الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل السادس:
[90]
ما رواه مسلم، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب، قال زهير حدثنا وكيع، حدثنا طلحة بن يحيى، عن عبيد الله بن عبد الله، قال: سمعته عن عائشة قالت:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، وأنا إلى جنبه، وأنا حائض وعلي مرط وعليه بعضه إلى جنبه
(1)
قال النووي في شرحه لمسلم:
"وفيه جواز الصلاة بحضرة الحائض، وجواز الصلاة في ثوب بعضه على المصلي وبعضه على حائض أو غيرها".
الدليل السابع:
[91]
ما رواه أحمد
(2)
قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان، عن جابر بن الصبح، قال: سمعت خلاساً الهجري يقول: سمعت عائشة قالت:
كنت أبيت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعار الواحد، وانا طامث حائض، فإن أصابه مني شيء غسله، لم يعدُ مكانه وصلى فيه.
[إسناده صحيح]
(3)
(1)
صحيح مسلم (514).
(2)
المسند (6/ 44).
(3)
رجاله ثقات. وقال الأزدي عن جابر بن الصبح: لا تقوم به حجة. اهـ. تهذيب التهذيب (2/ 36).
قال ابن منظور في اللسان: "الشعار: ما ولي شعر جسد الإنسان، والجمع: أشعره، وشعر"
(1)
.
وفي المثل: هم الشعار دون الدثار، يصفهم بالمودة والقرب.
وفي حديث الأنصار: أنتم الشعار، والناس الدثار
(2)
أي أنتم الخاصة والبطانة كما سماهم عيبته، وكرشه، والدثار: الثوب الذي فوق الشعار" اهـ.
قلت: جاء في البخاري ومسلم، في قصة غسل ابنته زينب، وفي آخره:
والأزدي نفسه غير مرضي، ولم يتابع على ذلك.
قال ابن معين: ثقة. كما في رواية إسحاق بن منصور عنه. الجرح والتعديل (2/ 500).
وقال البخاري: سمع منه يحيى بن سعيد القطان، وقال: هو أحب إلى من المهلب بن أبي حبيبة. التاريخ الكبير (2/ 207).
ووثقه النسائي. تهذيب التهذيب (2/ 36). فالراجح أن إسناده صحيح.
تخريج الحديث
أخرجه أبو داود (2166، 269) ومن طريق أبي داود أخرجه البيهقي (1/ 313) قال: حدثنا مسدد، حدثنا يحيى بن سعيد القطان به.
وأخرجه النسائي (372، 384) أخبرنا محمد بن المثنى، حدثنا يحيى بن سعيد به.
وأخرجه أبو يعلى في مسنده (4802) حدثنا موسى - يعني: ابن محمد بن حبان - حدثنا يحيى به.
وأخرجه الدارمي (1013) أخبرنا أبو الوليد الطيالسي، حدثنا يحيى بن سعيد به.
ومن طريق أبي الوليد أخرجه النسائي (773).
(1)
اللسان (4/ 412).
(2)
قوله: "أنتم شعار، والناس دثار". رواه البخاري (4330)، ومسلم (1061) من حديث عبد الله بن زيد بن عاصم.
فألقى إلينا حقوه، فقال:"أشعرنها إياه"
(1)
.
فإذا كان الشعار هو الثوب الذي يلي الجسد، وكانت تبيت هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في شعار واحد، وهي حائض، فإما أن يقال: هذا بالنسبة لغالب الجسم، لأن عائشة لا بد أن تكون قد لبست الإزار، لأنه ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يباشر الحائض حتى تلبس الإزار. وقد يقال: إن هذا لمن أراد أن يباشر، وهو أخص من حالة النوم. والظاهر من حال النساء إذا حضن أن يلبسن على فروجهن ما يمنع انتشار النجاسة على سائر ثيابهن.
فإن قيل: هذه الأدلة يعارضها حديث عائشة، وهو:
(92)
ما رواه أبو داود
(2)
، قال: حدثنا عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا الأشعث، عن محمد بن سيرين عن عبد الله بن شقيق، عن عائشة قالت:
"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي في شعرنا أو لحفنا".
قال عبيد الله: شك أبي.
[إسناده صحيح، والمحفوظ فيه ذكر اللحاف فقط]
(3)
.
(1)
صحيح البخاري (1254) ومسلم (939).
(2)
سنن أبي داود (367).
(3)
تخريج الحديث:
الحديث رواه الترمذي (600) حدثنا محمد بن عبد الأعلى، حدثنا خالد بن الحارث، عن أشعث - هو ابن عبد الملك - عن محمد بن سيرين به.
