الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويشترك الكتاب والسنة والإِجماع في السند والمتن
فالسند: إِخبار عن طريق المتن، أي: تواتر أو (1) آحاد.
والحبر: يطلق مجازًا على الدلالة المعنوية والإِشارة الحالية، كقولهم: عيناك تخبرني، والغراب يخبر.
وأما حقيقة، فقال القاضي (2) وغيره: للخبر صيغة تدل بمجردها على كونه خبرًا.
وناقشه ابن عقيل (3) -كما يأتي (4) في الأمر- فعنده أن الصيغة هي الخبر، فلا يقال: له صيغة، ولا: هي دالة عليه.
واختار بعض أصحابنا (5) قول القاضي؛ لأن الخبر هو اللفظ والمعنى لا اللفظ، فتقديره: لهذا المركب جزء (6) يدل بنفسه على المركب، وإِذا قيل "الخبر الصيغة فقط" بقي الدليل هو المدلول عليه.
وعند المعتزلة (7): لا صيغة له، ويدل اللفظ عليه بقرينة هي قصد
(1) في (ح): تواترًا وآحادًا. وفي (ظ): تواتر وآحاد.
(2)
انظر: العدة/ 840.
(3)
انظر: المسودة/ 232.
(4)
انظر: ص 654 من هذا الكتاب.
(5)
انظر: المسودة/ 232.
(6)
في المسودة: خبر.
(7)
انظر: المعتمد/ 542، والمسودة/ 232، واللمع/ 39، والعدة/ 840.
المخبر (1) إِلى (2) الإِخبار به، كالأمر عندهم.
وعند الأشعرية (3): هو المعنى النفسي.
وقال الآمدي (4): يطلق على الصيغة وعلى المعنى، والأشبه لغة: حقيقة في الصيغة لتبادرها عند الإِطلاق.
* * *
قال بعضهم: لا يحد الخبر، لعسره، وقال (5) صاحب المحصول: لأن تصوره ضروري، لأن كل أحد يعلم أنه موجود، ومطلق الخبر جزء منه، والعلم بالخاص علم بالمطلق لتوقف العلم بالكل على العلم (6) بجزئه.
ولأن كل أحد يجد (7) تفرقة بين الخبر والأمر وغيرهما ضرورة، والتفرقة بين شيئين مسبوقة بتصورهما.
لا يقال: "الاستدلال (8) دليل أنه غير ضروري؛ لأنه لا يستدل على
(1) نهاية 47 ب من (ظ).
(2)
في (ظ) ونسخة في هامش (ب): في.
(3)
انظر: المستصفى 1/ 132، والإِحكام للآمدي 2/ 4، والعدة/ 840، وشرح المحلي على جمع الجوامع 2/ 104.
(4)
انظر: الإِحكام للآمدي 412.
(5)
انظر: المحصول 2/ 1/ 314.
(6)
نهاية 61 ب من (ب).
(7)
في نسخة في هامش (ب): يعلم.
(8)
يعني: الاستدلال على كونه ضروريًا. انظر: شرح العضد 2/ 45.
ضروري"؛ لأن كون العلم ضروريًا أو نظرياً قابل للاستدلال، بخلاف الاستدلال على (1) حصول الخبر ضرورة، فإِنه مناف لضرورة الخبر.
ورد الدليل الأول: بأن المطلق لو كان جزءًا لزم انحصار الأعم في الاخص، وهو محال.
فإِن قيل: مشترك (2) فيه بين جزئياته، إِلى: أنه موجود فيما تحته، فكان جزءًا من معناها.
رد: ليس معنى كونه مشتركًا (3) فيه هذا، بل بمعنى أن حد الطبيعة التي عرض لها أنها (4) كلية مطلقة مطابق لحد ما تحتها من الطبائع الخاصة.
