الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثامن: الفرق بين غسل الحيض وغسل الجنابة
قال ابن رجب:
"غسل الحيض والنفاس يفارق غسل الجنابة من وجوه:
أحدهما: أن الوضوء في غسل الحيض لا فرق بين تقديمه وتأخيره، وغسل الجنابة السنة تقديم الوضوء فيه على الغسل".
وأخذه ابن رجب من سؤال يعقوب بن بختان لأحمد: وسألت أحمد عن الحائض متى توضأ؟
قال: إن شاءت توضأت إذا بدأت واغتسلت، وإن شاءت اغتسلت ثم توضأت".
وعلق على هذا ابن رجب فقال:
وظاهر هذا أنها مخيرة بين تقديم الوضوء وتأخيره، فإنه لم يرد في السنة تقديمه - كما في غسل الجنابة - وإنما ورد في حديث أبي الأحوص، عن إبراهيم بن المهاجر:"توضأ وتغسل رأسها وتدلكه" بالواو، وهي لا تقتضي ترتيباً
(1)
.
قلت: قد قدمت بأن تقديم الوضوء على غسل الحيض ثابت، وناقشت هذه المسألة في فصل مستقل، وهذا الذي ذكره لا يصح ذكره من الفروق بين الغسلين
والثاني: قال ابن رجب موصولاً بما تقدم: "أن غسل الحيض يستحب أن
(1)
شرح ابن رجب للبخاري (2/ 98).
يكون بماء وسدر، ويتأكد استعمال السدر فيه، بخلاف غسل الجنابة".
قلت: الدليل على استعمال السدر مع الماء في غسل الحيض.
(192)
ما رواه مسلم، قال: حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار، قال ابن المثنى: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن إبراهيم بن المهاجر، قال: سمعت صفية تحدث عن عائشة،
أن أسماء بنت شكل سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض؟ فقال: "تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها، فتطهر فتحسن الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكاً شديداً حتى تبلغ شؤون رأسها، ثم تصب عليها الماء" وذكر بقية الحديث. وقد خرجته فيما سبق.
وقد فهم القرطبي رحمه الله في المفهم أن السدر يستعمل لإزالة ما عليها من نجاسة الحيض، لا أنها تستعمله في غسل بدنها.
قال رحمه الله: "قوله: "تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها" السدر: هنا هو الغاسول المعروف، وهو المتخذ من ورق شجر النبق، وهو السدر، وهذا التطهر الذي أمر باستعمال السدر فيه، هو لإزالة ما عليها من نجاسة الحيض، والغسل الثاني للحيض"
(1)
.
فجعل القرطبي أن قوله صلى الله عليه وسلم: "فتطهر فتحسن الطهور" هو إزالة ما عليها من نجاسة دم الحيض بالماء والسدر. وقوله: "ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكاً شديداً حتى تبلغ شؤون رأسها ثم تصب عليها الماء" هذا وهو غسل الحيض
(1)
المفهم (1/ 588).
وهو بالماء وحده.
والذي يظهر لي أن قوله: "تأخذ ماءها وسدرتها فتطهر فتحسن الطهور" المقصود به الوضوء خاصة بدليل الرواية المفصلة عند أبي داود: "تأخذ سدرها وماءها فتوضأ ثم تغسل رأسها" الحديث
…
(1)
.
فالصحيح أن السدر تستعمله في غسل بدنها كما يستعمل في غسل الميت، فتغسل به بدنها.
ففي شرح البخاري لابن رجب "قال الميموني: قرأت على ابن حنبل: أيجزئ الحائض الغسل بالماء؟ فأملى علي:
إذا لم تجد إلا هو وحده اغتسلت به، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ماءك وسدرتك"، وهو أكثر من غسل الجنابة. قلت: وإن كانت قد اغتسلت بالماء ثم وجدته؟ قال: أحب إلي أن تعود لما قال"
(2)
.
فهذا فارق صحيح بين غسل الحيض وغسل الجنابة، وإذا لم تجد السدر يكفي ما ينوب منابه من الصابون ونحوه من المطهرات.
الفارق الثالث:
يستحب للحائض أن تأخذ شيئاً من مسك فتجعله في قطنة أو خرقة أو نحوها وتدخلها في فرجها بعد اغتسالها ومثلها النفساء.
(193)
لما روى البخاري، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا ابن عيينة، عن
(1)
سنن أبي داود (314).
(2)
شرح ابن رجب للبخاري (2/ 99).