ورواه النسائي (5366) أخبرنا الحسن بن قزعة، عن سفيان بن حبيب ومعتمر بن سليمان، عن أشعث به. وأخرحه الحاكم (1/ 252)، والبغوي (520) من طريق معاذ بن معاذ، ثنا الأشعث به. وأخرجه البغوي (521) من طريق خالد بن الحارث عن أشعث به،
والجواب عنه أحد أمرين:
أولا: بأن ترك لحاف النساء مستحب، وليس بواجب، لأننا قد نقلنا قبل قليل حديث عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، وأنا إلى جنبه، وأنا حائض وعلي مرط، وعليه بعضه.
وقد اختار هذا الشوكاني، ونقله عنه أحمد شاكر في تحقيقه لسنن الترمذي فقال:"كل ذلك يدل على عدم وجوب تجنب ثياب النساء، وإنما هو مندوب فقط، عملاً بالاحتياط. وبهذا يجمع بين الأحاديث"
(1)
.
الثاني: أن ذلك مباح، وهو ما اختاره أحمد شاكر، فقال متعقباً لكلام الشوكاني:"لا دليل على الندب، لأنه لم يطلب ذلك في حديث نعلمه، وإنما كان تارة يفعل، وتارة يترك، وهو الجمع الصحيح بين الروايات، فهو أمر مباح". اهـ
(2)
.
قلت: يفيد الفعل الناقص (كان لا يصلي في لحف نسائه) أن ذلك كان
وأخرجه ابن الجارود في المنتقى (134) من طريق خالد بن الحارث، قال: ثنا الأشعث به.
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، والصحيح أنه ليس على شرط واحد منهما، فإن أشعث بن عبد الملك لم يخرج له مسلم. وخرج له البخاري تعليقاً. فصار الحديث مداره على أشعث. ويرويه خالد بن الحارث، وسفيان بن حبيب، ومعتمر بن سليمان عن أشعث بذكر اللحاف فقط دون ذكر الشعار. ويرويه معاذ بن معاذ عن أشعث بالشك، يعني "قال في شعرنا أو لحفنا" وربما جمعهما دون شك. فتبين أن الراجح في الحديث ذكر اللحاف دون الشعار.
(1)
سنن الترمذي (1/ 497).
(2)
انظر المرجع السابق.
على سبيل الدوام والاستمرار، وعلى الأقل: أن هذا هو الغالب من فعله صلى الله عليه وسلم، بينما حديث عائشة:"وعليّ مرط، وعليه بعضه" يدل على أن ذلك وقع منه، فلعله لحاجة من برد ونحوه، حيث تقاسما المرط، فالاستحباب أظهر من الإباحة وقد يقوي الاستحباب إذا كان يغلب على ظنه وقوع مذي ونحوه.
وحديث: "كان لا يصلي في لحف نسائه" يدل على جواز النوم مع الحائض تحت لحاف واحد لأن توقي النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة في لحاف نسائه كان من قبيل الاحتياط مخافة أن يكون أصابه شيء من مذي، أو دم حيض، وطهارة الثوب واجبة أو شرط في صحة الصلاة، بخلاف النوم مع الحائض. والله أعلم. وبهذا نكون قد انتهينا من أدلة القول الأول في المسألة.
القول الثاني:
قول ابن عباس وعبيدة السلماني بوجوب اعتزال الحائض.
روي هذا عن ابن عباس، ولا يثبت عنه، وروي عن عبيدة السلماني وهو شاذ، واستدلوا بما يلي:
الدليل الأول:
قوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}
(1)
.
واعتزال النساء: اعتزال لجميع بدنها. ومن باشرها لا يصدق عليه أنه اعتزلها.
(1)
البقرة، آية:222.
وأجيب:
بأن الذي يوضح القرآن هو الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد بعثه الله سبحانه وتعالى ليبين للناس ما نزل إليهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث أنس عند مسلم
(1)
، وقد ذكرته بطوله:"اصنعوا كل شيء إلا النكاح". وسيأتي في بحث ما يحل للرجل من امرأته استقصاء الأدلة على ذلك.
الدليل الثاني:
[93]
أخرج عبد الرزاق
(2)
، وأحمد
(3)
، وأبو داود
(4)
، والنسائي
(5)
، وابن جرير الطبري
(6)
، والبيهقي
(7)
، واللفظ للبيهقي، رووه كلهم من طريق الزهري، عن حبيب مولى عروة بن الزبير، أن ندبة مولاة ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته
أنها أرسلتها ميمونة إلى عبد الله بن عباس في رسالة، فدخلت عليه فإذا فراشه معزول عن فراش امرأته فرجعت إلى ميمونة فبلغتها رسالتها، ثم ذكرت ذلك. فقالت لها ميمونة: ارجعي إلى امرأته فسليها عن ذلك، فرجعت إليها
(1)
صحيح مسلم (302).
(2)
المصنف (1234).
(3)
المسند (6/ 336، 332).
(4)
السنن (267).
(5)
سنن النسائي (1/ 189).
(6)
في التفسير (4243).
