الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
50/ 56 - باب إعظام العلم
520/ 667 - (1) أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا روح، ثنا حجاج الأسود قال: قال ابن منبه: كان أهل العلم فيما مضى يضنون بعلمهم عن أهل الدنيا، فيرغب أهل الدنيا في علمهم، فيبذلون لهم دنياهم، وإن أهل العلم اليوم بذلوا علمهم لأهل الدنيا، فزهد أهل الدنيا في علمهم، فضنوا عليهم بدنياهم (1).
521/ 658 - (2) أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا محمد بن عمر بن الكميت قال: ثنا علي بن وهب الهمداني قال: أنبأ الضحاك بن موسى قال: مر سليمان بن عبد الملك بالمدينة وهو يريد مكة، فأقام بها أياما، فقال: هل بالمدينة أحد أدرك أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا له: أبو حازم يا أمير المؤمنين، فأرسل إليه، فلما دخل عليه قال له: يا أبا حازم ما هذا الجفاء، قال أبو حازم: يا أمير المؤمنين وأي جفاء رأيت مني؟ قال: أتاني وجوه أهل المدينة ولم تأتني، قال: يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن تقول ما لم يكن، ما عرفتني قبل هذا اليوم، ولا أنا رأيتك، قال: فالتفت سليمان إلى محمد بن شهاب الزهري، فقال: أصاب الشيخ وأخطأت، قال سليمان: يا أبا حازم، ما لنا نكره الموت؟ قال: لأنكم أخربتم الآخرة وعمرتم الدنيا، فكرهتم أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب، قال: أصبت يا أبا حازم، فكيف القدوم غدا على الله؟ قال: أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله، وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه، فبكى سليمان، وقال: ليت
(1) رجاله ثقات، ولم أقف عليه في مصدر آخر.
شعري ما لنا عند الله؟ قال: اعرض عملك على كتاب الله، قال: وأي آية وأي مكان أجده؟ قال: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} (1) قال سليمان: فأين رحمة الله يا أبا حازم؟ قال أبو حازم: قريب من المحسنين، قال له سليمان: يا أبا حازم فأيّ عباد الله أكرم؟ قال: أولو المروءة والنهى، قال له سليمان فأي الأعمال أفضل؟ قال أبو حازم: أداء الفرائض مع اجتناب المحارم، قال سليمان: فأي الدعاء أسمع؟ قال أبو حازم: دعاء المحسن إليه للمحسن، قال: أي الصدقة أفضل؟ قال: للسائل البائس، وجهد المقل، ليس فيها من ولا أذى، قال: فأي القول أعدل؟ قال: قول الحق عند من تخافه أو ترجوه، قال: فأي المؤمنين أكيس؟ قال: رجل عمل بطاعة الله ودل الناس عليها، قال: فأي المؤمنين أحمق؟ قال: رجل انحط في هوى أخيه وهو ظالم، فباع آخرته بدنيا غيره، قال له سليمان: أصبت، فما تقول فيما نحن فيه؟ قال: يا أمير المؤمنين أو تعفني، قال له سليمان: لا ولكن نصيحة تلقيها إلي، قال: يا أمير المؤمنين إن آباءك قهروا الناس بالسيف، وأخذوا هذا الملك عنوة على غير مشورة من المسلمين ولا رضاهم، حتى قتلوا منهم مقتلة عظيمة، فقد ارتحلوا عنها، فلو أشعرت ما قالوا أوما قيل لهم، فقال له رجل من جلسائه: بئس ما قلت يا أبا حازم، قال أبو حازم: كذبت إن الله أخذ ميثاق العلماء لتبيننه للناس ولا تكتمونه، قال له سليمان: فكيف لنا أن نصلح؟ قال: تدعون الصلف وتمسكون بالمروءة، وتقسمون بالسوية، قال له سليمان: كيف لنا بالمأخذ به؟ قال أبو
(1) الآيتام (13، 14) من سورة الإنفطار ..
