المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌وصف مخطوطة الكتاب:

- ‌الكتاب ومنهج مؤلفه:

- ‌منهج التحقيق:

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌[تراجم اهل الموسيقى]

- ‌1- ابن محرز

- ‌2- ابن عائشة

- ‌3- حنين الحيري

- ‌4- الغريض

- ‌5- طويس

- ‌6- يزيد حوراء

- ‌7- عبد الرّحمن الدّفّاف

- ‌8- ابن مسجح

- ‌9- عطرّد

- ‌10- الأبجر

- ‌11- فريدة

- ‌12- الدّلال

- ‌13- أبو سعيد مولى فائد

- ‌14- فليح بن أبي العوراء

- ‌15- الهذلي

- ‌16- مالك بن [أبي] السّمح

- ‌17- دحمان الأشقر

- ‌18- سياط

- ‌19- ابن جامع

- ‌20- جميلة

- ‌21- معبد

- ‌22- ابن سريج

- ‌23- أبو كامل

- ‌24- إسماعيل بن الهربذ

- ‌25- أبو دلف العجلي»

- ‌26- البردان

- ‌27- سائب خاثر

- ‌29- متيّم الهشاميّة

- ‌30- سلّامة القسّ

- ‌31- عبيد الله بن عبد الله بن طاهر

- ‌32- محمّد بن الحارث بن بسخنّر

- ‌33- عبد الله بن طاهر

- ‌34- معبد اليقطيني

- ‌35- محمد الزّف

- ‌36- عثعث

- ‌37- بصبص جارية ابن نفيس

- ‌38- الزّرقاء جارية ابن رامين

- ‌39- حبّابة جارية يزيد بن عبد الملك

- ‌41- هاشم بن سليمان

- ‌42- عمرو بانة

- ‌43- وجه القرعة

- ‌44- شارية

- ‌45- خليدة المكيّة

- ‌46- عمرو الميداني

- ‌47- أشعب الطّامع

- ‌48- يونس الكاتب

- ‌49- أحمد النّصبيّ

- ‌50- سليم

- ‌52- يحيى المكّي

- ‌53- حكم الوادي

- ‌54- عمر الوادي

- ‌55- أحمد بن يحيى المكّي

- ‌56- بذل

- ‌57- عزّة الميلاء

- ‌58- فند مولى عائشة

- ‌59- دنانير البرمكيّة

- ‌60- الزّبير بن دحمان

- ‌61- ومنهم- عبد الله بن العبّاس

- ‌62- أبو صدقة

- ‌63- عمرو بن أبي الكنّات

- ‌64- خليلان المعلّم

- ‌65- عبيدة الطّنبوريّة

- ‌66- أبو حشيشة

- ‌67- إسحاق الموصلي

- ‌69- عليّة بنت المهدي

- ‌70- ومنهم- أبو عيسى

- ‌71- علّويه

- ‌72- ومنهم- مخارق

- ‌73- عريب جارية المأمون

- ‌74- إبراهيم الموصلي

- ‌75- أبو زكّار

- ‌76- ومنهم دليل الطّنبوري

- ‌77- عليّ بن يحيى المنجّم

- ‌78- ومنهم- زرفل بن إخليج [ص 255]

- ‌79- ومنهم- إسرائيل العوّاد

- ‌80- ومنهم، طريف بن معلّى الهاشمي

- ‌81- ومنهم، تحفة جارية المعتز

- ‌82- ومنهم- إسحاق المنجّم

- ‌83- ومنهم- ابن العلّاف نديم المعتضد

- ‌84- ومنهم- مؤدّب الرّاضي

- ‌85- ومنهم- أبو سعد بن بشر

- ‌86- ومنهم- مسكين بن صدقة

- ‌87- ومنهم- بديع بن محسن

- ‌89- ومنهم- معمر بن قطامي

- ‌90- ومنهم- تحفة جارية أبي محمّد [ص 269]

- ‌91- تحفة؟؟؟ جارية أبي يعقوب

- ‌92- ومنهم- أبو العزّ العوّاد

- ‌93- ومنهم- عين الزّمان أبو القاسم

- ‌94- ومنهم- أبو العبيس بن حمدون

- ‌95- ومنهم- جيداء جارية سيف الدّولة

- ‌96- ومنهم- القاسم بن زرزر

- ‌97- ومنهم- عليّ بن منصور الهاشميّ

- ‌98- ومنهم- كردم بن معبد

- ‌99- ومنهم- أحمد بن أسامة النّصبيّ

- ‌100- ومنهم- وشيحة

- ‌101- ومنهم- إسرائيل اليهوديّ

- ‌102- ومنهم- يحيى جارية أبي محمّد المهلّبي

- ‌103- ومنهم- عنان جارية النّطافيّ

- ‌104- دنانير جارية محمّد بن كناسة

- ‌105- ومنهم، فضل اليماميّة

- ‌106- ومنهم- تيماء جارية خزيمة بن خازم

- ‌108- ومنهم- فنون جارية يحيى بن معاذ

- ‌109- ومنهم- صرف جارية أمّ حصين

- ‌110- ومنهم- نسيم جارية أحمد بن يوسف الكاتب

- ‌111- ومنهم- عارم جارية وليهدة النخاس

- ‌112- ومنهم- سلمى اليماميّة

- ‌113- ومنهم- مراد جارية عليّ بن هشام

- ‌114- ومنهم- متيّم الهشاميّة

- ‌115- سمراء وهيلانة

- ‌116- ومنهم- ظلوم جارية محمّد بن مسلم

- ‌118- ومنهم- ريّا وظمياء

- ‌119- ومنهم- بنان جارية المتوكّل

- ‌120- ومنهم- ريّا جارية إسحاق [الموصلي]