(7)
السنن الكبرى (1/ 313)
فسألتها عن ذلك، فأخبرتها أنها إذا طمثت عزل فراشه عبد الله عنها، فأرسلت ميمونة إلى عبد الله بن عباس فتغيظت عليه. وقالت: أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالله إن كانت المرأة من أزواجه لتأتزر بالثوب ما يبلغ أنصاف فخذيها، ثم يباشرها بسائر جسده.
[إسناده ضعيف]
(1)
.
وعلى فرض صحته فإنه لا يتوقع من ابن عباس رضي الله عنهما أن تبلغه سنة المصطفى ثم يبقى على رأيه المخالف لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم، بل والمخالف لقوله. فكونه لم يعترض على ميمونة دليل منه على التسليم والقبول لما أخبرته، وإذا رجحنا رجوعه عنه لم يبق قولاً له. والله أعلم.
وممن رأى هذا الرأي عبيدة السلماني:
[94]
فقد أخرج ابن جرير الطبري في تفسيره: من طريقين، عن محمد ابن سيرين، قال: قلت لعبيدة السلماني:
ما يحل لي من امرأتي إذا كانت حائضاً، قال: الفراش واحد،
(1)
في الإسناد حبيب مولى عروة، روى له مسلم حديثاً واحداً، ولم يوثق، وفي التقريب: مقبول. يعني: إن توبع.
قلت: إخراج مسلم حديثه يرفعه درجة، لكن في الإسناد ندبة مولاة ميمونة، لم يرو عنها إلا حبيب وذكرها ابن حبان في الثقات (5/ 487).
وفي التقريب مقبولة، يعني: في المتابعات.
وذكرها الذهبي في المجهولات كما في الميزان (4/ 610).
فالإسناد ضعيف إلى ابن عباس.
واللحاف شتى
(1)
.
[إسناده صحيح].
وهذا موقوف عليه، ولا حجة في قول أحد مع قول الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله، وقول عبيدة لا يخرق الإجماع المؤيد بالسنة الصحيحة الصريحة ما دام أن الأمر لم يثبت عن ابن عباس.
بل الثابت عن ابن عباس خلافه.
[95]
فقد روى ابن جرير الطبري في تفسيره: من طريق محمد بن عمرو، عن محمد بن ابراهيم بن الحارث قال: قال ابن عباس:
إذا جعلت الحائضُ ثوباً، أو ما يكف الأذى، فلا بأس أن يباشر جلدها زوجها
(2)
[إسناده حسن لغيره]
(3)
(1)
تفسير الطبري (4244، 4242).
(2)
تفسير الطبري (4252).
(3)
وهذا إسناد حسن، لولا أن ابا حاتم قال في الجرح والتعديل (7 / ت 1042) رواية محمد بن إبراهيم بن الحارث عن ابن عباس مرسلة، لكنه قد توبع.
فقد روى ابن أبي شيبة (16813) وابن جرير الطبري (4253)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 207): عن ابن إدريس، عن يزيد بن أبي زياد، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس بنحوه. ويزيد ضعيف فهذه متابعة صالحة للطريق الأول.
ورواه ابن جرير الطبري (4254) من طريق الحكم بن فضيل، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس.
والحكم بن فضيل، قال فيه يحيى بن معين: لا بأس به، كما فى رواية إسحاق بن
قال النووي: "وأما ما حكي عن عبيدة السلماني وغيره، من أنه لا يباشر شيئاً منها بشيء منه فشاذ منكر غير معروف، ولا مقبول، ولو صح عنه لكان مردوداً بالأحاديث الصحيحة المشهورة، المذكورة فى الصحيحين وغيرها من مباشرة النبي صلى الله عليه وسلم فوق الإزار، وإذنه في ذلك بإجماع المسلمين قبل المخالف وبعده" اهـ
(1)
.
وقال الشوكاني: "وأما ما يروى عن ابن عباس، وعبيدة السلماني، أنه يجب على الرجل أن يعتزل فراش امرأته إذا حاضت فليس بشيء"
(2)
منصور. الجرح والتعديل (3/ 126).
وقال أيضاً: ثقة، كما في رواية العباس بن محمد عنه. تاريخ بغداد (8/ 221).
وقال عاصم: كان أعبد أهل زمانه. لسان الميزان (2/ 337).
وقال الآجري: سألت أبا داود عن الحكم بن فضيل، فقال: ثقة. اللسان (2/ 337).
وقال أبو زرعة: شيخ، ليس بذاك. الجرح والتعديل (3/ 126).
وقال ابن عدي: هو قليل الرواية، وما تفرد به لا يتابعه عليه الثقات. الكامل (2/ 215).
وقال الأزدي: منكر الحديث. انظر لسان الميزان (2/ 337).
(1)
شرح مسلم (3/ 204)
(2)
تفسير فتح القدير (1/ 226).