الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب العاشر: ما الواجب على المُرضع والحامل إذا خافتا على ولدهما فقط
؟ .
اختيار الشيخ: اختار إفرادهما بالقضاء دون الإطعام، فقال:"أولى الأقوال عندي في ذلك هو قول من أفردهما بالقضاء دون الإطعام؛ فهما في حكم المريض فليزمهما القضاء فقط والله تعالى أعلم"(1).
تحرير محل الخلاف: اتفق أهل العلم أن الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما، أن لهما الفطر، وعليهما القضاء، ولا فدية عليهما؛ لأنهما بمنزلة المريض الخائف على نفسه (2).
أما إذا خافتا على ولديهما فقط، فقد اختلف الفقهاء في ذلك على أربعة أقوال:
القول الأول: تُفطِران وتُطعِمان ولا قضاء عليهما.
وبه قال: ابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهما ، وسعيد بن جبير (3).
القول الثاني: تفطران وتقضيان ولا فدية عليهما.
وبه قال: الحنفية (4) ، والمزني من الشافعية (5) ،والأوزاعي، والثوري، وأبو ثور (6)، وهو اختيار الشيخ رحمه الله.
القول الثالث: تفطران وتقضيان وتفديان.
وبه قال: الحنابلة (7) ، والشافعية في الأصح (8) ، ومجاهد (9).
القول الرابع: الحامل تفطر وتقضي ولا فدية عليها، والمرضع تفطر وتقضي وتفدي.
(1) مرعاة المفاتيح 7/ 16.
(2)
ينظر: المبسوط للسرخسي 3/ 99، مختصر اختلاف العلماء 2/ 17، المغني 3/ 149، الكافي لابن عبد البر 1/ 340، الحاوي الكبير 3/ 436، المجموع 6/ 267، شرح الموطأ للزرقاني 2/ 284.
(3)
الإشراف لابن المنذر 3/ 151، المغني 3/ 150، المجموع 6/ 269.
(4)
المبسوط للسرخسي 3/ 99، بدائع الصنائع 2/ 97، فتح القدير لابن الهمام 2/ 355، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق 1/ 336.
(5)
مختصر المزني 8/ 153، الحاوي 3/ 437، المجموع 6/ 267، العزيز 3/ 240.
(6)
الإشراف لابن المنذر 3/ 151، المجموع 6/ 269.
(7)
الهداية ص 156، الكافي 1/ 434، شرح الزركشي 2/ 603، الإنصاف 3/ 290.
(8)
مختصر المزني 8/ 153، الحاوي الكبير 3/ 436، المهذب 1/ 328، العزيز شرح الوجيز 3/ 240.
(9)
الإشراف لابن المنذر 3/ 151، الحاوي الكبير 3/ 437، والمجموع 6/ 269.
وبه قال: المالكية (1) ، والشافعية في قول (2).
سبب الخلاف: والسبب في اختلافهم هو اختلاف الأحاديث والآثار الواردة في هذه المسألة، فمنها ما صرح بالفداء دون القضاء كالذي سيأتي عن ابن عباس رضي الله عنه ، ومنها ما هو مطلق لا يفهم منه أكثر من الترخيص لهما بالفطر، كما سيأتي في حديث أنس بن مالك الكعبي رضي الله عنه ، فاختلفت الأقوال باختلاف الأحاديث وفهمها والأخذ بها (3).
ويرى ابن رشد أن سبب اختلافهم هو: تردد شَبَههما بين الذي يجهده الصوم، وبين المريض (4).
أدلة القول الأول: القائلين بأنهما تفطران وتطعمان ولا قضاء عليهما.
الدليل الأول: قوله سبحانه وتعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (5).
وجه الاستدلال: أن معنى يطيقونه: يُكلَّفونه، ولا يطيقونه إلا بجهد ومشقة مُضرَّة، فهؤلاء جُعلَت عليهم (الفِدْية)(6)، فتكون الآية (مُحْكَمة)(7) في الشيخ والعجوز والحامل والمرضع؛ لأنهم يكلَّفون الصيام ولا يطيقونه إلا بمشقة (8).
وهذا المعنى في تفسيرها، قد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما حيث قال:«كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينا، والحبلى والمرضع إذا خافتا» (9).
(1) المدونة 1/ 278، الكافي 1/ 140، القوانين الفقهية ص 84، شرح الخرشي 2/ 261.
(2)
الحاوي الكبير 3/ 437، المهذب 1/ 328، المجموع 6/ 267.
(3)
ينظر: مسند الشافعي ترتيب السندي 1/ 278.
(4)
ينظر: بداية المجتهد 2/ 63.
(5)
سورة البقرة: آية: 184.
