المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب العاشر: ما الواجب على المرضع والحامل إذا خافتا على ولدهما فقط - الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف

[موافقي الأمين]

فهرس الكتاب

- ‌ الافتتاحية

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌خطة البحث

- ‌المنهج المتبع في البحث:

- ‌الشكر وتقدير:

- ‌التمهيددراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري واختياراته

- ‌المبحث الأول: دراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول:‌‌ اسمه، ونسبه، و‌‌كنيته، و‌‌لقبه

- ‌ اسمه، ونسبه

- ‌كنيته

- ‌لقبه

- ‌المطلب الثاني:‌‌ مولده، و‌‌أسرته، ووفاته

- ‌ مولده

- ‌أسرته

- ‌وفاته:

- ‌المطلب الثالث: نشأته، وطلبه للعلم

- ‌المطلب الرابع:‌‌ شيوخه، وتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌أولا: الشيخ أبو الهدى عبد السلام بن الشيخ خان محمد بن أمان الله المباركفوري

- ‌ثانيا: الشيخ العلامة أبو طاهر البهاري

- ‌ثالثا: الشيخ أبو العلى محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن الشيخ بهادر المباركفوري

- ‌رابعا: الشيخ العلامة أحمد الله بن أمير الله بن فقير الله فرتاب كرهي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفور جيراجفوري

- ‌سادسا: الشيخ العلامة محمد أعظم بن فضل الدين أبو عبد الله الجوندلوي الباكستاني

- ‌تلامذته:

- ‌أولا: الشيخ عبد الجليل بن تعلقدار الرحماني البستوي

- ‌ثانيا: الشيخ محمد إدريس آزاد الرحماني الأملوي

- ‌ثالثا: الشيخ عبد المعيد بن عبد المجيد بن عبد القادر أبو عبيدة البنارسي

- ‌رابعا: الشيخ آفتاب آحمد الرحماني البنغلاديشي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفار حسن بن العلامة عبد الستار بن عبد الجبار العمر فوري الرحماني

- ‌سادسا: الشيخ أحمد الله بن عبد الكريم الرحماني البنغلاديش

- ‌المطلب الخامس:‌‌ عقيدته، ومذهبه الفقهي

- ‌ عقيدته

- ‌عقيدة الشيخ في الإيمان:

- ‌عقيدة الشيخ في الأسماء والصفات:

- ‌عقيدته في التوسل ودعاء الأموات والغائبين:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌المطلب السادس: ثناء العلماء عليه

- ‌المطلب السابع: آثاره العلمية

- ‌المبحث الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول: تعريف الاختيار

- ‌في اللغة:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌التعريف الأول:

- ‌التعريف الثاني:

- ‌وقد عرفه بعض الباحثين باعتبار أقسامه الثلاثة:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي والإنفراد:

- ‌تعريف الرأي:

- ‌وأما في الاصطلاح فقد عرف بعدة تعاريف منها:

- ‌تعريف الإنفراد:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي:

- ‌وجه التشابه بينهما:

- ‌وجه الاختلاف بينهما:

- ‌الفرق بين الإختيار والإنفراد:

- ‌الفرق بين الإنفراد والرأي:

