المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب السادس: حكم إفطار من سافر بعد طلوع الفجر - الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف

[موافقي الأمين]

فهرس الكتاب

- ‌ الافتتاحية

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌خطة البحث

- ‌المنهج المتبع في البحث:

- ‌الشكر وتقدير:

- ‌التمهيددراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري واختياراته

- ‌المبحث الأول: دراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول:‌‌ اسمه، ونسبه، و‌‌كنيته، و‌‌لقبه

- ‌ اسمه، ونسبه

- ‌كنيته

- ‌لقبه

- ‌المطلب الثاني:‌‌ مولده، و‌‌أسرته، ووفاته

- ‌ مولده

- ‌أسرته

- ‌وفاته:

- ‌المطلب الثالث: نشأته، وطلبه للعلم

- ‌المطلب الرابع:‌‌ شيوخه، وتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌أولا: الشيخ أبو الهدى عبد السلام بن الشيخ خان محمد بن أمان الله المباركفوري

- ‌ثانيا: الشيخ العلامة أبو طاهر البهاري

- ‌ثالثا: الشيخ أبو العلى محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن الشيخ بهادر المباركفوري

- ‌رابعا: الشيخ العلامة أحمد الله بن أمير الله بن فقير الله فرتاب كرهي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفور جيراجفوري

- ‌سادسا: الشيخ العلامة محمد أعظم بن فضل الدين أبو عبد الله الجوندلوي الباكستاني

- ‌تلامذته:

- ‌أولا: الشيخ عبد الجليل بن تعلقدار الرحماني البستوي

- ‌ثانيا: الشيخ محمد إدريس آزاد الرحماني الأملوي

- ‌ثالثا: الشيخ عبد المعيد بن عبد المجيد بن عبد القادر أبو عبيدة البنارسي

- ‌رابعا: الشيخ آفتاب آحمد الرحماني البنغلاديشي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفار حسن بن العلامة عبد الستار بن عبد الجبار العمر فوري الرحماني

- ‌سادسا: الشيخ أحمد الله بن عبد الكريم الرحماني البنغلاديش

- ‌المطلب الخامس:‌‌ عقيدته، ومذهبه الفقهي

- ‌ عقيدته

- ‌عقيدة الشيخ في الإيمان:

- ‌عقيدة الشيخ في الأسماء والصفات:

- ‌عقيدته في التوسل ودعاء الأموات والغائبين:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌المطلب السادس: ثناء العلماء عليه

- ‌المطلب السابع: آثاره العلمية

- ‌المبحث الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول: تعريف الاختيار

- ‌في اللغة:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌التعريف الأول:

- ‌التعريف الثاني:

- ‌وقد عرفه بعض الباحثين باعتبار أقسامه الثلاثة:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي والإنفراد:

- ‌تعريف الرأي:

- ‌وأما في الاصطلاح فقد عرف بعدة تعاريف منها:

- ‌تعريف الإنفراد:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي:

- ‌وجه التشابه بينهما:

- ‌وجه الاختلاف بينهما:

- ‌الفرق بين الإختيار والإنفراد:

- ‌الفرق بين الإنفراد والرأي:

- ‌المطلب الثاني: منهج المباركفوري في اختياراته، وموقف العلماء منها

- ‌المطلب الثالث: دراسة الصيغ المعتبرة (في الاختيار) عند الشيخ المباركفوري

- ‌الباب الأول: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في الصيام

- ‌الفصل الأول: في تسمية الشهر، وفي رؤية الهلال، وفي يوم الشك

- ‌المبحث الأول: حكم قول رمضان، وفي رؤية الهلال

- ‌المطلب الثاني: اعتبار اختلاف المطالع

- ‌المطلب الثالث: هل يثبت دخول الشهر بالحساب الفلكي

- ‌المطلب الرابع: عدد الشهود في هلال شهر رمضان

- ‌المطلب الخامس: عدد الشهود لثبوت هلال شوال

- ‌المطلب السادس: هل يكفي الإخبار ممن رأى الهلال أو تشترط الشهادة

- ‌المطلب السابع: حكم صيام من رأى هلال شوال وحده فردت شهادته

- ‌المطلب الثامن: حكم من أفطر ثم تبين أن اليوم من رمضان

- ‌المبحث الثاني: في يوم الشك، والصوم بعد انتصاف شعبان

- ‌المطلب الأول: في تعيين يوم الشك

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر

- ‌المطلب الثالث: من صام يوم الشك فتبين أنه من رمضان

- ‌المطلب الرابع: حكم الصيام بعد انتصاف شعبان

- ‌الفصل الثاني: في النية وصيام المسافر

- ‌المبحث الأول: في النية

- ‌المطلب الأول: في النية للفرض

- ‌المسألة الثانية: حكم النية لكل يوم من رمضان

- ‌المسألة الثالثة: حكم تعيين النية

- ‌المسألة الرابعة: حكم التَلَفُّظ بالنية

- ‌المسألة الخامسة: هل يُشترَط أن تُعقَد النية في جزء معين من الليل

- ‌المسألة السادسة: حكم ما إذا فعل بعد النية قبل الفجر ما ينافي الصوم

- ‌المطلب الثاني: في النية النفل

- ‌المسألة الأولى: حكم صيام يوم الشك بنية التطوع

- ‌المسألة الثانية: حكم نية صوم النفل من النهار

- ‌المسألة الثالثة: حكم عقد نية النفل بعد الزوال

- ‌المبحث الثاني: صوم السفر

- ‌المطلب الأول: حكم الصيام في السفر

- ‌المطلب الثاني: ما الأفضل للمسافر الصيام أو الفطر

- ‌المطلب الثالث: حد السفر المبيح للفطر

- ‌المطلب الرابع: حكم إفطار المسافر الذي استهل عليه رمضان وهو مقيم

- ‌المطلب الخامس: حكم إفطار المسافر بعد أن كان قد شرع في الصيام

- ‌المطلب السادس: حكم إفطار من سافر بعد طلوع الفجر

- ‌الفصل الثالث: في المفطرات وما يجتنبه الصائم، وفي الكفارة وخصالها

- ‌المبحث الأول: في المفطرات وما يجتنبه الصائم

- ‌المطلب الثاني: حكم الفصد للصائم

- ‌المطلب الرابع: حكم التقبيل للصائم

- ‌المطلب الخامس: حكم الاستياك للصائم

- ‌المسألة الثانية: الاستياك بالعود الرطب

- ‌المسألة الثالثة: الاستياك في صوم الفريضة

- ‌المطلب السابع: حكم الوصال في الصيام

- ‌المسألة الأولى: الوصال أكثر من يوم

- ‌المسألة الثانية: الوصال إلى السَحَر

- ‌المطلب الثامن: حكم من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم

- ‌المطلب العاشر: حكم انغماس الصائم في الماء

- ‌المطلب الحادي عشر: في الأكل والشرب للمتسحر

- ‌المسألة الأولى: حكم من أكل أو شرب وهو شاك في الفجر

- ‌المسألة الثانية: هل المعتبر في تحريم الأكل والشرب تَبَيُّن الفجر أو طلوع الفجر

- ‌المطلب الثالث عشر: حكم صيام الحائض والنُفَساء إذا طهرت قبل الفجر، ولم تغتسل إلا بعد الفجر

- ‌المبحث الثاني: في الكفارة، وخصالها

- ‌المطلب الثاني: هل على المرأة المجامعة في رمضان كفارة

- ‌المطلب الثالث: هل على من جامع ناسيا في رمضان كفارة

- ‌المطلب الرابع: هل الأكل والشرب في رمضان عمدا يوجبان الكفارة كالجماع

- ‌المطلب السادس: هل الخصال الثلاثة في كفارة الجماع في رمضان على الترتيب أو على التخيير

- ‌المطلب السابع: حكم اشتراط التتابع في صيام كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب الثامن: ما هو الحد الواجب في الإطعام في كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب التاسع: هل يشترط في الرقبة المعتقة في كفارة الجماع في رمضان أن تكون مؤمنة

- ‌الفصل الرابع: في صوم التطوع، والأيام التي نهي عن الصوم فيها، وفي النذر، وصوم عاشوراء