(6)
الفِدْية والفِداء: البَدَل الذي يتخلص به المكلف عن مكروه توجه إليه. وقيل: ما يقي الإنسان به نفسه من مال يبذله في عبادة يُقَصِّر فيها ككفارة اليمين وكفارة الصوم. ينظر: التعريفات للجرجاني ص 165، تاج العروس 39/ 223.
(7)
المُحْكم، في اللغة: أي: متقن مأمون الانتقاض، اصطلاحا: هو اللفظ الذي ظهر منه المراد؛ ولم يحتمل النسخ ولا التبديل. ينظر: التعريفات للجرجاني ص 206، أصول الفقه الذي لا يسع جهله ص 402.
(8)
ينظر: الاستذكار 3/ 364.
(9)
رواه أبو داود 2/ 296 رقم 2318، في الصوم، باب من قال هي مثبتة للشيخ والحبلى، وقال:"يعني على أولادهما أفطرتا وأطعمتا"، وقال الألباني في الإرواء 4/ 64 رقم 929:"شاذ بهذا السياق".
وجاء عنه أيضا في أنها مُحكمة غير منسوخة قوله: «أُثبِتت للحُبْلى والمُرضِع» (1).
فإذا تقرر هذا فلا يمكن إيجاب القضاء مع الفدية؛ لأن الله تعالى سمى هذا الطعام فدية والفدية: ما قام مقام الشيء وأجزأ عنه، فغير جائز على هذا الوضع اجتماع القضاء والفدية؛ لأن القضاء إذا وجب فقد قام مقام المتروك، فلا يكون الإطعام فدية، وإن كان فدية صحيحة فلا قضاء؛ لأن الفدية قد أجزأت عنه وقامت مقامه (2).
الدليل الثاني: عن ابن عمر رضي الله عنه أنه سئل عن المرأة الحامل، إذا خافت على ولدها، قال:«تُفطِر، وتُطعِم مكان كل يوم مسكينا مُدّا من حنطة بمُدّ النبي صلى الله عليه وسلم» (3).
الدليل الثالث: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «إذا خافت الحامل على نفسها، والمرضع على ولدها في رمضان، قال: يفطران ويطعمان مكان كل يوم مسكينا، ولا يقضيان صوما» (4).
الدليل الرابع: وعنه أنه قال (لأمّ ولد)(5) له حبلى أو ترضع: «أنت من الذين لا يطيقون الصيام، عليكِ الجزاء وليس عليكِ القضاء» (6).
وجه الاستدلال: أن هذين الصحابيين الجليلين لم يريا على الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما غير الفدية، ولم يريا عليهما القضاء ولا مخالف لهما من الصحابة (7).
أدلة القول الثاني: القائلين بأنهما تفطران وتقضيان ولا فدية عليهما.
الدليل الأول: قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (8).
(1) رواه أبو داود 2/ 296 رقم 2317، في الصوم، باب من قال هي مثبتة للشيخ والحبلى، وقال الألباني في صحيح أبي داود 7/ 84 رقم 2007:"صحيح".
(2)
ينظر: أحكام القرآن للجصاص 1/ 225.
(3)
رواه الشافعي في مسنده ترتيب السندي 1/ 278، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى 4/ 389 رقم 8079، في الصيام، باب الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما أفطرتا وتصدقتا عن كل يوم بمد حنطة ثم قضتا، وهو في موطأ مالك بلاغا 3/ 442 رقم 1089، فدية من أفطر في رمضان من علة.
(4)
رواه الطبري في تفسيره 3/ 427 رقم 2758، وقال الألباني في الإرواء 4/ 19:"إسناده صحيح على شرط مسلم".
(5)
أم الولد: هي الأَمَة بعد أن تَلِد من سيِّدها تسمى أم ولد. ينظر: التعريفات الفقهية ص 27.
(6)
رواه الدارقطني 3/ 196 رقم 2382، وقال:"إسناد صحيح".
(7)
ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 249.
(8)
سورة البقرة: آية: 184.
وجه الاستدلال: معنى الآية أن المسافر والمريض إذا أفطرا يلزمهما الصوم بقدر ما فاتهما، ولا ذِكْر للفدية في هذه الآية، والحامل والمرضع أُعطيا حكم المريض؛ فيلزمهما القضاء فقط (1).
الدليل الثاني: حديث أنس بن مالك الكعبي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن المسافر والحامل والمرضع الصوم أو الصيام» (2).
وجه الاستدلال: أن إخباره صلى الله عليه وسلم بأن وضع الصوم عن الحامل والمرضع هو كوضعه عن المسافر؛ لأنه عطفهما عليه من غير استئناف، فثبت بذلك أن حكم وضع الصوم عن الحامل والمرضع هو في حكم وضعه عن المسافر لا فرق بينهما. ومعلوم أن وضع الصوم عن المسافر إنما هو على جهة إيجاب قضائه بالإفطار من غير فدية، فوجب أن يكون ذلك حكم الحامل والمرضع. كما أن في الحديث دليلا على أنه لا فرق بين الحامل والمرضع؛ إذ لم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما في الحكم (3).