- ‌المطلب الثاني: منهج المباركفوري في اختياراته، وموقف العلماء منها

- ‌المطلب الثالث: دراسة الصيغ المعتبرة (في الاختيار) عند الشيخ المباركفوري

- ‌الباب الأول: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في الصيام

- ‌الفصل الأول: في تسمية الشهر، وفي رؤية الهلال، وفي يوم الشك

- ‌المبحث الأول: حكم قول رمضان، وفي رؤية الهلال

- ‌المطلب الثاني: اعتبار اختلاف المطالع

- ‌المطلب الثالث: هل يثبت دخول الشهر بالحساب الفلكي

- ‌المطلب الرابع: عدد الشهود في هلال شهر رمضان

- ‌المطلب الخامس: عدد الشهود لثبوت هلال شوال

- ‌المطلب السادس: هل يكفي الإخبار ممن رأى الهلال أو تشترط الشهادة

- ‌المطلب السابع: حكم صيام من رأى هلال شوال وحده فردت شهادته

- ‌المطلب الثامن: حكم من أفطر ثم تبين أن اليوم من رمضان

- ‌المبحث الثاني: في يوم الشك، والصوم بعد انتصاف شعبان

- ‌المطلب الأول: في تعيين يوم الشك

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر

- ‌المطلب الثالث: من صام يوم الشك فتبين أنه من رمضان

- ‌المطلب الرابع: حكم الصيام بعد انتصاف شعبان

- ‌الفصل الثاني: في النية وصيام المسافر

- ‌المبحث الأول: في النية

- ‌المطلب الأول: في النية للفرض

- ‌المسألة الثانية: حكم النية لكل يوم من رمضان

- ‌المسألة الثالثة: حكم تعيين النية

- ‌المسألة الرابعة: حكم التَلَفُّظ بالنية

- ‌المسألة الخامسة: هل يُشترَط أن تُعقَد النية في جزء معين من الليل

- ‌المسألة السادسة: حكم ما إذا فعل بعد النية قبل الفجر ما ينافي الصوم

- ‌المطلب الثاني: في النية النفل

- ‌المسألة الأولى: حكم صيام يوم الشك بنية التطوع

- ‌المسألة الثانية: حكم نية صوم النفل من النهار

- ‌المسألة الثالثة: حكم عقد نية النفل بعد الزوال

- ‌المبحث الثاني: صوم السفر

- ‌المطلب الأول: حكم الصيام في السفر

- ‌المطلب الثاني: ما الأفضل للمسافر الصيام أو الفطر

- ‌المطلب الثالث: حد السفر المبيح للفطر

- ‌المطلب الرابع: حكم إفطار المسافر الذي استهل عليه رمضان وهو مقيم

- ‌المطلب الخامس: حكم إفطار المسافر بعد أن كان قد شرع في الصيام

- ‌المطلب السادس: حكم إفطار من سافر بعد طلوع الفجر

- ‌الفصل الثالث: في المفطرات وما يجتنبه الصائم، وفي الكفارة وخصالها

- ‌المبحث الأول: في المفطرات وما يجتنبه الصائم

- ‌المطلب الثاني: حكم الفصد للصائم

- ‌المطلب الرابع: حكم التقبيل للصائم

- ‌المطلب الخامس: حكم الاستياك للصائم

- ‌المسألة الثانية: الاستياك بالعود الرطب

- ‌المسألة الثالثة: الاستياك في صوم الفريضة

- ‌المطلب السابع: حكم الوصال في الصيام

- ‌المسألة الأولى: الوصال أكثر من يوم

- ‌المسألة الثانية: الوصال إلى السَحَر

- ‌المطلب الثامن: حكم من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم

- ‌المطلب العاشر: حكم انغماس الصائم في الماء

- ‌المطلب الحادي عشر: في الأكل والشرب للمتسحر

- ‌المسألة الأولى: حكم من أكل أو شرب وهو شاك في الفجر

- ‌المسألة الثانية: هل المعتبر في تحريم الأكل والشرب تَبَيُّن الفجر أو طلوع الفجر

- ‌المطلب الثالث عشر: حكم صيام الحائض والنُفَساء إذا طهرت قبل الفجر، ولم تغتسل إلا بعد الفجر

- ‌المبحث الثاني: في الكفارة، وخصالها

- ‌المطلب الثاني: هل على المرأة المجامعة في رمضان كفارة

- ‌المطلب الثالث: هل على من جامع ناسيا في رمضان كفارة

- ‌المطلب الرابع: هل الأكل والشرب في رمضان عمدا يوجبان الكفارة كالجماع

- ‌المطلب السادس: هل الخصال الثلاثة في كفارة الجماع في رمضان على الترتيب أو على التخيير