- ‌121- ومنهم- محبوبة جارية المتوكّل

- ‌122- ومنهم- أمل جارية قرين النّخّاس

- ‌123- ومنهم- رابعة جارية إسحاق بن إبراهيم الموصليّ

- ‌124- ومنهم- قاسم جارية ابن طرخان

- ‌125- ومنهم- مها جارية عريب

- ‌127- ومنهم- مثل جارية إبراهيم بن المدبّر

- ‌128- ومنهم-[نبت جارية مخفرانة]

- ‌129- ومنهم- صاحب جارية ابن طرخان النخاس

- ‌130-[ومنهم جلّنار جارية أخت راشد بن إسحاق الكوفي الكاتب]

- ‌131- ومنهم- خنساء البرمكيّة

- ‌132-[ومنهم خزامى جارية الضبط المغني]

- ‌133- ومنهم- صدقة بن محمّد

- ‌134- ومنهم- الحسين بن الحسن

- ‌135- ومنهم-[ياقوت المستعصميّ]

- ‌136- عبد المؤمن بن يوسف

- ‌137- ومنهم- لحاظ المغنّية

- ‌138- ومنهم- الثّوني

- ‌139- ومنهم- الخروف

- ‌140- ومنهم- محمّد بن غرّة

- ‌141- ومنهم- القاضي محمّد العوّاد

- ‌142- ومنهم- الدّهمان محمّد بن عليّ بن عمر المازني

- ‌143- ومنهم- الكمال التّوريزي

- ‌144- ومنهم- محمّد بن الكسب

- ‌145- ومنهم- الكتيلة

- ‌146- ومنهم- خالد

- ‌147- ومنهم- السّهروردي شمس الدّين

- ‌148- ومنهم- الشّمس الكرمي

- ‌149- ومنهم- يحيى الغريب الواسطيّ المشيب

- ‌150- ومنهم- حسن التاي

- ‌151- ومنهم- السّيلكو

- ‌152- ومنهم- البدر الأربلي

- ‌153- ومنهم- التّاج بن الكنديّ

- ‌154- ومنهم- خواجا أبو بكر النّوروزي

- ‌155- ومنهم- علاء الدّين دهن الحصا

- ‌156- ومنهم- نظام الدّين يحيى بن الحكيم

- ‌157- ومنهم- كمال الدّين محمّد بن البرهان الصّوفي

- ‌158- ومنهم- حسين بن عليّ المطريّ العزاويّ

- ‌159- ومنهم- عزيز جارية الحكم بن هشام

- ‌160- ومنهم- عزيز جارية الحكم بن هشام

- ‌161- ومنهم- بهجة جارية الحكم

- ‌162- ومنهم- مهجة جارية الحكم

- ‌163- ومنهم- فاتن جارية الحكم

- ‌164- فاتك جارية الحكم بن هشام

- ‌165- ومنهم- أفلح الرّباني

- ‌166- ومنهم- رغد جارية المغيرة بن الحكم

- ‌167- ومنهم- سليم مولى المغيرة بن الحكم

- ‌168- ومنهم- وضيح بن عبد الأعلى

- ‌169- ومنهم- ابن سعيد كامل

- ‌170- ومنهم- حصن بن عبد بن زياد

- ‌171- ومنهم- ساعدة بن بريم

- ‌172- ومنهم- سعد المجدّع

- ‌173- رداح جارية عبد الرّحمن [ص 394]

- ‌174- ومنهم- خليد مولى الأدارسة

- ‌175- ومنهم- سعدى جارية المعتمد بن عبّاد

- ‌176- ومنهم- ميمون الجوهريّ [أو الجهوريّ]

- ‌177- ومنهم- طريف بن عبد الله السّميع القابسيّ

- ‌178- ومنهم- زيد الغناء بن المعلّى

- ‌179- ومنهم- جارية تميم

- ‌181- ومنهم- أبو عبد الله اللالجي

- ‌182- ومنهم- ناطقة جارية الزّاعوني

- ‌183- ومنهم- بديع جارية المحلميّ

- ‌184- ومنهم- صافية جارية بدر أمير الجيوش

- ‌185- ومنهم- عيناء جارية بدر أمير الجيوش

- ‌186- ومنهم- مغنّي الصّالح بن رزّيك

- ‌187- ومنهم- سرور جارية العزيز

- ‌188- ومنهم- فنون العادليّة

- ‌189- ومنهم- عجيبة مغنّية الكامل

- ‌190- ومنهم- الكركيّة

- ‌191- ومنهم- الزّركشي أبو عبد الله

- ‌192- ومنهم- ابن كرّ أبو عبد الله

- ‌ملحق بالمصطلحات الموسيقية

- ‌مصطلحات الموسيقا العربية القديمة

- ‌أوتار العود وما يتعلق بها:

- ‌أسماء النوتات العربية وما يقابلها في النوتات العالمية التي استعملها اللاذقي في كتاب الرسالة الفتحية

- ‌الدوائر النغمية المشهورة ولكل دائرة لها نغماتها المعروفة لدى الموسيقيين وهي اثنتا عشرة دائرة هي:

- ‌ويتفرع من الأواز ستة أنغام:

- ‌المقامات وصلتها بالأبراج وتأثيراتها:

- ‌الإيقاعات الموسيقية القديمة وعددها اثنا عشر وهي:

- ‌الإيقاعات عند المتأخرين وعددها عشرون إيقاعا وهي:

- ‌أسماء المقامات وما يتصل بها ومعانيها باللغة الفارسية:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌مصادر التحقيق

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌22- ابن سريج

قال: فلم يزل يدور كما يدور الصبيان ويدرن «1» معه، حتى خرّ مغشيّا عليه ما يعقل ولا يعقلن، فابتدره الخدم فأقاموا من كان على ظهره من الجواري، وحملوه حتى ادخلوه.

قال إسحاق، أخبرت عن حكم الوادي قال: كنت أنا وجماعة من المغنين نختلف إلى معبد، نأخذ عنه ونتعلم، فغنّانا يوما ما صنعه وأعجب به هو:«2» [البسيط]

القصر فالنّخل فالجمّاء بينهما

أشهى إلى القلب من أبواب جيرون

فاستحسنّاه، وكنت أوّل من أخذه عنه ذلك اليوم فاستحسنه مني، وأعجبته نفسه، فلما انصرفت عملت فيه لحنا آخر، وبكرت إلى معبد مع أصحابي وأنا معجب بلحني، فلما تغنينا أصواتا قلت له: إنّي قد عملت بعدك لحنا في الشعر الذي غنيت فيه، واندفعت فغنيته [ص 63] لحني فوجم معبد ساعة يتعجب منه، ثم قال: قد كنت أمس أرجى منّي اليوم لك، وأنت اليوم أبعد من الفلاح، قال حكم الوادي: فأنسيت علم الله صوتي منذ تلك الساعة، فما ذكرته إلى وقتي هذا.

‌22- ابن سريج

«3»

مطرب كان في أصحابه من أهل الانتهاء، نظير موافقه ابن سريج في الفقهاء «4» ، لم يكن إلا من يذعن بتقدمه، ويهابه فلا يكلمه إلا [عند]«5»

ص: 129

تبسمه ويفتح وما سمعه، ويلتقط ويتشطط بأمانيه ويشترط، ويصلح خلله الكثير منه باليسير، ويتخذ منه ما يلقيه في أصواته كالإكسير، وكان لأهل مكة البطحاء به ضنانة، وبسببه يهتك نسبه صيانة، تتقيّل بضلاله، وتقيل في ظلاله، وعلى هذا مضى عبّاد الحجاز، كانوا لا يرون بالغناء باسا، ولا يرون أوقات «1» أنسهم بغيره «2» مقياسا.

قال أبو الفرج، قال إسحاق: أصل الغناء أربعة نفر: مكّيان ومدنيّان، فالمكيّان: ابن سريج وابن محرز، والمدنيّان: معبد ومالك «3» .

قال إبراهيم: أدركت يونس الكاتب فحدثني عن الأربعة: ابن سريج وابن محرز ومعبد والغريض، فقلت له: من أحسن الناس غناء؟ قال: أبو يحيى، قلت: عبيد ابن سريج؟ قال: نعم، قلت: وكيف ذلك؟ قال: إن شئت فسّرت وان شئت أجملت، قلت: أجمل، قال: كأنه خلق من كل قلب فهو يغنّي لكل إنسان ما يشتهي.

قال إسحاق: وسألت هشام بن مرّيّة، وكان عمّر، وكان حاذقا بالغناء، فقلت له: من أحذق الناس بالغناء؟ فقال لي: تحب الإطالة أو الاختصار؟ فقلت: أحبّ اختصارا يأتي على سؤالي «4» ، فقال: ما خلق بعد النبي داود عليه السلام أحسن صوتا من ابن سريج، ولا صاغ المغنى أحذق «5» منه، ويدل على ذلك أن معبدا كان إذا أعجبه غناؤه قال: أنا اليوم سريجي.

ص: 130

قال: وكان ابن أبي عتيق يسوق في كل عام بدنة «1» ينحرها عنه، ويقول:

هذا بأقل حقه علينا.