- ‌المبحث الأول: في صوم التطوع والأيام التي نهي عن الصوم فيها

- ‌المطلب الأول: حكم إفراد يوم الجمعة بصيام

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام يوم السبت

- ‌المطلب الثالث: حكم صيام يوم عرفة للحاج

- ‌المطلب الخامس: حكم صيام عشر ذي الحِجَّة

- ‌المطلب السادس: حكم صيام الدهر

- ‌المطلب السابع: حكم صيام الست من شوال

- ‌المطلب الثامن: ما هو أفضل الصيام بعد رمضان صيام شعبان أو المحرم

- ‌المطلب التاسع: حكم الإفطار في صوم النافلة

- ‌المطلب العاشر: تعيين الأفضل في صيام ثلاثة أيام من كل شهر

- ‌المطلب الحادي عشر: ما هي أيام البيض

- ‌المطلب الثاني عشر: معنى صيام يوم في سبيل الله

- ‌المبحث الثاني: في النذر، وفي أعذار الفطر

- ‌المطلب الأول: حكم من نذر صوم العيدين متعمدا لعينيهما

- ‌المطلب الثاني: حكم من نذر صوم يوم قدوم فلان مثلا فوافق يوم عيد

- ‌المطلب الثالث: هل الضيافة عذر للإفطار من صوم النفل

- ‌المطلب الرابع: هل يستحب لمن كان صائما صيام نفل أن يفطر إذا دُعي

- ‌المبحث الثالث: في صوم عاشوراء

- ‌المطلب الأول: نسخ وجوب صيام يوم عاشوراء

- ‌المطلب الثاني: هل عاشوراء هو اليوم التاسع أو اليوم العاشر

- ‌المطلب الثالث: ما الأفضل في صيام عاشوراء

- ‌المطلب الرابع: هل صيام يوم مع عاشوراء لاحتمال الشك أو لمخالفة أهل الكتاب

- ‌المطلب الخامس: هل الأفضل صيام يوم عاشوراء أو يوم عرفة

- ‌الباب الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر، وفي الاعتكاف

- ‌الفصل الأول: في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر

- ‌المبحث الأول: في قضاء الصوم

- ‌المطلب الأول: هل يجب قضاء رمضان على الفور؟ ، وهل يجب التتابع

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز التطوع قبل القضاء

- ‌المطلب الثالث: هل يقضي من أفطر في صيام النفل

- ‌المطلب الرابع: حكم صيام المرأة النفل وقضاء الواجب بغير إذن زوجها

- ‌المطلب الخامس: هل يقضي المجامع في رمضان اليوم الذي جامع فيه

- ‌المطلب السادس: حكم القضاء على من ذرعه القيء

- ‌المطلب السابع: هل يقضي من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌المطلب الثامن: هل يقضي الصوم من تمضمض أو استنشق فغلبه الماء

- ‌المطلب التاسع: حكم من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر

- ‌المطلب العاشر: ما الواجب على المُرضع والحامل إذا خافتا على ولدهما فقط

- ‌المبحث الثاني: في القضاء عن الميت

- ‌المطلب الأول: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي أمكنه التدارك

- ‌المطلب الثاني: ما الصوم الذي يصام عن الميت

- ‌المطلب الثالث: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي لم يمكنه التدارك

- ‌المبحث الثالث: في ليلة القدر

- ‌المطلب الأول: في تعيين ليلة القَدْر

- ‌المطلب الثاني: هل ليلة القدر خاصة بهذه الأمة

- ‌الفصل الثاني: في الاعتكاف

- ‌المبحث الأول: في حكمه، واشتراط الصوم له، وغير ذلك

- ‌المطلب الأول: حكم (الاعتكاف)

- ‌المطلب الثاني: هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف

- ‌المطلب الثالث: هل لأقل الاعتكاف حدّ

- ‌المطلب الرابع: هل ينقطع اعتكاف من عاد مريضا أو صلى على جنازة

- ‌المطلب الخامس: هل يجوز (الاشتراط في الاعتكاف)

- ‌المطلب السادس: حكم من نذر الاعتكاف قبل إسلامه

- ‌المطلب السابع: متى يدخل المعتكِف معتكَفه

- ‌المطلب الثامن: حكم قضاء الاعتكاف

- ‌المبحث الثاني: في مكان الاعتكاف

- ‌المطلب الأول: أين تعتكف المرأة

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

- ‌المطلب الثالث: هل يجوز الاعتكاف في غير (المسجد الجامع)

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب السادس: حكم إفطار من سافر بعد طلوع الفجر

‌المطلب السادس: حكم إفطار من سافر بعد طلوع الفجر

.

اختيار الشيخ: اختار جواز إفطار من سافر بعد طلوع الفجر، فقال:"قلت: والراجح عندي في المسألتين هو ما ذهب إليه أحمد ومن وافقه والله تعالى أعلم"(1).