- ‌المطلب السابع: حكم اشتراط التتابع في صيام كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب الثامن: ما هو الحد الواجب في الإطعام في كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب التاسع: هل يشترط في الرقبة المعتقة في كفارة الجماع في رمضان أن تكون مؤمنة

- ‌الفصل الرابع: في صوم التطوع، والأيام التي نهي عن الصوم فيها، وفي النذر، وصوم عاشوراء

- ‌المبحث الأول: في صوم التطوع والأيام التي نهي عن الصوم فيها

- ‌المطلب الأول: حكم إفراد يوم الجمعة بصيام

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام يوم السبت

- ‌المطلب الثالث: حكم صيام يوم عرفة للحاج

- ‌المطلب الخامس: حكم صيام عشر ذي الحِجَّة

- ‌المطلب السادس: حكم صيام الدهر

- ‌المطلب السابع: حكم صيام الست من شوال

- ‌المطلب الثامن: ما هو أفضل الصيام بعد رمضان صيام شعبان أو المحرم

- ‌المطلب التاسع: حكم الإفطار في صوم النافلة

- ‌المطلب العاشر: تعيين الأفضل في صيام ثلاثة أيام من كل شهر

- ‌المطلب الحادي عشر: ما هي أيام البيض

- ‌المطلب الثاني عشر: معنى صيام يوم في سبيل الله

- ‌المبحث الثاني: في النذر، وفي أعذار الفطر

- ‌المطلب الأول: حكم من نذر صوم العيدين متعمدا لعينيهما

- ‌المطلب الثاني: حكم من نذر صوم يوم قدوم فلان مثلا فوافق يوم عيد

- ‌المطلب الثالث: هل الضيافة عذر للإفطار من صوم النفل

- ‌المطلب الرابع: هل يستحب لمن كان صائما صيام نفل أن يفطر إذا دُعي

- ‌المبحث الثالث: في صوم عاشوراء

- ‌المطلب الأول: نسخ وجوب صيام يوم عاشوراء

- ‌المطلب الثاني: هل عاشوراء هو اليوم التاسع أو اليوم العاشر

- ‌المطلب الثالث: ما الأفضل في صيام عاشوراء

- ‌المطلب الرابع: هل صيام يوم مع عاشوراء لاحتمال الشك أو لمخالفة أهل الكتاب

- ‌المطلب الخامس: هل الأفضل صيام يوم عاشوراء أو يوم عرفة

- ‌الباب الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر، وفي الاعتكاف

- ‌الفصل الأول: في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر

- ‌المبحث الأول: في قضاء الصوم

- ‌المطلب الأول: هل يجب قضاء رمضان على الفور؟ ، وهل يجب التتابع

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز التطوع قبل القضاء

- ‌المطلب الثالث: هل يقضي من أفطر في صيام النفل

- ‌المطلب الرابع: حكم صيام المرأة النفل وقضاء الواجب بغير إذن زوجها

- ‌المطلب الخامس: هل يقضي المجامع في رمضان اليوم الذي جامع فيه

- ‌المطلب السادس: حكم القضاء على من ذرعه القيء

- ‌المطلب السابع: هل يقضي من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌المطلب الثامن: هل يقضي الصوم من تمضمض أو استنشق فغلبه الماء

- ‌المطلب التاسع: حكم من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر

- ‌المطلب العاشر: ما الواجب على المُرضع والحامل إذا خافتا على ولدهما فقط

- ‌المبحث الثاني: في القضاء عن الميت

- ‌المطلب الأول: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي أمكنه التدارك

- ‌المطلب الثاني: ما الصوم الذي يصام عن الميت

- ‌المطلب الثالث: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي لم يمكنه التدارك

- ‌المبحث الثالث: في ليلة القدر

- ‌المطلب الأول: في تعيين ليلة القَدْر

- ‌المطلب الثاني: هل ليلة القدر خاصة بهذه الأمة

- ‌الفصل الثاني: في الاعتكاف

- ‌المبحث الأول: في حكمه، واشتراط الصوم له، وغير ذلك

- ‌المطلب الأول: حكم (الاعتكاف)

