الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دليل من قال: الصفرة والكدرة في زمن العادة حيض وفي غيرها فلا
.
[78]
استدلوا بما رواه مالك، قال: عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه مولاة عائشة أم المؤمنين أنها قالت:
"كان النساء يبعثن إلى عائشة أم المؤمنين بالدرجة فيها الكرسف، فيه الصفرة من دم الحيضة، فتقول لهن: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء"
(1)
.
[إسناده حسن]
(2)
.
وجه الاستدلال:
أنها اعتبرت الصفرة في زمن العادة حيضاً، حتى ترى علامة الطهر.
وأما الدليل على أن الصفرة والكدرة ليست حيضاً بعد الطهر
.
[79]
ما رواه أبو داود، قل: حدثنا موسى بن إسماعيل، أخبرنا حماد، عن قتادة عن أم الهذيل (حفصة بنت سيرين) عن أم عطية - وكانت بايعت النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
الموطأ (1/ 59).
(2)
صححه النووي في المجموع (2/ 416)، وسكت عليه الحافظ في الفتح (1/ 588) وفي التلخيص (1/ 301)، وعلقه البخاري عن عائشة جازماً به في كتاب الحيض باب (19) إقبال الحيض وإدباره، وقد علم أن البخاري إذا علق شيئاً بصيغة الجزم فهو صحيح إلى من علقه عنه، فإذا علقه عن عائشة كان صحيحاً إلى عائشة.
والأثر فيه أم علقمة، ذكرها ابن حبان في ثقاته (5/ 466).
وفي التقريب: مقبولة، يعني بالمتابعة، وإلا فلينة الحديث.
وذكرها الذهبي في الميزان من المجهولات (4/ الترجمة 944). والراجح أنها حسنة الحديث. انظر دليل ذلك في خلف العلماء في مسألة حيض الحامل.
- قالت: "كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً"
(1)
[سنده صحيح]
(2)
.
(1)
سنن أبي داود (307).
(2)
ورواه الدارمي (871): أخبرنا حجاج، ثنا حماد به، إلا أنه قال:"بعد الغسل" بدلاً من قوله "بعد الطهر" والمعنى قريب، وحجاج هو ابن المنهال.
وأخرجه الحاكم (1/ 174) من طريق حجاج بن المنهال به.
وأخرجه البيهقي (1/ 337) من طريق أبي داود نفسه.
قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه!! وأقره الذهبي!.
والصحيح أنه ليس على شرط البخاري، ولكن هل يكون على شرط مسلم، فمسلم خرج لحماد بن سلمة، لكن قال الحاكم: لم يخرج مسلم لحماد بن سلمة في الأصول، إلا ما كان من حديثه عن ثابت، وقد خرج له في الشواهد عن طائفة، وانظر مزيد بحث لهذه النقطة في تخريجي للحديث السابع، وقد اختلف فيه على حماد بن سلمة:
فرواه موسى بن إسماعيل، وحجاج بن المنهال كلاهما عن حماد، عن قتادة عن حفصة بنت سيرين (أم الهذيل) عن أم عطية.
ورواه عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن سلمة، عن قتادة، عن أم الهذيل، عن عائشة. أخرجها أحمد في العلل، كما في رواية ابنه عنه (1967) حدثني أبي، قال: حدثني عبد الرحمن بن مهدي به.
قال: قال أبي: إنما هو قتادة عن حفصة عن أم عطية. اهـ.
ولعل هذا بسبب تغير حماد بن سلمة في آخر عمره.
وقد رواه ابن سيرين عن أم عطية فلم يذكر قيد الطهر.
رواه عبد الرزاق (1216)، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن أبن سيرين، عن أم عطية قالت:
"لم نكن نرى الصفرة والكدرة شيئاً".
ومن طريق عبد الرزاق، أخرجه أبن ماجه (647).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وتابع معمراً فيه إسماعيل بن علية، فأخرجه البخاري (326):
حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا إسماعيل، عن أيوب به.
ومع أن لفظه: "كنا لا نعد الكدرة والصفرة شيئاً" ولم يقل: (بعد الطهر)، إلا أن البخاري ترجم له بقوله:"باب الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض".
وهذا ذهاب من البخاري رحمه الله إلى تصحيح زيادة: "بعد الطهر".
وأخرجه أبو داود (308): حدثنا مسدد، حدثنا إسماعيل، أخبرنا أيوب به.
وأخرجه النسائي (368): أخبرنا عمرو بن زرارة، قال: أنبأنا إسماعيل، عن أيوب به.
وأخرجه الحاكم (1/ 174) والبيهقي (1/ 337) من طريق مسدد به.
واختلفت على أيوب فيه:
فرواه معمر، وإسماعيل بن علية - كما تقدم - عن أيوب، عن ابن سيرين عن أم عطية.
