الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقوله سبحانه: {فَاطَّهَّرُوا} أمر، وهو مجمل، وبيانه يؤخذ من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم قد حافظ على الوضوء قبل الغسل، فإذا كان قوله:{فَاطَّهَّرُوا} أمر، والأصل فى الأمر الوجوب، كان الفعل الذي وقع بياناً لهذا المجمل له حكم المجمل، فيكون واجباً مثله.
وهذا الاستدلال ممكن أن يسلم لو أنه لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على صحة الغسل بلا وضوء، كحديث الأعرابي، وحديث أم سلمة، وقد سقناهما في أدلة الجمهور.
دليل ابن حزم على أن الوضوء لا يشرع في غسل الحيض
.
رأى ابن حزم أن الدليل الذي جاء فيه ذكر الوضوء في غسل الحيض كان عن طريق إبراهيم بن المهاجر وهو ضعيف. ولا يرى ابن حزم قياس الحيض على الجنابة
(1)
.
والحديث الذي ضعفه ابن حزم رواه ابن أبي شيبة، قال:
(112)
حدثنا أبو الأحوص، عن إبراهيم بن مهاجر، عن صفية ابنة شيبة، عن عائشة قالت: دخلت أسماء بنت شكل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، كيف تغتسل إحدانا إذا طهرت من المحيض؟.
قال: تأخذ سدرتها وماءها فتوضأ وتغسل رأسها وتدلكه حتى تبلغ الماء أصول شعرها، ثم تفيض الماء على جسدها، ثم تأخذ فرصتها فتطهر بها. فقالت: يا رسول الله كيف أتطهر بها؟ قال: تطهري بها. قالت: عائشة:
(1)
انظر المحلى المسألة (189).
فعرفت الذي يكني عنه فقلت لها تتبعي أثر الدم
(1)
.
[صحيح، وذكر الوضوء فيه حسن]
(2)
.
(1)
المصنف (1/ 78) ح 864
(2)
الحديث مداره على صفية بنت شيبة، عن عائشة.
ويرويه عنها اثنان:
الأول: ابنها منصور، وروايته مخرجة في الصحيحين، وفي غيرهما، وليس في روايته ذكر الوضوء.
الثاني: إبراهيم بن مهاجر، وقد زاد فيه ذكر الوضوء، وتارة يذكر الوضوء بلفظ مجمل، يحتمل أنه أراد الوضوء، ويحتمل أنه أراد به إزالة النجاسة. وتارة يصرح بذكر الوضوء كما في رواية أبي الأحوص عن إبراهيم بن مهاجر عند أبي داود (314) وابن شيبة (1/ 78) ح 864.
فرواية مسلم (61 - 332) قال: "تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر فتحسن الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكاً شديداً .. " الحديث.
فقوله: "فتطهر فتحسن الطهور" جاء في شرح النووي (4/ 21):
"التطهر الأول تطهر من النجاسة، وما مسها من دم الحيض، هكذا قال القاضي عياض قال: والأظهر والله أعلم أن المراد بالتطهر الأول الوضوء".
قلت: حمله على الوضوء أولى كما جاء مفصلاً في رواية أبي الأحوص التي قدمناها في الباب ولفظها: "تأخذ سدرتها وماءً فتوضأ وتغسل رأسها".
وإذا كان الراجح ذلك، ولم يأت ذكر الوضوء إلا في رواية إبراهيم بن مهاجر مخالفاً من هو أوثق منه أعني منصوراً فهل تعتبر زيادته محفوظة؟ أو تعتبر شاذة لمخالفتها لمن هو أوثق؟ خاصة أن إبراهيم بن مهاجر أيضاً قد زاد فيه صفة الغسل من الجنابة أيضاً، ولم يذكر في رواية منصور.
ولا شك أن منصوراً مقدم على إبراهيم بن مهاجر في الحفظ والإتقان، فمنصور أخرج له الشيخان، أما إبراهيم بن مهاجر فقد تجنبه البخاري، وتكلم فيه جماعة، وإليك أهم ما قيل فيه:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قال أحمد: ليس به بأس. وكذا قال الثوري. الجرح والتعديل (2/ 132).
