الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دليل من قال: بوجوب المضمضة والاستنشاق في الطهارتين الصغرى والكبرى
.
هذا القول هو مذهب الحنابلة، ولما كان دليل الحنابلة في وجوب المضمضة والاستنشاق في الطهارة الكبرى اعتماداً على وجوبهما في الطهارة الصغرى أصبحت مضطراً لذكر أدلتهم على وجوب المضمضة الاستنشاق في الطهارة الصغرى لينظر أولاً هل يصح القول بوجوبهما في الطهارة الصغرى؟ وإذا صح هل يسلم لهم قياس الكبرى على الصغرى؟ وإليك أدلتهم.
الدليل الأول:
(129)
ما رواه أبو داود
(1)
، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد في آخرين، قالوا: ثنا يحيى بن سليم عن إسماعيل بن كثير، عن عاصم بن لقيط بن صبرة، عن أبيه لقيط بن صبرة قال: كنت وافد بني المنتفق - أو في وفد بني المنتفق - إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم نصادفه في منزله وصادفنا عائشة أم المؤمنين قال: فأمرت لنا بخزيرة فصنعت لنا، قال: وأتينا بقناع - ولم يقل قتيبة القناع - والقناع الطبق فيه تمر ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل أصبتم شيئا، أو أمر لكم بشيء، قال: قلنا: نعم يا رسول الله قال فبينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، جلوس إذ دفع الراعي غنمه إلى المراح ومعه سخلة تيعر، فقال: ما ولدت يا فلان؟ قال: بهمة، قال: فاذبح لنا مكانها شاة، ثم قال: لا تحسِبن ولم يقل لا تحسَبن أنا من أجلك ذبحناها لنا غنم مائة لا نريد أن تزيد فإذا ولد الراعي بهمة
(1)
سنن أبي داود (142).
ذبحنا مكانها شاة، قال: قلت: يا رسول الله إن لي امرأة وإن في لسانها شيئا يعني البذاء، قال: فطلقها إذاً. قال: قلت يا رسول الله إن لها صحبة، ولي منها ولد قال: فمرها يقول عظها فإن يك فيها خير فستفعل، ولا تضرب ظعينتك كضربك أميّتك. فقلت: يا رسول الله أخبرني عن الوضوء. قال: أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما.
الشاهد من هذا الحديث الطويل، قوله "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً".
وفي رواية لأبي داود، وزاد فيه:"إذا توضأت فمضمض"
(1)
.
[الحديث صحيح والزيادة شاذة]
(2)
.
(1)
السنن (144).
(2)
الحديث مداره على إسماعيل بن كثير، عن عاصم بن لقيط بن صبرة، عن أبيه.
ورجاله ثقات، ويرويه عن إسماعيل جماعة منهم يحيى بن سليم، وسفيان الثوري، وابن جريج، وداود ابن عبد الرحمن العطار، والحسن بن علي.
ويرويه ابن جريج ويحيى بن سليم مطولاً ومختصراً.
ويرويه الثوري مختصراً، إلا أن رواية الثوري عند عبد الرزاق (79) والبيهقي (1/ 50) فيها إشارة إلى تعمد اختصارها، فإن لفظه قال: عن لقيط بن صبرة أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر أشياء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع .. الحديث.
فقوله: "فذكر أشياء" هذه الأشياء المبهمة هي ما جاء مفصلاً في رواية ابن جريج ويحيى ابن سليم المطولة.
ثم إن في رواية داود بن عبد الرحمن العطار، عند الحاكم (1/ 148). ورواية الحسن بن علي عند الطيالسي (1341) النهي عن ضرب الضعينة كما يضرب الأمة، وهي جزء من
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الرواية المطولة مما يشهد أن الحديث لم يكن مقتصراً على إسباغ الوضوء، بل إن البخاري في الأدب المفرد قد أخرج الرواية المطولة من طريق داود بن عبد الرحمن العطار، فهذه متابعة ثانية على ذكر الرواية مطولة، ويكفي متابعة ابن جريج ليحيى بن سليم على الرواية المطولة لنعلم أن الرواية بقصتها الطويلة محفوظة في الحديث.
إلا أن الحديث فيه زيادتان انفرد فيها بعض الرواة، ولم يُتابع عليها، فأجدني أرجح كونهما شاذتين.
الأولى: رواية أبي داود: "إذا توضأت فمضمض".
الثانية: زيادة: "إذا توضأت فأبلغ المضمضة والاستنشاق إلا أن تكون صائماً" فزاد فيه المبالغة في المضمضة.
وسوف أبين وجه كونهما شاذتين بعد تخريج الحديث.
[تخريج الحديث]
الحديث كما سبق مداره على إسماعيل بن كثير، عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه مرفوعاً، وله طرق كثيرة إلى إسماعيل.
[الطريق الأول: يحيى بن سليم عن إسماعيل به]
رواه ابن أبي شيبة (1/ 33، 19) حدثنا يحيى بن سليم به. مختصراً بلفظ الباب ومن طريق ابن أبي شيبة أخرجه ابن ماجه (407) وابن حبان (1087).
وأخرجه أبو داود (142) حدثنا قتيبة بن سعيد في آخرين، حدثنا يحيى بن سليم به مطولاً.
وأخرجه أبو داود (2366) والنسائي (87) كلاهما عن قتيبة بن سعيد به مختصراً. فصار قتيبة تارة يذكر الحديث بطوله، وتارة يختصره.
