الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جارية بالغة لم يكن خطأ، لأنه الأصل
(1)
وللبلوغ علامات طبيعية، منها ما هو محل فاق، ومنها ما هو محل خلاف ومنها ما هو مشترك بين الذكر والأنثى، ومنها ما هو خاص بأحدهما.
ومن هذه العلامات:
الأول: الحيض، وتختص الأنثى به.
الأدلة على كون الحيض من علامات البلوغ.
الدليل الأول:
الإجماع. قال الحافظ في الفتح: "وأجمع العلماء على أن الحيض بلوغ في حق النساء"
(2)
.
الدليل الثاني: من السنة
.
[10]
روى الإمام أحمد، قال: حدثنا يونس، ثنا حماد، عن قتادة، عن ابن سيرين، عن صفية بنت الحارث، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تقبل صلاة حائض إلا بخمار"
(3)
.
[الحديث حسن لغيره إن شاء الله. ورواية قتادة قد اضطرب عليه فيها، والراجح فيه ابن سيرين عن عائشة، وليست بالمتصلة، لكن لها شاهد ضعيف
(1)
تاج العروس (12/ 7)، وانظر: اللسان (8/ 419).
(2)
فتح الباري (5/ 610).
(3)
المسند (6/ 259).
من حديث أبي قتادة]
(1)
.
(1)
الحديث أخرجه ابن أبي شيبه (2/ 40) ح 6222، حدثنا يحيى بن آدم، عن حماد بن سلمة به، وأخرجه أحمد (6/ 150) ثنا أبو كامل وعفان، قالا: ثنا حماد به. وأخرجه أيضاً (6/ 218) ثنا بهز ويونس، قالا: ثنا حماد بن سلمة به. وأخرجه أبو داود (641) حدثنا محمد ابن المثنى، ثنا حجاج بن منهال ثنا حماد به.
ومن طريق حجاج بن منهال أخرجه ابن خزيمة (775) والحاكم (1/ 251) والبيهقي (2/ 233)، والبغوي في شرح السنة (2/ 436).
وأخرجه الترمذي (377) حدثنا هناد، حدثنا قبيصة، عن حماد بن سلمة به،
وأخرجه ابن ماجه (655) ثنا محمد بن يحيى، حدثنا أبو الوليد، حدثنا حماد به. ومن طريق أبي الوليد (هشام بن عبد الملك) أخرجه ابن خزيمة (775) والبيهقي (2/ 233) وابن الجارود (173) واختلف في الحديث على قتادة.
فقيل: عن قتادة عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً.
وقيل: عن قتادة موقوفاً.
وقيل: كما في إسناد الباب، عن حماد بن سلمة، عن قتادة، عن ابن سيرين، عن صفية بنت الحارث، عن عائشة مرفوعاً.
وتابع حماد بن زيد حماد بن سلمة كما في المحلى لابن حزم (مسألة: 119).
فرواه من طريق محمد بن الجارود بن القطان، عن عفان، عن حماد بن زيد، عن قتادة به.
وإسناد ابن حزم بقوله: (حماد بن زيد) خطأ قطعاً، لما يلي:
أولاً: أن الإمام أحمد رواه في مسنده (6/ 150) عن أبي كامل وعفان كلاهما، عن حماد، عن قتادة.
والمقصود به حماد بن سلمة؛ لأنه قرنه بأبي كامل، وأبو كامل ليست له رواية عن حماد ابن زيد، ولا يروى إلا عن حماد بن سلمة، وهذا من أوضح الأدلة أن عفان في رواية أحمد يروي عن حماد بن سلمة.
ودليل آخر - وإن كان هذا كافياً - أن المزي في تهذيب الكمال (7/ 269) قال:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
"قد اشترك في الرواية عن الحمادين جماعة، وانفرد بالرواية عن كل واحد منهما جماعة، إلا أن عفان لا يروي عن حماد بن زيد إلا وينسبه في روايته عنه، وقد يروي عن حماد بن سلمة فلا ينسبه. الخ كلامه رحمه الله.
