الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الأول
القائلون بتحديد أقل الحيض، وهم الجمهور اعترضوا على من قال: بأنه لا حد لأقل الحيض، بأن المرأة المطلقة قد تدعي خروجها من العدة خلال ثلاثة أيام، بل ربما أقل، وبالتالي فلا بد من القول بتحديد أقل الحيض، وأقل الطهر.
وللجواب على هذا الإشكال، أن يقال:
القائلون بأنه لا حد لأقل الحيض قد اختلفوا في هذه المسألة إلى فريقين أو ثلاثة:
فريق فرق بين العدة والاستبراء، وبين العادة كالمالكية.
وفريق آخر لم يفرق بينهما مطلقاً كابن حزم.
وآخر وقف موقفاً متوسطاً، قال: إذا ادعت خلاف الظاهر كلفت البينة، وهذا رأي ابن تيمية.
وهذا الرأي وإن كان يبدو قوياً إلا أن البينة في مثل هذا تكاد تتعذر، ثم إن المرأة مؤتمنة على عدتها، والمؤتمن على شيء يقبل قوله.
هذا ملخص الأقوال، وإليك النقول عنهم جميعاً، سواء من ادعى بأن أقل الحيض له حد معين، أو من قال: بأنه لا حد لأقل الحيض.
كلام القائلين بأنه لا حد لأقل الحيض
.
قال الكشناوي من المالكية: "وأقله - يعني الحيض - في العبادة دفعة
واحدة، فيجب عليها الغسل بالدفعة، ويبطل صومها، وتقضي ذلك اليوم، وأما في العدة والاستبراء فلا يعد حيضاً إلا ما استمر يوماً، أو بعض يوم له بال"
(1)
.
فإذا كان أقل الطهر عند المالكية خمسة عشر يوماً، فلا يمكن أن تنقضي عدتها إلا بأكثر من شهر، سواء قلنا:(القرء) هو الحيض، أو قلنا: المراد به الطهر.
وقال ابن تيمية: "قال في المحرر: وإذا ادعت انقضاء عدتها بالأقراء، أو الولادة قبل قولها إذا كان ممكناً، إلا أن تدعيه بالحيض في شهر فلا يقبل قولها إلا ببينة.
قال أبو العباس: قياس المذهب المنصوص: أنها إذا ادعت ما يخالف الظاهر كلفت البينة، لا سيما إذا أوجبنا عليها البينة فيما إذا علق طلاقها بحيضها، فقالت: حضت، فإن التهمة في الخلاص من العدة كالتهمة في الخلاص من النكاح، فيتوجه أنها إذا ادعت الانقضاء في أقل من ثلاثة أشهر كلفت البينة"
(2)
.
ويشكل على قول ابن تيمية رحمه الله أن الله سبحانه وتعالى جعل النساء مؤتمنات على عددهن. قال تعالى {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي
(1)
أسهل المدارك (1/ 87).
(2)
الاختيارات (ص:
أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}
(1)
.
وذكر ابن رجب قال: روى الأعمش، عن مسروق، عن أبي ابن كعب، قال: إن من الأمانة أن ائتمنت المرأة على رحمها
(2)
.
وكل من كان مؤتمناً فإنه يقبل قوله مع يمينه.
ووافق ابن القيم شيخه ابن تيمية، فقال رحمه الله: "فإن قيل: ينبغي إن كان ليس لأقله حد لو ادعت انقضاء عدتها فى أربعة أيام تباح للأزواج.
قيل: إن العدة ليس من هذا؛ لأن قوله: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} يريد الأقراء الكاملة، وأقل الكاملة أن تكون في شهر، لحديث علي مع شريح"
(3)
.
قلت: لا أعلم أن هناك قرءاً كاملاً، وآخر ناقصاً، فالقرء هو القرء، قد يطول وقد يقصر، لكن لا يوصف بالكمال والنقص.
وخالفهم ابن حزم، فلم يفرق بين العبادة، وبين العدة والاستبراء، فقال رحمه الله: وأما من فرق بين الصلاة والصوم وتحريم الوطء، وبين العدة، فقول ظاهر الخطأ، ولا نعلم له حجة أصلاً، لا من قرآن ولا من سنة صحيحة،
(1)
البقرة، آية:228.
(2)
شرح ابن رجب للبخاري (1/ 143).
(3)
سبق تخريجه في رقم (38)، وبينت إن في إسناده انقطاعاً.