- ‌المطلب الثاني: هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف

- ‌المطلب الثالث: هل لأقل الاعتكاف حدّ

- ‌المطلب الرابع: هل ينقطع اعتكاف من عاد مريضا أو صلى على جنازة

- ‌المطلب الخامس: هل يجوز (الاشتراط في الاعتكاف)

- ‌المطلب السادس: حكم من نذر الاعتكاف قبل إسلامه

- ‌المطلب السابع: متى يدخل المعتكِف معتكَفه

- ‌المطلب الثامن: حكم قضاء الاعتكاف

- ‌المبحث الثاني: في مكان الاعتكاف

- ‌المطلب الأول: أين تعتكف المرأة

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

- ‌المطلب الثالث: هل يجوز الاعتكاف في غير (المسجد الجامع)

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب العاشر: ما الواجب على المرضع والحامل إذا خافتا على ولدهما فقط

‌المطلب العاشر: ما الواجب على المُرضع والحامل إذا خافتا على ولدهما فقط

؟ .

اختيار الشيخ: اختار إفرادهما بالقضاء دون الإطعام، فقال:"أولى الأقوال عندي في ذلك هو قول من أفردهما بالقضاء دون الإطعام؛ فهما في حكم المريض فليزمهما القضاء فقط والله تعالى أعلم"(1).

تحرير محل الخلاف: اتفق أهل العلم أن الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما، أن لهما الفطر، وعليهما القضاء، ولا فدية عليهما؛ لأنهما بمنزلة المريض الخائف على نفسه (2).

أما إذا خافتا على ولديهما فقط، فقد اختلف الفقهاء في ذلك على أربعة أقوال:

القول الأول: تُفطِران وتُطعِمان ولا قضاء عليهما.

وبه قال: ابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهما ، وسعيد بن جبير (3).

القول الثاني: تفطران وتقضيان ولا فدية عليهما.

وبه قال: الحنفية (4) ، والمزني من الشافعية (5) ،والأوزاعي، والثوري، وأبو ثور (6)، وهو اختيار الشيخ رحمه الله.

القول الثالث: تفطران وتقضيان وتفديان.

وبه قال: الحنابلة (7) ، والشافعية في الأصح (8) ، ومجاهد (9).

القول الرابع: الحامل تفطر وتقضي ولا فدية عليها، والمرضع تفطر وتقضي وتفدي.

(1) مرعاة المفاتيح 7/ 16.

(2)

ينظر: المبسوط للسرخسي 3/ 99، مختصر اختلاف العلماء 2/ 17، المغني 3/ 149، الكافي لابن عبد البر 1/ 340، الحاوي الكبير 3/ 436، المجموع 6/ 267، شرح الموطأ للزرقاني 2/ 284.

(3)

الإشراف لابن المنذر 3/ 151، المغني 3/ 150، المجموع 6/ 269.

(4)

المبسوط للسرخسي 3/ 99، بدائع الصنائع 2/ 97، فتح القدير لابن الهمام 2/ 355، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق 1/ 336.

(5)

مختصر المزني 8/ 153، الحاوي 3/ 437، المجموع 6/ 267، العزيز 3/ 240.

(6)

الإشراف لابن المنذر 3/ 151، المجموع 6/ 269.

(7)

الهداية ص 156، الكافي 1/ 434، شرح الزركشي 2/ 603، الإنصاف 3/ 290.

(8)

مختصر المزني 8/ 153، الحاوي الكبير 3/ 436، المهذب 1/ 328، العزيز شرح الوجيز 3/ 240.

(9)

الإشراف لابن المنذر 3/ 151، الحاوي الكبير 3/ 437، والمجموع 6/ 269.

ص: 580

وبه قال: المالكية (1) ، والشافعية في قول (2).

سبب الخلاف: والسبب في اختلافهم هو اختلاف الأحاديث والآثار الواردة في هذه المسألة، فمنها ما صرح بالفداء دون القضاء كالذي سيأتي عن ابن عباس رضي الله عنه ، ومنها ما هو مطلق لا يفهم منه أكثر من الترخيص لهما بالفطر، كما سيأتي في حديث أنس بن مالك الكعبي رضي الله عنه ، فاختلفت الأقوال باختلاف الأحاديث وفهمها والأخذ بها (3).