ولأنه ليس كل عام جزءًا من معنى الخاص؛ لأن الأعراض العامة خارجة عن مفهوم معناه (5)، كالأبيض والأسود بالنسبة إِلى ما تحته من معنى الإِنسان ونحوه.
ورد الدليل الأول -أيضًا-: بأنه لا يلزم من حصول العلم بالخبر الخاص تصوره أو تقدم تصوره؛ لأن العلم الضروري بالثبوت لا يستلزم العلم بالتصور لتغاير التصور والثبوت، ومع عدم تلازم تصور (6) الخاص وثبوته لم
(1) نهاية 124 من (ح).
(2)
يعني: الأعم مشترك فيه
…
(3)
في (ب) و (ظ): مشتركة.
(4)
في الإِحكام للآمدي 2/ 5: بل بمعنى أن حد الطبيعة التي عرض لها إِن كانت كلية مطلقة مطابق لحد طبائع الأمور الخاصة تحتها.
(5)
يعني: معنى الخاص.
(6)
في (ب): تصوم.
يلزم تصور المطلق منه.
ورد هذا: بأنه لم يدع أن حصول الخبر تصوُّره بل العلم بحصوله تصوُّره، ولا يمكن منعه.
ورد الدليل الثاني: بأنه لا يلزم سبق تصور أحدهما بطريق الحقيقة، فلم يعلم حقيقتهما.
ثم: يلزم أن لا يحد المخالف الأمر، وقد حَدَّه.
ولأن حقائق أنواع اللفظ -من خبر وأمر وغيرهما- مبنية على الوضع والاصطلاح، ولهذا لو أطلقت العرب الأمر على المفهوم من الخبر الآن أو عكسه لم يمتنع (1)، فلم تكن ضرورية.
* * *
والأكثر: يحد، وعليه أصحابنا:
ففي التمهيد (2): حده لغة: كلام يدخله الصدق (3) والكذب، وقاله أكثر المعتزلة (4)، كالجبائية وأبي عبد الله البصري وعبد الجبار.
(1) نهاية 62أمن (ب).
(2)
انظر: التمهيد/ 106 ب.
(3)
نهاية 125 من (ح).
(4)
انظر: المعتمد/ 542، والإِحكام للآمدي 2/ 6، وشرح العضد 2/ 45، وشرح المحلي على جمع الجوامع 2/ 106، وشرح الورقات/ 176، وفواتح الرحموت 2/ 102، وإِرشاد الفحول/ 42.
ونقض بمثل: "محمَّد ومسيلمة (1) (2) صادقان"، وبقول من يكذب دائمًا:"كل أخباري كذب"، فخبره هذا لا يدخله صدق (3) -وإِلا كذبت أخباره، وهو منها- ولا كذب وإلا كذبت (4) أخباره مع هذا، وصدق في قوله:"كل أخباري كذب"، فيتناقض.
وبلزوم الدور؛ لتوقف معرفتهما على معرفة الخبر؛ لأن الصدق: الخبر المطابق، والكذب: ضده.
وبانهما متقابلان فلا يجتمعان في خبر واحد، فيلزم امتناع الخبر (5) أو وجوده مع (6) عدم صدق الحد.
وبخبر الباري.
وأجيب عن الأول: بأنه في معنى خبرين لإِفادته حكماً لشخصين، ولا
(1) هو: أبو ثُمَامة مسيلمة بن حبيب، من بني حنيفة، ادعى النبوة، وتبعه قومه، فأرسل أبو بكر خالد بن الوليد لقتاله، فقاتله وقتله سنة 11 هـ. سمي (مسيلمة الكذاب).
انظر: المعارف/ 170، 267، 405، والبداية والنهاية 6/ 323.
(2)
نهاية 48 أمن (ظ).
(3)
في (ب) و (ظ): لا يدخله صدق ولا كذب وإلا كذبت
…
(4)
قوله: وإلا كذبت أخباره
…
وصدق في قوله. كذا في النسخ. وهو كذا في الإِحكام للآمدى 2/ 6 - ولعل صوابه: وإلا صدقت أخباره
…
وكذب في قوله.
