المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب السابع: حكم صيام الست من شوال - الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف

[موافقي الأمين]

فهرس الكتاب

- ‌ الافتتاحية

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌خطة البحث

- ‌المنهج المتبع في البحث:

- ‌الشكر وتقدير:

- ‌التمهيددراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري واختياراته

- ‌المبحث الأول: دراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول:‌‌ اسمه، ونسبه، و‌‌كنيته، و‌‌لقبه

- ‌ اسمه، ونسبه

- ‌كنيته

- ‌لقبه

- ‌المطلب الثاني:‌‌ مولده، و‌‌أسرته، ووفاته

- ‌ مولده

- ‌أسرته

- ‌وفاته:

- ‌المطلب الثالث: نشأته، وطلبه للعلم

- ‌المطلب الرابع:‌‌ شيوخه، وتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌أولا: الشيخ أبو الهدى عبد السلام بن الشيخ خان محمد بن أمان الله المباركفوري

- ‌ثانيا: الشيخ العلامة أبو طاهر البهاري

- ‌ثالثا: الشيخ أبو العلى محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن الشيخ بهادر المباركفوري

- ‌رابعا: الشيخ العلامة أحمد الله بن أمير الله بن فقير الله فرتاب كرهي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفور جيراجفوري

- ‌سادسا: الشيخ العلامة محمد أعظم بن فضل الدين أبو عبد الله الجوندلوي الباكستاني

- ‌تلامذته:

- ‌أولا: الشيخ عبد الجليل بن تعلقدار الرحماني البستوي

- ‌ثانيا: الشيخ محمد إدريس آزاد الرحماني الأملوي

- ‌ثالثا: الشيخ عبد المعيد بن عبد المجيد بن عبد القادر أبو عبيدة البنارسي

- ‌رابعا: الشيخ آفتاب آحمد الرحماني البنغلاديشي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفار حسن بن العلامة عبد الستار بن عبد الجبار العمر فوري الرحماني

- ‌سادسا: الشيخ أحمد الله بن عبد الكريم الرحماني البنغلاديش

- ‌المطلب الخامس:‌‌ عقيدته، ومذهبه الفقهي

- ‌ عقيدته

- ‌عقيدة الشيخ في الإيمان:

- ‌عقيدة الشيخ في الأسماء والصفات:

- ‌عقيدته في التوسل ودعاء الأموات والغائبين:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌المطلب السادس: ثناء العلماء عليه

- ‌المطلب السابع: آثاره العلمية

- ‌المبحث الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول: تعريف الاختيار

- ‌في اللغة:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌التعريف الأول:

- ‌التعريف الثاني:

- ‌وقد عرفه بعض الباحثين باعتبار أقسامه الثلاثة:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي والإنفراد:

- ‌تعريف الرأي:

- ‌وأما في الاصطلاح فقد عرف بعدة تعاريف منها:

- ‌تعريف الإنفراد:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي:

- ‌وجه التشابه بينهما:

- ‌وجه الاختلاف بينهما:

- ‌الفرق بين الإختيار والإنفراد:

- ‌الفرق بين الإنفراد والرأي:

- ‌المطلب الثاني: منهج المباركفوري في اختياراته، وموقف العلماء منها

- ‌المطلب الثالث: دراسة الصيغ المعتبرة (في الاختيار) عند الشيخ المباركفوري

- ‌الباب الأول: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في الصيام

- ‌الفصل الأول: في تسمية الشهر، وفي رؤية الهلال، وفي يوم الشك

- ‌المبحث الأول: حكم قول رمضان، وفي رؤية الهلال

- ‌المطلب الثاني: اعتبار اختلاف المطالع

- ‌المطلب الثالث: هل يثبت دخول الشهر بالحساب الفلكي

- ‌المطلب الرابع: عدد الشهود في هلال شهر رمضان

- ‌المطلب الخامس: عدد الشهود لثبوت هلال شوال

- ‌المطلب السادس: هل يكفي الإخبار ممن رأى الهلال أو تشترط الشهادة

- ‌المطلب السابع: حكم صيام من رأى هلال شوال وحده فردت شهادته

- ‌المطلب الثامن: حكم من أفطر ثم تبين أن اليوم من رمضان

- ‌المبحث الثاني: في يوم الشك، والصوم بعد انتصاف شعبان

- ‌المطلب الأول: في تعيين يوم الشك

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر

- ‌المطلب الثالث: من صام يوم الشك فتبين أنه من رمضان

- ‌المطلب الرابع: حكم الصيام بعد انتصاف شعبان

- ‌الفصل الثاني: في النية وصيام المسافر

- ‌المبحث الأول: في النية

- ‌المطلب الأول: في النية للفرض

- ‌المسألة الثانية: حكم النية لكل يوم من رمضان

- ‌المسألة الثالثة: حكم تعيين النية

- ‌المسألة الرابعة: حكم التَلَفُّظ بالنية

- ‌المسألة الخامسة: هل يُشترَط أن تُعقَد النية في جزء معين من الليل

- ‌المسألة السادسة: حكم ما إذا فعل بعد النية قبل الفجر ما ينافي الصوم

- ‌المطلب الثاني: في النية النفل

- ‌المسألة الأولى: حكم صيام يوم الشك بنية التطوع

- ‌المسألة الثانية: حكم نية صوم النفل من النهار

- ‌المسألة الثالثة: حكم عقد نية النفل بعد الزوال

- ‌المبحث الثاني: صوم السفر

- ‌المطلب الأول: حكم الصيام في السفر

- ‌المطلب الثاني: ما الأفضل للمسافر الصيام أو الفطر

- ‌المطلب الثالث: حد السفر المبيح للفطر

- ‌المطلب الرابع: حكم إفطار المسافر الذي استهل عليه رمضان وهو مقيم

- ‌المطلب الخامس: حكم إفطار المسافر بعد أن كان قد شرع في الصيام

- ‌المطلب السادس: حكم إفطار من سافر بعد طلوع الفجر

- ‌الفصل الثالث: في المفطرات وما يجتنبه الصائم، وفي الكفارة وخصالها

- ‌المبحث الأول: في المفطرات وما يجتنبه الصائم

- ‌المطلب الثاني: حكم الفصد للصائم

- ‌المطلب الرابع: حكم التقبيل للصائم

- ‌المطلب الخامس: حكم الاستياك للصائم

- ‌المسألة الثانية: الاستياك بالعود الرطب

- ‌المسألة الثالثة: الاستياك في صوم الفريضة

- ‌المطلب السابع: حكم الوصال في الصيام

- ‌المسألة الأولى: الوصال أكثر من يوم

- ‌المسألة الثانية: الوصال إلى السَحَر

- ‌المطلب الثامن: حكم من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم

- ‌المطلب العاشر: حكم انغماس الصائم في الماء

- ‌المطلب الحادي عشر: في الأكل والشرب للمتسحر

- ‌المسألة الأولى: حكم من أكل أو شرب وهو شاك في الفجر

- ‌المسألة الثانية: هل المعتبر في تحريم الأكل والشرب تَبَيُّن الفجر أو طلوع الفجر

- ‌المطلب الثالث عشر: حكم صيام الحائض والنُفَساء إذا طهرت قبل الفجر، ولم تغتسل إلا بعد الفجر

- ‌المبحث الثاني: في الكفارة، وخصالها

- ‌المطلب الثاني: هل على المرأة المجامعة في رمضان كفارة

- ‌المطلب الثالث: هل على من جامع ناسيا في رمضان كفارة

- ‌المطلب الرابع: هل الأكل والشرب في رمضان عمدا يوجبان الكفارة كالجماع

- ‌المطلب السادس: هل الخصال الثلاثة في كفارة الجماع في رمضان على الترتيب أو على التخيير

- ‌المطلب السابع: حكم اشتراط التتابع في صيام كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب الثامن: ما هو الحد الواجب في الإطعام في كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب التاسع: هل يشترط في الرقبة المعتقة في كفارة الجماع في رمضان أن تكون مؤمنة

- ‌الفصل الرابع: في صوم التطوع، والأيام التي نهي عن الصوم فيها، وفي النذر، وصوم عاشوراء