وقال النسائي: ليس بالقوي. الضعفاء والمتروكين (7).
وقال في موضع آخر: لا بأس به. تهذيب الكمال (2/ 211).
وقال ابن عدي: أحاديثه صالحة، ويحمل بعضها بعضاً، وهو عندي أصلح من إبراهيم الهجري، وحديثه يكتب في الضعفاء. الكامل (1/ 213).
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم سمعت أبي يقول: إبراهيم بن مهاجر ليس بقوي، هو وحصين بن عبد الرحمن، وعطاء بن السائب قريب بعضهم من بعض، فمحلهم عندنا محل الصدق، يكتب حديثهم، ولا يحتج بحديثهم. قلت لأبي: ما معنى لا يحتج بحديثهم؟.
قال: كانوا أقواماً لا يحفظون، فيحدثون بما لا يحفظون، فيغلطون. ترى في حديثهم اضطراباً ما شئت. الجرح والتعديل (2/ 132).
وسأل الحاكم الدارقطني قلت: فإبراهيم بن مهاجر؟. قال: ضعفوه، تكلم فيه يحيى ابن سعيد وغيره. قلت: بحجة؟. قال: بلى، حدث بأحاديث لا بتابع عليها، وقد غمزه شعبة أيضاً. تهذيب التهذيب (1/ 146).
وقال يحيى القطان: لم يكن بالقوي. الجرح والتعديل (2/ 132).
وقال يحيى بن معين: ضعيف الحديث، كما في رواية عباس الدوري عنه. المرجع السابق.
وفي التقريب: صدوق، لين الحفظ.
هذا ما قيل في إبراهيم بن مهاجر، فهل ترى زيادته الوضوء في حديث صفية شاذة. لمخالفته منصوراً وهو أوثق منه؟ فإن حكمنا بشذوذ الزيادة فإن مشروعية الوضوء لغسل الحيض ثابت في قياسه على غسل الجنابة. وإن حكمنا بحفظها فالأمر ظاهر.
ونفسي تميل إلى كون الوضوء محفوظاً في رواية إبراهيم، لأن رواية منصور فيها اختصار.
فلفظ البخاري من حديث منصور عن أمه عن عائشة (315): أن امرأة من الأنصار قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: كيف أغتسل من المحيض؟ قال: "خذي فرصة ممسكة فتوضئي ثلاثاً" ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم استحيى وأعرض بوجهه، أو قال:"توضئي بها" فأخذتها فجذبتها فأخبرتها بما يريد النبي صلى الله عليه وسلم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فهنا الصحابية رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن كيفية الاغتسال من المحيض، واقتصر منصور في روايته عن أمه بذكر تطهير الفرج، وهو لا يكفي في الغسل من المحيض.
ويبعد أن تسأل المرأة عن صفة الغسل من المحيض ولا يجيبها إلا على تطهير الفرج من أثر الدم، فالباحث هنا يجزم بوقوع اختصار في رواية منصور، وترجمة البخاري تشير إلى قبول ما ورد من الحديث ممن ليس على شرطه، ولهذا ترجم البخاري للحديث بثلاثة أشياء، دلك المرأة نفسها عند غسل الحيض، والثاني كيف تغتسل والثالث أخذها فرصة ممسكة، قال ابن رجب رحمه الله في شرح البخاري (2/ 94) وليس في حديث منصور سوى الفرصة الممسكة، ولكنه أشار إلى أن الحكمين الآخرين قد رويا في حديث صفية عن عائشة من وجه آخر لكن ليس هو على شرطه، فخرج الحديث بالإسناد الذي على شرطه، ونبه بذلك على الباقي.
قلت: فاعتماد البخاري صفة الغسل في فقه ترجمته ذهاب منه إلى تصحيح ما ورد في طريق إبراهيم بن مهاجر.
بل جاء في مسلم (60 - 332) من طريق سفيان عن منصور الإشارة إلى تعمد الاختصار ولفظه: عن عائشة قالت: سألت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم كيف تغتسل من حيضتها؟ قال: فذكرت أنه علمها كيف تغتسل، ثم تأخذ فرصة من مسك فتطهر بها.