(5)
وهو محال.
(6)
يعني: مع امتناع اجتماع دخول الصدق والكذب فيه، فيكون المحدود متحققاً دون ما قيل بكونه حدًا له، وهو محال. انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 6.
يوصفان (1) بهما بل يوصف بهما الخبر الواحد من حيث هو خبر.
ورد: لا يمنع ذلك من وصفه بهما بدليل الكذب في قول القائل: "كل موجود حادث" وإن أفاد حكماً لأشخاص.
وأجيب (2): بأنه كذب؛ لأنه أضاف الكذب (3) إِليهما معاً، وهو لأحدهما، وسَلَّمه بعضهم، ولكن لم يدخله الصدق. (4)
وأجيب: (5) بأن معنى الحد بأن (6) اللغة لا تمنع القول للمتكلم به: صدقت أو كذبت.
ورد: برجوعه (7) إِلى التصديق والتكذيب، وهو غير الصدق والكذب في الخبر.
وقوله: "كل أخباري كذب": إِن طابق فصدق، وإلا فكذب، ولا يخلو عنها.
(1) يعني: الخبرين.
(2)
هذا جواب ثان عن الأول.
(3)
كذا في (ب) و (ظ). وفي (ح): الخبر. ولعل صوابه: الصدق. انظر: الإحكام للآمدي 2/ 7.
(4)
وقد قيل: الخبر ما يدخله الصدق والكذب.
(5)
هذا جواب ثالث عن الأول.
(6)
كذا في النسخ. ولعل صوابه: أن.
(7)
في (ب): بوجوعه.
وقال بعض أصحابنا (1): يتناول قوله ما سوى هذا الخبر، إِذ الخبر لا يكون بعض المخبر. قال: ونص أحمد على مثله.
ولا جواب عن الدور.
وقد قيل: لا تتوقف معرفة الصدق (2) والكذب على الخبر، لعلمهما ضروة.
وأجيب عن الأخير وما قبله: (3) بأن المحدود جنس الخبر، وهو قابل لهما كالسواد (4) والبياض في جنس اللون.
ورد: لا بد من وجود الحد في كل خبر، وإلا لزم وجود الخبر دون حده.
وأجيب: الواو وإِن كانت للجمع لكن المراد الترديد بين القسمين تجوزًا، لكن يصان الحد عن مثله.
وحده في العدة: (5) بما (6) دخله الصدق أو الكذب، وفي الروض:(7) التصديق أو التكذيب.
فيرد الدور وما قبله.
(1) انظر: المسودة/ 233.
(2)
نهاية 126 من (ح).
(3)
نهاية 62 ب من (ب).
(4)
يعني: كاجتماعهما.
(5)
انظر: العدة/ 839.
(6)
في (ب) و (ظ): كلما دخله.
(7)
انظر: روضة الناظر/ 93.
وبمنافاة (أو) للتعريف؛ لأنها للترديد، فلهذا أتى بعض أصحابنا (1) بالواو.
وأجيب: المراد قبوله لأحدهما (2)، ولا تردُّد فيه.
وحده أبو الحسين المعتزلي: كلام يفيد بنفسه نسبة. (3)
والكلمة عنده (4) كلام، فإِنه (5) حَدَّه بما انتظم من حروف مسموعة متميزة.
فقال: "بنفسه" ليخرج نحو "قائم" فإِنه يفيد نسبة إِلى (6) الضمير بواسطة (7) الموضوع.
ويرد: النسب التقييدية (8) كحيوان ناطق، ومثل:"ما أحسن (9) زيدًا"، قال بعضهم: ومثل "قُمْ"؛ فإِنه يفيد بنفسه نسبة (10) القيام إِلى
(1) انظر: البلبل/ 49.
(2)
في (ب) و (ظ): في أحدهما.
