الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زوج النبي صلى الله عليه وسلم
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه، ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره، ثم يصب على رأسه ثلاث غرف بيديه، ثم يفيض الماء على جلده كله. ورواه مسلم بنحوه
(1)
.
دليل من قال: التقديم والتأخير سواء
.
لعل من خير بينهما رأى أن حديث عائشة وحديث ميمونة صفتان في الغسل، فأيهما فعل فقد فعل السنة.
دليل من قال: إن التقديم والتأخير يتعلق بالمكان
.
قال: الظاهر أنه غسل قدميه في حديث ميمونة عند الحاجة كما لو كانت الأرض طيناً، ولو لم يغسلهما لتلوثت رجلاه بالطين، ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغسل قدميه في حديث عائشة بعد الغسل.
قال النووي: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعيد غسل القدمين بعد الفراغ لإزالة الطين، لا لأجل الجنابة
(2)
.
دليل من قال يغسل القدمين مرتين مع الوضوء وفي نهاية الغسل
.
(190)
استدلوا بحديث عائشة عند مسلم، قال: حدثنا يحيى بن يحيى التميمي، حدثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قال:
(1)
صحيح البخاري (248)، ومسلم (316).
(2)
شرح النووي لصحيح مسلم (3/ 296).
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه، ثم يفرغ بيمينه على شماله، فيغسل فرجه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، حتى إذا رأى أن قد استبرأ، حفن على رأسه ثلاث حفنات، ثم أفاض على سائر جسده، ثم غسل رجليه
(1)
.
(1)
صحيح مسلم (316)، وقد انفرد أبو معاوية بقوله:"ثم غسل رجليه"، وجميع من رواه عن هشام لم يذكروا هذه الزيادة، ورواية هشام بن عروة عن عائشة متكلم فيها، كما ذكرت ذلك في باب الاستحاضة في زيادة الوضوء لكل صلاة، فارجع إليها إن شئت.
وقد رواه البخاري (248) من طريق مالك، ورواه (272) من طريق ابن المبارك، ورواه (262) من طريق حماد.
ورواه مسلم (316) من طريق جرير، وعلي بن مسهر، وابن نمير، ووكيع، وزائدة، ثمانيتهم، رووه عن هشام به فلم يذكروا ما ذكره أبو معاوية. وهذه المقارنة فقط في الصحيحين، ولو تتبعت المسانيد والسنن والمعاجم لتحصل لي أكثر من هذا العدد.
قال الحافظ في الفتح (1/ 477) ح 248: استدل لهذا الحديث - يعني حديث عائشة - على استحباب إكمال الوضوء قبل الغسل، ولا يؤخر غسل رجليه إلى فراغه، وهو ظاهر من قوله:"كما يتوضأ للصلاة" وهذا هو المحفوظ في حديث عائشة من هذا الوجه، لكن رواه مسلم من رواية أبي معاوية، عن هشام، فقال في آخره:"ثم أفاض على سائر جسده، ثم غسل رجليه "وهذه الزيادة تفرد بها أبو معاوية دون أصحاب هشام، قال البيهقي: وهي غريبة صحيحة، قلت - القائل الحافظ -: لكن في رواية أبي معاوية عن هشام مقال. نعم له شاهد من رواية أبي سلمة، عن عائشة، أخرجه أبو داود الطيالسي، فذكر حديث الغسل كما تقدم عند النسائي، وزاد في آخره، فإذا فرغ غسل رجليه. فإما أن تحمل الروايات عن عائشة على أن المراد بقولها: وضوءه للصلاة: أي أكثره، وهو ما سوى الرجلين. أو يحمل على ظاهره، ويستدل برواية أبي معاوية على جواز تفريق الوضوء. ويحتمل أن يكون قوله في رواية أبي معاوية:"ثم غسل رجليه" أي أعاد غسلهما لاستيعاب الغسل بعد أن كان غسلهما في
الشاهد قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم قال: ثم غسل رجليه" فالحديث ظاهره أنه غسل رجليه مرتين، مرة مع الوضوء، ومرة بعد تمام الغسل. والله أعلم.
الراجح من هذه الأقوال:
القولان: بتقديم الرجلين أو تأخيرهما هما اللذان لهما حظ من النظر، أما بقية الأقوال في المسألة كتعليقه بالحاجة كالطين ونحوه فلا يظهر لي رجحانه.
