلب الثاني عشر: معنى صيام يوم في سبيل الله

- ‌المبحث الثاني: في النذر، وفي أعذار الفطر

- ‌المطلب الأول: حكم من نذر صوم العيدين متعمدا لعينيهما

- ‌المطلب الثاني: حكم من نذر صوم يوم قدوم فلان مثلا فوافق يوم عيد

- ‌المطلب الثالث: هل الضيافة عذر للإفطار من صوم النفل

- ‌المطلب الرابع: هل يستحب لمن كان صائما صيام نفل أن يفطر إذا دُعي

- ‌المبحث الثالث: في صوم عاشوراء

- ‌المطلب الأول: نسخ وجوب صيام يوم عاشوراء

- ‌المطلب الثاني: هل عاشوراء هو اليوم التاسع أو اليوم العاشر

- ‌المطلب الثالث: ما الأفضل في صيام عاشوراء

- ‌المطلب الرابع: هل صيام يوم مع عاشوراء لاحتمال الشك أو لمخالفة أهل الكتاب

- ‌المطلب الخامس: هل الأفضل صيام يوم عاشوراء أو يوم عرفة

- ‌الباب الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر، وفي الاعتكاف

- ‌الفصل الأول: في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر

- ‌المبحث الأول: في قضاء الصوم

- ‌المطلب الأول: هل يجب قضاء رمضان على الفور؟ ، وهل يجب التتابع

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز التطوع قبل القضاء

- ‌المطلب الثالث: هل يقضي من أفطر في صيام النفل

- ‌المطلب الرابع: حكم صيام المرأة النفل وقضاء الواجب بغير إذن زوجها

- ‌المطلب الخامس: هل يقضي المجامع في رمضان اليوم الذي جامع فيه

- ‌المطلب السادس: حكم القضاء على من ذرعه القيء

- ‌المطلب السابع: هل يقضي من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌المطلب الثامن: هل يقضي الصوم من تمضمض أو استنشق فغلبه الماء

- ‌المطلب التاسع: حكم من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر

- ‌المطلب العاشر: ما الواجب على المُرضع والحامل إذا خافتا على ولدهما فقط

- ‌المبحث الثاني: في القضاء عن الميت

- ‌المطلب الأول: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي أمكنه التدارك

- ‌المطلب الثاني: ما الصوم الذي يصام عن الميت

- ‌المطلب الثالث: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي لم يمكنه التدارك

- ‌المبحث الثالث: في ليلة القدر

- ‌المطلب الأول: في تعيين ليلة القَدْر

- ‌المطلب الثاني: هل ليلة القدر خاصة بهذه الأمة

- ‌الفصل الثاني: في الاعتكاف

- ‌المبحث الأول: في حكمه، واشتراط الصوم له، وغير ذلك

- ‌المطلب الأول: حكم (الاعتكاف)

- ‌المطلب الثاني: هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف

- ‌المطلب الثالث: هل لأقل الاعتكاف حدّ

- ‌المطلب الرابع: هل ينقطع اعتكاف من عاد مريضا أو صلى على جنازة

- ‌المطلب الخامس: هل يجوز (الاشتراط في الاعتكاف)

- ‌المطلب السادس: حكم من نذر الاعتكاف قبل إسلامه

- ‌المطلب السابع: متى يدخل المعتكِف معتكَفه

- ‌المطلب الثامن: حكم قضاء الاعتكاف

- ‌المبحث الثاني: في مكان الاعتكاف

- ‌المطلب الأول: أين تعتكف المرأة

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

- ‌المطلب الثالث: هل يجوز الاعتكاف في غير (المسجد الجامع)

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المسألة الثالثة: حكم عقد نية النفل بعد الزوال

‌المسألة الثالثة: حكم عقد نية النفل بعد الزوال

.

اختيار الشيخ: اختار عدم إجزاء نية النفل بعد الزوال فقال: "ومن ثمة لم تجز النية بعد الزوال ولا معه. والصحيح أن توجد النية في أكثر النهار الشرعي فيكون قبل الضَّحْوَة الكُبرى (1) "(2).

تحرير المسألة: مَرّ في المسألة السابقة أن العلماء قد اختلفوا في جواز عقد نية صيام النفل من النهار على قولين: فمنعه المالكية والمُزَني من الشافعية والظاهرية، وأجازه الجمهور.