- ‌المبحث الأول: في صوم التطوع والأيام التي نهي عن الصوم فيها

- ‌المطلب الأول: حكم إفراد يوم الجمعة بصيام

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام يوم السبت

- ‌المطلب الثالث: حكم صيام يوم عرفة للحاج

- ‌المطلب الخامس: حكم صيام عشر ذي الحِجَّة

- ‌المطلب السادس: حكم صيام الدهر

- ‌المطلب السابع: حكم صيام الست من شوال

- ‌المطلب الثامن: ما هو أفضل الصيام بعد رمضان صيام شعبان أو المحرم

- ‌المطلب التاسع: حكم الإفطار في صوم النافلة

- ‌المطلب العاشر: تعيين الأفضل في صيام ثلاثة أيام من كل شهر

- ‌المطلب الحادي عشر: ما هي أيام البيض

- ‌المطلب الثاني عشر: معنى صيام يوم في سبيل الله

- ‌المبحث الثاني: في النذر، وفي أعذار الفطر

- ‌المطلب الأول: حكم من نذر صوم العيدين متعمدا لعينيهما

- ‌المطلب الثاني: حكم من نذر صوم يوم قدوم فلان مثلا فوافق يوم عيد

- ‌المطلب الثالث: هل الضيافة عذر للإفطار من صوم النفل

- ‌المطلب الرابع: هل يستحب لمن كان صائما صيام نفل أن يفطر إذا دُعي

- ‌المبحث الثالث: في صوم عاشوراء

- ‌المطلب الأول: نسخ وجوب صيام يوم عاشوراء

- ‌المطلب الثاني: هل عاشوراء هو اليوم التاسع أو اليوم العاشر

- ‌المطلب الثالث: ما الأفضل في صيام عاشوراء

- ‌المطلب الرابع: هل صيام يوم مع عاشوراء لاحتمال الشك أو لمخالفة أهل الكتاب

- ‌المطلب الخامس: هل الأفضل صيام يوم عاشوراء أو يوم عرفة

- ‌الباب الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر، وفي الاعتكاف

- ‌الفصل الأول: في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر

- ‌المبحث الأول: في قضاء الصوم

- ‌المطلب الأول: هل يجب قضاء رمضان على الفور؟ ، وهل يجب التتابع

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز التطوع قبل القضاء

- ‌المطلب الثالث: هل يقضي من أفطر في صيام النفل

- ‌المطلب الرابع: حكم صيام المرأة النفل وقضاء الواجب بغير إذن زوجها

- ‌المطلب الخامس: هل يقضي المجامع في رمضان اليوم الذي جامع فيه

- ‌المطلب السادس: حكم القضاء على من ذرعه القيء

- ‌المطلب السابع: هل يقضي من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌المطلب الثامن: هل يقضي الصوم من تمضمض أو استنشق فغلبه الماء

- ‌المطلب التاسع: حكم من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر

- ‌المطلب العاشر: ما الواجب على المُرضع والحامل إذا خافتا على ولدهما فقط

- ‌المبحث الثاني: في القضاء عن الميت

- ‌المطلب الأول: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي أمكنه التدارك

- ‌المطلب الثاني: ما الصوم الذي يصام عن الميت

- ‌المطلب الثالث: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي لم يمكنه التدارك

- ‌المبحث الثالث: في ليلة القدر

- ‌المطلب الأول: في تعيين ليلة القَدْر

- ‌المطلب الثاني: هل ليلة القدر خاصة بهذه الأمة

- ‌الفصل الثاني: في الاعتكاف

- ‌المبحث الأول: في حكمه، واشتراط الصوم له، وغير ذلك

- ‌المطلب الأول: حكم (الاعتكاف)

- ‌المطلب الثاني: هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف

- ‌المطلب الثالث: هل لأقل الاعتكاف حدّ

- ‌المطلب الرابع: هل ينقطع اعتكاف من عاد مريضا أو صلى على جنازة

- ‌المطلب الخامس: هل يجوز (الاشتراط في الاعتكاف)

- ‌المطلب السادس: حكم من نذر الاعتكاف قبل إسلامه

- ‌المطلب السابع: متى يدخل المعتكِف معتكَفه

- ‌المطلب الثامن: حكم قضاء الاعتكاف

- ‌المبحث الثاني: في مكان الاعتكاف

- ‌المطلب الأول: أين تعتكف المرأة

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

- ‌المطلب الثالث: هل يجوز الاعتكاف في غير (المسجد الجامع)

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب السابع: حكم صيام الست من شوال

‌المطلب السابع: حكم صيام الست من شوال

.