وحديث عائشة وقوله: "ثم توضأ وضوءه للصلاة" ظاهره الوضوء كاملاً، لكن لا يمنع من اطلاق الوضوء ويراد به أكثره، كما جاء في حديث ميمونة، فإنهم لا يختلفون أنه توضأ إلا رجليه، ومع ذلك جاء في حديث ميمونة أنه توضأ للصلاة.
(191)
فقد روى البخاري رحمه الله، قال: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان،
الوضوء" اهـ.
قلت: الشاهد الذي أشار إليه الحافظ من رواية أبي سلمة، عن عائشة، أخرجها أبو داود الطيالسي في مسنده (1474) حدثنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه، ثم أخذ بيمينه، فصب على شماله فغسل فرجه، حتى ينقيه، ثم مضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، ثم صب على رأسه وجسده بالماء، فإذا فرغ غسل قدميه. اهـ
ورواه أحمد في المسند (6/ 96) ثنا عفان، ثنا حماد بن سلمة به. وقد انفرد حماد بن سلمة بهذا عن جميع من رواه عن عطاء بن السائب، وقد تكلمت على هذا الطريق في مسألة مستقلة فارجع إليها إن شئت.
قال: حدثنا الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن كريب، عن ابن عباس، عن ميمونة،
أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل من الجنابة، فغسل فرجه بيده، ثم دلك بها الحائط، ثم غسلها، ثم توضأ وضوءه للصلاة، فلما فرغ من غسله غسل رجليه.
فهنا في الحديث ذكر أنه توضأ وضوءه للصلاة، ثم ذكر بعد تمام الغسل غسل الرجلين، فالمراد توضأ وضوءه للصلاة غير رجليه، فأطلق الوضوء والمراد غير رجليه، فلا يمنع أن يكون الوضوء في حديث عائشة المراد به غير رجليه.
خاصة إذا قلنا إن رواية أبي معاوية، عن هشام بن عروة، عن عائشة في صحيح مسلم تؤيد ما ذكر، تؤيدها أيضاً رواية حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن أبي سلمة، عن عائشة.
قال الحافظ في الفتح متعقباً النووي في قوله: "أصحهما وأشهرهما ومختارهما أنه يكمل وضوءه، قال: لأن أكثر الروايات عن عائشة وميمونة كذلك" اهـ كلام النووي، قال ابن حجر معقباً:"كذا قال، وليس في شيء من الروايات عنهما التصريح بذلك، بل هي إما محتملة كرواية: "توضأ وضوءه للصلاة" أو ظاهرة في تأخيرهما كرواية أبي معاوية المتقدمة، وشاهدها من طريق أبي سلمة، ويوافقها أكثر الروايات عن ميمونة، أو صريحة في تأخيرهما كحديث الباب - يعني رواية التصريح في رواية ميمونة: وفيه: "توضأ وضوءه للصلاة غير رجليه" - وراويها مقدم في الحفظ والفقه على جميع من رواه عن الأعمش، وقول من قال: إنما فعل ذلك مرة لبيان الجواز، متعقب، فإن رواية أحمد، عن أبي
معاوية، عن الأعمش ما يدل على المواظبة: ولفظه: كان رسول إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه، ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه، فذكر الحديث، وفي آخره:"ثم يتنحى فيغسل رجليه". اهـ
(1)
وأبو معاوية من أثبت الناس في الأعمش، وحديثه عنه في الصحيحين.
وقول الحنفية: إن الحامل على غسل الرجلين لأن المكان كان قد اجتمع فيه ماء مستعمل، فيغسل القدمان من الغسالة
(2)
قول ضعيف؛ لأن الماء المستعمل طهور على الصحيح. والله أعلم.
(1)
الفتح (1/ 477) ح 249. والرواية التي أشار إليها الحافظ هي في المسند (6/ 330، 329) ولفظها بتمامها: عن ميمونة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه، ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه، ثم يضرب يده على الأرض، فيمسحها، ثم يغسلها، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يفرغ على رأسه وعلى سائر جسده، ثم يتنحى فيغسل رجليه.
وهذه الرواية فيها أيضاً قوله: "يتوضأ وضوءه للصلاة" ومع ذلك فالمراد غير رجليه، فإذا صح أن يطلق على من غسل أعضاءه غير رجليه أنه توضأ وضوءه للصلاة، لم يكن حديث عائشة صريحاً أنه أكمل الوضوء، وكان المجمل في حديث عائشة محمول على المبين. والله اعلم.
(2)
مراقي الفلاح (ص: 44).