فهنا المزي رحمه الله، وقد عرف بالتتبع، يقول: إن عفان لا يروي عن حماد بن زيد إلا وينسبه، فلما لم ينسبه في رواية أحمد عن عفان عن حماد، علمنا أنه حماد بن سلمة.
وجه ثالث: أن عفان لو رواها عن حماد بن زيد لذكرها أصحابه، وأشار إليها العلماء المتقدمون، فكونها لا تأتي إلا في هذا الإسناد النازل، دليل على عدم ثبوتها.
رابعاً: أن حماد بن زيد قد روى الحديث، وروايته مشهورة من غير هذا الطريق، فقد رواه أبو داود (642) قال: حدثنا محمد بن عبيد، ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد ابن سيرين، أن عائشة رضي الله عنها نزلت على صفية أم طلحة الطلحات، فرأت بنات لها فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل، وفي حجرتي جارية، فألقى إليها حقوه، وقال لي: شقيه بشقتين، فأعطي هذه نصفاً، والفتاة التي عند أم سلمة نصفاً، فإني لا أراهما إلا وقد حاضتا" وهذا إسناد منقطع؛ ابن سيرين لم يسمع من عائشة.
وجاءت لهذا متابعة من هشام بن حسان، فرواه ابن أبي شيبة (2/ 40) رقم 6214، قال: حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن محمد، أن عائشة قالت: وذكر القدر المرفوع من الحديث.
فهنا أيوب، وهشام بن حسان يخالفان قتادة، فيرويانه عن ابن سيرين، عن عائشة مرسلاً.
بينما حماد بن سلمة، رواه عن قتادة، عن ابن سيرين، عن صفية بنت الحارث، عن عائشة متصلاً، ولا أراه إلا من حماد بن سلمة، ورواية هشام وأيوب عن ابن سيرين أرجح، لما يلي:
أولاً: أن هشام بن حسان من أثبت الناس في ابن سيرين، وقد تابعه ثقة (أيوب).
ثانياً: أن حماد بن سلمة قد تغير حفظه، ولذلك قال البيهقي كما في التهذيب: "هو من أئمة المسلمين، إلا أنه لما كبر ساء حفظه، فلذا تركه البخاري - يعني: في الاحتجاج - وأما مسلم فاجتهد، فأخرج من حديثه عن ثابت ما سمع منه قبل تغيره، وما سوى حديثه عن ثابت
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
لا يبلغ اثني عشر حديثاً أخرجها في الشواهد" اهـ.
وحاول المعلمي رحمه الله أن يدفع عنه تهمة التغير، فقال في التنكيل (1/ 242):"هذا - يعني: ما كان من تغيره - لم يذكره إلا البيهقي، والبيهقي أرعبته شقائق أستاذه ابن فورك المتجهم، الذي حذى ابن الثلجي في كتابه الذي صنفه في تحريف أحاديث الصفات، والطعن فيها". ثم ساق كلام البيهقي الذي نقلناه آنفاً، وقال:"وأما التغير فلا مستند له".
قلت: اعتقاد أن البيهقي قال ذلك تقليداً لشيخه الخلفي ظن لا يعتمد على دليل. ولم ينفرد البيهقي بذلك، بل قاله أبو حاتم في الجرح والتعديل، ولم ينقله ابن حجر ولا المزي في ترجمة حماد بن سلمة، بل ذكرا ذلك في ترجمة أبي الوليد الطيالسي.
قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (9/ 66): "سئل أبي عن أبي الوليد، وحجاج ابن المنهال، فقال: أبو الوليد عند الناس أكثر، كان يقال سماعه من حماد بن سلمة فيه شيء، كأنه سمع منه بآخرة، وكان حماد ساء حفظه في آخر عمره". اهـ. إلا أنه يشكل على هذا الوجه الأخير أنه قد رواه عنه عفان، وعفان من أثبت أصحاب حماد.
وممن رجح رواية هشام وأيوب على رواية حماد الإمام الدارقطني، فقد نقل الزيلعي في نصب الراية (1/ 296) قال:"قال الدارقطني في كتاب العلل: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" يرويه قتادة، عن محمد بن سيرين، عن صفية بنت الحارث، عن عائشة. واختلف على قتادة، فرواه حماد بن سلمة عن قتادة، هكذا مسنداً مرفوعاً، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وخالفه شعبة، وسعيد بن أبي عروبة، فروياه عن قتادة موقوفاً.