تحرير محل الخلاف: اتفق عامة أهل العلم على أن من استهل عليه رمضان وهو مقيم ثم سافر فله الفطر (2).

واتفقوا على أن المقيم الصائم إذا أراد السفر وفارق البنيان قبل الفجر فله أن يفطر يومه ذلك (3).

واختلفوا إذا سافر بعد الفجر، فهل له أن يفطر يومه ذلك؟ على قولين:

القول الأول: لا يباح له الفطر ذلك اليوم.

وبه قال: الحنفية (4) ، والمالكية (5) ، والشافعية في المذهب (6) ، ورواية عن أحمد (7).

القول الثاني: يباح له الفطر ذلك اليوم.

وبه قال: الحنابلة في المذهب (8) ، والمزني من الشافعية (9)، وهو اختيار الشيخ.

سبب الخلاف: لاختلافهم في هذه المسألة سببان والله أعلم:

السبب الأول: هل يقاس المسافر على المريض أو على المصلي؟ فالمريض يجوز له الفطر وإن صام أول اليوم، والمسافر لا يجوز له القصر إن افتتح صلاته حضرية ثم شرع في السفر (10).

السبب الثاني: هل تُنزَّل على من سافر بعد الفجر أحكام السفر، أو أحكام الإقامة؟ (11).

(1) مرعاة المفاتيح 7/ 13. يعني هذه المسألة والتي قبلها.

(2)

تنظر مسألة: حكم إفطار المسافر الذي استهل عليه رمضان وهو مقيم صفحة (227).

(3)

ينظر: شرح مختصر الطحاوي 2/ 410، القوانين الفقهية ص 82، المجموع 6/ 261، المغني 3/ 117.

(4)

المبسوط للسرخسي 3/ 68، بدائع الصنائع 2/ 95، درر الحكام 1/ 203، البحر الرائق 2/ 298.

(5)

الكافي 1/ 338، الذخيرة 2/ 513، التوضيح لخليل 2/ 445، الفواكه الدواني 1/ 313.

(6)

الأم 2/ 111، الحاوي 3/ 448، المهذب 1/ 327، الوسيط 2/ 539، المجموع 6/ 261.

(7)

المغني 3/ 117، الكافي 1/ 435، المحرر 1/ 229، الفروع 4/ 443.

(8)

المغني 3/ 117، المحرر 1/ 229، الفروع 4/ 443، المبدع 3/ 15، الإنصاف 3/ 289.

(9)

مختصر المزني 8/ 153، الحاوي 3/ 448، المهذب 1/ 327، الوسيط 2/ 539، المجموع 6/ 261.

(10)

ينظر: إكمال المعلم 4/ 63، ومناهج التحصيل 2/ 85.

(11)

ينظر: مناهج التحصيل 2/ 85.

ص: 238

أدلة القول الأول: القائلين لا يباح له الفطر ذلك اليوم.

الدليل الأول: قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (1).

وجه الاستدلال: دلت الآية على أن من أصبح مقيما صائما ثم سافر أنه لا يجوز له الإفطار في يومه ذلك؛ لأنه سبحانه وتعالى أمر بإتمام الصيام إلى الليل، ولم يفرق بين من سافر بعد الدخول في الصوم وبين من أقام (2).

الدليل الثاني: قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (3).

وجه الاستدلال: فقوله تعالى: {عَلَى سَفَرٍ} بمعنى: في سفر؛ فيفرق بين اليوم الذي فيه السفر وبين ثانيه، وكأن اليوم الذي سافر فيه لم يتخلص للسفر بكليته، بل هو معظمه الذي هو محل انعقاد الصيام، فخلص للحضر، فإذا أَطال في السفر وأصبح فيه، فعند ذلك يكون من أهل التخيير، ويُشبَّه بالمريض، ويباح له حينئذ أن يبيت الفطر إن شاء (4).

الدليل الثالث: وأخذا بالاحتياط؛ لأن الإقامة إذا اختلط حكمها بحكم السفر غُلِّب حكم المقام (5).

الدليل الرابع: وقياسا على الصلاة؛ وذلك أن الصوم عبادة تختلف بالحضر والسفر، فإذا تَلبَّس بها في الحضر ثم سافر كان عليه إتمامها حضرية، كالصلاة إذا افتتحها حضرية ثم شرع في السفر لم يجز له القصر (6).