(3)
انظر: المعتمد/ 544.
(4)
انظر: المرجع السابق/ 14 - 15.
(5)
في (ظ): لأنه.
(6)
في (ظ): على.
(7)
ضرب في (ظ) على (بواسطة) وكتب مكانها: (بخلاف).
(8)
نهاية 48 ب من (ظ).
(9)
يفيد نسبة التعجب الحاصل إِلى المتكلم، وليس بخبر. انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 47 - 48.
(10)
في (ح): نسبة إِلى القيام.
المأمور أو الطلب إِلى الآمر.
وقال الآمدي (1): أخرجه "بنفسه"، فإِن المأمور به وجب بواسطة (2) ما استدعى (3) الأمر بنفسه من طلب الفعل.
وحده جماعة: (4) كلام محكوم (5) فيه بنسبة خارجية، وهي: الأمر الخارج عن كلام النفس الذي يتعلق به كلام النفس بالطابقة واللامطابقة.
فمثل: "طلبتُ القيام" حكم بنسبة لها خارجي وهو: نسبة طلب القيام إِلى المتكلم في الماضي، وهذه (6) النسبة خارجة عن (7) الحكم النفسي -ويسمى هذا الحكم (8) كلام النفس- تعلق بها الحكم النفسي بخلاف "قمْ"، فإِنه متعلق بالحكم النفسي، لا متعلق له خارجي.
* * *
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 9.
(2)
في (ب): بواسطها.
(3)
يعني: ما استدعاه الأمر.
(4)
انظر: كشف الأسرار 2/ 360، وشرح العضد 2/ 45، وتيسير التحرير 3/ 25، وغاية الوصول/ 94، وشرح المحلي على جمع الجوامع 2/ 103، وإرشاد الفحول/ 43.
(5)
ضرب في (ظ) على (محكوم فيه) وكتب مكانه: (يفيد بنفسه) وحذفت الباء الأولى في: بنسبة.
(6)
في (ب): وهي.
(7)
نهاية 127 من (ح).
(8)
في (ظ): الكلام.
وغير الخبر: إِنشاء وتنبيه.
ومن التنبيه: الأمر والنهي والاستفهام والتمني والترجي والقسم والنداء.
وبعتُ [و](1) اشتريث وطلقت -ونحوها مما تستحدث بها الأحكام (2) - إِنشاء عند القاضي وغيره (3)(وم ش)(4)؛ لأنها لا خارج لها، ولا تقبل صدقًا ولا كذبًا، ولو كان خبرًا لما قبل تعليقًا لكونه ماضيًا.
وعند الحنفية (5): هي إِخبار؛ لأن الأصل التقرير (6) وعدم النقل.
ولنا وجه (7): "طلقتك"(8) كناية، فعلى الأول: لو قاله لرجعية طلقت، ذكره بعض أصحابنا، ومعناه لغيره -خلافاً لبعضهم- ولم يسأل
(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(2)
نهاية 63 أمن (ب).
(3)
في (ح): وهو معنى كلام غيره.
(4)
انظر: الفروق 1/ 28، 29، وشرح العضد 2/ 49، وشرح المحلي على جمع الجوامع 2/ 163، وغاية الوصول/ 103.
(5)
انظر: تيسير التحرير 3/ 26، وفواتح الرحموت 2/ 103، 104.
(6)
في (ب) و (ظ): لأن الأصل عدم التقدير، وعدم النقل.
(7)
في (ب): وجل.
(8)
يعني: لنا وجه أن (طلقتك) من كنايات الطلاق، انظر: الفروع 5/ 378 قال: وقيل: (طلقتك) كناية، فيتوجه عليه أنه يحتمل الإِنشاء والخبر، وعلى الأول هو إِنشاء. وانظر: الإِنصاف 8/ 463.
(م)(1)، لكن لو ادعى طلاقًا ماضياً توجه لنا خلاف.
