الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
121- ومنهم- محبوبة جارية المتوكّل
«1»
وكانت ضرة الشمس، ومسرة النفس، قيد كل ناظر، وأمنية كل خاطر، لو حدرت في الليل قناعها لابيضت غرابيبه، «2» واتّقدت بطلائع الصباح جلابيبه، أحسن من الريم سالفة وحدقا، وأكثر من الأغصان أعطافا ومعتنقا، هذا إلى صفاء فيه لا تناول «3» ، وصفاء لا يقاس به الشمول، وإجادة في الشعر لا يعرف لذات خمار، ولا يعد للأخيلية «4» معها إلا ما يحكى في أكاذيب الأسمار، تنحطّ عنها رتبة عليّة «5» أخت إبراهيم، وترد عنان وقد أصبحت حدائقها كالصريم.
قال أبو الفرج في كتاب الإماء «6» : كانت مولدة شاعرة مغنية متقدمة في الحالين على طبقتها، وكانت حسنة الوجه والغناء، أهداها عبد الله بن طاهر للمتوكل في جملة أربع مئة فيهن قيان وسواذج «7» ، فتقدمتهن جميعا عنده،
ولما قتل صارت إلى وصيف «1» ، فلزمت النسك حزنا ووفاء للمتوكل، حتى أراد وصيف قتلها، فاستوهبها منه بغا «2» ، فأعطاه إيّاها فأعتقها [ص 294]، وقال:
أقيمي حيث شئت، فانحدرت عن سر من رأى إلى بغداد وأخملت نفسها إلى أن ماتت.
قال: وحدثني جعفر بن قدامة عن عليّ بن الجهم قال: كنت يوما بحضرة المتوكل وهو يشرب ونحن بين يديه، إذ دفع إلى محبوبة تفاحة مغلفة بغالية «3» ، فقبلتها وانصرفت عن حضرته إلى مجلسها، ثم خرجت جارية لها ومعها رقعة، فدفعتها إلى المتوكل، فقرأها وضحك ضحكا شديدا، ثم رمى بالرقعة إلينا، فإذا فيها:«4» [المنسرح]
يا طيب تفّاحة خلوت بها
…
تشعل نار الهوى على كبدي
أبكي إليها وأشتكي دنفي
…
وما ألاقي من شدّة الكمد
لو أنّ تفاحة بكت لبكت
…
من رحمة هذه التي بيدي
إن كنت لا تعلمين ما لقيت
…
نفسي فمصداق ذاك في جسدي
وان تأمّلته علمت بأن
…
ليس لخلق عليه من جلد
قال: فما [بقي] أحد والله إلا استظرفها واستملح الأبيات، وتقدم المتوكل إلى عريب وشارية «5» أن يصنعا في الأبيات لحنا، فصنعتا لحنين وغنتا بهما.
وحدثني جعفر بن قدامة قال، حدثني علي بن يحيى المنجم قال، قال المتوكل لابن الجهم وكان يأنس به ولا يكتمه شيئا: يا عليّ إني دخلت على قبيحة الساعة فوجدتها قد كتبت اسمي على بياض ذلك الخد، فقل في هذا شيئا، وكانت محبوبة جالسة من وراء الستارة تسمع فسبقت علينا على البديهة، وقالت:«1» [الطويل]
وكاتبة بالمسك في الخدّ جعفرا
…
بنفسي مخطّ المسك من حيث أثرا
لئن كتبت في الخدّ سطرا بكفّها
…
لقد كتبت بالقلب في الحبّ أسطرا «2»
فيا من لمملوك لملك يمينه
…
مطيع له فيما أسرّ وأظهرا
ويا من مناها في المنيّة جعفر
…
سقى الله عهدا من ثناياك جعفرا «3»
أنشدتها للمتوكل، فبقي علي بن الجهم واجمالا ينطق بحرف، وغنت عريب بهذه الأبيات.
وحدثني جعفر قال، حدثني علي بن يحيى [المنجم] : أن جواري المتوكل تفرقن بعد قتله، فصار لوصيف عدة فيهن محبوبة، فاصطبح وأمر بإحضار الجارية والجواري [ص 295] فأحضرن وعليهن أصناف الثياب والحلي متزينات متعطرات، سوى محبوبة، فإنها جاءت شعثاء متسلبة «4» ، عليها ثياب بيض «5» ، فغنين وطربن وشرب وصيف وطرب، ثم قال لمحبوبة: غني، فغنت على العود:«6»
[مجزوء الخفيف]
أيّ عيش يطيب لي
…
لا أرى فيه جعفرا
ملكا قد رأته عي
…
ني صريعا معفّرا
كلّ من كان ذا سقا
…
م وحزن فقد برا
غير محبوبة التي
…
لو ترى الموت يشترى
لاشترته بما حوت
…
هـ جميعا لتقبرا
فاشتد ذلك على وصيف وهم بقتلها، فاستوهبها منه بغا، فأعتقها وأطلقها حيث أحبت، فلم تزل متسلبة حتى ماتت.
وحدثني جعفر قال: قال علي بن يحيى بن الجهم قال: غاضب المتوكل محبوبة فاشتد عليه بعدها، ثم جئته يوما فحدثني أنه رأى في النوم أنها صالحته، ودعا له بخادم فقال له: اذهب فاعرف لي خبرها، فمضى وعاد فأعلمه أنها جالسة تغني، فقال: ما ترى إلى هذه؟ أنا غضبان عليها وهي تغني، ثم قال: قم معي حتى نسمع ما تغني به، فقمنا حتى انتهينا إلى حجرتها، فإذا هي تغني:«1» [مخلّع البسيط]
أدور في القصر لا أرى أحدا
…
أشكو إليه ما يكلّمني
حتّى كأنّي أتيت معصية
…
ليست لها توبة تخلّصني
فهل لنا شافع إلى ملك
…
قد زارني في الكرى فصالحني
حتى إذا ما الصباح لاح لنا
…
عاد إلى الهجر فصارمني
قال: وطرب المتوكل فأحسّت به، فخرجت إليه وخرجنا نتبادر، فأعلمته أنها رأته في النوم قد صالحها، وأنها صالحته في النوم، وقد صنعت تلك الأبيات وغنت