ثم اختلف الجمهور في آخر وقت لنية التطوع، على قولين:

القول الأول: آخر وقت نية صوم التطوع ما قبل الزوال.

وبه قال: الحنفية (3) ، والشافعية في الأصح (4)، وهو اختيار الشيخ.

القول الثاني: تجوز النية قبل الزوال وبعده.

وبه قال: الحنابلة (5)، ورواية: حَرْمَلة (6) عند الشافعية (7).

سبب الخلاف: قال ابن رشد: "والسبب في اختلافهم: تعارض الآثار في ذلك"(8).

أدلة القول الأول: القائلين بتقييد نية الصوم بما قبل الزوال.

الدليل الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: «المتطوع بالخيار ما لم تزل الشمس» (9).

(1) الضَّحْوَة الكبرى: هو نصف النهار الشرعي يعني المنتصف الذي من الفجر إلى الغروب. التعريفات الفقهية ص 133.

(2)

مرعاة المفاتيح 6/ 462.

(3)

بدائع الصنائع 2/ 85، الاختيار 1/ 127، البناية شرح الهداية 4/ 14، مراقي الفلاح 1/ 238.

(4)

حلية العلماء 3/ 159، المجموع 6/ 292، الحاوي الكبير 3/ 405، روضة الطالبين 2/ 352.

(5)

الكافي 1/ 440، المغني 3/ 114، الفروع مع تصحيح الفروع 4/ 457، المبدع 3/ 20.

(6)

هو: حَرْمَلة بن يحيى بن عبد الله التُّجِيْبِي، أبو حفص المصري، الحافظ الفقيه من أصحاب الشافعي، روى عن: ابن وهب، والشافعي ولازمه، وغيرهما، وعنه: مسلم، وابن ماجه، وغيرهم، توفي سنة 243 هـ. ينظر: طبقات الشافعية 2/ 127، طبقات الشافعيين ص 128، تهذيب التهذيب 2/ 230.

(7)

البيان 3/ 496، الحاوي الكبير 3/ 406، منهاج الطالبين ص: 74، روضة الطالبين 2/ 352.

(8)

بداية المجتهد 2/ 56.

(9)

ذكره السرخسي في المبسوط 3/ 85، وليس هو في كتب السنة بهذا اللفظ والله أعلم، فلعل السرخسي رحمه الله رواه بالمعنى، ووجدت حديثا عند البيهقي في السنن الكبرى 4/ 460 رقم 8356، باب صيام التطوع والخروج منه قبل تمامه، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الصائم بالخيار ما بينه وبين نصف النهار» ، وقال:"تفرد به عون بن عمارة العنبري وهو ضعيف". ورقم 8358، عن أبي ذر رضي الله عنه قال: سمعت خليلي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: «الصائم في التطوع بالخيار إلى نصف النهار» ، وقال:"إبراهيم بن مزاحم وسريع بن نبهان مجهولان"، وقال الألباني في الإرواء 4/ 138:"فهو ضعيف لا يصح".

ص: 188

وجه الاستدلال: أن من أراد صيام النفل فآخر وقت لعقد نيته ما لم تزل الشمس (1).

الدليل الثاني: عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتيني فيقول: «أعندك غداء؟ » ، فأقول: لا، فيقول:«إني صائم» . قالت: فأتاني يوما فقلت: يا رسول الله، إنه قد أهديت لنا هدية، قال:«وما هي؟ » . قالت: قلت: حيس، قال:«أما إني قد أصبحت صائما» . قالت: ثم أكل (2).

وجه الاستدلال: أن الحديث إنما جاء في صدر النهار (3).

لأن فعله صلى الله عليه وسلم إنما هو في الغداء، والغداء هو اسم لما يؤكل قبل الزوال (4).

الدليل الثالث: لأن الأصل في نية الصيام أن محلها الليل؛ لحديث حفصة رضي الله عنها (5) ، ثم قام الدليل على جوازها قبل الزوال، لحديث عائشة رضي الله عنها (6) ، ويبقى ما بعده على حكم الأصل (7).

الدليل الرابع: "ولأن معظم النهار مضى من غير نية، بخلاف الناوي قبل الزوال، فإنه قد أدرك معظم العبادة"(8).