ويرى ابن رشد أن سبب اختلافهم هو: تردد شَبَههما بين الذي يجهده الصوم، وبين المريض (4).

أدلة القول الأول: القائلين بأنهما تفطران وتطعمان ولا قضاء عليهما.

الدليل الأول: قوله سبحانه وتعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (5).

وجه الاستدلال: أن معنى يطيقونه: يُكلَّفونه، ولا يطيقونه إلا بجهد ومشقة مُضرَّة، فهؤلاء جُعلَت عليهم (الفِدْية)(6)، فتكون الآية (مُحْكَمة)(7) في الشيخ والعجوز والحامل والمرضع؛ لأنهم يكلَّفون الصيام ولا يطيقونه إلا بمشقة (8).

وهذا المعنى في تفسيرها، قد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما حيث قال:«كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينا، والحبلى والمرضع إذا خافتا» (9).

(1) المدونة 1/ 278، الكافي 1/ 140، القوانين الفقهية ص 84، شرح الخرشي 2/ 261.

(2)

الحاوي الكبير 3/ 437، المهذب 1/ 328، المجموع 6/ 267.

(3)

ينظر: مسند الشافعي ترتيب السندي 1/ 278.

(4)

ينظر: بداية المجتهد 2/ 63.

(5)

سورة البقرة: آية: 184.

(6)

الفِدْية والفِداء: البَدَل الذي يتخلص به المكلف عن مكروه توجه إليه. وقيل: ما يقي الإنسان به نفسه من مال يبذله في عبادة يُقَصِّر فيها ككفارة اليمين وكفارة الصوم. ينظر: التعريفات للجرجاني ص 165، تاج العروس 39/ 223.

(7)

المُحْكم، في اللغة: أي: متقن مأمون الانتقاض، اصطلاحا: هو اللفظ الذي ظهر منه المراد؛ ولم يحتمل النسخ ولا التبديل. ينظر: التعريفات للجرجاني ص 206، أصول الفقه الذي لا يسع جهله ص 402.

(8)

ينظر: الاستذكار 3/ 364.

(9)

رواه أبو داود 2/ 296 رقم 2318، في الصوم، باب من قال هي مثبتة للشيخ والحبلى، وقال:"يعني على أولادهما أفطرتا وأطعمتا"، وقال الألباني في الإرواء 4/ 64 رقم 929:"شاذ بهذا السياق".

ص: 581

وجاء عنه أيضا في أنها مُحكمة غير منسوخة قوله: «أُثبِتت للحُبْلى والمُرضِع» (1).

فإذا تقرر هذا فلا يمكن إيجاب القضاء مع الفدية؛ لأن الله تعالى سمى هذا الطعام فدية والفدية: ما قام مقام الشيء وأجزأ عنه، فغير جائز على هذا الوضع اجتماع القضاء والفدية؛ لأن القضاء إذا وجب فقد قام مقام المتروك، فلا يكون الإطعام فدية، وإن كان فدية صحيحة فلا قضاء؛ لأن الفدية قد أجزأت عنه وقامت مقامه (2).

الدليل الثاني: عن ابن عمر رضي الله عنه أنه سئل عن المرأة الحامل، إذا خافت على ولدها، قال:«تُفطِر، وتُطعِم مكان كل يوم مسكينا مُدّا من حنطة بمُدّ النبي صلى الله عليه وسلم» (3).

الدليل الثالث: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «إذا خافت الحامل على نفسها، والمرضع على ولدها في رمضان، قال: يفطران ويطعمان مكان كل يوم مسكينا، ولا يقضيان صوما» (4).

الدليل الرابع: وعنه أنه قال (لأمّ ولد)(5) له حبلى أو ترضع: «أنت من الذين لا يطيقون الصيام، عليكِ الجزاء وليس عليكِ القضاء» (6).

