الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل الخامس:
أحاديث الأمر بالاستنشاق، هي دليل على وجوب الاستنشاق صراحة والمضمضة ضمناً، لأنهما كالعضو الواحد. فإيجاب أحدهما إيجاب للآخر.
ألا ترى أنه لا يفصل بين المضمضة والاستنشاق، ومن عادة الأعضاء المستقلة في الوضوء ألا ينتقل إلى عضو حتى يفرغ من العضو الذي قبله،
بخلاف المضمضة والاستنشاق فإنه يمضمض ثم يستنشق ثم يرجع إلى المضمضة فالاستنشاق وهكذا.
فهذا يدل على أنهما في حكم العضو الواحد، فالأمر بأحدهما أمر بالآخر.
ومن الأحاديث الآمرة بالاستنشاق والاستنثار:
(133)
ما رواه البخاري، قال: حدثنا عبد الله بن يوسف، قال: أخبرنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينثر، ومن استجمر فليوتر وإذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده.
(134)
وفى رواية لمسلم، قال: حدثني محمد بن رافع، حدثنا عبد الرزاق ابن همام، أخبرنا معمر، عن همام بن منبه، قل: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إذا توضأ أحدكم فليستنشق بمنخريه من الماء ثم لينتثر"
(1)
.
وحاول النووي أن يحمل الأمر على الاستحباب، مع أنه خلاف الأصل، فقال:"من لم يوجبه حمل الأمر على الندب، بدليل أن المأمور به حقيقة وهو الانتثار ليس بواجب بالاتفاق، فإن قالوا: ففي الرواية الأخرى: إذا توضأ فليستنشق بمنخريه من الماء ثم لينتثر، فهذا فيه دلالة ظاهرة للوجوب، لأن حمله على الندب محتم ليجمع بينه وبين الأدلة الدالة على الاستحباب".
(1)
البخاري (162) ومسلم (237).
وتعقب الشوكاني في النيل
(1)
"دعوى النووي حكاية الإجماع على أن الانتثار ليس بواجب فقال: "ذهب أحمد، وإسحاق، وأبو عبيد وأبو ثور، وابن المنذر، ومن أهل البيت الهادي، والقاسم، والمؤيد بالله إلى وجوب المضمضة والاستنشاق والاستنثار، وبه قال ابن أبي ليلى، وحماد بن سليمان".
ثم قال الشوكاني: "وما نقل من الإجماع على عدم وجوب الاستنثار متعقب بهذا"
(2)
.
قلت: يسلم بوجوب الاستنشاق للأمر به، لكن لا يسلم قياس المضمضة على الاستنشاق، فإن الأنف يحتاج إلى التنظيف أكثر من الفم، وهو موضع أذى، وهو بمثابة منق للهواء، مما يحمله من أتربة وغبار، فيحتاج إلى تعاهده بالتنظيف، ولذلك أمر المسلم إذا استيقظ من نوم الليل كما في الصحيحين أن يستنثر ثلاثاً، بينما الفم هو نظيف أبداً بما فيه من اللعاب، ولذا لم أقف على حديث صحيح يأمر بالمضمضة بخلاف الاستنشاق.
هذه أدلة الحنابلة على وجوب المضمضة والاستنشاق، ورأينا أن الأدلة على وجوب المضمضة ضعيفة، فإذا كانت كذلك فلا يصح قياس الحدث الأكبر
(1)
نيل الأوطار (1/ 177).
(2)
لم أقف على قول لأحمد يقول بوجوب الاستنثار في كتب الحنابلة كالمغني، والفروع، والإنصاف، وغيرهم. وأما أبو عبيد فالموجود في كتابه (الطهور ص: 337) وجوب المضمضة والاستنشاق، والاستنشاق آكد.
وكذلك الثابت عن ابن المنذر كما في كتابه الأوسط (1/ 379) وجوب الاستنشاق دون المضمضة، كما سوف أعرض رأيه عند ذكر هذا القول.