ورواه أيوب السختياني، وهشام بن حسان عن ابن سيرين مرسلاً، عن عائشة أنها نزلت على صفية بنت الحارث. حدثتها بذلك. ورفعا الحديث. وقول أيوب وهشام أشبه بالصواب" اهـ.
ثالثاً: أن فيه اختلافاً آخر على قتادة.
فقد رواه سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً. أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 251) ومن طريقه البيهقي (2/ 233) عن يحيى بن أبي طالب، ثنا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
عبد الوهاب ابن عطاء، ثنا سعيد - يعني: ابن أبي عروبة - عن قتادة، عن الحسن، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تقبل صلاة حائض إلا بخمار".
وفي هذا الإسناد يحيى بن أبي طالب.
وثقه الدارقطني، وضعفه بعضهم، وانظر ترجمته في حديث رقم (49) وعبد الوهاب ابن عطاء من أصحاب سعيد القدماء، وممن سمع منه قبل تغيره، وهو من المكثرين عنه. وهذا الإسناد وإن كان فيه لين إلا أنه قد توبع.
فقد أخرج عبد الرزاق (5038) عن معمر، عن عمرو، عن الحسن رفعه، ورواه ابن أبي شيبة (2/ 39) ح 6212 قال: حدثنا عيسى بن يونس عن الحسن رفعه.
ورواه ابن أبي شيبة (1/ 40) من طريق ربيع، وهشام بن حسان عن الحسن موقوفاً عليه.
فعلى هذا روى الحديث عن الحسن مرسلاً وموقوفاً. ومرسلات الحسن كما قال الإمام أحمد وغيره: شبه الريح، وهي من أضعف المرسلات.
وأشار أبو داود بالرواية المرسلة إلى إعلال الحديث بها، فقال بعد أن ذكر رواية حماد عن قتادة، عن صفية، عن عائشة مرفوعاً. قال أبو داود: ورواه سعيد - يعني: ابن عروبة - عن قتادة، عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الذهبي في تلخيص المستدرك المطبوع معه (1/ 251): "وعلته ابن أبي عروبة - عنى بها روايته عن قتادة عن الحسن مرسلاً".
وفيه أيضاً اختلاف ثالث على قتادة، فقد رواه شعبة، وسعيد بن بشير، عن قتادة موقوفاً، كما ذكره الدارقطني في العلل، ونقلته قريباً من نصب الراية (1/ 296).
وشعبة من أثبت الناس في قتادة وقد توبع.
فتلخص من هذا أن الاختلاف على قتادة على هذا النحو.
يرويه حماد بن سلمة، عن قتادة، عن ابن سيرين، عن صفية بنت الحارث عن عائشة مرفوعاً.
ويرويه سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، وقد توبع ابن أبي عروبة.
العلامة الثانية من علامات البلوغ: الاحتلام.
والمقصود به خروج المني من الرجل أو المرأة بلا علة، يقظة، أو مناماً.
الدليل على كون الاحتلام علامة من علامات البلوغ.
الدليل عليه من الكتاب والسنة والإجماع:
أما الكتاب: فقوله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا
ويرويه شعبة، وسعيد بن بشير، عن قتادة موقوفًا.
فالحديث فيه اضطراب من رواية قتادة، فالراجح رواية ابن سيرين عن عائشة، ولم يسمع منها وقد رجح الدارقطني رواية ابن سيرين المنقطعة، ولعل سبب الترجيح، ما يلي:
أولًا: الاضطراب في رواية قتادة.
ثانياً: أن رواية ابن سيرين عن عائشة جاءت من طريق هشام بن حسان، وأيوب، وهشام من أثبت الناس في ابن سيرين، وإذا ضعفنا رواية ابن سيرين عن عائشة؛ فإن لها شاهداً ضعيفاً من حديث أبي قتادة، يرتقي بها الحديث إلى كونه حسناً لغيره.