وجه الاستدلال: أن هذين الصحابيين الجليلين لم يريا على الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما غير الفدية، ولم يريا عليهما القضاء ولا مخالف لهما من الصحابة (7).

أدلة القول الثاني: القائلين بأنهما تفطران وتقضيان ولا فدية عليهما.

الدليل الأول: قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (8).

(1) رواه أبو داود 2/ 296 رقم 2317، في الصوم، باب من قال هي مثبتة للشيخ والحبلى، وقال الألباني في صحيح أبي داود 7/ 84 رقم 2007:"صحيح".

(2)

ينظر: أحكام القرآن للجصاص 1/ 225.

(3)

رواه الشافعي في مسنده ترتيب السندي 1/ 278، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى 4/ 389 رقم 8079، في الصيام، باب الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما أفطرتا وتصدقتا عن كل يوم بمد حنطة ثم قضتا، وهو في موطأ مالك بلاغا 3/ 442 رقم 1089، فدية من أفطر في رمضان من علة.

(4)

رواه الطبري في تفسيره 3/ 427 رقم 2758، وقال الألباني في الإرواء 4/ 19:"إسناده صحيح على شرط مسلم".

(5)

أم الولد: هي الأَمَة بعد أن تَلِد من سيِّدها تسمى أم ولد. ينظر: التعريفات الفقهية ص 27.

(6)

رواه الدارقطني 3/ 196 رقم 2382، وقال:"إسناد صحيح".

(7)

ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 249.

(8)

سورة البقرة: آية: 184.

ص: 582

وجه الاستدلال: معنى الآية أن المسافر والمريض إذا أفطرا يلزمهما الصوم بقدر ما فاتهما، ولا ذِكْر للفدية في هذه الآية، والحامل والمرضع أُعطيا حكم المريض؛ فيلزمهما القضاء فقط (1).

الدليل الثاني: حديث أنس بن مالك الكعبي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن المسافر والحامل والمرضع الصوم أو الصيام» (2).

وجه الاستدلال: أن إخباره صلى الله عليه وسلم بأن وضع الصوم عن الحامل والمرضع هو كوضعه عن المسافر؛ لأنه عطفهما عليه من غير استئناف، فثبت بذلك أن حكم وضع الصوم عن الحامل والمرضع هو في حكم وضعه عن المسافر لا فرق بينهما. ومعلوم أن وضع الصوم عن المسافر إنما هو على جهة إيجاب قضائه بالإفطار من غير فدية، فوجب أن يكون ذلك حكم الحامل والمرضع. كما أن في الحديث دليلا على أنه لا فرق بين الحامل والمرضع؛ إذ لم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما في الحكم (3).

الدليل الثالث: ولأن الحامل والمرضع يرجى لهما القضاء، وإنما أبيح لهما الإفطار لعذر موجود بهما مع إمكان القضاء؛ فوجب أن تكونا كالمريض والمسافر (4).

أدلة القول الثالث: القائلين بأنهما تفطران وتقضيان وتفديان.

أدلة إيجابهم الفدية: الدليل الأول: قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (5).

وجه الاستدلال: أن الحامل والمرضع ممن يطيق الصيام، فوجب بظاهر هذه الآية أن تلزمهما الفدية (6).

الدليل الثاني: الأثر الوارد عن ابن عباس رضي الله عنه في هذه الآية: «كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينا والحبلى والمرضع إذا خافتا» (7).

(1) ينظر: تحفة الأحوذي 3/ 331.

(2)

سبق تخريجه صفحة (201).

(3)

ينظر: أحكام القرآن للجصاص 1/ 224.

(4)

ينظر: أحكام القرآن للجصاص 1/ 224، والمنتقى للباجي 2/ 71.

(5)

سورة البقرة: آية: 184.

(6)

ينظر: الحاوي الكبير 3/ 437.

(7)

سبق تخريجه صفحة (578).