حازم: تأخذه من حله وتضعه في أهله، قال له سليمان: هل لك يا أبا حازم أن تصحبنا فتصيب منا ونصيب منك؟ قال: أعوذ بالله، قال له سليمان: ولم ذاك؟ قال: أخشى أن أركن إليكم شيئا قليلا فيذيقني الله ضعف الحياة وضعف الممات، قال له سليمان: ارفع إلينا حوائجك، قال: تنجيني من النار وتدخلني الجنة؟ قال سليمان: ليس ذاك إلي، قال أبو حازم: فما لي إليك حاجة غيرها، قال: فادع لي، قال أبو حازم: اللهم إن كان سليمان وليك فيسره لخير الدنيا والآخرة، وإن كان عدوك فخذ بناصيته إلى ما تحب وترضى، قال له سليمان قط، قال أبو حازم: قد أوجزت وأكثرت إن كنت من أهله، وإن لم تكن من أهله فما ينفعني أن أرمي عن قوس ليس لها وتر، قال له سليمان: أوصني، قال: سأوصيك وأوجز: عظّم ربك، ونزّهه أن يراك حيث نهاك، أو يفقدك من حيث أمرك، فلما خرج من عنده بعث إليه بمائة دينار، وكتب إليه أن أنفقها ولك عندي مثلها كثير، قال: فردها عليه، وكتب إليه يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن يكون سؤالك إياي هزلا أو ردي عليك بذلا، وما أرضاها لك فكيف أرضاها لنفسي، وكتب إليه إن موسى بن عمران عليه السلام لما ورد ماء مدين وجد عليها رعاء يسقون ووجد من دونهم جاريتين تذودان، فسألهما فقالتا {لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} (1) وذاك أنه كان جائعا خائفا لا يأمن، فسأل ربه ولم يسأل الناس، فلم يفطن الرعاء، وفطنت الجاريتان، فلما رجعتا إلى أبيهما أخبرتاه
(1) من الآية (23) والآية (24) من سورة القصص ..
بالقصة وبقوله، فقال أبوهما - وهو شعيب عليه السلام - هذا رجل جائع، قال: لإحديهما اذهبي فادعيه، فلما أتته عظمته وغطت وجهها وقالت: إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا، فشق على موسى عليه السلام حين ذكرت أجر ما سقيت لنا، ولم يجد بدا من أن يتبعها، إنه كان بين الجبال جائعا مستوحشا، فلما تبعها هبت الريح فجعلت تصفق ثيابها على ظهرها فتصف له عجيزتها، وكانت ذات عجز، وجعل موسى يعرض مرة، ويغض مرة أخرى، فلما عيل صبره ناداها يا أمة الله كوني خلفي، وأريني السمت بقولك، فلما دخل على شعيب عليه السلام إذ هو بالعشاء مهيأ فقال له شعيب: اجلس يا شاب فتعش، فقال له موسى: أعوذ بالله، فقال له شعيب: لم أما أنت جائع؟ قال: بلى ولكني أخاف أن يكون هذا عوضا لما سقيت لهما، وأنا من أهل بيت لا يبيع شيئا من ديننا بملء الأرض ذهبا، فقال له شعيب: لا يا شاب ولكنها عادتي وعادة آبائي نقرئ الضيف ونطعم الطعام، فجلس موسى فأكل، فإن كانت هذه المائة دينار عوضا لما حدثت، فالميتة ولحم الخنزير في حال الاضطرار أحل من هذه، وإن كان لحق لي في بيت المال فلي فيها نظراء، فإن ساويت بيننا، وإلا فليس لي فيها حاجة (1).
522 -
(3) أخبرنا أبو عثمان البصري، عن عبد العزيز بن مسلم القسملي، ثنا زيد العمي، عن بعض الفقهاء أنه قال: يا صاحب العلم اعمل بعلمك، واعط فضل مالك، واحبس الفضل من قولك إلا بشيء من الحديث ينفعك عند ربك، يا صاحب العلم
(1) فيه ثلاثة لم أقف على تراجمهم: محمد بن عمر بن الكميت، وشيخه، وشيخ شيخه، والقصه أوردها ابن عساكر (التارخ 23/ 78) بأسانيد جيدة، وانظر:(تهذيب التاريخ 10/ 67 - 72).
إن الذي علمت ثم لم تعمل به قاطع حجتك ومعذرتك عند ربك إذا لقيته، يا صاحب العلم إن الذي أمرت به من طاعة الله سيشغلك عما نهيت عنه من معصية الله، يا صاحب العلم لا تكونن قويا في عمل غيرك، ضعيفا في عمل نفسك، يا صاحب العلم لا يشغلنك الذي لغيرك عن الذي لك، يا صاحب العلم جالس العلماء وزاحمهم واستمع منهم، ودع منازعتهم، يا صاحب العلم عظّم العلماء لعلمهم، وصغّر الجهال لجهلهم، ولا تباعدهم وقربهم وعلمهم، يا صاحب العلم لا تحدث بحديث في مجلس حتى تفهمه، ولا تجب امرءا في قوله حتى تعلم ما قال لك، يا صاحب العلم لا تغتر بالله ولا تغتر بالناس فإن الغرة بالله ترك أمره، والغرة بالناس اتباع هواهم، واحذر من الله ما حذرك من نفسه، واحذر من الناس فتنتهم، يا صاحب العلم إنه لا يكمل ضوء النهار إلا بالشمس، كذلك لا تكمل الحكمة إلا بطاعة الله، يا صاحب العلم إنه لا يصلح الزرع إلا بالماء والتراب، كذلك لا يصلح الإيمان إلا بالعلم والعمل، يا صاحب العلم كل مسافر متزود، وسيجد إذا احتاج إلى زاده ما تزود، وكذلك سيجد كل عامل إذا احتاج إلى عمله في الآخرة ما عمل في الدنيا، يا صاحب العلم إذا أراد الله أن يحضك على عبادته فاعلم أنه إنما أراد أن يبين لك كرامتك عليه، فلا تحوّلنّ إلى غيره فترجع من كرامته إلى هوانه، يا صاحب العلم إنك إن تنقل الحجارة والحديد أهون عليك من أن تحدث من لا يعقل حديثك، ومثل الذي يحدث من لا يعقل حديثه كمثل الذي ينادي الميت ويضع المائدة لأهل القبور (1).