اختيار الشيخ: اختار استحباب صيام الست من شوال، فقال "وفي الحديث دليل بَيِّن على استحباب صوم ستة أيام من شوال"(1).

اختلف الفقهاء في حكم صيام الست من شوال على قولين:

القول الأول: يستحب صيام الست من شوال.

وهو قول: المتأخرين من الحنفية (2) ، وقول الشافعية (3) ، والحنابلة (4) ، وهو اختيار الشيخ.

القول الثاني: يكره صيام الست من شوال.

وهو قول: الإمام أبي حنيفة (5) ، والإمام مالك (6)? .

سبب الخلاف: قد يرجع الخلاف -والله أعلم- إلى سببين:

الأول: معارضة (عمل أهل المدينة)(7) لحديث صيام الست من شوال.

الثاني: ترك العمل بحديث صيام الست من شوال سدا للذريعة؛ حتى لا يعتقد الجُهّال فرضيتها.

(1) مرعاة المفاتيح 7/ 64. أي في حديث أبي أيوب الأنصاري صفحة (453).

(2)

فتح القدير 2/ 349، مراقي الفلاح ص 236، تبيين الحقائق 1/ 332، رد المحتار 2/ 435.

(3)

المهذب 1/ 344، البيان 3/ 548، المجموع 6/ 379، النجم الوهاج 3/ 358.

(4)

مسائل أحمد رواية عبد الله ص 193، المغني 3/ 176، المحرر 1/ 231، الإنصاف 3/ 343.

(5)

فتح القدير 2/ 349، تبيين الحقائق 1/ 332، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص 639. ذكر بعض الحنفية: أن ما روي عن أبي حنيفة من كراهة صوم ستة من شوال هو غير رواية الأصول، أو إن مراده بذلك أن يصوم يوم الفطر وخمسة أيام بعده، فأما إذا أفطر يوم العيد ثم صام بعده ستة أيام فليس بمكروه، بل هو مستحب. ينظر: بدائع الصنائع 2/ 78، ورد المحتار 2/ 435.

(6)

المقدمات 1/ 243، الشامل 1/ 203، مختصر خليل ص 61، مواهب الجليل 2/ 414. واشترط أصحاب مالك لكراهتها: أربعة شروط: -أن يكون فاعلها مقتدى به، -مُظهِرا لها، -متصلة برمضان متتابعة، -معتقدًا سنة اتصالها. فإن انتفى قيد من هذه الأربع لم تكره. ينظر: شرح الزرقاني على خليل 2/ 353.

(7)

عمل أهل المدينة: المقصود عملهم في عصر الصحابة والتابعين وتابعي التابعين فحسب. وهو على ضربين: نقلي واستدلالي: النقلي كنقلهم الصاع والمُدّ وغير ذلك، وهذا حجة عند جمهور العلماء، وأما الاستدلالي فهو ما ذهبوا إليه بطريق الاجتهاد، وهذا هو محل الخلاف بين المالكية وغيرهم. ينظر: أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله ص 137.

ص: 454

أدلة القول الأول: القائلين بأنه يستحب صيام الست من شوال.

الدليل الأول: عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال، كان كصيام الدهر» (1).

وجه الاستدلال: أن الحديث صريح في استحباب صيام الست من شوال؛ لأن النبي إنما شبَّه صيامها بصيام الدهر، للمبالغة، وللحث على صيامها (2).

الدليل الثاني: عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام من شوال بشهرين، فذلك صيام سنة» (3).

وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر صيام الست من شوال بعد صيام رمضان، وأن الحسنة بعشر أمثالها إلا ترغيبا منه صلى الله عليه وسلم في صيامها؛ لتحصيل أجر صيام السنة كاملة.

أدلة القول الثاني: القائلين بأنه يكره صيام الست من شوال.

الدليل الأول: أن حديث صيام الست من شوال غير معمول به عند أهل العلم من أهل المدينة.