ص: 583

الدليل الثالث: عن الإمام مالك أنه بلغه، أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما سئل عن المرأة الحامل، إذا خافت على ولدها واشتد عليها الصيام؟ قال:«تفطر، وتطعم، مكان كل يوم مسكينا، مُدَّا من حِنْطة بمُدّ النبي صلى الله عليه وسلم» (1).

الدليل الرابع: ولأنه فطرٌ بسبب نفس عاجزة عن طريق الخِلْقَة، فوجبت به الكفارة كالشيخ الكبير (2).

أدلة إيجابهم القضاء: الدليل الأول: حديث أنس بن مالك الكعبي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن المسافر والحامل والمرضع الصوم أو الصيام» (3).

وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر: «أن الله وضع الصوم عن المسافر والحامل والمرضع» ، ولم يَرِد إلا وضع الأداء دون القضاء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر المسافر، وعطف عليه الحامل والمرضع، والذي وُضِع عن المسافر هو الأداء دون القضاء (4).

الدليل الثاني: ولأنه فطر انتفع به شخصان (الحامل وحملها، والمرضع ورضيعها)، فشابه الجماع في إيجاب القضاء مع الكفارة، وخالف المسافر والمريض (5).

أدلة القول الرابع: القائلين بأن الحامل تفطر وتقضي ولا فدية عليها، والمرضع تفطر وتقضي وتفدي.

أدلتهم على أن الحامل إذا خافت على حملها فلها أن تفطر وتقضي ولا إطعام عليها:

الدليل الأول: حديث أنس بن مالك الكعبي رضي الله عنه: «إن الله عز وجل وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن المسافر والحامل والمرضع الصوم أو الصيام» (6).

وجه الاستدلال: أن الحامل لم ترتكب شيئا يوجب عليها الفدية، ولذلك كان حكمها كحكم المريض والمسافر في وجوب القضاء دون الفدية.

(1) سبق تخريجه صفحة (579).

(2)

ينظر: المغني 3/ 150، والحاوي الكبير 3/ 437.

(3)

سبق تخريجه صفحة (201).

(4)

ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 250.

(5)

ينظر: الحاوي الكبير 3/ 438، ومسند الشافعي ترتيب السندي 1/ 278.

(6)

سبق تخريجه صفحة (201).

ص: 584

الدليل الثاني: ولأن الحامل مريضة فلم يجب عليها إلا القضاء.

قال الإمام مالك -في الحامل-: "وأهل العلم يرون عليها القضاء كما قال الله عز وجل: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، ويرون ذلك مرضا من الأمراض مع الخوف على ولدها"(1).

الدليل الثالث: ولأنها مفطرة بعذر؛ كالحائض. ولأن إيجاب الفدية إنما يجب على وجه الهَتْك (2)، فإذا لم يكن هتك لم يجب (3).

وأما دليلهم على أن المرضع إذا خافت على ولدها فلها أن تفطر وتقضي وتفدي: أن العذر ليس لمصلحتها، وإنما هو لأجل غيرها، فضعف أمرها عن الحامل والمريض (4).

الراجح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الثاني: أنه يجب عليهما القضاء فقط دون الإطعام؛ لأنهما في حكم المريض، ولم يوجِب الله سبحانه وتعالى الإطعام عليه، فكذلك هما. وأيضا فقد سَوّى النبي صلى الله عليه وسلم بينهما وبين المسافر في وضع الصوم عنهم، ومعلوم أن المسافر يقضي ولا إطعام عليه، كما تقدم بيانه في وجه الاستدلال من حديث أنس بن مالك الكعبي ¢ في أدلة القول الثاني.

وأما الجواب عن أدلة الآخرين فيكون بما يلي:

أولا: أما الاستدلال بالآية على إيجاب الفدية على المرضع والحامل، فيجاب عنه:

أن الآية منسوخة؛ وأنها ليست في من لا يطيق الصوم، والدليل على ذلك قوله سبحانه وتعالى في آخر الآية:{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} (5)؛ لأنها لو كانت في الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصيام والمرضع والحامل، لم يناسب أن يقال لهم:{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} ، مع أنهم لا يطيقون الصيام (6).