أدلة القول الثاني: القائلين يباح له الفطر ذلك اليوم.

الدليل الأول: قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (7).

(1) سورة البقرة: آية: 187.

(2)

ينظر: أحكام القرآن للجصاص 1/ 291، وينظر: المنتقى للباجي 2/ 51، المسالك لابن العربي 4/ 192.

(3)

سورة البقرة: آية: 184.

(4)

ينظر: مناهج التحصيل 2/ 85.

(5)

ينظر: معالم السنن 2/ 126. وينظر أيضا: الحاوي الكبير 3/ 448، وحاشيتا قليوبي وعميرة 2/ 82.

(6)

ينظر: المهذب 1/ 327، المنتقى 2/ 51، المغني 3/ 117، الحاوي 3/ 448، الإشراف للقاضي عبد الوهاب 1/ 444، المعلم 2/ 54، المسالك 4/ 186.

(7)

سورة البقرة: آية: 184.

ص: 239

وجه الاستدلال: أن الجميع متفقون أن المريض يجوز له الفطر وإن افتتح يومه صائما، وقد ذكر الله عز وجل المرض والسفر مقرونين وتابع بينهما في نسق؛ فبين أن أحدهما حكمه حكم الآخر في إباحة الإفطار (1).

الدليل الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة في رمضان فصام، حتى بلغ الكديد أفطر، فأفطر الناس» (2).

وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أفطر في اليوم الذي سافر فيه (3).

قال القرطبي (4): "وهذا نص في الباب، فسقط ما خالفه"(5).

الدليل الثالث: عن محمد بن كَعْب (6) أنه قال: «أتيت أنس بن مالك رضي الله عنه في رمضان وهو يريد السفر، وقد رحلت دابته ولبس ثياب السفر، وقد تقارب غروب الشمس، فدعا بطعام فأكل منه، ثم ركب. فقلت له: سُنَّة؟ قال: نعم» (7).

(1) ينظر: مناهج التحصيل 2/ 85.

(2)

سبق تخريجه صفحة (200).

(3)

ينظر: فتح الباري 4/ 181.

(4)

هو: محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فَرْح، الأندلسي القرطبي الأنصاري، من كبار المفسرين، اشتهر بالصلاح والتعبد، رحل إلى المشرق واستقر بمصر، وبها توفي سنة 671 هـ، من تصانيفه: الجامع لأحكام القرآن؛ والتذكرة بأمور الآخرة؛ والأسنى في شرح الأسماء الحسنى. ينظر: الديباج المذهب ص 317؛ والأعلام للزركلي 5/ 322، معجم المؤلفين 8/ 239.

(5)

تفسير القرطبي 2/ 279، وينظر: التحرير والتنوير 2/ 164.

(6)

هو: محمد بن كعب بن سليم بن أسد، أبو حمزة وقيل أبو عبد الله، القرظي الكوفي ثم المدني، كان من أفاضل أهل المدينة علما وفقها، روى عن: علي بن أبي طالب، وابن مسعود، وأبي هريرة، وغيرهم، وروى عنه: أخوه عثمان، والحكم بن عتيبة، وغيرهما، توفي سنة 108 هـ. ينظر: تهذيب الأسماء واللغات 1/ 122، تهذيب التهذيب 9/ 373، سير أعلام النبلاء 9/ 70.

(7)

أخرجه الترمذي كتاب الصوم، باب: من أكل ثم خرج يريد سفرا 3/ 154 رقم 799 - 800. والدارقطني في كتاب الصيام، باب: القبلة للصائم 2/ 187 رقم 37، واللفظ له، والبيهقي في الكبرى 4/ 414 رقم 8180، باب من قال يفطر وإن خرج بعد طلوع الفجر. والحديث حسنه الترمذي 3/ 155. وللألباني جزء مستقل في تصحيحه والرد على من ضعفه.

ص: 240

الدليل الرابع: عن عبيْد بن جبْر (1) أنه قال: «ركبت مع أبي بصرة الغفاري (2) صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم سفينة من الفُسْطاط في رمضان، فدفع فقرب غداؤه، ثم قال: اقترب. فقلت: ألست ترى البيوت؟ ، فقال أبو بصرة: أَرَغِبت عن سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ! » (3).