وخالفهم وهيب، كما في رواية ابن ماجه (647) قال:
حدثنا محمد بن يحيى - يعني: الذهلي - ثنا محمد بن عبد الله الرقاشي، ثنا وهيب، عن أيوب، عن حفصة، عن أم عطية قالت:"كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً".
قال محمد بن يحيى. وهيب أولاهما عندنا بهذا. فهذا ترجيح من محمد بن يحيى الذهلي لرواية وهيب، عن أيوب عن حفصة، على رواية معمر، وابن علية عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أم عطية.
قال ابن رجب في شرح البخاري (2/ 155): وفيه نظر، يعني: ترجيح الذهلي.
وقال الحافظ في الفتح في شرحه لحديث (326): "وما ذهب إليه البخاري من تصحيح رواية إسماعيل أرجح لموافقة معمر له، ولأن إسماعيل أحفظ لحديث أيوب من غيره، ويمكن أن أيوب سمعه منهما". اهـ.
قلت: وهناك ترجيح من جهة المتن لم يشر إليها الحافظان، وهو أن لفظ "ابن سيرين" ليس فيه "بعد الطهر" ولفظ حفصة كما رواه عنها قتادة، بزيادة "بعد الطهر" فلما رواه أيوب، واختلف عليه. فقيل: عن: ابن سيرين، وقيل: عن حفصة.
رجعنا إلى المتن، فوجدنا رواية أيوب عن حفصة عن أم عطية ليس فيها لفظة "بعد الطهر" والمحفوظ من رواية حفصة زيادة هذه اللفظة، فتقوى عندنا أن ذكر حفصة في رواية أيوب وهم. وأن المتن هو لفظ ابن سيرين عن أم عطية. والله أعلم.
وأما عنعنة قتادة، فقد رواه عنه شعبة، وهو ممن لا يحمل عنه إلا ما صرح فيه بالتحديث، فقد ذكر ابن رجب في شرحه لصحيح البخاري، قال: رواه حرب في مسائلة (259 - أ/ ق) عن الإمام أحمد، عن غندر، عن شعبة، عن قتادة به.
وهذه متابعة من شعبة لحماد
(1)
كما تابع حماداً أبان عند البيهقي
(2)
، فرواه عن قتادة به.
وتابعه أيضاً سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، كما في رواية الطبراني
(3)
، عن
ورواه يحيى بن أبي طالب، واختلف عليه فيه:
فرواه الحاكم (1/ 174) حدثنا الحسن بن يعقوب العدل، ثنا يحيى بن أبي طالب، ثنا عبد الوهاب بن عطاء ثنا هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين عن أم عطية.
ورواه الدارقطني (1/ 219) حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق، ثنا يحيى بن أبي طالب، ثنا عبد الوهاب، أنا هشام بن حسان، عن حفصة عن أم عطية أنها قالت:"كنا لا نرى الترية بعد العشاء شيئاً، وهى الصفرة والكدرة".
فهنا جعل رواية هشام عن حفصة، بينما سند الحاكم جعل رواية هشام عن ابن سيرين.
ومدار هذا الاختلاف على يحيى بن أبي طالب وهو مختلف فيه، وقد تقدمت ترجمته في خلاف العلماء في أكثر الحيض، في حاشية الدليل الثامن من القول الثاني.
والأثر ثابت عن حفصة وابن سيرين، وقد رواه الطبراني (25/ 64) من طريق زائدة عن هشام بن حسان عن حفصة به.
وهذا الطريق يرجح أن رواية هشام عن حفصة، وليست عن ابن سيرين. والله أعلم.
(1)
شرط ابن رجب للبخاري (2/ 157).
(2)
سنن البيهقي (1/ 373).
(3)
المعجم الكبير (25/ 64) ح 152.
طريق يزيد بن زريع، عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به. ويزيد ممن روى عن ابن أبي عروبة قبل اختلاطه.
فصار مجموع من يرويه عن قتادة: شعبة، وحماد بن سلمة، وأبان، وسعيد ابن أبي عروبة.
هذه هي أهم الأقوال في المسألة، مع بيان أدلتها، وهناك أقوال أخرى مبنية على الرأي المحض، أسوقها في ختام هذا البحث استكمالاً للفائدة، وقد ساقها النووي أوجُهاً في الروضة فقال:
أحدها: إن سبق الصفرة والكدرة دم قوي من سواد أو حمرة فالصفرة والكدرة بعد حيض، وإلا فلا.
وقيل: إن سبقها دم قوي، وتعقبها دم قوي، فهما حيض، وإلا فلا. ويكفي في تقديم القوي وتأخره أي قدر كان ولو لحظة على الأصح.
وقيل: لا بد من يوم وليلة
(1)
.
هذا أهم ما ورد في المسألة من أقوال. الراجح كما أشرت أن الصفرة والكدرة في زمن العادة حيض، وأما في غير زمن العادة فليست بحيض. والله أعلم.
(1)
روضة الطالبين (1/ 152).