(1) الموطأ 3/ 442 رقم 1090، وعنه البيهقي في السنن الصغرى 2/ 102 رقم 1353.

(2)

الهَتْكُ: خَرْق السِّتْر عَمَّا وَرَاءَه، والاسْمُ الهُتْكة، والهَتِيكة: الفَضِيحَة. ينظر: النهاية 5/ 243، مختار الصحاح ص/324.

(3)

ينظر: الإشراف للقاضي عبد الوهاب 1/ 439.

(4)

ينظر: الإشراف للقاضي عبد الوهاب 1/ 439.

(5)

سورة البقرة: آية: 184.

(6)

ينظر: فتح الباري 8/ 181.

ص: 585

وقال ابن أبي ليلى: حَدَّثَنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: «نزل رمضان فشقّ عليهم، فكان من أطعم كل يوم مسكينا تَرَك الصوم ممن يطيقه، ورُخِّص لهم في ذلك، فنَسختها: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} فأُمِروا بالصوم» (1).

وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قرأ:{فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} ، قال:«هي منسوخة» (2).

قال الجَصَّاص (3): "ومن أبى ذلك من الفقهاء ذهب إلى أن ابن عباس وغيره ذكروا أن ذلك كان حكم سائر المُطيقين للصوم في إيجاب التخيير بين الصوم والفدية، وهو لا مَحالة قد يتناول الرجل الصحيح المُطيق للصوم، فغير جائز أن يتناول الحامل والمرضع؛ لأنهما غير مخيرتين؛ لأنهما: إما أن تَخافا، فعليهما الإفطار بلا تخيير، أو لا تَخافا، فعليهما الصيام بلا تخيير. وغير جائز أن تتناول الآية فريقين بحكم يقتضي ظاهرها إيجاب الفدية، ويكون المراد في أحد الفريقين التخيير بين الإطعام والصيام، وفي الفريق الآخر: إما الصيام على وجه الإيجاب بلا تخيير، أو الفدية بلا تخيير وقد تناولهما لفظ الآية على وجه واحد. فثبت بذلك أن الآية لم تتناول الحامل والمرضع. ويدل عليه أيضا في نسق التلاوة: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}، وليس ذلك بحكم الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما؛ لأن الصيام لا يكون خيرا لهما"(4).

ثانيا: وأما من فرق بين الحامل والمرضع فأوجب الفدية على المرضع دون الحامل فيجاب عنه:

أن حديث أنس بن مالك الكعبي رضي الله عنه والذي فيه: «إن الله عز وجل وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن المسافر والحامل والمرضع الصوم أو الصيام» ، لم يفرق بينهما، بل جعل لهما نفس الحكم ألا وهو القضاء دون الفدية. والله أعلم.

(1) رواه البخاري معلقا 3/ 34، في الصوم، باب:{وعلى الذين يطيقونه فدية} ، ووصله: البيهقي في السنن الكبرى 4/ 338 رقم 7902، في الصيام، باب ما كان عليه حال الصيام، وأبو داود 1/ 138 رقم 506، في الصلاة، باب كيف الأذان، وصححه الألباني في صحيح أبي داود رقم 523.

(2)

رواه البخاري 3/ 35 رقم 1949، في الصوم، باب:{وعلى الذين يطيقونه فدية} .

(3)

هو: أبو بكر أحمد بن علي الرازي، المعروف بالجصاص، انتهت إليه رئاسة الحنفية في وقته، سكن بغداد ودرس بها، تفقه على: أبي سهل الزجاج، وأبي الحسن الكرخي، وتفقه عليه الكثيرون، توفي سنة 370 هـ، من تصانيفه: أحكام القرآن؛ وشرح مختصر شيخه أبي الحسن الكرخي؛ وشرح الجامع الصغير. ينظر: تاج التراجم ص 96، الجواهر المضية 1/ 84؛ والأعلام 1/ 171.

(4)

أحكام القرآن 1/ 226.

ص: 586