الدليل الثالث: ولأن الحامل والمرضع يرجى لهما القضاء، وإنما أبيح لهما الإفطار لعذر موجود بهما مع إمكان القضاء؛ فوجب أن تكونا كالمريض والمسافر (4).
أدلة القول الثالث: القائلين بأنهما تفطران وتقضيان وتفديان.
أدلة إيجابهم الفدية: الدليل الأول: قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (5).
وجه الاستدلال: أن الحامل والمرضع ممن يطيق الصيام، فوجب بظاهر هذه الآية أن تلزمهما الفدية (6).
الدليل الثاني: الأثر الوارد عن ابن عباس رضي الله عنه في هذه الآية: «كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينا والحبلى والمرضع إذا خافتا» (7).
(1) ينظر: تحفة الأحوذي 3/ 331.
(2)
سبق تخريجه صفحة (201).
(3)
ينظر: أحكام القرآن للجصاص 1/ 224.
(4)
ينظر: أحكام القرآن للجصاص 1/ 224، والمنتقى للباجي 2/ 71.
(5)
سورة البقرة: آية: 184.
(6)
ينظر: الحاوي الكبير 3/ 437.
(7)
سبق تخريجه صفحة (578).
الدليل الثالث: عن الإمام مالك أنه بلغه، أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما سئل عن المرأة الحامل، إذا خافت على ولدها واشتد عليها الصيام؟ قال:«تفطر، وتطعم، مكان كل يوم مسكينا، مُدَّا من حِنْطة بمُدّ النبي صلى الله عليه وسلم» (1).
الدليل الرابع: ولأنه فطرٌ بسبب نفس عاجزة عن طريق الخِلْقَة، فوجبت به الكفارة كالشيخ الكبير (2).
أدلة إيجابهم القضاء: الدليل الأول: حديث أنس بن مالك الكعبي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن المسافر والحامل والمرضع الصوم أو الصيام» (3).
وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر: «أن الله وضع الصوم عن المسافر والحامل والمرضع» ، ولم يَرِد إلا وضع الأداء دون القضاء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر المسافر، وعطف عليه الحامل والمرضع، والذي وُضِع عن المسافر هو الأداء دون القضاء (4).
الدليل الثاني: ولأنه فطر انتفع به شخصان (الحامل وحملها، والمرضع ورضيعها)، فشابه الجماع في إيجاب القضاء مع الكفارة، وخالف المسافر والمريض (5).
أدلة القول الرابع: القائلين بأن الحامل تفطر وتقضي ولا فدية عليها، والمرضع تفطر وتقضي وتفدي.
أدلتهم على أن الحامل إذا خافت على حملها فلها أن تفطر وتقضي ولا إطعام عليها:
الدليل الأول: حديث أنس بن مالك الكعبي رضي الله عنه: «إن الله عز وجل وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن المسافر والحامل والمرضع الصوم أو الصيام» (6).
وجه الاستدلال: أن الحامل لم ترتكب شيئا يوجب عليها الفدية، ولذلك كان حكمها كحكم المريض والمسافر في وجوب القضاء دون الفدية.
(1) سبق تخريجه صفحة (579).
(2)
ينظر: المغني 3/ 150، والحاوي الكبير 3/ 437.
(3)
سبق تخريجه صفحة (201).
(4)
ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 250.
(5)
ينظر: الحاوي الكبير 3/ 438، ومسند الشافعي ترتيب السندي 1/ 278.
(6)
سبق تخريجه صفحة (201).
الدليل الثاني: ولأن الحامل مريضة فلم يجب عليها إلا القضاء.
قال الإمام مالك -في الحامل-: "وأهل العلم يرون عليها القضاء كما قال الله عز وجل: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، ويرون ذلك مرضا من الأمراض مع الخوف على ولدها"(1).
الدليل الثالث: ولأنها مفطرة بعذر؛ كالحائض. ولأن إيجاب الفدية إنما يجب على وجه الهَتْك (2)، فإذا لم يكن هتك لم يجب (3).
وأما دليلهم على أن المرضع إذا خافت على ولدها فلها أن تفطر وتقضي وتفدي: أن العذر ليس لمصلحتها، وإنما هو لأجل غيرها، فضعف أمرها عن الحامل والمريض (4).