(1) فيه زيد العمي: ضعيف يحتمل في مثل هذا، لكنه لم يصرح بشيخه الفقيه، ولم أقف على كشف عنه، قال حسين سليم أسد الداراني في تحقيقه 1/ 56: إسناده مظلم. قلت: وفي هذا مبالغة، فأبو عثمان البصري عمرو بن عاصم الكلابي، صدوق في حفظه شيء، روى له الجماعة، وشيخه القسملي من رجال الصحيحين.
رسالة (1) عباد بن عباد الخواص الشامي
523/ 659 - (1) أخبرنا عبد الملك بن سليمان أبو عبد الرحمن الأنطاكي، عن عباد بن عباد الخواص الشامي أبي عتبة قال: أما بعد: اعقلوا والعقل نعمة، فرب ذي عقل قد شغل قلبه بالتعمق فيما هو عليه ضرر عن الانتفاع بما يحتاج إليه حتى صار عن ذلك ساهيا، ومن فضل عقل المرء ترك النظر فيما لا نظر فيه حتى يكون فضل عقله وبالا عليه في ترك مناقشة من هو دونه في الأعمال الصالحة، أو رجل شغل قلبه ببدعة قلد فيها دينه رجالا دون أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم أو اكتفى برأيه فيما لا يرى الهدى إلا فيها، ولا يرى الضلالة إلا بتركها بزعم أنه أخذها من القرآن، وهو يدعوا إلى فراق القرآن، أفما كان للقرآن حملة قبله وقبل أصحابه يعملون بمحكمه ويؤمنون بمتشابهه، وكانوا منه على منار كوضح الطريق؟ فكان القرآن إمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إماما لأصحابه، وكان أصحابه أئمة لمن بعدهم، رجال معروفون منسوبون في البلدان متفقون في الرد على أصحاب الأهواء مع ما كان بينهم من الاختلاق، وتسكّع (2)
أصحاب الأهواء برأيهم في سبل مختلفة جائرة عن القصد مفارقة للصراط المستقيم، فتوهت بهم أدلاؤهم في مهامه مضلة، فأمعنوا فيها متعسفين في تيههم، كلما أحدث لهم الشيطان بدعة في
(1) كتبها إلى إخوانه يعظهم (تهذيب الكمال 14/ 135) وساق إسناده في ذلك.
(2)
التسكع: التحير، وهل يستوي ضلال قوم تسكعوا، وهو أيضا التمادي في الباطل (النهاية 2/ 384) ..
ضلالتهم انتقلوا منها إلى غيرها لأنهم لم يطلبوا أثر السابقين، ولم يقتدوا بالمهاجرين وقد ذكر عن عمر رضي الله عنه أنه قال لزياد: هل تدري ما يهدم الإسلام؟ زلة عالم وجدال منافق بالقرآن، وأئمة مضلون، اتقوا الله وما حدث في قرائكم وأهل مساجدكم من الغيبة والنميمة والمشي بين الناس بوجهين ولسانين، وقد ذكر أن من كان ذا وجهين في الدنيا كان ذا وجهين في النار، يلقاك صاحب الغيبة فيغتاب عندك من يرى أنك تحب غيبته، ويخالفك إلى صاحبك فيأتيه عنك بمثله، فإذا هو قد أصاب عند كل واحد منكما حاجته، وخفي على كل واحد منكما ما أتي به عند صاحبه، حضوره عند من حضره حضور الإخوان، وغيبته على من غاب عنه غيبة الأعداء، من حضر منهم كانت له الأثرة، ومن غاب منهم لم تكن له حرمة، يفتن من حضره بالتزكية، ويغتاب من غاب عنه بالغيبة، فيالعباد الله أما في القوم من رشيد ولا مصلح به يقمع هذا عن مكيدته ويرده عن عرض أخيه المسلم بل عرف هواهم فيما مشى به إليهم فاستمكن منهم وأمكنوه من حاجته فأكل بدينه مع أديانهم فالله الله ذبوا عن حرم أعيانكم وكفوا ألسنتكم عنهم إلا من خير وناصحوا الله في أمتكم إذ كنتم حملة الكتاب والسنة فإن الكتاب لا ينطق حتى ينطق به وإن السنة لا تعمل حتى يعمل بها فمتى يتعلم الجاهل إذا سكت العالم فلم ينكر ما ظهر، ولم يأمر بما ترك {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} (1) اتقوا الله فإنكم في زمان رق فيه
(1) الآية (187) من سورة آل عمران.