الدليل الخامس: عن دِحية بن خليفة رضي الله عنه: «أنه خرج من قرية من دمشق مرة إلى قدر قرية عقبة من الفسطاط، وذلك ثلاثة أميال في رمضان، ثم أفطر وأفطر معه ناس، وكره آخرون أن يفطروا، فلما رجع إلى قريته قال: والله لقد رأيت اليوم أمرا ما كنت أظن أني أراه، إن قوما رغبوا عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، يقول ذلك للذين صاموا، ثم قال عند ذلك: اللهم اقبضني إليك» (4).

وجه الاستدلال: أن أحاديث: أنس بن مالك، وأبي بصرة الغفاري، ودحية الكلبي رضي الله عنهم، صريحة في أن من أنشأ السفر في أثناء يوم من رمضان فله الفطر فيه (5).

الدليل السادس: وقياسا على المريض؛ لأن من أصبح صائما صحيحا، ثم اعتل فإن له أن يفطر بقية يومه، وكذلك الصائم إذا أصبح في الحضر، ثم خرج إلى السفر فله كذلك أن يفطر (6).

(1) هو: عُبَيد بن جَبْر الغفاري القبطي، أبو جعفر المصري، مولى أبي بصرة الغفاري، مختلف في صحبته، روى عن: مولاه أبي بصرة الغفاري، وعنه: كليب بن ذهل الحضرمي، وروى له أبو داود حديثًا واحدًا، توفي سنة 74 هـ. ينظر: تهذيب الكمال 19/ 191، وتهذيب التهذيب 7/ 56.

(2)

هو: حَميل بن بصرة بن وقاص بن حاجب الغفاري، أبو بصرة، صحابي روى عنه: عمرو بن العاص، وأبو هريرة، وغيرهما، نزل مصر ومات بها. ينظر: الاستيعاب 1/ 405، معرفة الصحابة 2/ 888، تهذيب الكمال 7/ 423، تهذيب التهذيب 3/ 49.

(3)

رواه أحمد 45/ 207 رقم 27232، وأبو داود 2/ 318 رقم 2412، كتاب الصوم، باب متى يفطر المسافر إذا خرج، والدارمي 1/ 422 رقم 1860، كتاب الصوم، باب متى يفطر الرجل إذا خرج من بيته يريد السفر، واللفظ له، والبيهقي في الكبرى 4/ 414 رقم 8178، في الصيام، باب من قال يفطر وإن خرج بعد طلوع الفجر، وصححه الألباني في صحيح أبي داود 7/ 173 رقم 2085.

(4)

سبق تخريجه صفحة (222).

(5)

ينظر: زاد المعاد 2/ 54.

(6)

ينظر: الإشراف لابن المنذر 3/ 144، الحاوي الكبير 3/ 448.

ص: 241

الترجيح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الثاني: جواز الفطر لمن سافر بعد الفجر؛ وذلك لقوة ما استدل به أصحاب هذا القول؛ ولأن النصوص الدالة على إباحة الفطر للمسافر مطلقة (1).

ولأنه عمل الصحابة الكرام رضي الله عنهم، ولعدم وجود دليل صحيح صريح يحرم فطر من سافر بعد الفجر.

وأما ما استدل به أصحاب القول الأول فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما استدلالهم بقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} فيجاب عنه:

أن الخطاب في الآية موجه للمقيم، وهذا مسافر.

ثانيا: وأما قولهم: أخذا بالاحتياط، فيجاب عنه:

أن الاحتياط هو ما دلت عليه السُنَّة، وليس الاحتياط هو الأخذ بالأشد، قد يكون الأخذ بالأيسر هو الاحتياط. فالاحتياط موافقة الشرع، ولا يمكن التضييق على المكلفين وتحريم ما أحل الله لهم بغير دليل (2).

ثالثا: وأما قياسهم الصيام على الصلاة فيجاب عنه: أن الصيام يفارق الصلاة؛ لأنها آكد، فالمسافر يشق عليه الصيام ولا يشق عليه إتمام الصلاة، والمسافر يجوز له الانتقال من الصوم إلى الفطر بينما لا يجوز للمصلي متى وجب إتمام الصلاة عليه أن يقصرها (3).

والله أعلم.

(1) ينظر: ذخيرة العقبة 21/ 212.

(2)

ينظر: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين 19/ 207.

(3)

ينظر: المغني 3/ 117، والمبدع 3/ 15.

ص: 242