فقد أخرجه الطبراني في الصغير (ص 542): "حدثنا محمَّد بن أبي حرملة الكلابي، بمدينة قلزم، حدثنا إسحاق بن إسماعيل بن عبد الأعلى الأيلي، حدثنا عمرو بن هشام البيروتي، حدثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله من امرأة صلاة حتى تواري زينتها، ولا من جارية بلغت المحيض حتى تختمر".
والحديث فيه عنعنه يحيى بن أبي كثير، وهو مدلس مكثر، وعمرو بن هشام البيروتي، قال عنه العقيلي: عمرو بن هشام، عن ابن عجلان مجهول بالنقل، لا يتابع على حديثه.
وقال ابن أبي حاتم: كتبت عنه، وكان قليل الحديث، ليس بذاك، كان صغيراً حين كتب عن الأوزاعي. وفيه إسحاق بن إسماعيل، له ترجمة في التهذيب، وسكت عليه الحافظ ولم يذكر أن أحداً وثقه.
وفي الباب آثار عن أم سلمة، وعن ابن عمر، وعن أبي هريرة، وعن غيرهم وفيها الصحيح، وفيها الضعيف المنجبر، والله أعلم.
اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} الآية
(1)
.
وجه الاستدلال:
أنه حين بلغ الأطفال الحلم كلفوا بوجوب الاستئذان، بينما قبل البلوغ كان الخطاب موجهاً إلى أوليائهم. فقال سبحانه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُم} الآية
(2)
.
(3)
.
وجه الاستدلال:
جعل الله سبحانه وتعالى بلوغ النكاح موجباً لارتفاع الولاية عن اليتيم، بشرط كونه راشداً.
[11]
ومن السنة ما رواه مسلم، حدثنا عمرو بن سواد العامري، حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرنا عمرو بن الحارث، أن سعيد ابن أبي هلال، وبكير بن الأشج حدثاه، عن أبي بكر بن المنكدر، عن عمرو بن سليم، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدرى، عن أبيه، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"غسل يوم الجمعة على كل محتلم، وسواك، ويمس من الطيب ما قدر عليه".
(1)
النور: 59.
(2)
النور: 58.
(3)
النساء: 6.
رواه البخاري، ومسلم واللفظ له
(1)
وجه الاستدلال:
قوله صلى الله عليه وسلم "على كل محتلم" فجعل الاحتلام محلاً للتكليف.
وأما الإجماع، فقال الحافظ في الفتح:"أجمع العلماء على إن الاحتلام في الرجال والنساء يلزم به العبادات، والحدود وسائر الأحكام"
(2)
.
العلامة الثالثة: الإنبات.
وقد اختلف الفقهاء في اعتبار الإنبات علامة من علامات البلوغ. إلى ثلاثة أقوال:
الأول: ليس بعلامة مطلقاً، لا في الحقوق الواجبة للخالق، ولا في حقوق الآدميين. وهو مذهب الحنفية
(3)
.
الثاني: أن الإنبات علامة مطلقاً في حق المسلم والكافر، وفي حق الله وحق المخلوق. وهو مذهب الحنابلة
(4)
، ورواية عن أبي يوسف من الحنفية
(5)
.
(1)
صحيح البخاري (846)، ومسلم (7 - 846).
(2)
فتح الباري (5/ 610).
(3)
رد المحتار (5/ 97). وقال: "لا اعتبار لنبات العانة، خلافاً للشافعي ورواية عن أبي يوسف". وانظر: البحر الرائق (3/ 96) شرح فتح القدير كتاب الحجر، فصل في حد البلوغ (9/ 276).
(4)
المحرر (1/ 347) الفروع (4/ 312) الإنصاف (5/ 320) المبدع (4/ 332) معونة أولى النهي شرح المنتهى (4/ 560).
(5)
رد المحتار (5/ 97) المسمى بحاشية ابن عابدين.
واعتبر المالكية الإنبات علامة إلا أنهم اختلفوا فيها على قولين:
فقيل: الإنبات علامة مطلقاً. قال في الشرح الكبير وهو المذهب
(1)
.
وقال بعضهم: الإنبات علامة على البلوغ فيما بين الشخص، وبين غيره من الآدميين من قذف، وقطع، وقتل. وأما فيما بين الشخص وبين الله تعالى من حقوق فليس بعلامة
(2)
.