* * *
الخبر: صدق وكذب عند الجمهور؛ لأن الحكم -وهو مدلوله- إِما مطابق أوْ لا.
وقال (2) الجاحظ (3): المطابق مع اعتقاد المطابقة صدق، وغير المطابق مع اعتقاد عدمها كذب، وما سوى ذلك ليس بصدق ولا كذب؛ لقوله:(أَفْتَرَى على الله كذبًا أم به جِنَّة)(4)، والمراد: الحصر فيهما (5)، وليس الثاني (6) بصدق لعدم اعتقاده (7) ولا كذب لتقسيمه (8).
(1) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 48، ومختصره 2/ 49.
(2)
انظر: المعتمد/ 544، والتمهيد/ 106 ب.
(3)
هو: أبو عثمان عمرو بن بحر الكناني الليثي البصري، كان بحراً من بحور العلم والأدب رأسًا في الكلام والاعتزال، إليه تنسب (الجاحظية) من فرق المعتزلة، توفي بالبصرة سنة 255هـ.
من مؤلفاته: الحيوان، والبيان والتبيين.
انظر: وفيات الأعيان 3/ 140، وفرق وطبقات المعتزلة/ 73، وروضات الجنات 5/ 324، وبغية الوعاة 2/ 228، وشذرات الذهب 2/ 121.
(4)
سورة سبأ: آية 8.
(5)
يعني: في الافتراء والجنون.
(6)
وهو كلام المجنون.
(7)
يعني: لعدم اعتقاده صدقًا.
(8)
يعني: لكونه قسيم الكذب.
رد: المراد (1) الحصر في كونه خبرًا كذبًا أو ليس بخبر لجنونه فلا عبرة بكلامه.
وأما المدح (2) والذم فيتبعان المقصد ويرجعان إِلى المخبر لا إِلى الخبر، ومعلوم عند الأمة صدق المكذب برسول الله في قوله:"محمَّد رسول الله"(3) مع عدم (4) اعتقاده، وكذبه في نفي الرسالة مع اعتقاده، وكثر (5) في السنة تكذيب من أخبر -يعتقد المطابقة- فلم يكن، كقوله عليه السلام:
(1) في (ح): مرادهم.
(2)
هذا جواب دليل مقدر للجاحظ: ليس الصدق هو الخبر المطابق للمخبر، فإِن من أخبر بأن زيدًا في الدار على اعتقاد أنه ليس فيها -وكان فيها- فإِنه لا يوسف بكونه صادقًا ولا يستحق المدح على ذلك وإن كان خبره مطابقًا للمخبر، ولا يوصف بكونه كاذبًا لمطابقة خبره للمخبر. وكذلك ليس الكذب هو عدم مطابقة الخبر للمخبر؛ لأنه لو أخبر مخبر أن زيدًا في الدار على اعتقاد كونه فيها -ولم يكن فيها- فإِنه لا يوصف بكونه كاذبًا، ولا يستحق الذم على ذلك، ولا يوصف بكونه صادقًا لعدم مطابقة الخبر للمخبر.
وإنما الصدق ما طابق المخبر مع اعتقاد المخبر أنه كذلك، والكذب ما لم يطابق المخبر مع اعتقاد أنه كذلك. انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 10 - 11.
(3)
نهاية 128 من (ح).
(4)
في (ب): مع اعتقاده.
(5)
في (ظ): وكثير.
(كذب أبو السنابل (1)) (2).
وقيل: إِن اعتقد وطابق فصدق، وإلا فكذب، لتكذيب المنافقين في خبرهم عن الرسالة. (3)
ورد: أكذبهم في شهادتهم (4)؛ لأن الشهادة الصادقة (5) أن يشهد بالمطابقة معتقدًا.
وقال الفراء: الكاذبون في ضمائرهم (6) وقيل: [في](7)
(1) هو الصحابي أبو السنابل بن بَعْكَك بن الحجاج بن الحارث.
