الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب أين يقوم الإمام من الرجل والمرأة]
قوله [فقام حيال رأسه] وقوله [فقام حيال وسط السرير] هذا ما قال به الشافعي: إن الإمام يقوم من المرأة في وسط السرير، ومن الرجل حيال رأسه، أي بحيث يحاذي صدره ورأسه، ولنا أن قيام النبي صلى الله عليه وسلم من المرأة بحيال نصف السرير، لم يكن إلا لأن في ذلك الزمان لم تكن لجنائزهن (1) نعوش فأحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يسترها عن أعين الرجال، فلما ارتفعت العلة برواج النعش وكن شقائق الرجال وتوابعهم في سائر الأحكام، كان قيام الإمام في جنائزهن كقيامه في جنائزهم، وأول نعش، نعش للمرأة في العرب نعش فاطمة رضي الله عنها، وكانت لم تضحك بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم مدة حياتها، لما بها من الكآبة والحزن بذلك وكانت تتفكر في أمر جنازتها كيف تراها الرجال، وكيف يمكنني أن ينظروا إلى جثماني ويقتدروا قدر شخصي، فذكرت همها ذلك لنسائها فقالت امرأة منهن، وقد كانت ذهبت إلى حبشة أني رأيت ثمة نعشًا يضعون على جنائز نسائهم فوصفته لها، ففرحت بذلك حتى ضحكت، فصنع بجنازتها مثل ما وصفت، وما ورد من القيام بحذاء الرأس والصدر، فالمراد أنه يقوم بحيث يحاذيهما جميعًا حتى تجتمع الآثار، وقوله في الحديث الآتي صلى على امرأة فقام وسطها، إن كان بسكون السين، فظاهر أنه يطلق من الرأس إلى القدم، وإن كان بفتح السين حتى يراد به الوسط الحقيقي فبعد أنه لا دليل عليه يجاب عنه بأن الوسط من الإنسان هو الصدر لا غير لأن أطراف الإنسان غير محسوبة
(1) وهو مصرح في رواية أبي داود قال أبو غالب فسألت عن صنيع أنس في قيامه على المرأة عند عجيزتها فحدثوني أنه إنما كان لأنه لم تكن النعوش فكان الإمام يقوم حيال عجيزتها يسترها من القوم، قال شيخنا في البذل: وهذا يدل على أن قيام الإمام حيال عجيزة المرأة على خلاف الأصل للتستر فقط، انتهى، قلت: وعلم منه أيضًا أنه كان خلاف المعروف، ولذا سأل أبو غالب عن صنيع أنس.
والوسط من الباقي هو الصدر من غير امتراه، وإن أخذتم قدميه في الحساب أخذنا يديه حين مدهما فوق رأسه إلى السماء فآل الأمر إلى الذي قلنا فلم يفدكم شيئًا.
[باب في ترك الصلاة (1) على الشهيد] قوله [ولم يصل عليهم] قد سبق الجواب عنه، فإن الروايات الصحيحة تثبت صلاته على قتلى أحد مع أن جابرًا قد وهمه ما وهمه، فإن الكفار كانوا قطعوا أباه قطعًا، فكان قد غلبه الهم ولعله اشتغل بشيء من أمره فلم يبلغه الخبر بذلك ولم يحضر الوقعة، ويعلم أيضًا جواز تعدد الصلاة تبعًا، فإنه صلى الله عليه وسلم صلى على عمه حمزة مرات إلا أن ذلك فيما سوى الأولى كان تبعًا وعبد الله بن ثعلبة لا يروى ذلك إلا عن غيره، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى على الشهداء الأخر، فلزم القول بالصلاة على الشهيد إذ لا ترجيح.
[باب في الصلاة (2) على القب ر] قوله [ورأى قبرًا منتبذًا فصف أصحابه
(1) قال العيني: ذهب الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق في رواية إلى أن الشهيد لا يصلى عليه، كما لا يغسل، وإليه ذهب أهل الظاهر، وذهب ابن أبي ليلى والحسن بن حي وعبيد الله بن حسن وسليمان بن موسى وسعيد بن عبد العزيز والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وأحمد في رواية وإسحاق في رواية إلى أنه يصلي عليه، وهو قول أهل الحجاز أيضًا، ثم بسط الدلائل ورجح إثبات الصلاة بعشرة وجوه فارجع إليه لو شئت.
(2)
اختلف في ذلك جدًا، كما بسط في الأوجز، وعن الشافعي ستة أوجه والجملة أن الشافعي وأحمد ذهبا إلى الجواز مع الاختلاف بينهم في أمد ذلك، وذهب مالك والحنفية إلى المنع إذا صلى عليه قبل الدفن وحملا الحديث على الخصوصية، ومستدل مالك ما قال ليس العمل على حديث السوداء قال أبو عمر: يريد عمل المدينة، وما حكى عن بعض الصحابة والتابعين من الصلاة على القبر إنما هي آثار بصرية وكوفية ولم تجد عن مدني من الصحابة ومن بعدهم أنه صلى على القبر، انتهى، ومستدل الحنفية: أنها أخبار آحاد في عموم البلوى.
وصلى عليه] صلاته صلى الله عليه وسلم كان من خصوصياته لكونه أمر (1) بها منه سبحانه تعالى وكان علم بوحي أو تجربة أنها لم تتفسخ وعندنا الصلاة جائزة ما لم يتفسخ الميت إذا لم يصل عليه قبل الدفن، وكذلك لا يجوز الصلاة على قطع الميت إلا إذا جمعها فلو شق (2) نصفين لم يجز إلا أن يجمعهما وليس للتفسخ تحديد لاختلاف أحوال البقاع في ذلك، وما نقل عن أبي يوسف في تحديده بثلاثة ليال، فلأن بلادهم كانت كذلك لا يتفسخ الميت فيها في أقل من ثلاث، وليس مراد أبي يوسف تحديد الثلاث على العموم، وكذلك الجواب فيما يأتي أنه صلى على قبر بعد شهر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم: أن يعلموه بدفنه ليصلي، وكان أيضًا من أمره أن لا يوقظوه إذا نام فحملوا أمر الأخبار على أنه ليس للإيجاب وأصابوا فصلوا عليه ولم يكلفوه ليهب (3) صلى الله عليه وسلم من منامه فصلى صلى الله عليه وسلم على جنازته المقبورة ثانيًا.
(1) لعله إشارة إلى قوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} الآية.
(2)
أي طولا ففي الدر المختار وجد رأس آدمي أو أحد شقيه لا يغسل ولا يصلى عليه، بل يدفن، إلا أن يوجد أكثر من نصفه ولو بلا رأس، قال وكذا يغسل لو وجد النصف مع الرأس، انتهى، وفي العالمكيرية: لو وجد أكثر البدن أو نصفه مع الرأس يغسل ويكفن ويصلى عليه، وإذا صلى على الأكثر لم يصل على الباقي إذا وجد، وإن وجد نصفه من غير الرأس أو وجد نصفه مشقوقًا طولاً، فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه، ويلف في خرقة ويدفن فيها، انتهى.
(3)
قال المجد الهب والهبوب الانتباه من النوم، إلخ.