وقالت الشافعية: الإنبات علامة على البلوغ في حق صبيان الكفار.
وأما المسلمون فاختلفوا فيهم على وجهين:
الوجه الأول: أنه علامة على البلوغ في حقهم كالكفار.
الوجه الثاني: وهو الصحيح عندهم أنه ليس علامة على البلوغ عندهم
(3)
.
(1)
الشرح الكبير المطبوع بحاشية الدسوقي (3/ 293) ولم يذكر غيره الصاوي في حاشيته على الشرح الصغير (3/ 404). وقال في أسهل المدارك (2/ 159): "ومتى نبت شعر العانة الخشن، كان ذلك علامة على التكليف بالنسبة لحقوق الله تعالى، من صلاة وصوم ونحوهما، وحقوق عباد الله على التحقيق".
(2)
مواهب الجليل (5/ 59) وانظر: بهامشه التاج والإكليل (5/ 59) وقال عن ابن رشد: "بأنه لا خلاف عنده أنه لا يعتبر البلوغ بالإنبات فيما بينه وبين الله تعالى. واختلف في قول مالك فيمن وجب عليه حد وقد أنبت، ولم يبلغ أقصى سن من لا يحتلم، وادعى أنه لم يحتلم والأصح عندي من القولين أن يصدق، ولا يقام عليه حد للشك فاحتلامه".
(3)
مغني المحتاج (2/ 167) روضة الطالبين (4/ 178) التهذيب (/337 - 338) الوجيز (1/ 176).
الدليل على اعتبار الإنبات من علامات البلوغ.
[12]
ما رواه أحمد: ثنا وكيع، ثنا سفيان، عن عبد الملك بن عمير، قال: سمعت عطية القرظي، يقول: عرضنا على النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة، فكان من أنبت قتل، ومن لم ينبت خلي سبيله، فكنت فيمن لم ينبت فخلي سبيلي
(1)
.
[صحيح لغيره]
(2)
.
(1)
المسند (4/ 310).
(2)
هذا الإسناد مداره على عبد الملك بن عمير، عن عطية القرظي.
وعبد الملك قد روى له الجماعة.
وعن أحمد: أنه ضعيف جداً، كما في رواية إسحاق بن منصور. الجرح والتعديل (5/ 360).
وقال أيضاً: مضطرب الحديث جداً مع قلة روايته، ما أرى له خمسمائة حديث. تهذيب الكمال (18/ 370).
وقال ابن معين: مخلط. كما في رواية إسحاق بن منصور عنه، يشير إلى أنه اختلط في آخر عمره، وإلا فقد قال: ثقة، إلا أنه أخطأ في حديث أو حديثين. كما في رواية ابن البرقي عنه. تهذيب التهذيب (6/ 364).
وقال أبو حاتم: ليس بحافظ، وهو صالح الحديث. تغير حفظه قبل موته. الجرح والتعديل (5/ 360).
وقال مرة: لم يوصف بالحفظ. المرجع السابق.
وقال النسائي: ليس به بأس. تهذيب الكمال (18/ 370).
قال ابن نمير: كان ثقة ثبتاً. التهذيب (6/ 364).
وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة، ثقات العجلي (2/ 104).
وذكره ابن حبان في الثقات. الثقات (5/ 116).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وفي التقريب: ثقة فصيح، عالم تغير حفظه، وربما دلس.
قلت: أما التدليس فقد صرح بالتحديث في بعض طرقه، وأما الاختلاط فقد روى عنه الثوري، وشعبة، وأبو عوانة، وقد خرج الشيخان حديث عبد الملك بن عمير من رواية هؤلاء عنه. ولعل من ضعفه أنما ضعفه بسبب تغيره، ولذلك قال الحافظ في هدي الساري (ص 592) أخرج له الشيخان من رواية القدماء عنه في الاحتجاج، ومن رواية بعض المتأخرين عنه في المتابعات، وإنما عيب عليه أنه تغير حفظه لكبر سنه، لأنه عاش 103 سنين، ولم يذكره ابن عدي في الكامل، ولا ابن حبان. اهـ.