الراجح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الثاني: أنه يجب عليهما القضاء فقط دون الإطعام؛ لأنهما في حكم المريض، ولم يوجِب الله سبحانه وتعالى الإطعام عليه، فكذلك هما. وأيضا فقد سَوّى النبي صلى الله عليه وسلم بينهما وبين المسافر في وضع الصوم عنهم، ومعلوم أن المسافر يقضي ولا إطعام عليه، كما تقدم بيانه في وجه الاستدلال من حديث أنس بن مالك الكعبي ¢ في أدلة القول الثاني.
وأما الجواب عن أدلة الآخرين فيكون بما يلي:
أولا: أما الاستدلال بالآية على إيجاب الفدية على المرضع والحامل، فيجاب عنه:
أن الآية منسوخة؛ وأنها ليست في من لا يطيق الصوم، والدليل على ذلك قوله سبحانه وتعالى في آخر الآية:{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} (5)؛ لأنها لو كانت في الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصيام والمرضع والحامل، لم يناسب أن يقال لهم:{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} ، مع أنهم لا يطيقون الصيام (6).
(1) الموطأ 3/ 442 رقم 1090، وعنه البيهقي في السنن الصغرى 2/ 102 رقم 1353.
(2)
الهَتْكُ: خَرْق السِّتْر عَمَّا وَرَاءَه، والاسْمُ الهُتْكة، والهَتِيكة: الفَضِيحَة. ينظر: النهاية 5/ 243، مختار الصحاح ص/324.
(3)
ينظر: الإشراف للقاضي عبد الوهاب 1/ 439.
(4)
ينظر: الإشراف للقاضي عبد الوهاب 1/ 439.
(5)
سورة البقرة: آية: 184.
(6)
ينظر: فتح الباري 8/ 181.
وقال ابن أبي ليلى: حَدَّثَنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: «نزل رمضان فشقّ عليهم، فكان من أطعم كل يوم مسكينا تَرَك الصوم ممن يطيقه، ورُخِّص لهم في ذلك، فنَسختها: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} فأُمِروا بالصوم» (1).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قرأ:{فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} ، قال:«هي منسوخة» (2).
قال الجَصَّاص (3): "ومن أبى ذلك من الفقهاء ذهب إلى أن ابن عباس وغيره ذكروا أن ذلك كان حكم سائر المُطيقين للصوم في إيجاب التخيير بين الصوم والفدية، وهو لا مَحالة قد يتناول الرجل الصحيح المُطيق للصوم، فغير جائز أن يتناول الحامل والمرضع؛ لأنهما غير مخيرتين؛ لأنهما: إما أن تَخافا، فعليهما الإفطار بلا تخيير، أو لا تَخافا، فعليهما الصيام بلا تخيير. وغير جائز أن تتناول الآية فريقين بحكم يقتضي ظاهرها إيجاب الفدية، ويكون المراد في أحد الفريقين التخيير بين الإطعام والصيام، وفي الفريق الآخر: إما الصيام على وجه الإيجاب بلا تخيير، أو الفدية بلا تخيير وقد تناولهما لفظ الآية على وجه واحد. فثبت بذلك أن الآية لم تتناول الحامل والمرضع. ويدل عليه أيضا في نسق التلاوة: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}، وليس ذلك بحكم الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما؛ لأن الصيام لا يكون خيرا لهما"(4).
ثانيا: وأما من فرق بين الحامل والمرضع فأوجب الفدية على المرضع دون الحامل فيجاب عنه:
أن حديث أنس بن مالك الكعبي رضي الله عنه والذي فيه: «إن الله عز وجل وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن المسافر والحامل والمرضع الصوم أو الصيام» ، لم يفرق بينهما، بل جعل لهما نفس الحكم ألا وهو القضاء دون الفدية. والله أعلم.
(1) رواه البخاري معلقا 3/ 34، في الصوم، باب:{وعلى الذين يطيقونه فدية} ، ووصله: البيهقي في السنن الكبرى 4/ 338 رقم 7902، في الصيام، باب ما كان عليه حال الصيام، وأبو داود 1/ 138 رقم 506، في الصلاة، باب كيف الأذان، وصححه الألباني في صحيح أبي داود رقم 523.
(2)
رواه البخاري 3/ 35 رقم 1949، في الصوم، باب:{وعلى الذين يطيقونه فدية} .
(3)
هو: أبو بكر أحمد بن علي الرازي، المعروف بالجصاص، انتهت إليه رئاسة الحنفية في وقته، سكن بغداد ودرس بها، تفقه على: أبي سهل الزجاج، وأبي الحسن الكرخي، وتفقه عليه الكثيرون، توفي سنة 370 هـ، من تصانيفه: أحكام القرآن؛ وشرح مختصر شيخه أبي الحسن الكرخي؛ وشرح الجامع الصغير. ينظر: تاج التراجم ص 96، الجواهر المضية 1/ 84؛ والأعلام 1/ 171.
(4)
أحكام القرآن 1/ 226.