قال أبو نافع الأسود، وكان آخر من بقي من غلمان ابن سريج:

إذا أعجزك القرشي أن تطرب فغنّه غناء ابن سريج في شعر ابن أبي ربيعة، فإنك ترقصه.

قال جحظة، حدثني عليّ بن يحيى، قال: أرسلني محمد بن الحسن بن مصعب إلى إسحاق أسأله عن لحنه ولحن ابن سريج [ص 64] في: «2» [الطويل]

تشكّى الكميت الجري لمّا جهدته

أيّهما أحسن؟ فصرت إليه فسألته عن ذلك، قال لي: يا أبا الحسن، والله قد أخذت بخطام «3» راحلته فزعزعتها «4» وأنختها، وقمت بها فما بلغته «5» ، فرجعت إلى محمد بن الحسن فأخبرته، فقال: والله إنه ليعلم أن لحنه أحسن من لحن ابن سريج، ولقد تحامل لابن سريج على نفسه ففضل القدماء.

قال إبراهيم بن المهدي، حدّثني إبراهيم الموصلي، قال: حدّثني الزبير بن دحمان عن أبيه أن معبدا تغنّى في شعر عبد الرحمن بن حسان: «6» [الرمل]

ربّ قلبي بهموم وفكر

من حبيب هاج حزني والسّهر

ص: 131

يوم أبصرت غرابا واقعا

شرّما طار على شرّ شجر «1»

فعارضه مالك فغنّى في أبيات من هذا الشعر: «2» [الرمل]

وجرت لي ظبية يتبعها

ليّن الأظلاف من حوّ البقر «3»

كلّما كفكفت منها عبرة

فاضت العين بمنهلّ درر

قال: فتلاحيا «4» جميعا فيما صنعاه من هذين الصوتين، قال كل واحد منهما لصاحبه: أنا أجود صنعة منك، قال: فتنافرا «5» إلى ابن سريج إلى مكة، فلما قدماها، سألا عنه فأخبرا أنه خرج يتطرّف «6» بالحناّء في بعض بساتينها، فاقتصا «7» أثره حتى وقفا عليه وفي يده الحناء، فقالا له: إنا خرجنا إليك من المدينة لتحكم بيننا في صوتين صنعناهما، فقال لهما: ليغنّ كلّ واحد منكما صوته «8» ، فابتدأ معبد فغنّى لحنه، فقال له: أحسنت والله على سوء اختيارك للشعر، ويحك ما حملك على ما صنعت هذه الصنعة الحسنة في حزن وسهر وهموم وفكر!؟ أربعة ألوان من الحزن في بيت واحد، وفي البيت الثاني شران في مصراع واحد، وهو:«9»

شرّ ما طار على شرّ الشّجر

ص: 132

ثم قال لمالك: هات صوتك، فغناه مالك، فقال: أحسنت والله ما شئت، فقال له مالك: وإنما هو ابن شهر «1» ، فكيف تراه يا أبا يحيى إذا حال عليه الحول؟ قال دحمان: فحدثني [ص 65] معبد أن ابن سريج غضب عند ذلك غضبا شديدا، ثم رمى بالحناء من يده وأصابعه، ثم قال: يا مالك، لي تقول هذا هو ابن شهر «1» ؟

اسمع ابن ساعته، ثم قال: يا أبا عباد، أنشدني القصيدة التي تغنيتما فيها «2» ، فأنشدته القصيدة حتى انتهيت إلى قوله:«3» [الرمل]

تنكر الإثمد ما تعرفه

غير أن تسمع منه بخبر

فصاح بأعلى صوته: هذا خليلي، وهذا صاحبي، ثم تغنّى فيه، فانصرفا مغلوبين مفضوحين، من غير أن يقيما بمكة ساعة واحدة.

قال: لما ضادّ ابن سريج الغريض وتلاحيا، جعل ابن سريج لا يغنّي صوتا إلا عارضه الغريض يغني فيه لحنا غيره، وكانت في بعض أطراف مكة دار يأتيانها «4» كل جمعة، ويجتمع إليهما ناس كثير، فيوضع لكل واحد منهما كرسيّ يجلس عليه، ثم يتقاضيان الغناء ويترادّانه، فلما رأى ابن سريج موقع الغريض وغنائه من الناس لقربه من النوح وشبهه به، مال إلى الأرمال والأهزاج «5» ، فاستخفها الناس، وقال له الغريض: يا أبا يحيى، قصرت الغناء وحذفته وأفسدته، قال: نعم يا مخنث، جعلت «6» تنوح على أبيك وأمك ألي أن تقول هذا، والله لأغنّينّ

ص: 133

غناء ما غنّى أحد أثقل منه ولا أجود، ثم غنّى:»

[الطويل]