الورع، وقل فيه الخشوع، وحمل العلم مفسدوه، فأحبوا أن يعرفوا بحمله، وكرهوا أن يعرفوا بإضاعته، فنطقوا فيه بالهوى، لما أدخلوا فيه من الخطأ، وحرفوا الكلم عما تركوا من الحق، إلى ما عملوا به من باطل، فذنوبهم ذنوب لا يستغفر منها، وتقصيرهم تقصير لا يعترف به، كيف يهتدي المستدل المسترشد إذا كان الدليل حائرا، أحبو الدنيا وكرهوا منزلة أهلها، فشاركوهم في العيش، وزايلوهم بالقول، ودافعوا بالقول عن أنفسهم أن ينسبوا إلى عملهم، فلم يتبرؤا مما انتفوا منه، ولم يدخلوا فيما نسبوا إليه أنفسهم، لأن العامل بالحق متكلم وإن سكت، وقد ذكر أن الله تعالى يقول:(إني لست كل كلام الحكيم أتقبل، ولكني أنظر إلى همه وهواه، فإن كان همه وهواه لي، جعلت صمته حمدا ووقارا لي، وإن لم يتكلم)(1) وقال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (2) لم يعملوا بها {
…
كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} كتبا، وقال:{خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (3) قال: العمل بما فيه ولا تكتفوا من السنة بانتحالها بالقول دون العمل بها، فإن انتحال السنة دون العمل بها كذب بالقول مع إضاعة العلم، ولا تعيبوا بالبدع تزينا بعيبها، فإن فساد أهل البدع ليس بزائد في
(1) فيه صدقة بن عبد الله: ضعيف، ولم أقف عليه في مصدر آخر.
(2)
الآية (5) من سورة الجمعة ..
(3)
من الآية (63) من سورة البقرة.
صلاحكم، ولا تعيبوها بغيا على أهلها، فإن البغي من فساد أنفسكم، وليس ينبغي للطبيب أن يداوي المرضى بما يبرئهم ويمرضه، فإنه إذا مرض اشتغل بمرضه عن مداواتهم، ولكن ينبغي أن يلتمس لنفسه الصحة ليقوى به على علاج المرضى، فليكن أمركم فيما تنكرون على إخوانكم نظرا منكم لأنفسكم، ونصيحة منكم لربكم، وشفقة منكم على إخوانكم، وأن تكونوا مع ذلك بعيوب أنفسكم أعنى منكم بعيوب غيركم، وأن يستطعم بعضكم بعضا النصيحة، وأن يحظى عندكم من بذلها لكم، وقبلها منكم وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: رحم الله من أهدى إلي عيوبي (1) تحبون أن تقولوا فيحتمل لكم، وإن قيل لكم مثل الذي قلتم غضبتم، تجدون على الناس فيما تنكرون من أمورهم، وتأتون مثل ذلك، فلا تحبون أن يؤخذ عليكم، اتهموا رأيكم ورأي أهل زمانكم، وتثبتوا قبل أن تكلموا، وتعلموا قبل أن تعملوا، فإنه يأتي زمان يشتبه فيه الحق والباطل، ويكون المعروف فيه منكرا، والمنكر فيه معروفا، فمنكم متقرب إلى الله بما يباعده، ومتحبب إليه بما يبغضه عليه، قال الله تعالى:{أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (2) فعليكم بالوقوف عند الشبهات حتى يبرز لكم واضح الحق بالبينة، فإن الداخل فيما لا يعلم بغير علم آثم، ومن نظر لله نظر الله له، عليكم بالقرآن فأتموا به وأموا به، وعليكم بطلب أثر الماضين فيه، ولو أن
(1) ذكر في مجمع الأمثال 1/ 314.
(2)
الآية (8) من سورة فاطر ..