الدليل الخامس: وقياسا على المسبوق في الصلاة: لأن من أدرك الإمام قبل الرفع من الركوع أدرك الركعة؛ لإدراكه معظمها، ولو أدركه بعد الرفع لم يكن مدركا لها. ولو أدرك

(1) ينظر: المبسوط للسرخسي 3/ 85.

(2)

سبق تخريجه صفحة (166).

(3)

ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 91.

(4)

ينظر: الفروع مع تصحيح الفروع 4/ 457، والمبدع 3/ 20، ومرعاة المفاتيح 6/ 462.

(5)

سبق تخريجه صفحة (161).

(6)

سبق تخريجه صفحة (166).

(7)

ينظر: الحاوي الكبير 3/ 406.

(8)

المغني 3/ 114، وينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 191.

ص: 189

مع الإمام من الجمعة ركعة كان مدركا لها؛ لأنها تزيد بالتشهد، ولو أدرك أقل من ركعة لم يكن مدركا لها (1).

الدليل السادس: ولأن الإمساك أول النهار أمر معتاد، فإذا لم تُصادِفه النية لم يَقْدَح ذلك فيه، بخلاف الإمساك آخر النهار، فإنه بخلاف المعتاد؛ فإذا لم ينو من أول النهار كان ذلك قادحا فيه وذهب الإمساك المقصود في الصوم باطلا (2).

أدلة القول الثاني: القائلين يصح قبل الزوال وبعده.

الدليل الأول: عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل علي قال: «هل عندكم طعام؟ » ، فإذا قلنا: لا، قال:«إني صائم» (3).

وجه الاستدلال: أن حديث عائشة رضي الله عنها جاء مطلقا من غير فصل بين ما قبل الزوال وما بعده (4).

الدليل الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يصبح حتى يُظْهِر، ثم يقول:«والله لقد أصبحت وما أريد الصوم، وما أكلت من طعام ولا شراب منذ اليوم، ولأصومن يومي هذا» (5).

الدليل الثالث: عن أبي عبد الرحمن السُّلَمي (6): «أن حذيفة بدا له الصوم بعد ما زالت الشمس، فصام» (7).

(1) ينظر: المغني 3/ 114، وشرح العمدة كتاب الصيام 1/ 191.

(2)

ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 192.

(3)

سبق تخريجه صفحة (166).

(4)

ينظر: بدائع الصنائع 2/ 85، شرح عمدة الفقه كتاب الصيام 1/ 192.

(5)

أخرجه البخاري تعليقا 4/ 167، كتاب الصوم، باب إذا نوى بالنهار صوما، ووصله: الطحاوي في معاني الآثار 2/ 56 رقم 3188، كتاب الصيام، باب الرجل ينوي الصيام بعد ما يطلع الفجر، وقال الألباني في مختصر صحيح البخاري 1/ 448:"ووصله الطحاوي بسند جيد".

(6)

هو: عبد الله بن حبيب بن ربيعة، أبو عبد الرحمن السُّلَمي، الكوفي المقرئ، من كبار التابعين، ولأبيه صحبة، روى عن: عمر، وعثمان، وعلي، وغيرهم، وعنه: إبراهيم النخعي، وأبو إسحاق السبيعي، وسعيد بن جبير، وغيرهم، توفي بعد سنة 70 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 4/ 268، تهذيب الكمال 14/ 408، وتاريخ بغداد 11/ 88.

(7)

أخرجه البخاري تعليقا 4/ 167، كتاب الصوم، باب إذا نوى بالنهار صوما، ووصله: ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 290 رقم 9091، كتاب الصيام، باب من قال الصائم بالخيار في التطوع، وعبد الرزاق في المصنف 4/ 274 رقم 7780، كتاب الصيام، باب إفطار التطوع وصومه إذ لم يبيته، والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 342 رقم 7920، كتاب الصيام، باب من دخل في صوم التطوع بعد الزوال، وصحح سنده النووي في المجموع 6/ 303.

ص: 190

الدليل الرابع: عن المُسْتورد بن الأحنف (1) قال: «جاء رجل (أي إلى ابن مسعود) فصلى معه الظهر فقال: إني ظللت اليوم لا صائم ولا مفطر، كنت أتقاضى غريما (2) لي، فماذا ترى؟ قال: إن شئت صمت، وإن شئت أفطرت» (3).