تشكّى الكميت الجري لما جهدته

قال إسحاق: حدثني شيخ من موالي المنصور قال: قدم علينا المدينة فتيان بني أمية يريدون مكة، فسمعوا معبدا ومالكا فأعجبوا بهما، ثم قدموا مكة فسألوا عن ابن سريج فوجد مريضا، فأتوا صديقا له فسألوه أن يسمعهم غناءه، فخرج معهم حتى دخلوا عليه فقالوا: نحن فتيان من قريش أتيناك مسلمين عليك وأحببنا أن نسمع غناءك «2» فقال: أنا مريض كما ترون، قالوا: إن الذي نكتفي به منك يسير- وكان ابن سريج أديبا طاهر الخلق عارفا بأقدار الناس- فقال: يا جارية، هاتي جلبابي وعودي، فأتته جارية بخامة فشدها على وجهه، وكان يفعل ذلك إذا تغنى لقبح وجهه، ثم أخذ العود فغناهم حتى اكتفوا، ثم ألقى العود وقال: معذرة، قالوا: قد قبل الله عذرك وأحسن إليك، ومسح على ما بك من الضّرّ، ثم انصرفوا يتعجبون مما سمعوا، فمروا بالمدينة منصرفين [ص 66] فسمعوا من معبد ومالك فجعلوا لا يطربون، فقال «3» أهل المدينة: نقسم بالله لقد سمعتم ابن سريج بعدنا، قالوا: أجل لقد سمعناه، فسمعنا ما لم نسمع مثله قط ولقد نقص إلينا ما بعده «4» .

قال إسحاق، حدثني إسحاق بن يحيى بن طلحة قال: قدم جرير المدينة ونحن يومئذ شبّان نطلب الشعر، فاحتشدنا له ومعنا الشعراء، فبينا نحن عنده إذ قام

ص: 134

لحاجته، فأقمنا لم نبرح، وجاءنا الأحوص الشاعر من قبا «1» على حمار، فقال:

أين هذا؟ قلنا: قام لحاجته، فما حاجتك إليه؟ قال: إني أريد أن أعلمه أن الفرزدق أشرف منه وأشعر، قلنا: ويحك لا تعرض له، فانصرف وخرج جرير، فلم يكن بأسرع من أن أقبل الأحوص فوقف عليه فقال: السلام عليك، فقال:

وعليك السلام، فقال: يا بن الخطفى، الفرزدق أشرف منك وأشعر، قال جرير:

من هذا؟ قلنا: الأحوص بن محمد، قال: نعم هذا الخبيث ابن الطيب، أنت القائل:«2» [الطويل]

يقرّ بعيني ما يقرّ بعينها

وأحسن شيء ما به العين قرّت «3»

قال: نعم، قال: إنه يقر عينها أن يدخل فيها مثل ذراع البكر، فيقر ذلك بعينك؟

قال: وكان الأحوص يرمى بالأبنة «4» ، فانصرف فبعث إليهم بتمر وفاكهة، وأقبلنا على جرير نسأله، وألح عليه أشعب فقال له: والله إني لأراك أقبحهم وجها، وأظنّك الأمهم حسبا، وقد أبرمتني منذ اليوم، فقال: إني والله أنفعهم لك، قال: ويحك وكيف ذلك؟

قال: إني أملّح شعرك وأجيد مقاطعه ومبادئه، قال: قل ويحك، فاندفع فنادى بلحن ابن سريج:«5» [الكامل]

يا أخت ناجية السّلام عليكم

قبل الرّحيل وقبل لوم العذّل

ص: 135

لو كنت أعلم أنّ آخر عهدكم

يوم الرّحيل فعلت ما لم أفعل

فطرب جرير وجعل يزحف نحوه حتى مست ركبته ركبته، وقال: لعمري لقد صدقت إنك لأنفعهم لي، ولقد حسنته وأجدته، وأحسنت والله، ووصله وكساه، فلما رأينا إعجاب جرير بذلك الصوت، قلنا له: كيف لو سمعت واضع هذا، قال: وإن له [ص 67] لواضعا غير هذا؟ قلنا: نعم، قال: وأين هو؟ قلنا:

بمكة، قال: فلست بعازم حجا حتى أبلغه «1» ، فمضى ومضى معه جماعة ممن يرغب في طلب الشعر في صحابته، وكنت فيهم، فقدمنا مكة فأتيناه جميعا، فإذا هو في فتية من قريش كأنهم المها مع ظرف كثير، فرحبوا به وأدنوا مجلسه، وسألوه عن الحاجة، فأخبرناهم الخبر، فرحبوا بجرير وأدنوه وسروا بمكانه، وعظم ابن سريج موضع جرير، وقال: سل ما تريد، جعلت فداك، [قال أريد] أن تغنيني لحنا سمعته بالمدينة أزعجني إليك «2» ، قال: وما هو؟ قال:

يا أخت ناجية السّلام عليكم

فغنّاه ابن سريج، وبيده قضيب يوقع به وينكت، فو الله ما سمعت شيئا أحسن من ذلك، فقال جرير: لله دركم يا أهل مكة، ما أعطيتم: والله لو أن نازعا نزع إليكم ليقيم بين أظهركم يسمع هذا صباحا ومساء، كان أعظم الناس حظا ونصيبا، وكيف ومع هذا بيت الله الحرام، ووجوهكم الحسان، ورقة ألسنتكم، وحسن شارتكم «3» ، وكثرة فوائدكم.