قلت: لم أجعله ثقة، بل هو أدنى مرتبة، إعمالاً لجرح الإِمام أحمد، وقول أبي حاتم: ليس بالحافظ". اهـ. لكنه ليس ضعيفاً، وقد احتجا به في الصحيح، فتوسطت وجعلته في مرتبة الحسن. والله أعلم.
تخريج الحديث:
الحديث كما سبق وقلت: مداره على عبد الملك بن عمير، عن عطية القرظي، وله طرق كثيرة إلى عبد الملك بن عمير.
الطريق الأول: الثوري، عن عبد الملك بن عمير.
أخرجه أحمد، كما في إسناد الباب (4/ 310)، وابن أبي شيبة (6/ 487) رقم 33114، 33688، قالا: حدثنا وكيع، حدثنا سفيان به.
وأخرجه عبد الرزاق (18742) ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الطبراني (17/ 163) ح 428.
وأخرجه أبو داود (4404) حدثنا محمَّد بن كثير، أخبرنا سفيان به.
وأخرجه الترمذي (1584) حدثنا هناد، حدثنا وكيع به.
وأخرجه ابن ماجه (2541) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمَّد قالا: ثنا وكيع به.
الطريق الثاني: سفيان بن عيينة، عن عبد الملك به.
أخرجه أحمد (5/ 312)، والحميدي في مسنده (888) قالا: حدثنا سفيان، قال: ثنا عبد الملك بن عمير به.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وأخرجه النسائي (3430) أخبرنا محمَّد بن منصور، قال: حدثنا سفيان به. وفي الكبرى (8621) عن طريق وكيع، عن سفيان به.
وأخرجه ابن ماجه (2542) حدثنا محمَّد بن الصباح، حدثنا سفيان بن عيينة به.
وأخرجه الطبراني في الكبير (17/ 164) ح 432 من طريق الحميدي، عن سفيان به،
الطريق الثالث: شعبة عن عبد الملك بن عمير به.
أخرجه الطيالسي (1284) قال: حدثنا شعبة به، وأخرجه النسائي (4981) أخبرنا إسماعيل ابن مسعود، قال: حدثنا خالد، قال: حدثنا شعبة به.
وأخرجه ابن الجارود في المنتقى (1045) حدثنا محمَّد بن يحيى، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا شعبة به.
وأخرجه الطبراني (17/ 163) 429، 430 من طريق محمَّد بن إسحاق، قال: حدثني شعبة به.
الطريق الرابع: أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير به.
أخرجه أبو داود (4405) حدثنا مسدد، حدثنا أبو عوانة به.
وأخرجه النسائي في الكبرى (8620)، عن قتيبة، عن أبي عوانة به.
وأخرجه الطبراني (17/ 164) من طريق أبي النعمان، حدثنا أبو عوانة به.
والطريق الخامس: هشيم، عن عبد الملك بن عمير.
أخرجه أحمد (4/ 383) ومن طريق أحمد أخرجه الطبراني (17/ 165) قال: أحمد: ثنا هشيم، أنا عبد الملك بن عمير به.
وقد أخرجه الطبراني (17/ 164) ح 431، 434، 435، 436، 437 من طريق معمر، وزهير، وحماد بن سلمة، ويزيد بن عطاء، وشريك كلهم عن عبد الملك بن عمير به.
وأما المتابعة لعبد الملك بن عمير.
فقد أخرجه النسائي في الكبرى، في السير (8619) من طريق ابن جريج وأخرجه الحميدي (889) والطبراني في الكبير (17/ 165) ح 439 من طريق سفيان بن عيينة، كلاهما عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد.
قال النسائي: عن عطية (رجل من بني قريظة).
وأما الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم.
[13]
فقد روى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا عبد الله بن نمير، قال: حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال:
كتب عمر إلى أمراء الأجناد أن لا تقتلوا امرأة، ولا صبيان، وأن تقتلوا من جرت عليه المواسي.
[إسناده صحيح]
(1)
.
[14]
وروى ابن أبي شيبة أيضاً، قال: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن عبيد الله، عن نافع، عن أسلم مولى عمر أن عمر كتب إلى عماله، فذكر نحوه
(2)
.