قال الإمام مالك -في صيام ستة أيام بعد الفطر من رمضان-: "إنه لم ير أحدا من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف، وإن أهل العلم يكرهون ذلك، ويخافون بدعته، وأن يُلحِقَ برمضان ما ليس منه أهلُ الجهالة والجفاء (4)؛ لو رأوا في ذلك رخصة عند أهل العلم، ورأوهم يعملون ذلك"(5).

وجه الاستدلال من كلام الإمام مالك من وجهين:

الأول: أن أهل العلم من أهل المدينة لم ينقل عنهم صيام الأيام الست من شوال، فيكون صيامها ليس مما يستحب فعله.

(1) سبق تخريجه صفحة (444).

(2)

ينظر: شرح مسلم للنووي 8/ 56، شرح المشكاة 5/ 1609، سبل السلام 1/ 582.

(3)

رواه النسائي في السنن الكبرى 3/ 239 رقم 2873، في الصيام، باب صيام ستة أيام من شوال، واللفظ له، وابن ماجه 1/ 547 رقم 1715، في الصيام، باب صيام ستة أيام من شوال، وأحمد 37/ 94 رقم 22412، وصححه الألباني في الإرواء رقم 950.

(4)

أي: أهل الغلظة والفظاظة، ينظر: شرح الزرقاني على الموطأ 2/ 301.

(5)

الموطأ: ص 310، كتاب الصيام، باب جامع الصيام.

ص: 455

قال الباجي: "وهذا كما قال: إن صوم هذه الستة الأيام بعد الفطر لم تكن من الأيام التي كان السلف يتعمدون صومها"(1).

الثاني: أنه قد يفضي إلى اعتقاد لزومها من العوام لكثرة المداومة، ولذا سُمِع من يقول يوم الفطر: نحن إلى الآن لم يأت عيدنا أو نحوه (2).

قال ابن القيم: "قال الحافظ أبو محمد المُنْذِري (3): والذي خشي منه مالك قد وقع بالعجم، فصاروا يتركون المُسَحّرين على عادتهم، والنواقيس، وشعائر رمضان إلى آخر الستة الأيام. فحينئذ يُظهِرون شعائر العيد"(4).

الدليل الثاني: أن حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه في صيام الست من شوال- لا يَثبُت عن النبي صلى الله عليه وسلم، لعلتين:

الأولى: ضعف أحد الرواة.

الثانية: الاختلاف في رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو وقفه على أبي أيوب الأنصاري ¢ (5).

الترجيح: الذي يترجح والله أعلم هو القول الأول: أنه يستحب صيام الست من شوال مطلقا.؛ وحديث أبي أيوب وثوبان رضي الله عنهما واضحا الدلالة على استحباب صيامها.

والظاهر -والله أعلم- أن الإمام مالكا والإمام أبا حنيفة رضي الله عنهما لم يتركا صيام الست من شوال، وإنما خشيا من أن يعتقد الجهال وعوام الناس فرضيتها.

(1) المنتقى 2/ 76.

(2)

ينظر: تبيين الحقائق 1/ 332، المنتقى للباجي 2/ 76، مواهب الجليل 2/ 414.

(3)

هو: عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله، أبو محمد زكي الدين المنذري، محدث حافظ فقيه، له القدم الراسخ في معرفة صحيح الحديث من سقيمه، من تصانيفه: شرح التنبيه للشيرازي في فروع الفقه الشافعي، والترغيب والترهيب، ومختصر صحيح مسلم، توفي سنة 656 هـ، ينظر: طبقات الشافعية 8/ 259، السير 23/ 218، والأعلام 4/ 30.

(4)

تهذيب السنن 7/ 67.

(5)

قال الزرقاني: "ووجه كونه لم يثبت عنده وإن كان في مسلم أن فيه سعد بن سعيد ضعفه أحمد بن حنبل، وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال ابن سعد: ثقة قليل الحديث، وقال ابن عيينة وغيره: إنه موقوف على أبي أيوب أي وهو مما يمكن قوله رأيا إذ الحسنة بعشرة فله علتان: الاختلاف في راويه، والوقف".شرح الموطأ 2/ 301. وينظر: المنتقى 2/ 76.

ص: 456

والدليل على ذلك: ما رواه مُطَرِّف (1) عن الإمام مالك أنه كان يصومها في خاصة نفسه (2).

