الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من أن أزنيّك، ولكني أصير إليك وأغنيك وألهيك، وأرضيك، وصارت إلي فأرضتني بعد ذلك.
قال ابن عمار: «1» [الخفيف]
لابن رامين خرد كمها الوح
…
ش حسان وليس لي غير بغل
رب فضلته علي ولو شئ
…
ت لفضلتني عليه بفضل
وقال محمد بن الأشعث بن نجوة الكاتب الكوفي: «2» [البسيط]
أمسى لسلامة الزرقاء في كبدي
…
صدع مقيم طوال الدهر والأبد
لا يستطيع صناع القوم يشعبه
…
وكيف يشعب صدع الحب في الكبد
39- حبّابة جارية يزيد بن عبد الملك
«3»
أمة غلبت على الحرائر، وفتنت بإطرابها، وحسنت بين أترابها، وسفرت فراب البدور سفورها، وملأ الصدور سرورها، ووصلت إلى حجب يزيد، وكان حب «4» شغفه لها يزيد، فكان لو خيّر بينها وبين الخلافة لاختارها، أو سمّيت «5» هي
والشهد لترك الشهد واشتارها «1» ، وكانت هي سبب الطعن عليه حتى أنفذته الرماح ونبذته لقى في مهبات الرياح، صارت إليه هي وسلامة القس، ونعم بهما طوال مدته مثل ليلة العرس، إنّ هوى حبابة سكن حبه وقلبه، وأشعله حتى ذهب بلبه، ثم وهبها سلامة ورضي بها، ولم يسخطه ملامة.
[ص 112] قال أبو الفرج: أول ما ارتفعت منزلة حبابة عند يزيد أنه أقبل يوما إلى البيت الذي هي فيه، فقام من وراء الستر، فسمعها تترنم وتغني:«2» [الخفيف]
كان لي يا يزيد حبّك حينا
…
كاد يقضي عليّ لما التقينا
والشعر كان يا سفين»
، فرفع الستر، فوجدها مضطجعة مقبلة على الجدار، فعلم أنها لم تعلم به، فألقى بنفسه عليها وخزلت «4» منه.
قال ابن شبه: لما ألح يزيد على الشرب وسماع الغناء، أقبل مسلمة عليه يلومه ويقول له: إنك وليت بعقب عمر بن عبد العزيز وعدله، وقد تشاغلت بهذه الأمة عن النظر في أمور المسلمين، والوفود ببابك وأصحاب الولايات والظلامات يصيحون، وأنت غافل عنهم، قال: صدقت والله، وأعتبه وهمّ بترك الشراب أيّاما، ولم يدخل على حبابة مدة، فدست حبابة إلى الأحوص أن يقول بيتا في ذلك، وقالت: إن رددته عن رأيه فلك ألف دينار، فدخل الأحوص على يزيد، فاستأذنه، فأذن له فقال:«5» [الطويل]
ألا لا تلمه اليوم أن يتبلّدا
…
فقد غلب المحزون أن يتجلّدا
بكيت الصّبا جهدي فمن شاء لامني
…
ومن شاء آسى في البكاء فأسعدا
وإنّي وإن فنّدت «1» في طلب الصبا
…
لأعلم أنّي لست في الحبّ أوحدا
إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى
…
فكن حجرا من يابس الصّخر جلمدا
فما العشق إلا ما تلذّ وتشتهي
…
وإن لام فيه ذو الشّنار وفنّدا
وحفظت حبابة الأبيات، وعملت فيها لحنا، وكان يزيد قد أقام جمعة لا يدخل إليها، فلما كان يوم الجمعة، قالت لبعض جواريها: إذا خرج أمير المؤمنين إلى الصلاة فأعلميني، فلما أراد الخروج أعلمتها، فتلقته بالعود في يدها، فغنت البيت الأول، فغطى وجهه وقال: مه، لا تفعلي، ثم غنّت الأبيات، فلما بلغت إلى:
وما العيش إلا ما تلذ وتشتهي «2»
عدل إليها وقال: صدقت، قبّح الله من لامني فيك، يا غلام مر مسلمة [ص 113] فليصل بالناس، وأقام معها وعاد إلى حاله.
وذكر ابن عياش «3» أن سلامة وحبابة اختلفتا في صوت معبد: «4» [الوافر]
ألا حيّ الديار بسعد إنّي
…
أحبّ لحبّ فاطمة الديارا «5»
إذا ما حلّ أهلك يا سليمى
…
بدارة صلصل شحطوا المزارا «6»
فبعث يزيد إلى معبد فأتى، فسأل: لم بعث إليه؟ فأخبر، فقال: لأيتهما المنزلة عند أمير المؤمنين؟ قالوا: لحبابة، فلما عرضتا عليه الصوت، حكم لحبابة، فقالت سلامة: والله يا بن الزانية إنك لتعلم وتتحقق أن الحق والصواب ما قلت، ولكنك سألت: أيتهما آثر عند أمير المؤمنين، فقيل لك حبابة، فاتبعت هواه ورضاه، فضحك يزيد وطرب، وقالت سلامة: أتأذن لي يا أمير المؤمنين في صلة معبد، فإن له علي حقا، قال: قد أذنت، فوصلته بما لم تصله به حبابة.