الدليل الخامس: عن معاذ بن جبل (4) رضي الله عنه: «أنه كان يأتي أهله بعد الزوال، فيقول: عندكم غداء؟ فيعتذرون إليه، فيقول: إني صائم بقية يومي، فيقال له: تصوم آخر النهار؟ فيقول: من لم يصم آخره لم يصم أوله» (5).

وجه الاستدلال: فهؤلاء جمع من الصحابة رضي الله عنهم، لم يقيدوا جواز النية بما قبل الزوال، بل أجازوها إلى ما بعد الزوال.

قال إسحاق بن راهويه: "الأكثرون على أنه يجوز، وإن لم ينو إلا بعد نصف النهار، منهم: ابن مسعود، وحذيفة بن اليمان، ومعاذ بن جبل: رأوا -إن لم ينو ليلا- أن يَصومَ في

(1) هو: المُسْتَورِد بن الأحنف الكوفي، من كبار التابعين، كان ثقة، وله أحاديث، روى له الجماعة سوى البخاري، روى عن: حذيفة، وابن مسعود، وغيرهما، وروى عنه: سلمة بن كهيل، وعلقمة بن مرثد. ينظر: تاريخ الإسلام 2/ 1004، تهذيب الكمال 27/ 437، تهذيب التهذيب 10/ 106.

(2)

الغَرِيم: الذي عليه الدين، وقد يكون غريم أيضا الذي له الدين. ينظر: الصحاح 2/ 1472، لسان العرب 12/ 436 مادة: غرم.

(3)

أخرجه الشافعي في الأم 7/ 304، والطحاوي في معاني الآثار 2/ 56، كتاب الصوم، باب الرجل ينوي الصيام بعد ما يطلع الفجر، وعزاه ابن تيمية في شرح العمدة 1/ 192 لحرب.

(4)

هو: معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي، أبو عبد الرحمن، إمام الفقهاء، وأعلم الأمة بالحلال والحرام، شهد بيعة العقبة، والمشاهد كلها، وكان ممن جمع القرآن، بعثه النبي صلى الله عليه وسلم بعد غزوة تبوك قاضيا لأهل اليمن، وقدم المدينة في خلافة أبي بكر، توفي في غزو الشام عام طاعون عمواس 18 هـ. ينظر: معرفة الصحابة 5/ 2431، تاريخ دمشق 58/ 383، سير أعلام النبلاء 1/ 443.

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 291 رقم 9108، كتاب الصيام، من كان يدعو بغدائه فلا يجد فيفرض الصوم.

ص: 191

نهاره، يعني: ينوي أَيَّ وقت شاء، ولو كان بعد الزوال أيضا. وهذا أَعدَل الأقوال عندنا وأشبه بسُنَّة محمد صلى الله عليه وسلم " (1).

الدليل السادس: ولأنه لمّا كان الليل محلا للنية في صوم الفريضة، واستوى حكم أوله وآخره، ثم كان النهار محلا للنية في صوم التطوع، وجب أن يستوي حكم أوله وآخره (2).

الدليل السابع: ولأنه نوى في جزء من النهار، فأشبه ما لو نوى في أوله (3).

الترجيح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الثاني: أنه تجوز النية في صيام التطوع قبل الزوال وبعده؛ وذلك لما يلي:

لأن حديث عائشة رضي الله عنها ظاهر في جواز عقد النية قبل الزوال وبعده دون تقييد. وأما تقييدهم إياها بالزوال فهو تكلف بعيد.

ولأنه الأظهر من فعل الصحابة الكرام رضي الله عنهم.

ولأن النظر يؤيد هذا القول؛ لأن ما صحت النية في أوله صحت في آخره.

وأما الحديث الذي استدلوا به: «المتطوع بالخيار ما لم تزل الشمس» فإني لم أقف عليه بهذا اللفظ فيما تيسر لي من مصادر ومراجع، ولم أجده إلا عند السرخسي في المبسوط، ولم يسنده أو يحيل إلى من أخرجه.

وقد ذكرت في الحاشية -عند ذكر هذا الحديث- روايات أخرى بألفاظ مقاربة؛ لكنها لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.

والله أعلم.

(1) ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام لابن تيمية 1/ 192.

(2)

ينظر: الحاوي الكبير 3/ 407، المغني 3/ 114، شرح الزركشي 2/ 568.

(3)

ينظر: المغني 3/ 114.

ص: 192