الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجه الشاهد من القصة
.
أن الصحابة أو كثير منهم، وهم من أهل بدر، كانوا يرون أن الماء من الماء وكان بعضهم يفعل ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم يأت الوحي بإنكار فعلهم، وما خالفهم من الصحابة إلا رجلان وعائشة، وكان الصواب مع هذا العدد القليل. ثم إن عمر بن الخطاب أمير المؤمنين حين قال له رفاعة: كنا نفعله في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعتبر ذلك حجة، واكتفى به، بل قال: هل سألتم عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فلم ير عمر فعل الشيء في عهده صلى الله عليه وسلم زمن التشريع حجة إلا إذا علم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد اطلع عليه.
والذي أرى أن هذه القصة ليس فيها حجة، لأن قوله: "كنا نفعله على عهد رسول الله، من الجماع وعدم الاغتسال كان من الممكن أن يكون حجة لو أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبلغ أحداً من الأمة بخلافه، أما وقد بلغ فلا يلزم أن يبلغ كل فرد بعينه، فهؤلاء الذين لم يغتسلوا استصحبوا حكماً سابقاً قد ثبت نسخه، وقد قام
ابن لهيعة عبد الله بن يزيد المقرئ، وهو ممن أمسك عن الرواية عن ابن لهيعة لا ظهر لهم اختلاطه، ولذا عُدَّ مع العبادلة ممن جعلت روايتهم عن ابن لهيعة أعدل من غيرها.
كما تابعهما الليث بن سعد، وأختلف على الليث، فرواه الطبراني (4536) من طريق عبد الله بن صالح، حدثني الليث، حدثني يزيد بن أبي حبيب به.
وخالفه يحيى بن عبد الله بن بكير، فرواه الطحاوي (1/ 59) عنه عن الليث، قال: حدثني معمر بن أبي حبيبة، عن عبيد الله بن عدي عن خيار قال: تذاكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند عمر بن الخطاب الغسل من الجنابة، فقال بعضهم: إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل. وقال بعضهم: إنما الماء من الماء. وذكر نحو الحديث السابق، إلا أنه ليس في القصة ذكر زيد بن ثابت ولا أبي بن كعب، أو رفاعة بن رافع.
الرسول صلى الله عليه وسلم بتبليغ بعض أفراد الأمة نسخه، فكأنه بلغ الأمة كلها.
ومثل هذه القصة ما رواه البخاري:
[82]
، قال: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد عن أيوب، عن نافع أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما كان يكري مزارعه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وصدرا من إمارة معاوية، ثم حدث عن رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع، فذهب ابن عمر إلى رافع، فذهبت معه، فسأله، فقال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كراء المزارع، فقال ابن عمر: قد علمت أنا كنا نكري مزارعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما على الأربعاء وبشيء من التبن
(1)
.
[83]
وفي رواية له، قال: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل عن ابن شهاب، أخبرني سالم أن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال:
كنت أعلم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأرض تكرى، ثم خشي عبد الله أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد أحدث في ذلك شيئا لم يكن يعلمه فترك كراء الأرض
(2)
.
والحديث في مسلم
(3)
.
وجه الاستدلال:
أن ابن عمر حكى عن بعض الصحابة بأنهم كانوا يكرون الأرض، ولم
(1)
صحيح البخاري (2343).
(2)
صحيح البخاري (2345).
(3)
صحيح مسلم (1547).
يكن هناك نهي من النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه أضاف الفعل إلى زمن التشريع، واستصحب ابن عمر هذا الحكم فكان يفعله في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، واستمر على فعله زمن الخلفاء الراشدين من غير نكير، ثم علم فيما بعد من رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ذلك، وكون ابن عمر حين بلغه النهي ترك ذلك إنما فعله من باب: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، ولذلك كان ابن عمر إذا سئل عن ذلك قال: زعم ابن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها، ولم ينسب ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة، وكما أن هذا يفهم من قوله:"زعم" ولم يقل أخبرنا، أو قال لنا. والله أعلم.
ولكن الجواب عن هذا هو ما ذكرناه عن الحديث الأول، وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يلزمه أن يبلغ كل فرد بالأمة، فإذا بلغ من تقوم به الحجة، وتحفظ به الشريعة كفى.
والذي تلخص لي أن الصحابي إذا قال: كنا نفعل، أو كانوا يفعلون، غير مضاف إلى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه لا يكون مرفوعاً، لأن الإقرار منه صلى الله عليه وسلم منتف في غير عهده صلى الله عليه وسلم، وهل يكون حجة؟
الجواب: إن خالف مرفوعاً لم يلتفت إليه أبداً. وإن خالف موقوفاً على صحابي آخر نظر في أدلة كل قول. وإن لم يخالف فإنه حجة لا لاعتبار كونه مرفوعاً ولكن باعتبار أنه قول لبعض الصحابة لا يعلم له مخالف، وقول الصحابة مقدم على قول غيرهم، فهم أقرب من غيرهم لفهم الشرع، وقد عاصروا الوحي، وهم أهل اللسان.
وقد اختلف العلماء في عده إجماعاً.
فحكى الآمدي فى الإحكام أن جمهور العلماء يعدونه إجماعاً، لأن الصحابي إذا قال:"كانوا يفعلون كذا" فإن هذا يفيد إضافة الفعل المحكي إلى جميع أهل الإجماع من ذلك العصر، فيكون الصحابي بتلك الصيغة قد نقل لنا الإجماع، وقد ذهب إلى ذلك أبو الخطاب في التمهيد، وشيخه أبو يعلى في العدة.
واختار بعض الأصوليين بأنه لا يفيد الإجماع ما لم يصرح الصحابي بنقل الإجماع عن أهله، وهم أهل الحل والعقد.