فقولها: (علمها كيف تغتسل ثم تأخذ فرصة من مسك) إشارة إلى أن رواية منصور لم تقتصر على ذكر تطهير الفرج بفرصة من مسك. وأنه طوى صفة الغسل للعلم به.
ولفظ النسائي (251): فأخبرها كيف تغتسل ثم قال: خذي فرصة من مسك فتطهري بها.
تخريج الحديث:
أما رواية منصور بن عبد الرحمن الحجي، عن أمه صفية بنت شيبة، عن عائشة، فيرويها عنه، سفيان بن عيينة، ووهيب، والفضيل بن سليمان النميري، وإليك هي:
أما طريق سفيان:
فأخرجه الحميدي (167) حدثنا سفيان، ثنا منصور به.
وأخرجه البخاري (314) حدثنا يحيى، نا ابن عيينة به، وكرر إسناده في (7357).
وأخرجه مسلم (332) حدثنا عمرو بن محمد الناقد، وابن أبي عمر جميعاً، عن ابن عيينة به.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وأخرجه النسائي (251) أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان به.
وأخرجه أبو عوانة (1/ 317) من طريق شعيب بن عمرو، قال: ثنا سفيان به.
وأخرجه أيضاً (1/ 317) من طريق الشافعي، عن سفيان به.
وأخرجه ابن حبان (1199) من طريق عبد الجبار بن العلاء، حدثنا سفيان به.
وأخرجه البيهقي (1/ 183) من طريق سعدان بن نصر، ثنا سفيان بن عيينة به.
وأما طريق وهيب، عن منصور به.
أخرجه أحمد (6/ 122) حدثنا عفان، حدثنا وهيب به.
وأخرجه البخاري (315) حدثنا مسلم - يعني ابن إبراهيم - حدثنا وهيب به.
وأخرجه مسلم (332) حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي، حدثنا حبّان، حدثنا وهيب به.
وأخرجه النسائي (427) أخبرنا الحسن بن محمد، حدثنا عفان، قال: حدثنا وهيب به.
وأما طريق الفضل بن سليمان عن منصور به:
فأخرجه البخاري (7357) حدثنا محمد - هو ابن عقبة - حدثنا الفضل بن سليمان النميري، حدثنا منصور به.
وأخرجه ابن حبان (1200) من طريق حميد بن مسعدة، حدثنا الفضل بن سليمان، عن منصور به.
هذا فيما يتعلق بطريق منصور عن أمه.
وأما طريق إبراهيم بن مهاجر عن صفية بنت شيبة به
فيرويه جماعة عنه منهم أبو عوانة، وأبو الأحوص، وشعبة، وإسرائيل، وقيس بن الربيع.
يزيد بعضهم على رواية بعض. وإليك تخريج رواياتهم:
فأخرجه أبو داود الطيالسي (1563) عن قيس بن الربيع، عن إبراهيم بن مهاجر به.
وأخرجه أحمد (6/ 188) حدثنا عبد الرحمن، وعفان قالا: ثنا أبو عوانة، عن إبراهيم.
وأخرجه أبو داود (315) حدثنا مسدد بن مسرهد، أخبرنا أبو عوانة به.
وأخرجه ابن أبي شيبة (1/ 78) ح 864 حدثنا أبو الأحوص، عن إبراهيم به.
وأخرجه أبو داود (314) حدثنا عثمان بن أبي شيبة، أخبرنا سلام بن سليم (أبو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الأحوص) به.
وأخرجه البغوي (253) من طريق أبي داود، وساق مسلم سند أبي الأحوص (232) ولم يذكر متناً.
وأخرجه أحمد (6/ 147): ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن إبراهيم بن مهاجر، وزاد فيه ذكر صفة الغسل من الجنابة.
وأخرجه مسلم (61 - 232) حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار، حدثنا محمد بن جعفر به.
وأخرجه أبو داود (316) حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري، أخبرنا أبي، عن شعبة به.
وأخرجه ابن ماجة (642) حدثنا محمد بن بشار، ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة به.
ومن طريق شعبة أخرجه البيهقي (1/ 180).
وأخرجه الدارمي (773) وابن الجارود في المنتقى (117) من طريق إسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجر به.