[وإسناده صحيح].
فالحنابلة فهموا من حديث عطية، وأثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن الإنبات علامة على البلوغ مطلقاً. وهو الراجح.
وقال الحميدي، والطبراني، عن مجاهد، سمعت رجلًا في مسجد الكوفة يقول: كنت يوم حكم سعد في بني قريظة غلاماً
…
وذكر الحديث بنحوه.
والحديث فيه عنعنة ابن جريج، وابن أبي نجيح، وهما مدلسان.
أما عنعنة ابن جريج فقد زال أثرها بمتابعة سفيان، فبقي عنعنة ابن أبي نجيح، وقد قال ابن حبان كما في التهذيب: لم يسمع التفسير من مجاهد وجعله الحافظ في المرتبة الثالثة (77).
فهذه متابعة صالحة لعبد الملك بن عمير، كما يشهد لذلك أيضاً ما ذكرته من الآثار. والله أعلم.
(1)
المصنف (6/ 487) ح 33109.
(2)
المصنف (33119).
وأما الشافعية فحملوا الحديث على الكفار، باعتبار أن ذلك كان مع بني قريظة. والذي حمل الشافعية أيضاً على اعتبار الإنبات بلوغاً في حق الكفار فقط دون المسلمين، ما يلي:
أولاً: سهولة مراجعة آباء المسلم وأقاربه لمعرفة سنه.
وثانياً: أن المسلم ربما تعجل الإنبات بدواء دفعاً للحجر عن نفسه وتشوفاً للولايات، بخلاف الكافر فإنه لا يستعجله.
وهذا التفريق ضعيف. فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن قتل الصبيان من الكفار، وحين سفك دم من أثبت علم أنه قد حكم ببلوغه، وخرج عن حد الصبي. وكيف يصح أن يكون علامة حسية على بلوغ صبيان الكفار ولا يكون علامة في حق المسلمين.
وأما بعض المالكية فخصوه فيما بين الآدميين من حقوق. وهذا ضعيف أيضاً لأن النهي عن قتل النساء في الجهاد، وكذلك النهي عن قتل الصبيان هو حق لله سبحانه وتعالى. وحكم منه، ولا يقال: إن هذا حق خالص للآدمي حتى يقال بالتفريق بين حقوق الخالق، وحقوق المخلوق. والله أعلم.
العلامة الرابعة: البلوغ بالسن.
اختلف الفقهاء في سن البلوغ.
فقيل: تمام خمس عشرة سنة، للذكر والأنثى.
وهو مذهب الشافعية
(1)
، والحنابلة
(2)
، واختاره ابن وهب من المالكية
(3)
. وأبو يوسف ومحمد من الحنفية
(4)
، وهو رواية عن أبي حنيفة
(5)
.
وقيل: للغلام أن يتم له ثماني عشرة سنة. وللجارية أن يتم لها سبع عشرة سنة
(6)
.
وفي المذهب المالكي أقوال.
المشهور منها بلوغ ثماني عشرة سنة للذكر الأنثى
(7)
.
وقيل: تسع عشرة.
وقيل: سبع عشرة.
وقيل: ست عشرة
(8)
.
واختار ابن حزم: تمام تسع عشرة
(9)
.
(1)
مغني المحتاج (2/ 165) روضة الطالبين (4/ 178) المهذب (1/ 337 - 338).
(2)
المحرر (1/ 347) الفروع (4/ 312) الإنصاف (5/ 320) المبدع (4/ 332)، معونة أولى النهى شرح المنتهى (4/ 560).
(3)
أسهل المدارك (2/ 159) مواهب الجليل (5/ 59).
(4)
البحر الرائق (3/ 96) شرح فتح القدير (9/ 276).
(5)
انظر: المرجع السابق.
(6)
البحر الرائق، شرح فتح القدير (9/ 276).
(7)
لم يذكر الصاوي غيره في حاشيته على الشرح الصغير (3/ 404). وقال في أسهل المدارك (3/ 159): "ومنها بلوع ثماني عشرة سنة على المشهور".
(8)
مواهب الجليل (5/ 59). حاشية الدسوقي (3/ 293).
(9)
المسألة (119) من المحلى.