قال ابن عبد البر: "والذي كرهه له مالك أمر قد بَيَّنه وأوضحه؛ وذلك: خشية أن يضاف إلى فرض رمضان، وأن يَسْتَبين ذلك إلى العامة. وكان مُتَحَفّظا كثير الاحتياط للدين. وأما صيام الستة الأيام من شوال -على طلب الفضل، وعلى التأويل الذي جاء به ثوبان رضي الله عنه ، فإن مالكا لا يكره ذلك إن شاء الله"(3).

وقال الكمال ابن الهُمام (4): "وجه الكراهة: أنه قد يفضي إلى اعتقاد لزومها من العوام؛ لكثرة المداومة،

فأما عند الأمن من ذلك فلا بأس؛ لورود الحديث به" (5).

ولكن هذا القول قد يفضي إلى ترك سنن كثيرة، بحجة أن العوام قد يعتقدون فرضيتها؛ كصيام عاشورا، وعرفاة، وغيرها.

قال النووي: "وأما قول مالك: "لم أر أحدا يصومها" فليس بحجة في الكراهة؛ لأن السُنَّة ثبتت في ذلك بلا معارض، فكونه لم ير لا يضر، وقولهم: "لأنه قد يخفى ذلك فيُعتقَد وجوبه"، ضعيف؛ لأنه لا يخفى ذلك على أحد، ويلزم على قوله إنه يكره صوم عرفة وعاشوراء وسائر الصوم المندوب إليه، وهذا لا يقوله أحد"(6).

(1) هو: مُطَرِّف بن عبد الله بن مطرف الهلالي، أبو مصعب المدني، ابن أخت مالك بن أنس الإمام، كان أصم، روى عن: مالك، وصحبه سبع عشرة سنة، وروى عنه: أبو زرعة، وأبو حاتم، توفي سنة 220 هـ. ينظر: الديباج المذهب ص 340، والتاريخ الكبير 7/ 397، جمهرة تراجم المالكية 3/ 1254.

(2)

ينظر: تفسير القرطبي 2/ 332.

(3)

الاستذكار 3/ 380، وينظر: إكمال المعلم 4/ 139 - 140.

(4)

هو: محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد السيواسي ثم الإسكندري، كمال الدين، الشهير بابن الهُمَام، إمام من فقهاء الحنفية، مفسر حافظ متكلم، أقام بالقاهرة، وكان معظمًا عند أرباب الدولة. اشتهر بكتابه القيم: فتح القدير، وهو حاشية على الهداية، وكتاب التحرير في أصول الفقه، توفي سنة 861 هـ،. ينظر: البدر الطالع 2/ 201، الأعلام 6/ 255، الضوء اللامع 8/ 127.

(5)

فتح القدير 2/ 349.

(6)

المجموع 6/ 379، وينظر: شرح مسلم 8/ 56، ونيل الأوطار 4/ 282.

ص: 457

والواجب على أهل العلم تفقيه العوام وتعليمهم أمور دينهم، وتبيين ما يشكل عليهم من الأحكام كلما سنحت الفرصة، حتى تُحفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويُعمل بها.

وأما من قال: إن ترك العمل بهذا الحديث بسبب ضعف أحد رواته، واختلاف الرواة في رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ووقفه على أبي أيوب الأنصاري ¢، فيجاب عنه:

أن الحديث قد صححه الإمام مُسْلم (1) وغيره، وقد رواه الثقات مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد تكلم ابن القيم عن هذا الحديث في حاشيته على سنن أبي داوود في أكثر من ثمان صفحات (2)، ورد كل ما أثير حول هذا الحديث من كلام، فليراجعه من شاء، فإن فيه الكفاية إن شاء الله. والله أعلم.

(1) هو: مُسلم بن الحجاج بن مسلم القُشَيْري، أبو الحسين النيسابورى الحافظ، رحل في طلب الحديث، وأخذ عن الإمام أحمد بن حنبل وطبقته، ولازم البخاري وحذا خذوه، من مصنفاته: الصحيح، وكتاب العلل؛ وسؤالات أحمد. توفي سنة 261 هـ. ينظر: السير 12/ 557، تهذيب التهذيب 10/ 127، الأعلام 7/ 221.

(2)

تهذيب السنن 7/ 61، وما بعدها.

ص: 458