الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاملي الذكر، فاستحسن المعتصم منها صوتا، فأسكت المغنين له، وأعاده مرات وهو يستعيده، ولم يزل يشرب عليه سحابة يومه، وأمر له بألفي دينار، وخلع عليه وعلى جماعته الندماء مماطر «1» لها شأن من ألوان شتى، فسأل عبد الوهاب ابن علي أن يرد عليه الصوت [ص 145] ويجعل له ممطره، فغنّاه إيّاه، فلما خرجوا للانصراف أمر غلمانه بدفع الممطر إلى غلمان أبي، فسلموه إليهم.
والصوت: «2» [الخفيف]
لعن الله من يلوم محبّا
…
ولحى الله من يحبّ فيابى
ربّ إلفين أظهرا الحبّ دهرا
…
فعفا الله عنهما حين تابا
56- بذل
«3»
جارية نقصت البدور المقمرة، واستنقصت فيها القناطر المقنطرة، وتحاسدت عليها الملوك وأصحاب الأسرة، واهتبلت فيها الغرّة، وسخت فيها النحر بمنى، وأمتحن بمماثلة «4» طيبها المسك فأصبح تحت الفهر ممتهنا، وكانت رأسا في الطرب، إلا أنه بالتاج معتصب، ولهوى الخلفاء مغتصب، وبرزت على كل ذات قناع، وأخذت القلوب بلا امتناع، وكانت أعلام الغناء نكرات لديها، ومنكرات
لا تصل إليها، يعترف لها مثل ابن المهدي، ويعترض عليها حتى تحضر معها في الندي، وكان لا يرى بنو العباس غير فينتها شرفا، ولا بعد أدنى هوى الرشيد في هواها إلا سرفا «1» .
قال أبو الفرج: كانت حلوة الوجه ضاربة متقدمة، وابتاعها جعفر بن موسى الهادي وأخذها منه محمد الأمين، وكانت قد وصفت له فبعث إلى جعفر يسأله أن يريه إياها فأبى، فزاره إلى منزله فسمع شيئا لم يسمع مثله، فقال لجعفر:
بعني يا أخي هذه الجارية، فقال: يا سيدي مثلي لا يبيع جارية، فقال: هبها لي، فقال: هي مدبّرة «2» ، فاحتال عليه محمد حتى أسكره، وأمر ببذل فحملت معه إلى الحرّاقة «3» وانصرف بها. فلما انتبه جعفر سأل عنها، فأخبر بخبرها، فسكت، فبعث إليه محمد من الغد، فجاءه وبذل جالسة فلم يقل له شيئا، فلما اراد جعفر الانصراف قال: أوقروا حراقة ابن عمي دراهم، فكان مبلغ ذلك عشرين ألف ألف درهم، قال: وبقيت بذل في دار محمد إلى أن قتل، ثم خرجت، وكان ولد محمد يدعون ولاءها، فلما ماتت ورثها ولد عبد الله بن [ص 146] محمد الأمين.
وقيل: كان محمد الأمين قد وهب لها من الجوهر شيئا لم يكن يملك أحد مثله، فسلم لها، فكانت تخرج منه الشيء فتبيعه بالمال العظيم، إلى أن ماتت.
وكان إبراهيم بن المهدي «4» يعظمها ويتوافى لها، ثم تغير بعد ذلك استغنى بنفسه عنها، فعلمت ذلك وصارت إليه، ودعت بعود وغنّت في طريقة واحدة
وإيقاع واحد مئة صوت، لم يعرف إبراهيم منها واحدا ووضعت العود وانصرفت، فلم تدخل داره حتى طال طلبه لها وتضرعه إليها في الرجوع إليه.
قال أحمد بن شعيب المكي: خالف بذلا إسحاق في صوت غنّته بحضرة المأمون، فأمسكت عنه ساعة، ثم غنّت ثلاثة أصوات في الثقيل الثاني، واحدا بعد واحد، وسألت إسحاق عن صانعها، فلم يعرفه، فقالت «1» للمأمون: هي والله يا أمير المؤمنين لأبيه أخذتها من فيه، فإذا كان لا يعرف غناء أبيه، فكيف يعرف غناء غيره فاشتد «2» ذلك على إسحاق حتى بان فيه.
قال: وذكر أن المأمون كان قاعدا يوما يشرب، ومعه قدح، إذ غنّت بذل:«3» [الطويل]
ألا لا أرى شيئا ألذّ من الوعد
…
ومن أملي فيه وإن كان لا يجدي
فجعلته:
ألا لا أرى شيئا ألذّ من السّحق
فوضع المأمون القدح من يده، والتفت إليها، فقال: بلى النّيك ألذّ من السّحق، فتشوّرت «4» وخافت غضبه، فأخذ قدحه وقال: أتمي صوتك وزيدي فيه: «5»
ومن غفلة الواشي إذا ما أتيتها
…
ومن زورتي أبياتها خاليا وحدي