وأخرجه النسائي (114) أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثني يحيى بن سليم به مختصراً.
وأخرجه الترمذي (788) حدثنا عبد الوهاب بن عبد الحكم البغدادي الوراق، وأبو عمار الحسين بن حريت قالا: حدثنا يحيى بن سليم به مختصراً.
وأخرجه ابن خزيمة (150) من طرق كثيرة عن يحيى بن سليم به مختصراً.
وأخرجه ابن حبان (1054) من طريق شريح بن يونس، قال: حدثنا يحيى بن سليم به
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مطولاً.
وأخرجه الحاكم (1/ 148) ومن طريقه البيهقي (1/ 76) من طريق يحيى بن يحيى عن يحيى بن سليم به مختصراً.
[الطريق الثاني: داود بن عبد الرحمن العطار، عن إسماعيل بن كثير به]
أخرجه البخاري في الأدب المفرد (166) حدثنا أحمد بن محمد، حدثنا داود بن عبد الرحمن بن عبد الرحمن، قال: سمعت إسماعيل به يذكر القصة.
وأخرجه الحاكم (1/ 148) من طريق سعيد بن منصور، حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار به. والعطار ثقة.
[الطريق الثالث: الحسن بن علي، عن إسماعيل به]
أخرجه أبو داود الطيالسي (1341) حدثنا الحسن بن علي أبي جعفر، عن إسماعيل به بزيادة:"ولا تضرب ضعينتك كما تضرب أمتك".
[الطريق الرابع: سفيان الثوري عن إسماعيل به]
أخرجه عبد الرزاق (79) عن الثوري به، بلفظ:"أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر أشياء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أسبغ الوضوء، وخلل الأصابع، وإذا استنثرت فأبلغ إلا أن تكون صائماً".
وقوله: "إذا استنثرت" المقصود به الاستنشاق، لأن المبالغة في الاستنثار لا تؤثر في الصائم، فالذي يؤثر هو الاستنشاق، وهو جذب الماء بقوة إلى داخل الأنف.
وأخرجه أحمد (4/ 33) حدثنا وكيع، ثنا سفيان به بلفظ:"إذا توضأت فخلل الأصابع".
وأخرجه الترمذي (38) حدثنا قتيبة وهناد، قالا: حدثنا وكيع عن سفيان به.
وأخرجه النسائي (87) أنبأنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أنبأنا وكيع به بلفظ: "أسبغ الوضوء، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً".
وأخرجه النسائي (114) أنبأنا محمد بن رافع، قال: حدثنا يحيى بن آدم، قال: حدثنا سفيان به، مختصراً.
وأخرجه البيهقي (1/ 50) من طريق محمد بن كثير، حدثنا سفيان به.
واختلف على سفيان بهذا اللفظ موافقة لرواية يحيى بن سليم، وداود بن عبد الرحمن العطار، وابن جريج والحسن بن علي عن إسماعيل به.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ورواه أبو بشر الدولابي كما في كتاب (الوهم والإيهام)(5/ 593) فخالف فيه، قال ثنا محمد بن بشار ثنا ابن مهدي، عن سفيان عن إسماعيل به بلفظ:"إذا توضأت فأبلغ المضمضة والاستنشاق ما لم تكن صائماً" فزاد الأمر بالمبالغة بالمضمضة.
وذكره الزيلعي في نصب الراية (1/ 16)
وصححه ابن القطان في كتابه الوهم والإيهام (5/ 193) وقال: ابن مهدي أحفظ من وكيع وأجل قدراً.
وهذا الكلام من ابن القطان فيه نظر كبير.
أولاً: لأن وكيعاً تابعه يحيى بن آدم، ومحمد بن كثير، ولم يتابع ابن مهدي.
ثانياً: أن رواية وكيع، ويحيى بن آدم، ومحمد بن كثير عن سفيان موافقة لرواية يحيى ابن سليم، وابن جريج، وداود بن عبد الرحمن العطار، والحسن بن علي في روايتهم عن إسماعيل بن كثير.
ثالثاً: إن المخالفة قد لا تكون من ابن المهدي، حتى تكون المقارنة بينه وبين غيره.
والذي أميل إليه أن المخالفة من أبي بشر الدولابي، فقد قال الدارقطني: تكلموا فيه.
وقال أبو سعيد بن يونس: إنه من أهل الصنعة وكان يضعف. وقال ابن عدي: متهم.
انظر شذرات الذهب (2/ 260).
[الطريق الخامس: ابن جريج عن إسماعيل بن كثير به]
أخرجه عبد الرزاق (80): أخبرنا ابن جريج، ثنا إسماعيل به، وذكره بالقصة مطولاً وأخرجه أحمد (4/ 211) حدثنا يحيى بن سعيد القطان، عن ابن جريج به.
وأخرجه الحاكم (1/ 148) من طريق حجاج بن محمد ويحيى بن سعيد عن ابن جريج حدثنا إسماعيل به.
وأخرجه البيهقي (1/ 52، 51) من طريق مسدد، عن يحيى بن سعيد به.
واختلف على ابن جريج فيه:
فرواه عنه جماعة: منهم يحيى بن سعيد القطان.
كما في رواية أحمد (4/ 211)، والحاكم (1/ 148)، والبيهقي (1/ 51).
الثاني: عبد الرزاق كما في المصنف (80).
الثالث: حجاج بن محمد كما عند الحاكم (1/ 148).