منصور بن صفية، عن أمه، عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض فأمرها أن تغتسل، قال: خذي فرصة من مسك فتطهري بها. قالت: كيف أتطهر بها؟ قال: تطهري بها. قالت: كيف؟ قال: سبحان الله تطهري بها، فاجتبذتها، فقلت: تتبعي بها أثر الدم. ورواه مسلم أيضاً
(1)
.
قال ابن رجب: "وعلل أحمد ذلك بأنه يقطع زفورة الدم، وهذا هو المأخذ الصحيح عند أصحاب الشافعي أيضاً.
وشذ الماوردي فحكى في ذلك وجهين:
أحدهما: أن المقصود بالطيب تطييب المحل ليكمل استمتاع الزوج بإثارة الشهوة وكمال اللذة.
والثاني: لكونه أسرع إلى علوق الولد.
قال: فإن فقدت المسك، وقلنا بالأول أتت بما يقوم مقامه في دفع الرائحة.
وإن قلنا بالثاني فما يسرع إلى العلوق كالقسط والأظفار ونحوهما قال: واختلف الأصحاب في وقت استعماله، فمن قال بالأول: قال: بعد الغسل.
(1)
البخاري (314) ومسلم (331). قال ابن رجب في شرح البخاري (2/ 96): "والمسك هو الطيب المعروف، هذا هو الصحيح الذي عليه الجمهور، وزعم ابن قتيبة والخطابي: أن الرواية مَسك بفتح الميم، والمراد به الجلد الذي عليه صوف، وأنه أمرها أن تدلك به مواضع الدم".
ورد ابن رجب كلام الخطابي وابن قتيبة، وقال: إن أحمد والشافعي أعلم بالسنة واللغة وبألفاظ الحديث ورواياته من مثل ابن قتيبة والخطابي ومن حذا حذوهما ممن يفسر اللفظ بمحتملات اللغة البعيدة. اهـ بتصرف يسير.
ومن قال بالثاني: فقبله، ثم قال:
"والصواب أن المقصود به تطييب المحل، وأنها تستعمل بعد الغسل، ثم ذكر حديث عائشة أن أسماء بنت شكل سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض، فقال: "تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها، فتطهر فتحسن الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه، ثم تصب عليها الماء، ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها"
(1)
.
قال: وقد اتفقوا على استحبابه للزوجة وغيرها، والبكر والثيب. والله أعلم.
قال: واستعمال الطيب سنة متأكدة يكره تركه بلا عذر
(2)
.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "خذي فرصة ممسكة فتطهري بها"، وفي رواية:"توضئي بها" يدل على أن المراد به التنظيف والتطيب والتطهير.
وذلك سماه تطهيراً وتوضئاً، والمراد الوضوء اللغوي الذى هو النظافة.
وقد ترجم البخاري رحمه الله فقال: باب الطيب للمرأة عند غسلها من المحيض.
(194)
وساق البخاري رحمه الله، قال: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن حفصة، عن أم عطية عن النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كنا ننهى أن نحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً، ولا نكتحل، ولا نتطيب، ولا نلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب، وقد
(1)
رواه مسلم (232).
(2)
شرح ابن رجب للبخاري (2/ 99 - 100).
رخص لنا عند الطهر إذا اغتسلت إحدانا من محيض في نبذة من كست أظفار، وكنا ننهى عن اتباع الجنائز
(1)
.
قل الحافظ ابن حجر رحمه الله: المراد بالترجمة أن تطيب المرأة عند الغسل من المحيض متأكد بحيث أنه رخص للحادة التي حرم عليها استعمال الطيب في شيء منه مخصوص، ثم نقل عن النووي: "ليس القسط والظفر من مقصود الطيب، وإنما رخص فيه للحادة إذا اغتسلت من الحيض لإزالة الرائحة الكريهة.
وقال المهلب: رخص لها في التبخر لدفع رائحة الدم عنها لما تستقبله من صلاة"
(2)
.
وقال ابن رجب: "كذلك قول عائشة: "تتبعي به مجاري الدم" إشارة إلى إدخاله الفرج.
واستحب بعض الشافعية استعمال الطيب في كل ما أصابه دم الحيض من الجسد أيضاً، لأن المقصود قطع رائحة الدم حيث كان.
ونص أحمد على أنه لا يجب غسل باطن الفرج من حيض ولا جنابة ولا استنجاء.
قال جعفر بن محمد: قلت لأحمد: إذا اغتسلت من المحيض تدخل يدها؟
قال: لا إلا ما ظهر ولم ير أن تدخل أصابعها ولا يدها في فرجها في غسل ولا وضوء"
(3)
.
(1)
صحيح البخاري (313).
(2)
فتح الباري في شرحه لحديث (313).
(3)
شرح ابن رجب للبخاري (2/ 100).