قال إسحاق: كان ابن سريج جالسا فمر به عطاء وابن جريج، فحلف عليهما

ص: 136

بالطلاق أن يغنيهما، على أنهما إن نهياه عن الغناء بعد أن يسمعا منه تركه أبدا، فوقفا له وغناهما:«1» [المديد]

إخوتي لا تبعدوا أبدا

وبلى والله قد بعدوا

فغشي على ابن جريج، وقام عطاء فوقف.

قال إسحاق: كان ابن سريج عند بستان ابن عامر، فغنّى بلحنه في هذا الشعر:«2» [مجزوء الوافر]

لمن نار بأعلى الخب

ت دون البئر ما تخبو

أرقت لذكر موقعها

فحنّ لذكرها القلب

فجعل الحجاج يركب بعضهم بعضا، حتى جاء إنسان من آخر القصرات فقال: يا هذا، قد قطعت على الحجاج وحبستهم، والوقت قد ضاق، فاتق الله وقم عنهم، فقام وسار الحجاج.

قال إسحاق، قال ابن مقمّة: دخلت على ابن سريج في مرضه الذي مات فيه، فقلت: كيف أصبحت يا أبا يحيى؟ [ص 68] قال: أصبحت والله كما قال الشاعر «3» [الوافر]

كأنّي من تذكّر ما ألاقي

إذا ما أظلم الليل البهيم

سقيم ملّ منه أقربوه

وأسلمه المداوي والحميم «4»

ثم مات.

ص: 137

قال إسحاق، قال ابن مقمّة: لما احتضر ابن سريج نظر إلى ابنته تبكي، فبكى وقال: إن من أكبر همي أنت، واخشى ان تضيعي بعدي، قالت: لا تخف، فما غنيّت شيئا إلا وأنا أغنّيه، فقال: هاتي، فاندفعت تغنّي أصواتا وهو مصغ إليها، فقال: قد أصبت ما في نفسي، وهونت علي أمرك، ثم دعا سعيد بن مسعود الهذلي «1» فزوجه إياها، فأخذ عنها أكثر غناء أبيها وانتحله، فهو الآن ينسب إليه.

قال إسحاق: وأخبرني هشام بن المرية، أن قادما قدم المدينة فسارّ معبدا بشيء، فقال معبد: أصبحت أحسن الناس غناء، فقلنا: أو لم تكن كذلك؟ قال: لا، ثم قال: أتدرون ما خبرني به هذا؟ قالوا: لا، قال: أعلمني أن عبيد بن سريج مات، ولم أكن [أحسن] الناس غناء وهو حي.

قال إسحاق: قال كثير بن كثير السهمي يرثيه: «2» [البسيط]

ما اللهو عند عبيد حين يخبره

من كان يلهو به منه بمطّلب «3»

لله قبر عبيد ما تضمّنه

من لذّة العيش والإحسان والطّرب «4»

لولا الغريض ففيه من شمائله

مشابه لم أكن فيه بذي أرب

قال مصعب الزبيري: حدثني شيخ من المكييّن قال: كان ابن سريج قد أصابه الريح الجنبية «5» ، فآلى يمينا أن لا يغني، ونسك ولزم المسجد حتى عوفي، ثم

ص: 138

خرج وبه بقية من العلة، فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وموضع مصلاه، فلما قدم المدينة نزل على بعض إخوانه من أهل النّسك والقراءة، وكان أهل الغناء يأتونه فيسلمون عليه فلا يأذن لهم في الجلوس بالمحادثة له «1» ، فأقام بالمدينة حولا:

حتى لم يحس في علته بشيء، وأراد الشخوص فبلغ سكينة بنت الحسين «2» ، فاغتمت اغتماما شديدا وضاق صدرها [ص 69] وكان أشعب يخدمها، وكانت تأنس به وتضاحكه، فقالت: ويلك، إن ابن سريج شاخص، وقد دخل المدينة منذ حول، ولم أسمع من غنائه لا قليلا ولا كثيرا وتعذّر ذلك عليّ فكيف الحيلة في الاستماع منه ولو صوتا واحدا؟ فقال لها أشعب: جعلني الله فداك، أنّى لك بهذا والرجل زاهد ولا حيلة لك فيه؟ فارفعي طمعك والحسي بوزك «3» [تنفعك]«4» حلاوة فمك، فأمرت بعض جواريها فوطئت بطنه حتى كادت تخرج أمعاؤه، وخنقته حتى [كادت] تزهق روحه، ثم أمرت فسحب على وجهه حتى أخرج من الدار إخراجا عنيفا، فخرج واغتمّ غما شديدا، وندم على ممازحتها في وقت لم ينبغ له ذلك فيه، فأتى منزل ابن سريج ليلا فطرقه، فقيل له: من هذا؟ قال:

أشعب، ففتحوا له، فرأى على وجهه ولحيته التراب، والدم سائل من أنفه وجبهته على لحيته، وثيابه ممزقة، وبطنه وصدره قد عصرهما الدوس والخنق.