(2)
سبب الحديث: أن سُبَيْعة الأسلمية وضعت بعد وفاة زوجها ببضع وعشرين ليلة، فتزينت وتعرضت للتزويج، فقال لها أبو السنابل: لا سبيل إِلى ذلك، أي: حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشرًا. فأتت النبي، فقال لها:(كذب أبو السنابل، أو ليس كما قال أبو السنابل، وقد حللت فتزوجي). كذا رواه الشافعي والبغوي، والحديث ورد بألفاظ مختلفة. أخرجه البخاري في صحيحه 6/ 155 - 156، ومسلم في صحيحه/ 1122، والترمذي في سننه/ 2/ 332، والنسائي في سننه 6/ 190، وابن ماجه في سننه/ 653، وأحمد في مسنده 7/ 289، والشافعي في الرسالة/ 575 (وانظر: بدائع المنن 2/ 402)، والبغوي في شرح السنة 9/ 304، والدارمي في سننه 2/ 166، وابن حبان في صحيحه (انظر: موارد الظمآن / 323). وانظر: فتح الباري 8/ 461.
(3)
قال تعالى: (إِذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إِنك لرسول الله والله يعلم إِنك لرسوله والله يشهد إِن المنافقين لكاذبون). سورة المنافقون: آية 1.
(4)
انظر: تفسير القرطبي 18/ 123.
(5)
نهاية 49 أمن (ظ).
(6)
انظر: معاني القرآن للفراء 3/ 158، وتفسير القرطبي 18/ 123.
(7)
ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).
يمينهم (1).
قال بعضهم: (2) المسألة لفظية. وحكاه في التمهيد (3) عن بعض المتكلمين، ولم يخالفه.
* * *
والصدق: القوة والصلابة (4). والثبات (5)، ومنه سمي صداق المرأة، ذكره ابن عقيل (6)
* * *
قال (7) بعض أهل اللغة: لا يستعمل الكذب إِلا في خبر عن ماض بخلاف ما هو.
وقد قال أحمد (8) -فيمن قال: لا آكل، ثم أكل-: هذا كذب لا
(1) قال القرطبي في تفسيره 18/ 123: وهو قوله تعالى: (ويحلفون بالله إِنهم لمنكم وما هم منكم) سورة التوبة: آية 56. وانظر: تفسير الطبري 28/ 69، وزاد المسير 8/ 274، وتفسير ابن كثير 4/ 368.
(2)
انظر: شرح تنقيح الفصول/ 347. وشرح العضد 2/ 50.
(3)
انظر: التمهيد/ 107 أ.
(4)
نهاية 63 ب من (ب).
(5)
في (ظ): والبيان.
(6)
انظر: الواضح 1/ 28 ب.
(7)
انظر: الآداب الشرعية للمؤلف 1/ 32، وشرح الكوكب المنير 4/ 312، وشرح النووي على صحيح مسلم 16/ 57.
(8)
انظر: الآداب الشرعية 1/ 30، 38.
ينبغي أن يفعل. وقيل له: بم تعرف (1) الكذاب؟ قال: بخلف الوعد. ومعناه لابن عقيل (2) وابن (3) الجوزي وصاحب (4) المغني وغيرهم، لقوله:(وأقسموا بالله جهد إيمانهم لا يبعث الله)(5)، وقوله:(ألم تر إِلى الذين نافقوا)(6)] (وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا)(7).
ورد أبو جعفر النحاس (8) على قائل ذلك (9) بقوله: (يا ليتنا
(1) في (ب): بم يعرف.
(2)
في كتابه الفصول. انظر: الآداب الشرعية 1/ 30.
(3)
انظر: زاد المسير 5/ 128، والآداب الشرعية 1/ 30.
(4)
انظر: المغني 7/ 468، والآداب الشرعية 1/ 30.
(5)
سورة النحل: الآيتان 38، 39:(وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدًا عليه حقًا ولكن أكثر الناس لا يعلمون * ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين).