وقال الزبير بن بكار: حدثتني طيبة، أن حبابة أنشدت يوما يزيد بن عبد الملك:«1» [الوافر]
لعمرك إنني لأحبّ سلعا
…
لرؤيتها ومن بجنوب سلع «2»
ثم تنفست شديدا فقال لها: مالك؟ أنت في ذمة أبي لئن شئت لأقلعنه إليك حجرا حجرا، فقالت: وما أصنع به، ليس إياه أردت، إنما أردت ساكنه.
قال الزبير: وحدثتني ظبية، أنّ يزيد قال لحبابة وسلامة، أيّتكما غنتني ما في نفسي، فلها حكمها، فغنت سلامة [فلم تصب ما في نفسه، وغنت حبابة فأصابت ما في نفسه، فقال احتكمي، فقالت: سلامة، تهبها لي]«13» ومالها، قال: اطلبي غير هذا، فأبت، فقال لها: قد وهبتها لك، فلقيت سلامة من ذلك أمرا عظيما، فقالت لها حبابة: اطمئني فإنك لا ترين إلا خيرا، فجاءها يزيد يوما فسألها أن تبيعه إياها بحكمها، قالت: أشهد أنها حرة، فاخطبها حتى أزوجك مولاتي.
قال المدائني: كانت حبابة إذا غنت وطرب يزيد قال: أطير؟
فتقول: إلى من تدع أمور المسلمين؟ فيقول: إليك.
قال الزبير وحدثتني ظبية أن حبابة غنت يوما فطرب يزيد ثم قال لها: هل رأيت أطرب [ص 114] مني؟ قالت: نعم، مولاي الذي باعني «1» ، فغاظه ذلك، فكتب في حمله مقيدا، فلما قدم أمر بإدخاله إليه، فأدخل يرسف في قيده، وأمرها بالغناء، فغنت:«2» [المتقارب]
تشطّ غدا دار جيراننا
…
وللدّار بعد غد أبعد
فوثب فألقى نفسه على الشمعة، فأحرقت لحيته، وجعل يصيح: الحريق يا أولاد الزنا! فضحك يزيد وقال: لعمري إن هذا لأطرب مني، وأمر بحل قيوده ووصله بألف دينار، ووصلته حبابة بمثلها، وزودته إلى المدينة.
قال: نزل يزيد بيت ديرانية بالشام، ومعه حبابة فقال: زعموا أنه لا يصفو لأحد عيشه إلى الليل إلا «3» يكدّره شيء، وسأجرب ذلك، ثم قال لمن معه، إذا كان غدا فلا تخبروني بشيء، ولا تأتوني بكتاب، وخلا بحبابة، فأتيا بما يأكلان، فأكلت رمانة فشرقت بحبة فماتت، فأقام لا يدفنها ثلاثا حتى نتنت، وامتنع من الأكل والشرب وخطاب الناس، وجعل يشمها ويترشفها، فعاتبه أقرباؤه وقالوا: قد صارت جيفة بين يديك، ولم يزالوا به حتى أذن لهم في دفنها، وأمر فأخرجت في نطع «4» ، وخرج لا يتكلم حتى جلس على قبرها، قال: أصبحت والله كما قال كثير: «5» [الطويل]
فإن تسل عنك النّفس أو تدع الصّبا
…
فباليأس يسلو عنك لا بالتّجلّد
وكلّ خليل زارني فهو قائل
…
من أجلك هذا هامة اليوم أو غد
قال: فما أقام إلا خمسة عشر يوما حتى مات، ودفن إلى جانبها.
وروى المدائني: أنه اشتاق إليها بعد ثلاثة أيام من دفنها، فأمر بنبشها فنبشت، فكشف عن وجهها وقد تغير تغيرا قبيحا فقيل له: اتق الله ألا ترى كيف صارت، فقال: ما رأيتها قط أحسن من هذا اليوم، أخرجوها فجاء مسلمة ووجوه قومه وأهله، فلم يزالوا به حتى أزالوه عن ذلك، ودفنوها.
40-
بديح مولى عبد الله بن جعفر «1» [ص 115]
صاحب فكاهة تحلو مذاقها، ومحاسن تعرو بها البدور محاقها، وكان لا يعاصيه احتيال ولا يلاويه اختيال، لو رقى الجندل لاستخرج ماءه، أو لاطف الدجى لجلّى ظلماءه، وأعرق في شرف الولاء، وأجزل له طرف الآلاء، ولم تنقص له عطيه، ولا قصّرت به رتبة عليّه.
قال أبو الفرج: روى الحديث عن عبد الله بن جعفر، وقيل إنّ عبد الله بن جعفر دخل على عبد الملك بن مروان، وهو يتأوّه من عرق النّسا، فقال: يا أمير المؤمنين، مالك؟ قال: قد هاج بي عرق النّسا في ليلتي هذه فبلغ مني، فقال: إن بديحا مولاي يرقي منه، فوجه إليه عبد الملك بن مروان، فلما مضى الرسول، قال عبد الله في نفسه: كذبة قبيحة عند خليفة، وأسقط في يده، فما كان بأسرع من أن طلع بديح، فقال له: كيف رقيتك من عرق النّسا؟ قال: أرقى الخلق يا أمير المؤمنين،