ص: 139

ومات الدم فيها، فنظر ابن سريج إلى منظر فظيع «1» هاله وراعه، فقال: ما هذا ويحك، فقص عليه قصته، فقال ابن سريج: إنا لله وإنا إليه راجعون، ماذا نزل بك، والحمد لله الذي سلم نفسك، لا تعودن إلى هذا أبدا، قال أشعب:

فديتك، هي مولاتي، ولا بد لي منها، ولكن هل لك حيلة في أن تصير إليها وتغنّيها، ويكون ذلك سببا إلى أن ترضى عني؟ قال ابن سريج: لا يكون ذلك أبدا بعد أن تركته، قال أشعب: فديتك، قد قطعت أملي ورفعت رزقي، وتركتني حيران في المدينة لا يقبلني أحد، وهي ساخطة عليّ، فالله الله، وأنا أنشدك الله إلا «2» تحملت هذا الأمر وإن كان إثما، فقال ابن سريج: والله لا يكون هذا أبدا، فلما رأى أشعب أنّ ابن سريج قد تمّ على الامتناع، قال في نفسه، لا حيلة لي وهذا خارج، وإن خرج هلكت، فصرخ صرخة آذن أهل المدينة لها، ونبّه الجيران من رقادهم، وأقام الناس من فرشهم، ثم سكت، فلم يدر الناس ما القضية عند خفوت الصوت بعد أن قد راعهم، فقال ابن سريج: ويلك، ما هذا؟ قال: والله لئن لم تصر معي إليها، لأصرخنّ صرخة ثانية لا يبقى بالمدينة أحد إلا صار بالباب، ثم لأفتحنّه ولأرينّهم ما بي، ثم أعلمنّهم أنك أردت أن تفعل كذا وكذا بفلان، يعني غلاما كان لابن سريج شهر به [ص 70] ومنعتك وخلّصت الغلام من يدك حتّى فتح الباب ومضى، ففعلت بي هذا غيظا وتأسفا، وإنك إنما أظهرت النسك والقراءة لتظفر بحاجتك منه، وأهل مكة والمدينة يعلمون بحاله، فقال ابن سريج: اغرب أخزاك الله، فقال أشعب: والله الذي لا اله إلا هو، وإلا فما أملك صدقه، وامرأته طالق ثلاثا، إن أنت لم تنهض معي في هذه الليلة لأفعلنّ، فلما رأى ابن سريج الجدّ منه، قال لصاحبه: ويحك، أما ترى ما وقعنا فيه؟ وكان صاحبه الذي نزل عليه ناسكا، فقال: ما أدري ما أقول فيما وقع بنا

ص: 140

من هذا الخبيث، وتذمّم ابن سريج من الرجل صاحب المنزل، وقال لأشعب:

اخرج من منزل الرجل، فقال: رجلي مع رجلك، فخرجنا، فلما صار ببعض الطريق، قال ابن سريج لأشعب: امض عني، قال: والله لئن لم تفعل ما قلت لأصيحنّ الساعة حتى يجتمع الناس، ولأقولنّ إنك أخذت مني سوارا من ذهب لسكينة، على ان تجيئها فتغنيها سرا، وإنك كابرتني عليه وجحدتني وفعلت بي هذا الفعل، فوقع ابن سريج فيما لا حيلة [له] فيه، فقال: امض لا بارك الله فيك، فمضى معه، فلما صار إلى باب سكينة، قرع الباب، فقيل: من هذا؟ فقال:

أشعب قد جاء بابن سريج، ففتح الباب ودخلا إلى حجرة من دار سكينة، فجلسا ساعة، ثم أذن لهما فدخلا إلى سكينة، فقالت: يا عبيد، ما هذا الجفاء؟ فقال:

قد علمت بأبي أنت وأمي ما كان مني، قالت: أجل، فتحدّثا ساعة وقصّ عليها ما صنع [به] أشعب، فضحكت وقالت: لقد أذهب ما كان مني عليه، وأمرت لأشعب بعشرة «1» دنانير وكسوة، ثم قال لها ابن سريج: أتأذنين بأبي أنت وأمي؟ قالت: وأين تريد؟ قال: المنزل، قالت: برئت من جدّي إن برحت من داري ثلاثة أيام، وبرئت من جدّي إن [أنت] لم تغنّ إن خرجت من داري شهرا، وبرئت من جدي إن أقمت في داري شهرا لم أضربك كل يوم عشرا، وبرئت من جدّي إن حنثت في يميني إن شفعت فيك أحدا، قال عبيد: واسخنة عيناه! واذهاب دنياه! وا فضيحتاه! ثم اندفع يغنّي: «2» [الخفيف]