(6)
سورة الحشر: آية 11: (ألم تر إِلى الذين نافقوا يقولون لإِخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدًا أبدًا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إِنهم لكاذبون).
(7)
سورة العنكبوت: آية 12: (وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إِنهم لكاذبون).
(8)
هو: أحمد بن محمَّد بن إِسماعيل المرادي المصري النحوي، توفي سنة 338 هـ.
من مؤلفاته: إِعراب القرآن، والكافي في العربية.
انظر: وفيات الأعيان 1/ 82، وبغية الوعاة 1/ 362، وحسن المحاضرة 1/ 531، وشذرات الذهب 2/ 346.
(9)
يعني: على من قال: لا يكون إِلا في ماض. فانظر: الآداب الشرعية 1/ 31.
نرد) (1) الآية (2).
وفي البخاري: قول سعد بن عبادة (3) -يوم فتح مكة-: "اليوم تستحل الكعبة". فقال عليه السلام: (كذب سعد)(4).
وفي مسلم: قول عبد حاطب (5) -وجاء يشكو حاطبًا-: "ليدخلن حاطب النار". فقال عليه السلام: (كذبت، لا يدخلها). (6)
* * *
الخبر منه: معلوم صدقه، ومعلوم كذبه، وما لا يعلم واحد منهما.
فالأول: ضروري بنفسه كالمتواتر، وبغيره كخبر من وافق (7) ضروريًا، أو نظري كخبر الله وخبر رسوله عنه وخبر الإِجماع، وخبر من ثبت بخبر
(1) سورة الأنعام: آيتا 27، 28:(ولو ترى إِذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين * بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون). فقد جاء الحكم بالكذب على مستقبل.
(2)
في (ب): الاديه. أقول: والمناسب: الآيتان.
(3)
هو: الصحابي سعد بن عبادة بن دُلَيْم، سيد الخزرج.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه 5/ 146 من حديث عروة بن الزبير مرسلاً. قال ابن حجر في فتح الباري 8/ 6: ولم أره في شيء من الطرق عن عروة موصولاً.
(5)
هو: الصحابي حاطب بن أبي بلتعة.
(6)
أخرجه مسلم في صحيحه/ 1942 من حديث جابر، وأخرجه -أيضًا- أحمد في مسنده 3/ 349.
(7)
نهاية 129 من (ح).
أحدها صدقه، وخبر موافق خبر أحدها. (1)
والثاني: ما خالف ما علم صدقه.
ولثالث: ما ظن صدقه كالعدل، وكذبه كالكذاب، والمشكوك فيه المجهول. (2)
وقول (3) قوم: "كل خبر لم يعلم صدقه كذب قطعًا، وإِلا لنصب عليه دليل كخبر مدعي الرسالة" باطل؛ فإِنه مقابل بمثله في نقيضه (4)، ويلزمه كذب كل شاهد وكفر كل مسلم لم يقم قاطع بصدقهما. (5)
وإِنما كذب المدعي لأن الرسالة عن الله خلاف العادة، والعادة تقضي (6) بكذب ما يخالفها بلا دليل.
* * *
(1) في (ظ): أحدهما.
(2)
يعني: خبر مجهول الحال.
(3)
انظر: شرح الكوكب المنير 2/ 321، وتيسير التحرير 3/ 30، وفواتح الرحموت 2/ 109، ومختصر ابن الحاجب 2/ 51، والإِحكام للآمدي 2/ 13، وشرح العضد 2/ 51.
(4)
يعني: في نقيض ما أخبر به إِذا أخبر به آخر، فيلزم اجتماع النقيضين، ونعلم بالضرورة وقوع الخبر بهما. انظر: شرح العضد 2/ 51.
(5)
وذلك باطل بالإجماع والضرورة. انظر: المرجع السابق.
(6)
في (ظ) تقتضي.