أستعين الذي بكفّيه نفعي

ورجائي على التي قتلتني

قالت سكينة: هل عندك من صبر؟ ثم أخرجت دملجا «3» من ذهب كان في

ص: 141

عضدها وزنه أربعون مثقالا، فرمت به إليه، فقالت: أقسمت عليك لما أدخلته في يدك، ففعل، ثم قالت لأشعب:[ص 71] اذهب إلى عزّة الميلاء «1» فاقرئها مني السلام، واعلمها أن عبيدا عندنا، فلتأتنا متفضلة بالزيارة، فأتاها أشعب فأسرعت المجيء، فتحدثوا باقي ليلتهم، ثم أمرت عبيدا وأشعب فناما في حجرة مع مواليها، فلما أصبحت هيّئ لهم غداؤهم، وأذن لابن سريج فدخل فقعد بالقرب منها مع أشعب في مواليها، وقعدت هي مع عزّة وخواصّ جواريها، فلما فرغوا من الغداء قالت يا عزّة، أن رأيت ان تغنّينا، قالت: إي وعيشك، فغنّت لحنها في شعر عنترة العبسي:«2» [الكامل]

حيّيت من طلل تقادم عهده

أقوى وأقفر بعد أمّ الهيثم

إن كنت أزمعت الفراق فإنما

زمّت ركابكم بليل مظلم

فقال ابن سريج: أحسنت والله يا عزّة، وأخرجت سكينة الدّملج الآخر من يدها فرمت به إلى عزّة وقالت: صيّري هذا في يدك، ففعلت ثم قالت لعبيد: هات غننا،»

فقال: حسبك ما سمعت البارحة، فقالت: لا بد أن تغنينا في كل يوم لحنا، فلما رأى ابن سريج أنه لا يقدر على الامتناع، غنّى:«4» [البسيط]

قالت من انت على ذكر فقلت لها

أنا الذي ساقه للحين مقدار «5»

ص: 142

قد حان منك- فلا تبعد بك الدّار-

بين وفي البين للمتبول إضرار «1»

ثم قالت لعّزة في اليوم الثاني: غنّي، فغنّت لحنها في شعر الحارث بن خالد المخزومي:«2» [الطويل]

وقرّت بها عيني وقد كنت قبلها

كثيرا بكائي مشفقا من صدودها

وبشرة خود مثل تمثال بيعة

تظلّ النّصارى حوله يوم عيدها «3»

فقال ابن سريج: والله ما سمعت مثل هذا حسنا قط و [لا] طيبا، ثم قالت لابن سريج: هات، فغنّى بشعر عمر بن أبي ربيعة:«4» [مجزوء الوافر]

أرقت فلم أنم طربا

وبتّ مسهّدا نصبا

لطيف أحبّ خلق ال

له إنسانا وإن غضبا

فلم أردد مقالتها

ولم أك عاتبا عتبا

فقالت سكينة: قد علمت ما أردت بهذا، قالت: وقد شفعناك، وإنما كانت يميني على ثلاثة [ص 72] أيام، فاذهب في حفظ الله وكلاءته، ثم قالت لعزّة:

إذا شئت، وأمرت لها بحلّة حسنة، ولابن سريج بمثلها، وانصرفت عزّة: وأقام ابن سريج حتى انقضت ليلته، وانصرف ذاهبا إلى مكة.

قال أبو يوسف بن إبراهيم: حضرت أبا إسحاق ابراهيم بن المهدي وعنده إسحاق الموصلي، فقال إسحاق: غنّى ابن سريج ثمانية وستين صوتا، فقال له ابن

ص: 143

المهدي: ما تجاوز قط ثلاثة وستين صوتا، ثم جعلا يتناشدان الصحيح حتى بلغا ثلاثة وستين صوتا، وهما متفقان في ذلك، ثم أنشد إسحاق بعد ذلك خمسة أصوات، فقال له ابن المهدي: صدقت، هذا من غنائه، ولكن لحن هذا الصوت نقله من لحنه في الشعر الفلاني، ولحنه الثاني من لحنه الفلاني، حتى عدّ له خمسة الأصوات، فقال له إسحاق: صدقت، ثم قال له إبراهيم:[إن] ابن سريج كان رجلا عاقلا أديبا، وكان يعاشر الناس بما يشتهون، فلا يغنيهم صوتا يمدح به أعداءهم، ولا صوتا عليهم فيه عار أو غضاضة، ولكنه يعدل «1» بتلك الألحان إلى أشعار في أوزانها، والصوتان واحد لا ينبغي أن يعتدّ بهما في صوتين عند التحصيل، ثم اتفقا على ان قدما من غنائه ثمانية أصوات. فالأول:«2» [الرمل]

فإذا ما عثرت في مرطها

نهضت باسمي وقالت يا عمر

والثاني: «3» [مجزوء الخفيف]

حيّيا أمّ يعمرا

قبل شحط من النّوى

والثالث: «4» [الكامل]

فتركته جزر السّباع ينشنه

ما بين قلّة رأسه والمعصم

والرابع: «5» [الطويل]

فلم أر كالتّجمير منظر ناظر

ولا كليالي الحجّ أفتنّ ذا هوى

ص: 144